موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - ج ٦

باقر شريف القرشي

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - ج ٦

المؤلف:

باقر شريف القرشي


المحقق: مهدي باقر القرشي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
الطبعة: ٢
الصفحات: ١٥٢

وصيّته

لمحمّد بن الحنفية

أوصى الإمام عليه‌السلام ولده محمّد بن الحنفية بهذه الوصية الحافلة بالقيم التربوية والأخلاق الفاضلة ، وهذا نصّها :

« يا بنيّ! البغض سائق إلى الحين. لن يهلك امرؤ عرف قدره. من حصّن شهوته صان قدره. قيمة كلّ امرئ ما يحسن. الاعتبار يفيدك الرّشاد.

أشرف الغنى ترك المنى. الحرص فقر حاضر. المودّة قرابة مستفادة.

صديقك أخوك لأبيك وامّك ، وليس كلّ أخ لك من أبيك وامّك صديقك.

لا تتّخذنّ عدوّ صديقك صديقا فتعادي صديقك. كم من بعيد أقرب منك من قريب. وصول معدم خير من مثر جاف. الموعظة كهف لمن وعاها.

من منّ بمعروفه أفسده.

من أساء خلقه عذّب نفسه ، وكانت البغضة أولى به. ليس من العدل القضاء بالظّنّ على الثّقة. ما أقبح الأشر عند الظّفر! والكآبة عند النّائبة! والغلظة والقسوة على الجار! والخلاف على الصّاحب! والخبّ من ذوي المروءة! والغدر من السّلطان! وزل معه حيث زال. لا تصرم أخاك على ارتياب ، ولا تقطعه دون استعتاب ، لعلّ له عذرا وأنت تلوم.

اقبل من متنصّل عذره فتنالك الشّفاعة ، واكرم الّذين بهم نصرك ، وازدد لهم طول الصّحبة ، برّا وإكراما وتبجيلا وتعظيما ، فليس جزاء من سرّك

٤١

أن تسوءه. أكثر البرّ ما استطعت لجليسك ، فإنّك إذا شئت رأيت رشده.

من كساه الحياء ثوبه اختفى عن العيون عيبه. من تحرّى القصد خفّت عليه المؤن. من لم يعط نفسه شهوتها أصاب رشده.

مع كلّ شدّة رخاء ، ومع كلّ أكلة غصص. لا تنال نعمة إلاّ بعد أذى. كفر النّعم موق (١) ، ومجالسة الأحمق شوم. اعرف الحقّ لمن عرفه لك شريفا كان أو وضيعا. من ترك القصد جار ، ومن تعدّى الحقّ ضاق مذهبه. كم من دنف نجا (٢)! وصحيح قد هوى! قد يكون اليأس إدراكا ، والطّمع هلاكا. استعتب من رجوت عتابه. لا تبيتنّ من امرئ على غدر. الغدر شرّ لباس المرء المسلم. من غدر ما أخلق أن لا يوفّى له! الفساد يبير الكثير ، والاقتصاد ينمّي اليسير. من الكرم الوفاء بالذّمم.

من كرم ساد ، ومن تفهّم ازداد. امحض أخاك النّصيحة ، وساعده على كلّ حال ما لم يحملك على معصية الله عزّ وجلّ. لن لمن غاظك تظفر بطلبتك.

ساعات الهموم ساعات الكفّارات ، والسّاعات تنفد عمرك.

لا خير في لذّة بعدها النّار ، وما خير بخير بعده النّار وما شرّ بشرّ بعده الجنّة؟

كلّ نعيم دون الجنّة محقور ، وكلّ بلاء دون النّار عافية.

لا تضيّعنّ حقّ أخيك اتّكالا على ما بينك وبينه ، فإنّه ليس لك بأخ من أضعت حقّه ، ولا يكوننّ أخوك على قطيعتك أقوى منك على

__________________

(١) الموق : الحمق.

(٢) الدنف : المرض الثقيل.

٤٢

صلته ، ولا على الإساءة أقوى منك على الإحسان إليه.

يا بنيّ! إذا قويت فاقو على طاعة الله عزّ وجلّ ، وإذا ضعفت فاضعف عن معصية الله عزّ وجلّ ، وإن استطعت أن لا تملّك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فافعل ، فإنّه أدوم لجمالها وأرخى لبالها ، وأحسن لحالها ، فإنّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة ، فدارها على كلّ حال ، وأحسن الصّحبة لها فيصفو عيشك.

