تُسْئَلُونَ) (١) وقوله : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (٢) وقوله : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) (٣) إلى. غير ذلك من الآيات التي تتضمن تعظيم شأن القرآن ، فمنها ما يتكرر في السورة في مواضع منها ، ومنها ما ينفرد فيها. وذلك مما يدعوهم إلى المباراة ، ويحضّهم على المعارضة ، وإن لم يكن متحديا إليه.

ألا ترى أنهم قد كان ينافر شعراؤهم بعضهم بعضا ولهم في ذلك مواقف معروفة ، وأخبار مشهورة ، وأيام منقولة ، وكانوا يتنافسون على الفصاحة والخطابة والذلاقة ، ويتبجحون بذلك ويتفاخرون بينهم. فلن يجوز والحالة هذه ، أن يتغافلوا عن معارضته لو كانوا قادرين عليها ، تحداهم إليها أو لم يتحداهم.

ولو كان هذا القبيل مما يقدر عليه البشر ، لوجب في ذلك أمر آخر ، وهو أنه لو كان مقدورا للعباد لكان قد اتفق إلى وقت مبعثه من هذا القبيل ما كان يمكنهم أن يعارضوه به. وكانوا لا يفتقرون إلى تكلف وضعه ، وتعمل نظمه في الحال.

فلما لم نرهم احتجوا عليه بكلام سابق ، وخطبة متقدمة ، ورسالة سالفة ، ونظم بديع ، ولا عارضوه به ، فقالوا هذا أفصح مما جئت به ، وأغرب منه ، أو هو مثله ، علم أنه لم يكن إلى ذلك سبيل ، وأنه لم يوجد له نظير. ولو كان وجد له مثل لكان ينقل إلينا ، ولعرفناه كما نقل إلينا أشعار أهل الجاهلية ، وكلام الفصحاء والحكماء من العرب ، وأدى إلينا كلام الكهان وأهل الرجز والسجع والقصيد وغير ذلك من أنواع بلاغاتهم وصنوف فصاحاتهم.

فإن قيل الذي بنى عليه الأمر في تثبيت معجزة القرآن ، أنه وقع التحدي إلى الإتيان بمثله ، وأنهم عجزوا عنه بعد التحدي إليه. فإذا نظر الناظر وعرف وجه النقل المتواتر في هذا الباب ، وجب له العلم بأنهم كانوا عاجزين عنه ، وما ذكرتم يوجب سقوط تأثير التحدي. وأن ما أتى به قد عرف العجز عنه بكل حال.

قيل : إنما احتيج إلى التحدّي لإقامة الحجة وإظهار وجه البرهان ، لأن المعجزة إذا ظهرت فإنما تكون حجة ، بأن يدعيها من ظهرت عليه ، ولا تظهر على مدّع لها إلا وهي معلومة أنها من عند الله. فإذا كان يظهر وجه الإعجاز فيها للكافة ، بالتحدي وجب فيها

__________________

(١) آية (٤٤) سورة الزخرف.

(٢) آية (٢) سورة البقرة.

(٣) آية (٢٣) سورة الزمر.