تحصيل المرام - ج ١-٢

الشيخ محمّد بن أحمد بن سالم بن محمّد المالكي المكّي [ الصبّاغ ]

تحصيل المرام - ج ١-٢

المؤلف:

الشيخ محمّد بن أحمد بن سالم بن محمّد المالكي المكّي [ الصبّاغ ]


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٧٤

والثانية ، وتوسيعه بهذه الحالة الذي هو عليه الآن ، وتجديد آل عثمان له ، وما عمّر فيه الخلفاء والسلاطين ، وفضله ، وفيه تسعة فصول :

الفصل الأول : فيما كان عليه المسجد الحرام زمن الجاهلية ، وزمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبي بكر رضي‌الله‌عنه ، وزيادة عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وابن الزبير رضي‌الله‌عنهم ، وزيادة المهدي العباسي الأولى والثانية ، وتوسيعه له بهذه الحالة الموجودة. ولم يزد فيه أحد [شيئا](١) بعده إلا زيادة دار الندوة (٢) ، وزيادة باب إبراهيم. ومن عمّر فيه من الملوك والسلاطين ، إلى أن آل أمر الحرمين إلى الدولة العثمانية فجدّدوه ، إلى آخر ما يأتي إن شاء الله تعالى.

الفصل الثاني : في تجديد آل عثمان الحرم الشريف بهذه القبب الموجودة ، وذرعه ، وعدد أساطينه وقببه وشرافاته ، وعدد أبوابه وأسمائها قديما وحديثا.

الفصل الثالث : فيما حدث في المسجد الحرام لأجل المصلحة من مقامات الأئمة وغيرها.

الفصل الرابع : فيما وضع في المسجد الحرام لمصلحة من المنائر والمنابر.

الفصل الخامس : في ذكر المصابيح التي توقد في المسجد الحرام.

الفصل السادس : في عمارة ملوك آل عثمان بعد بنائهم الأول ، أي : بناء السلطان سليم والسلطان مراد.

__________________

(١) في الأصل : شيء.

(٢) دار الندوة : بناها قصي جد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الجانب الشمالي ، وهو الآن رحبة باب الزيادة ، وكانت أشبه بالبرلمان في وقتنا الحالي (تاريخ عمارة المسجد الحرام ص : ٦). وهو المكان الذي أقيم عليه المقام الحنفي بالمسجد الحرام (اللسان ، مادة : ندي).

٦١

الفصل السابع : في فضل المسجد الحرام ، وفضل الصلاة فيه ، وحدود الحرم ، وتحريره بالذرع والأميال ، وما المراد بالمسجد الحرام في حديث ابن الزبير : «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ... إلخ».

الفصل الثامن : في ذكر الصفا والمروة وذرع ما بينهما.

الفصل التاسع : في ذكر عرفة ، وبيان محل موقف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في عرفة ، وذكر مسجد عرفة ويقال له : مسجد إبراهيم ، وحدود عرفة ، وفضل يومه ، وذكر المزدلفة وحدودها ، والمشعر الحرام ، وبيان وادي المحسر ، وذكر منى وفضلها ، وذكر الجعرانة ، وبيان المحل الذي أحرم منه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفضلها ، وذكر التنعيم ، وبيان محل مسجد عائشة رضي‌الله‌عنها ، وفضل العمرة. وذكر الحديبية ، وبيان محلها ، وفضل جدة.

الباب الرابع : في ذكر مكة المشرفة وأسمائها ، وفضل جبالها التي بالحرم مما يقارب مكة ، والأماكن المباركة فيها من المساجد التي بها ، وما قاربها مما هو في الحرم ، والدور المباركة بمكة ، والمواليد ، والمساجد التي بمنى ، وفيه ثلاثة فصول :

الفصل الأول : في ذكر مكة المشرفة وعدد أسمائها.

الفصل الثاني : في ذكر جبال مكة المشرفة وما قاربها مما هو في الحرم وفضلهم.

الفصل الثالث : في الأماكن المشرفة التي بمكة مما هو فيها وفي الحرم ، كالمساجد التي بمنى وما قاربها مما هو في الحرم التي يستحب زيارتها والصلاة والدعاء فيها رجاء بركتها ، وهذه الأماكن منها : مساجد ودور ومواليد ، والمساجد أكثر من غيرها.