احتمل القضاء بالرّضا ، وإن أحببت أن تجمع خير الدّنيا والآخرة فاقطع طمعك ممّا في أيدي النّاس ، والسّلام عليك يا بنيّ ورحمة الله وبركاته » (١).

__________________

(١) نهج السعادة ٧ : ٣٩٤ ـ ٤٠٠.

٤٣

وصيّته

لكميل بن زياد

من الوصايا الرفيعة للإمام عليه‌السلام وصيّته إلى صاحبه وخليله العالم كميل بن زياد ، وقد رواها عنه سعيد بن زيد بن أرطاة ، قال :

لقيت كميل بن زياد وسألته عن فضل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فقال :

ألا اخبرك بوصية أوصاني بها يوما هي خير لك من الدنيا بما فيها؟

فقلت : بلى.

قال : قال لي عليّ عليه‌السلام :

يا كميل ، سمّ كلّ يوم باسم الله وقل لا حول ولا قوّة إلاّ بالله. وتوكّل على الله واذكرنا وسمّ بأسمائنا وصلّ علينا. واستعذ بالله ربّنا. وأدرأ بذلك على نفسك وما تحوطه عنايتك ، تكف شرّ ذلك اليوم إن شاء الله.

يا كميل ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أدّبه الله ، وهو أدّبني ، وأنا أؤدّب المؤمنين وأورّث الأدب المكرمين.

يا كميل ، ما من علم إلاّ وأنا أفتحه ، وما من سرّ إلاّ والقائم عليه‌السلام يختمه.

يا كميل ، ذرّيّة بعضها من بعض والله سميع عليم.

يا كميل ، لا تأخذ إلاّ عنّا تكن منّا.

٤٤

يا كميل ، ما من حركة إلاّ وأنت محتاج فيها إلى معرفة.

يا كميل ، إذا أكلت الطّعام فسمّ باسم الله الّذي لا يضرّ مع اسمه داء ، وهو شفاء من كلّ الأدواء.

يا كميل ، إذا أكلت الطّعام فواكل به ، ولا تبخل فإنّك لن ترزق النّاس شيئا والله يجزل لك الثّواب بذلك.

تحدّث الإمام عليه‌السلام في هذا المقطع عن صلته الوثيقة بالرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّه من ألصق الناس به ، فقد أفاض عليه آدابه الرفيعة ، وعلّمه ينابيع الحكمة ، وهو عليه‌السلام بدوره يعلّمها ويعهد بها إلى المؤمنين ، كما بيّن عليه‌السلام حاجة تلميذه إلى المعرفة والتزوّد من العلم ، وبعد ذلك عرض الإمام إلى آداب الطعام ، وأنّه ينبغي لمن يتناوله أن يذكر اسم الله تعالى الذي هو شفاء من كلّ داء ، وأن لا يأكل الإنسان وحده بل عليه أن يشاركه في الطعام غيره من البؤساء والمحتاجين .. ويأخذ الإمام عليه‌السلام في وصيّته قائلا :

يا كميل ، أحسن خلقك. وابسط جليسك ، ولا تنهر خادمك.

أوصى الإمام عليه‌السلام كميلا بحسن الأخلاق التي هي وصايا الأنبياء ، كما أوصى بمراعاة الجليس واحترامه ورعايته ، ثمّ أوصى بالبرّ والإحسان إلى الخادم ، وأن لا ينهره ويعتدي عليه ... وأخذ الإمام في بيان كيفيّة تناول الطعام قائلا :

يا كميل ، إذا أنت أكلت فطوّل أكلك ليستوفي من معك ويرزق منه غيرك.

يا كميل إذا استوفيت طعامك فاحمد الله على ما رزقك ، وارفع بذلك صوتك يحمده سواك فيعظم بذلك أجرك.

يا كميل ، لا توقرنّ معدتك طعاما ، ودع فيها للماء موضعا وللرّيح مجالا.

٤٥

يا كميل ، لا تنقد طعامك ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ينقده.

يا كميل ، لا ترفع يدك من الطّعام إلاّ وأنت تشتهيه ، فإن فعلت ذلك فأنت تستمرئه ـ أي تستطيبه.

يا كميل ، إنّ صحّة الجسم من قلّة الطّعام وقلّة الماء.

وضع الإمام عليه‌السلام بهذا المقطع برامج لآداب الطعام ، كما وضع منهجا صحيّا لتناوله ، وفيما يلي ذلك :

آداب الطعام :

أمّا آداب الطعام فهي :

أوّلا : أنّ الإنسان إذا أكل ومعه غيره فعليه أن لا يسرع في القيام من المائدة لأنّه يوجب سرعة القيام لمن كان معه ، وفي ذلك حرمان لهم.

