• الفهرس
  • عدد النتائج:

من [جميع](١) الوجوه ؛ ترك العمل به في بعض الأشياء ؛ فيبقى معمولا به في السّعي.

والجواب عن الأوّل (٢) من وجوه :

الأوّل : ما بيّنّا [أن قوله](٣) : «لا (جُناحَ عَلَيْهِ) [ليس فيه إلّا أنه لا إثم على فاعله](٤) وهذا القدر مشترك بين الواجب ، وغيره ؛ فلا يكون فيه دلالة على نفي الوجوب ، وتحقيق ذلك قوله تعالى : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ) [النساء : ١٠١] والقصر عند أبي حنيفة ـ رضي الله عنه ـ واجب ، مع أنّه قال فيه : (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) ذا ههنا.

الثاني : أنه رفع الجناح عن الطّواف [بهما لا عن الطّواف بينهما].

والأوّل عندنا غير واجب ، والثاني هو الواجب.

الثالث : قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ كان على الصّفا صنم ، [وعلى المروة صنم ، وكان الذي على الصّفا](٥) اسمه : «إساف» ، والذي على المروة صنم اسمه «نائلة» وكان أهل الجاهليّة يطوفون بهما ، فلمّا جاء الإسلام ، كره المسلمون الطّواف بهما ؛ لأجل الصنمين ، فأنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة. إذا عرفت هذا ، فنقول : انصرفت الإباحة إلى وجود الصنمين حال الطّواف ، لا إلى نفس الطّواف ؛ كما لو كان في الثّوب نجاسة يسيرة عندكم ، أو دم البراغيث عندنا ، فقيل : لا جناح عليكم أن تصلوا فيه ، فإنّ رفع الجناح ينصرف إلى مكان النجاسة ، لا إلى نفس الصلاة.

الرابع : كما أن قوله : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ) لا يطلق على الواجب ، فكذلك لا يطلق على المندوب ؛ ولا شكّ في أنّ السّعي مندوب ، فقد صارت الآية متروكة الظاهر ، والعمل بظاهرها ، وأما التمسّك بقوله : (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) [البقرة : ١٨٤] فضعيف ، وإنه لا يمكن أن يكون المراد من هذا التطوع هو الطّواف المذكور ، بل يجوز أن يكون المراد منه شيئا آخر ؛ كقوله : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) [البقرة : ١٨٤] ثم قال : (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً) فأوجب عليهم الطّعام ، ثم ندبهم إلى التّطوّع بالخير ، فكان المعنى : فمن تطوّع ؛ فزاد على طعام مسكين ، كان خيرا له ، فكذا ههنا يحتمل أن يكون هذا التطوّع مصروفا إلى شيء آخر ؛ وهو من وجهين :

أحدهما : أنه يزيد في الطّواف ، فيطوف أكثر من الطّواف الواجب ، مثل أن يطوف ثمانية أو أكثر.

__________________

ـ والطيالسي (١ / ٢٢٠) والطحاوي (٢ / ٢٠٩) والدارمي (٢ / ٥٩) من طرق عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر مرفوعا.

(١) سقط في ب.

(٢) ينظر تفسير الفخر الرازي : ٤ / ١٤٥.

(٣) سقط في ب.

(٤) سقط في ب.

(٥) سقط في ب.