الله فأوجز ثم قال :

«أيها الناس ، إنا قد أصبحنا في دهر عنود ، وزمن شديد. يعدّ فيه المحسن مسيئا. ويزداد الظالم فيه عتوا. لا ننتفع بما علمنا. ولا نسأل عما جهلنا. ولا نتخوف من قارعة حتى تحل بنا. فالناس على أربعة أصناف :

منهم : من لا يمنعه الفساد في الأرض إلا مهانة نفسه ؛ وكلال حدّه ، ونضيض وفره.

ومنهم : المسلط لسيفه ، والمجلب برجله ، والمعلن بشره ، قد أشرط نفسه ، وأوبق دينه ، لحطام ينتهزه ، أو مقنب يقوده ، أو منبر يقرعه وبئس المتجر أن تراها لنفسك ثمنا ، وممّا لك عند الله عوضا.

ومنهم من يطلب الدنيا بعمل الآخرة ، ولا يطلب الآخرة بعمل الدنيا ، قد طامن من شخصه ، وقارب من خطوه ، وشمّر من ثوبه ، وزخرف نفسه للأمانة ، واتخذ ستر الله ذريعة إلى المعصية ، ومنهم من أقعده عن الملك ضئولة في نفسه ، وانقطاع سببه ، فقصرته الحال ، فتحلى باسم القناعة ، وتزين بلباس الزهاد ، وليس من ذلك في مراح ولا مغذى.

وبقي رجال أغض أبصارهم ذكر المرجع ، وأراق دموعهم خوف المحشر. فهم بين شديد ناد ، وخائف منقاد ، وساكت مكعوم ، وداع مخلص ، وموجع ثكلان ، قد أخملتهم التّقيّة ، وشملتهم الذلة. فهم في بحر أجاج. أفواههم دامية ، وقلوبهم قريحة ، قد وعظوا حتى ملوا ، وقهروا حتى ذلوا ، وقتلوا حتى قلوا.

فلتكن الدنيا في عيونكم أقل من متانة القرظ ، وقراضة الجلم ، واتعظوا بمن كان قبلكم أن يتعظ بكم من بعدكم. فارفضوها ذميمة ، فإنها قد رفضت من كان أشغف بها منكم».

خطبة لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : «أيها الناس ، إنكم ميتون ، ثم إنكم مبعوثون. ثم إنكم محاسبين. فلعمري لئن كنتم صادقين لقد قصرتم. ولئن كنتم كاذبين لقد هلكتم. يا أيها الناس ، إنه من يقدر له رزق برأس جبل ، أو بحضيض أرض يأته ، فاجملوا في الطلب».

خطبة للحجاج بن يوسف : حمد الله وأثنى عليه ثم قال : «يا أهل العراق ، ويا أهل الشقاق والنفاق ، ومساوئ الأخلاق ، وبني اللّكيعة ، وعبيد العصا. وأولاد الإماء ، والفقع بالقرقر. إني سمعت تكبيرا لا يراد به الله. وإنما يراد به الشيطان. وإنما مثلي ومثلكم ما قاله ابن براقة الهمداني :

وكنت إذا قوم غزني غزوتهم

فهل أنا في ذا بالهمذان ظالم