ثانيا : أنّ الإنسان إذا فرغ من تناول الطعام فعليه أن يحمد الله تعالى على ما رزقه من أطائب الأطعمة ، كما ينبغي له أن يرفع صوته بالحمد له تعالى ؛ لأنّ في ذلك تعليما لغيره على شكر المنعم العظيم.

ثالثا : أنّ الإنسان ينبغي له أن لا ينقد الطعام ، لا سيّما إذا كان مدعوّا عند الغير ، تأسّيا بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّه لم يؤثر عنه مطلقا أنّه نقد الطعام ، وذلك من معالي أخلاقه.

المنهج الصحي :

أمّا المنهج الصحي في تناول الطعام الذي يضمن سلامة الجهاز الهضمي فهي :

أوّلا : أنّ الإنسان إذا تناول الطعام فعليه أن لا يملأ معدته منه ، ويدع فيها فراغا

٤٦

لشرب الماء ، وفراغا للريح ، وهذا من أهمّ الوصفات الصحية التي تضمن سلامة الجهاز الهضمي الذي هو بيت الداء ، ومصدر الأمراض والأسقام.

ثانيا : أن لا يسرف الإنسان في تناول الطعام ، وأن يقوم من المائدة وهو يشتهي الطعام ، فإنّ ذلك أضمن لصحّته ، وأضمن لقواه ، كما أكّدت ذلك مصادر الطب الحديث.

ثالثا : أنّ صحّة الجسم منوطة بقلّة الطعام وقلّة الشراب ، وهذا ما أكّده الأطباء ... ويستمرّ الإمام في وصيّته قائلا :

يا كميل ، البركة في المال من إيتاء الزّكاة ومواساة المؤمنين ، وصلة الأقربين ، وهم الأقربون لنا.

يا كميل ، زد قرابتك المؤمن على ما تعطي سواه من المؤمنين وكن بهم أرأف وعليهم أعطف ، وتصدّق على المساكين.

يا كميل ، لا تردّ سائلا بشقّ تمرة ، أو من شطر عنب ... فإنّ الصّدقة تنمو عند الله.

عرضت هذه البنود إلى الوسائل التي تنمي المال وتزيده وهي :

١ ـ الزكاة :

وتظافرت الأخبار عن أئمّة الهدى عليهم‌السلام ، في أنّ إعطاء الزكاة موجبا لسعة الرزق وتنمية المال ، وقد حفلت مصادر الحديث والفقه بالمزيد من الأخبار في أنّ مانع الزكاة ليس من الإسلام في شيء وأنّ الدولة تقاتل مانع هذه الضريبة التي هي من مصادر واردات الدولة الإسلامية.

٢ ـ مواساة المؤمنين :

وممّا توجب زيادة الثروة وتنميتها مواساة المؤمنين والإحسان إليهم والبرّ

٤٧

بهم ، وأفضل أنواع الإحسان وأجمل صوره الإحسان إلى السادة العلويّين زادهم الله تعالى شرفا ، فإنّ البرّ بهم صلة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٣ ـ صلة الأرحام :

وتظافرت الأخبار عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأوصيائه العظام أنّ صلة الرحم لها آثارها الوضعية التي منها تنمية المال ، وطول العمر وغير ذلك.

٤ ـ عدم ردّ السائل :

حثّ الإمام عليه‌السلام على الإحسان إلى السائل ، وعدم حرمانه ولو بشقّ تمرة.

٥ ـ الصدقة تنمي المال :

أمّا الصدقة سرّا كانت أم جهرا ، فإنّها تنمي المال وتزيد في الرزق ، وتدفع البلاء المبرم ، ويأخذ الإمام عليه‌السلام في وصيّته قائلا :

يا كميل ، حسن خلق المؤمن التّواضع ، وجماله التّعفّف ، وشرفه الشّفقة ، وعزّه ترك القال والقيل.

يا كميل ، إيّاك والمراء فإنّك تغري بنفسك السّفهاء إذا فعلت وتفسد الإخاء.

يا كميل ، إذا جادلت في الله تعالى فلا تخاطب إلاّ من يشبه العقلاء.

يا كميل ، هم ـ أي الذين يجادلون في الله ـ على كلّ حال سفهاء كما قال الله تعالى : ( أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ ) (١).

عرض الإمام عليه‌السلام في هذا المقطع إلى بعض الامور المهمّة وهي :

__________________

(١) البقرة : ١٣.

٤٨

١ ـ حسن الأخلاق :

أمّا حسن الأخلاق فإنّه من أبرز الصفات الرفيعة والنزعات الشريفة ، وفي بعض الأخبار أنّه نصف الإيمان ، وفي الحديث النبوي : « إنّما بعثت لاتمّم مكارم الأخلاق » ، ويرتبط بالأخلاق الفاضلة التواضع وعدم الأنانية ، وممّا يرتبط به التعفّف والشفقة.

٢ ـ ترك المراء :

ومن بنود هذا المقطع ترك المراء فإنّه يوجب شيوع الكراهية ونشر الفساد بين الناس.

٣ ـ المجادلة في الله :

أمّا المجادلة في الله تعالى خالق الكون ، وواهب الحياة فإنّها إنّما تكون مع العقلاء الذين يملكون طاقات من العلم والفكر ويخضعون لمنطق الدليل ، فإنّ وجود الله تعالى أمر ضروري وواضح كلّ الوضوح أمّا الذين لا نصيب لهم من الفكر والعلم فإنّ الحديث معهم في جميع الامور العقائدية يكون لغوا. هذا بعض ما احتوى عليه هذا المقطع من بحوث.

ويستمرّ الإمام عليه‌السلام في وصيّته لكميل قائلا :

يا كميل ، في كلّ صنف قوم أرفع من قوم ، فإيّاك ومناظرة الخسيس منهم وإن أسمعوك فاحتمل وكن من الّذين وصفهم الله ( وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً ) (١).

عرض الإمام عليه‌السلام إلى أنّ في جميع الأصناف في المجتمع الإنساني قوما أرفع من قوم تفكيرا وفضلا ، ونهى الإمام عليه‌السلام كميلا من مناظرة الطبقة الواطئة تفكيرا وعدم

__________________

(١) الفرقان : ٦٣.

٤٩

الخوض معهم في أي شأن من الشؤون ، ثمّ عرض الإمام إلى فقرة اخرى من وصيّته قائلا :

يا كميل ، قل الحقّ على كلّ حال ، ووازر المتّقين ، واهجر الفاسقين.

يا كميل ، جانب المنافقين ، ولا تصاحب الخائنين.

أمر الإمام عليه‌السلام بهذه الكلمات أن يقول الإنسان الحقّ في جميع الأحوال ، وأن يؤازر المتّقين ويهجر الفاسقين الذين هم من أراذل المجتمع .. ويقول الإمام في وصيّته :

يا كميل ، إيّاك إيّاك والتّطرق إلى أبواب الظّالمين والاختلاط بهم ، والاكتساب منهم ، وإيّاك أن تطيعهم ، وأن تشهد في مجالسهم بما يسخط الله عليك.

يا كميل ، إذا اضطررت إلى حضورهم فداوم ذكر الله والتّوكّل عليه ، واستعذ بالله من شرّهم ، وأطرق عنهم (١) وأنكر بقلبك فعلهم ، واجهر بتعظيم الله تعالى لتسمعهم ، فإنّهم يهابونك وتكفى شرّهم.

وفي هذه الكلمات نهى الإمام عليه‌السلام من الاختلاط بالظالمين ؛ امتثالا لقوله تعالى : ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) ، وإذا اضطرّ الإنسان إلى حضور دوائرهم فعليه أن يذكر الله تعالى ، ويستعيذ به من شرّهم وآثامهم فإنّ ذلك أدنى للتخلّص من حرمة مجالستهم .. ويأخذ الإمام عليه‌السلام في وصيّته قائلا :

يا كميل ، إنّ أحبّ ما امتثله العباد إلى الله بعد الإقرار به وبأوليائه التّجمّل

__________________

(١) أطرق عنهم : أي اسكت ولا تتكلّم.

٥٠

والتّعفّف والاصطبار.

إنّ التجمّل والتعفّف والاصطبار من أبرز القيم الكريمة التي ترفع مستوى الإنسان إلى آفاق رفيعة من الفضل والكمال .. ويقول عليه‌السلام :

يا كميل ، لا بأس بأن لا تعلم سرّك ...

إنّ إخفاء السرّ وما انطوت عليه نفس الإنسان من عقائد وغيرها الأولى أن تكون طي الكتمان ، لأنّ إظهارها للغير قد تجرّ له الويل والعطبا .. يقول عليه‌السلام :

يا كميل ، لا ترينّ النّاس افتقارك ، واصطبر عليه احتسابا بعزّ وتستّر.

أوصى الإمام عليه‌السلام بعزّة النفس وكرامتها ، ومن المؤكّد أنّ إظهار الفقر والحاجة من مرديات الإنسان ومسقطاته من أعين الناس ، يقول عليه‌السلام :

يا كميل ، لا بأس أن تعلم أخاك سرّك.

يا كميل ، ومن أخوك؟ أخوك الّذي لا يخذلك عند الشّدة ، ولا يغفل عنك عند الجريرة ، ولا يخدعك حين تسأله ، ولا يتركك وأمرك حتّى تعلمه ، فإن كان مميلا (١) أصلحه.

يا كميل ، المؤمن مرآة المؤمن ؛ يتأمّله ، ويسدّ فاقته ، ويجمل حالته.

يا كميل ، المؤمنون إخوة ، ولا شيء آثر عند كلّ أخ من أخيه.

يا كميل ، إن لم تحبّ أخاك فلست أخاه.

تحدّث الإمام عليه‌السلام في هذا المقطع عن الاخوة الإسلامية وما يلازمها من الآثار الوضعية والتي منها أن يحدّث المسلم أخاه في الإسلام عن أسراره وشئونه ، وقد

__________________

(١) المميل : صاحب الثروة والمال الكثير.

٥١

حدّد الإمام الأخ وعرف واقعه في المنطلق الإسلامي ، فالأخ هو الذي لا يخذل أخاه عند الشدّة ، ولا يغفل عنه عند الجريرة ، إلى غير ذلك من الآثار التي ذكرها الإمام عليه‌السلام ، وهي نادرة الوجود أو معدومة في هذا العصر الذي طغت فيه المادة على كلّ شيء.

يقول الإمام عليه‌السلام :

يا كميل ، إنّ المؤمن من قال بقولنا ، فمن تخلّف عنه قصّر عنّا ومن قصّر عنّا ، لم يلحق بنا ، ومن لم يكن معنا ففي الدّرك الأسفل من النّار.

يا كميل ، كلّ مصدور ينفث ، فمن نفث إليك منّا بأمر أمرك بستره ، فإيّاك أن تبديه وليس لك من إبدائه توبة وإذا لم تكن توبة فالمصير إلى لظى.

يا كميل ، إذاعة سرّ آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يقبل منها ـ أي من الإذاعة ـ ولا يحتمل أحد عليها.

يا كميل ، ما قالوه لك مطلقا فلا تعلمه إلاّ مؤمنا موفّقا.

يا كميل ، لا تعلموا الكافرين من أخبارنا فيزيدوا عليها فيبيدوكم بها إلى يوم يعاقبون عليها.

حكى الإمام عليه‌السلام بهذا المقطع واقع الإيمان وحقيقته ، وهو الولاء لأهل بيت النبوّة عليهم‌السلام ، فإنّ محبّتهم جزء من رسالة الإسلام ، قال تعالى : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (١) ، وقد نظر الإمام عليه‌السلام إلى المستقبل بعمق فرأى ما يجري على آل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم من الخطوب والمحن فأوصى بإخفاء تعاليمهم وأن لا يطلع عليها أحدا من المعاندين للحق ، فإنّ إذاعتها ونشرها في تلك العصور

__________________

(١) الشورى : ٢٣.

٥٢

تجرّ الويل والمحن للشيعة.

يقول عليه‌السلام :

يا كميل ، لا بدّ لماضيكم من أوبة ، ولا بدّ لنا فيكم من غلبة.

أكّد الإمام عليه‌السلام في هذه الكلمات أنّه لا بدّ أن تقوم لأهل البيت عليهم‌السلام دولة يقام فيها الحقّ ، ويحسم فيها الباطل وهي دولة إمام الهدى المهدي عليه‌السلام ، يقول عليه‌السلام :

يا كميل ، سيجمع الله لكم خير البدء والعاقبة.

يا كميل ، أنتم ممتّعون بأعدائكم ، تطربون بطربهم ، وتشربون بشربهم ، وتأكلون بأكلهم ، وتدخلون مداخلهم ، وربّما غلبتم على نعتهم ، أي والله! على إكراه منهم لذلك ولكنّ الله عزّ وجلّ ناصركم وخاذلهم ، فإذا كان والله! يومكم وظهر صاحبكم لم يأكلوا والله! معكم ، ولم يردوا مواردكم ، ولم يقرعوا أبوابكم ، ولم ينالوا نعمتكم أذلة خاسئين ، أينما ثقفوا اخذوا وقتّلوا تقتيلا.

يا كميل ، احمد الله تعالى ، والمؤمنين على ذلك وعلى كلّ نعمة.

أعرب الإمام عليه‌السلام في هذا المقطع عن ظهور حفيده المصلح الأعظم الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا ، وظهوره عليه‌السلام من الامور الحتمية التي لا بدّ أن تتحقّق على مسرح الحياة.

يقول الإمام عليه‌السلام :

يا كميل ، قل عند كلّ شدّة : « لا حول ولا قوّة إلاّ بالله » تكفها ، وقل عند كلّ نعمة : « الحمد لله » تزدد منها ، وإذا أبطأت الأرزاق عليك

٥٣

فاستغفر الله يوسّع عليك فيها.

وضع الإمام عليه‌السلام منهجا للتخلّص عند كلّ شدّة وهو قول : « لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم » ، كما أرشده لزيادة النعمة ، وهو قول : الحمد لله ، كما دلّ على الرزق إذا أبطأ عن إنسان أن يستغفر الله تعالى فإنّه سيوفّر له رزقه.

يقول عليه‌السلام :

يا كميل ، إذا وسوس الشّيطان في صدرك فقل : « أعوذ بالله القوي من الشّيطان الغوي ، وأعوذ بمحمّد الرّضي من شرّ ما قدّر وقضى ، وأعوذ بإله النّاس من شرّ الجنّة والنّاس أجمعين ، وسلّم تكفى مؤونة إبليس والشّياطين معه ، ولو أنّهم كلّهم أبالسة مثله.

يا كميل ، انّ لهم خدعا ووساوس وشقاشق (١) وزخارف وخيلاء على كلّ أحد قدر منزلته في الطّاعة والمعصية فبحسب ذلك يستولون عليه بالغلبة.

يا كميل ، لا عدوّ أعدى منهم ، ولا ضارّ أضرّ بك منهم ، امنيتهم أن تكون معهم غدا إذا اجتثّوا (٢) في العذاب الأليم ، لا يفتّر عنهم بشرره ، ولا يقصر عنهم خالدين فيه أبدا.

يا كميل ، سخط الله تعالى محيط بمن لم يحترز منهم باسمه ونبيّه ، وجميع عزائمه وعوّذه جلّ عزّه ، وصلّى الله على نبيّه وآله وسلّم.

يا كميل ، إنّهم يخدعونك بأنفسهم ، فإذا لم تجبهم مكروا بك وبنفسك

__________________

(١) الشقاشق : جمع شقشقة وهي شيء يخرج من فم البعير إذا هاج.

(٢) اجتثوا : أي أخذوا إلى العذاب الأليم.

٥٤

بتحسينهم إليك شهواتك ، وإعطائك أمانيّك وإرادتك ، ويسوّلون لك ، وينسونك وينهونك ويأمرونك ويحسنون ظنّك بالله عزّ وجلّ حتّى ترجوه فتغترّ بذلك فتعصيه ، وجزاء العاصي لظى.

يا كميل ، احفظ قول الله عزّ وجلّ : ( الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ ) (١) ، والمسوّل الشّيطان.

يا كميل ، اذكر قول الله تعالى لإبليس لعنه الله ( وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً ) (٢).

يا كميل ، إنّ إبليس لا يعد عن نفسه ، وإنّما يعد عن ربّه ليحملهم على معصيته فيورطهم.

يا كميل ، إنّه يأتي لك بلطف كيده فيأمرك بما يعلم أنّك قد ألفته من طاعة لا تدعها فتحسب أنّ ذلك ملك كريم ، وإنّما هو شيطان رجيم ، فإذا سكنت إليه واطمأننت حملك على العظائم المهلكة الّتي لا نجاة معها.

يا كميل ، إنّ له فخاخا ينصبها فاحذر أن يوقعك فيها.

يا كميل ، إنّ الأرض مملوءة من فخاخهم فلن ينجو منها إلاّ من تشبّث بنا ، وقد أعلمك الله أنّه لن ينجو منها إلاّ عباده ، وعباده أولياؤنا.

يا كميل ، وهو قول الله عزّ وجلّ : ( إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ) (٣) ،

__________________

(١) محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ٢٥.

(٢) الإسراء : ٦٤.

(٣) الإسراء : ٦٥.

٥٥

وقوله عزّ وجلّ : ( إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ... ) (١).

يا كميل ، انج بولايتنا من أن يشركك الشّيطان في مالك وولدك كما أمر.

يا كميل ، لا تغترّ بأقوام يصلّون فيطيلون ، ويصومون فيداومون ، ويتصدّقون فيحسبون أنّهم موفّقون.

يا كميل ، اقسم بالله تعالى لسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إنّ الشّيطان إذا حمل قوما على الفواحش مثل الزّنا وشرب الخمر والرّبا وما أشبه ذلك من الخنى (٢) والمآثم حبّب إليهم العبادة الشّديدة والخشوع والرّكوع والخضوع والسّجود ، ثمّ حملهم على ولاية الأئمة الّذين يدعون إلى النّار ويوم القيامة لا ينصرون.

يا كميل ، إنّه مستقرّ ومستودع واحذر أن تكون من المستودعين.

يا كميل ، إنّما تستحقّ أن تكون مستقرّا إذا لزمت الجادّة الواضحة الّتي لا تخرجك إلى عوج ولا تزيلك عن منهج ما حملناك عليه ، وما هديناه إليك.

عرض الإمام عليه‌السلام في هذا المقطع إلى الشيطان الرجيم ، وما يقوم به من دور في نصب شباكه لصيد الناس وصرفهم عن الله تعالى ، وهو يتصدّى لإغراء الناس ، وصدّهم عن الطريق المستقيم بكافّة وسائل الإغراء ، ويحبّب لهم كلّ شهوة وكلّ

__________________

(١) النحل : ١٠٠.

(٢) الخنى : الفحش.

٥٦

ميول واتّجاه لا يتّفق مع ما أمر به الله تعالى. وللشيطان حزبه وأتباعه ، وهم يعيثون فسادا في عقول الناس وضمائرهم ، ويكيدون لهم ، ويمكرون بهم ، وفي الدعاء :

« وأعذني من الشّيطان الرّجيم وهمزه ولمزه ونفثه ، ووسوسته ، وتثبيطه ، وكيده ومكره وحبائله ، وخدعه ، وأمانيه ، وغروره ، وفتنته ، وشركه ، وأحزابه ، وأتباعه ، وأشياعه ، وأوليائه ، وجميع مكائده ».

أعاذنا الله من الشيطان ، وصرف عنّا كيده ومكره.

يقول عليه‌السلام :

يا كميل ، لا رخصة في فرض ولا شدّة في نافلة.

يا كميل ، إنّ الله عزّ وجلّ لا يسألك إلاّ عمّا فرض ، وإنّما قدّمنا عمل النّوافل بين أيدينا للأهوال العظام والطّامة يوم القيامة.

عرض الإمام عليه‌السلام إلى الفارق بين الواجب والمندوب ، فالواجب لا مجال لتركه ، فإنّ المكلّف يعاقب إذا لم يأت به ، وأمّا المندوب فإنّه غير ملزم بفعله ، والله تعالى يسأل المكلّفين عن الواجبات ، وأمّا المندوبات فإنّها تكون ستارا وغطاء للإنسان من أهوال يوم القيامة.

يقول عليه‌السلام :

يا كميل ، إنّ ذنوبك أكثر من حسناتك وغفلتك أكثر من ذكرك ونعم الله عليك أكثر من كلّ عملك.

يا كميل ، إنّك لا تخلو من نعم الله عزّ وجلّ عندك وعافيته ، فلا تخل من تحميده وتسبيحه وتمجيده وتقديسه وشكره وذكره على كلّ حال.

يا كميل ، لا تكوننّ من الّذين قال الله عزّ وجلّ : ( نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ )

٥٧

ونسبهم إلى الفسق بقوله : ( أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) (١).

وفي هذا المقطع الدعوة إلى التقوى والعمل الصالح ، والنظر إلى نعم الله المتظافرة على الإنسان التي يجب أن تقابل بالشكر والثناء والتحميد والتمجيد ، ولا يجوز أن يتغاضى عنها لأنّها من شكر المنعم الذي هو واجب عقلا وشرعا.

يقول عليه‌السلام :

يا كميل ، ليس الشّأن أن تصلّي وتصوم وتتصدّق ، إنّما الشّأن أن تكون الصّلاة بقلب نقيّ وعمل عند الله مرضيّ وخشوع سويّ ، وإبقاء للجدّ فيها.

يا كميل ، عند الرّكوع والسّجود وما بينهما تبتّلت العروق والمفاصل حتّى تستوفي إلى ما تأتي به من جميع صلواتك.

يا كميل ، انظر فيم تصلّي ، وعلى ما تصلّي إن لم تكن من وجهه وحلّه ، فلا قبول.

يا كميل ، إنّ اللّسان يبوح من القلب ، والقلب يقوم بالغذاء ، فانظر فيما تغذّي قلبك وجسمك فإن لم يكن ذلك حلالا لم يقبل الله تسبيحك ولا شكرك.

حكى هذا المقطع واقع الصلاة وحقيقتها ، وهي أن تؤدّى بخشوع وحضور فكر وإخلاص ، وأنّ المصلّي عليه أن يعرف أنّه ماثل أمام الخالق العظيم ، فلا يشغل فكره في أثناء الصلاة بشئون الدنيا ، كما أنّ على المصلّي أن يكون على بصيرة من غذائه وشرابه وملبسه وأن تكون من حلال فإن كانت من الحرام فلا صلاة له.

__________________

(١) الحشر : ١٩.

٥٨

يقول عليه‌السلام :

يا كميل ، افهم واعلم أنّا لا نرخّص في ترك أداء الأمانات لأحد من الخلق ، فمن روى عنّي في ذلك رخصة فقد أبطل وأثم وجزاؤه النّار بما كذب ، اقسم بالله لسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لي قبل وفاته بساعة مرارا ثلاثا : يا أبا الحسن ، أدّ الأمانة إلى البرّ والفاجر فيما قلّ وجلّ حتّى الخيط والمخيط.

إنّ الإسلام قد تبنّى مصلحة الإنسان وبناء حياته على واقع مشرق ، وكان من بنود تعاليمه أداء الأمانة إلى البرّ والفاجر ، وليس من الإسلام في شيء الخيانة وعدم أداء الأمانة.

يقول عليه‌السلام :

يا كميل ، لا غزو إلاّ مع إمام عادل ، ولا نفل (١) إلاّ من إمام فاضل.

عرض الإمام عليه‌السلام إلى أنّ الغزو يشترط فيه أن يكون مع إمام عادل ، أمّا مع غيره فإنّه غير مشروع.

يقول عليه‌السلام :

يا كميل ، الدّين لله فلا تغترنّ بأقوال الامّة المخدوعة الّتي قد ضلّت بعد ما اهتدت ، وأنكرت وجحدت بعد ما قبلت.

إنّ الله تعالى هو الذي شرع الدين وفرض أحكامه وتعاليمه ، وليس للامّة أي مجال في التسرّف في أي بند من بنوده خصوصا القيادة الروحية والزمنية ، فقد

__________________

(١) النفل : الغنيمة.

٥٩

قلّدها الله تعالى إلى إمام الحقّ الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ولكنّ الامّة لم تذعن لذلك ، واتّبعت غيره ، فعانت من الخطوب والأزمات ما لا توصف لمرارتها.

يقول عليه‌السلام :

يا كميل ، الدّين لله فلا يقبل الله من أحد القيام به إلاّ رسولا أو نبيّا أو وصيّا.

إنّ الدين هو مجموعة من المبادئ والأنظمة إنّما يبلّغه إلى الناس النبيّ أو وصيّه ، وليس لأي أحد أن يتولّى إذاعته وتبليغه غيرهما.

يقول عليه‌السلام :

يا كميل ، هي نبوّة ورسالة وإمامة ولا بعد ذلك إلاّ متولّين ومتغلّبين وضالّين ومعتدين.

وهذه الكلمات متمّمات لما تقدّم من أنّ الدين نبوّة وإمامة لا غير ذلك.

يا كميل ، إنّ النّصارى لم تعطّل الله تعالى ، ولا اليهود ، ولا جحدت موسى ولا عيسى ، ولكنّهم زادوا ونقصوا وحرّفوا وألحدوا ، فلعنوا ومقتوا ولم يتوبوا ولم يقبلوا.

يا كميل ، إنّما يتقبّل الله من المتّقين.

يا كميل ، إن آباءنا آدم لم يلد يهوديا ولا نصرانيّا ، ولا كان ابنه إلاّ حنيفا مسلما ، فلم يقم بالواجب عليه ، فأدّاه ذلك إلى أن لم يقبل الله قربانه ، بل قبل من أخيه فحسده وقتله ، وهو من المسجونين في الفلق الّذين عددهم اثنا عشر : ستّة من الأوّلين وستّة من الآخرين ، والفلق الأسفل من النّار ، ومن بخاره حرّ جهنّم ، وحسبك فيما حرّ جهنّم من بخاره.

٦٠