٦٢

الباب الخامس : في فضل مكة المشرفة ، وفيما جاء في تحريم حرمها ، وفضل أهلها ، وحكم المجاورة بها وفضلها ، وفي أن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض ، واختلاف العلماء أيهما أفضل ، أي : بعد البقعة التي دفن فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفي الأماكن التي يستجاب فيها الدعاء بمكة والحرم وما قاربهما ، وفيه خمسة فصول :

الفصل الأول : في فضل مكة المشرفة وما جاء في تحريم حرمها.

الفصل الثاني : في فضل مكة والمدينة ، وأنهما أفضل بقاع الأرض ، واختلاف العلماء أيهما أفضل ، بعد اتفاقهم بالفضل على البقعة التي فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

الفصل الثالث : في الأماكن التي يستجاب فيها الدعاء بمكة والحرم وما قاربهما.

الفصل الرابع : في فضل أهالي مكة.

الفصل الخامس : في حكم المجاورة بمكة وفضلها.

الباب السادس : في ذكر عيون مكة والبرك والآبار والسقايات مما هو بها وبالحرم وما قاربهما ، وذكر حياضها ، وفيه أربعة فصول :

الفصل الأول : في ذكر العيون التي بمكة وبالحرم وما قاربهما.

الفصل الثاني : في ذكر المدارس والأربطة الموقوفة بمكة قديما وحديثا ، وذكر البرك التي بمكة وبالحرم وما قاربهما.

الفصل الثالث : في ذكر الآبار والسقايات التي بالحرم وما قاربهما.

الفصل الرابع : في ذكر الحياض التي بمكة.

الخاتمة : في ذكر مقابر مكة وتعريفها ومن دفن فيها من الصحابة والصالحين ، ومعرفة قبر سيدنا عبد الله بن عمر رضي‌الله‌عنهما.

٦٣

وأتممت هذا الكتاب بذكر أمراء مكة من الأشراف وغيرهم ، [وذكر](١) الحوادث مما ستقف عليه إن شاء الله.

__________________

(١) قوله : وذكر ، كشطت في الأصل.

٦٤

الباب الأول

وفيه فصول كما تقدم :

الفصل الأول : في عدد بناء البيت الحرام ، وأول من بناه

ذكر الحلبي في السيرة ولفظه : ففي بعض الآثار : إن الله سبحانه وتعالى قبل أن يخلق السموات والأرض كان عرشه على الماء ـ أي : العذب ـ ، فلما اضطرب العرش كتب عليه : لا إله إلا الله محمد رسول الله فسكن العرش ، فلما أراد أن يخلق السموات والأرض أرسل الريح على ذلك الماء فتموّج فعلا دخانه ، فخلق الله من ذلك الدخان السموات ، ثم أزال ذلك الماء عن موضع الكعبة فيبس.

وفي لفظ : أرسل على الماء ريحا هفافة (١) [فصفقت الريح الماء](٢) ـ أي : ضرب بعضه بعضا ـ ، فأبرز عنه خشفة (٣) ـ أي : بالخاء المعجمة ـ وهي : حجارة يبست بالأرض في موضع الكعبة كأنها قبة ... الحديث (٤).

وبسط الله من ذلك الموضع جميع الأرض طولها والعرض ، فهي أصل الأرض [وسرتها](٥). ولما ماجت الأرض وضع عليها الجبال ، وكان أول

__________________

(١) ريح هفافة : سريعة المرور في هبوبها. (النهاية ، مادة : هفت).

(٢) في الأصل : فضفقته للريح للماء. والتصويب من السيرة الحلبية.

(٣) الخشفة : هي حجارة تنبت في الأرض نباتا ، وتروى بالحاء المهملة وبالعين بدل الفاء.

(اللسان ، مادة : خشف).

(٤) أخرجه الأزرقي من حديث ابن عباس (١ / ٣٢).

(٥) في الأصل : وصرتها. والتصويب من السيرة الحلبية (١ / ٢٣٧). وانظر : (القاموس المحيط ، مادة : سرر).

٦٥

جبل وضع عليها [أبو قبيس](١) ، وعلى هذا فهو أبو الجبال وأفضلها. اه حلبي (٢).

وحديث البيهقي عن ابن عباس ولفظه : أول بقعة وضعت من الأرض موضع البيت ثم مدّت منها الأرض ، وإن أول جبل وضعه الله تعالى على وجه الأرض أبو قبيس ، ثم مدت منه الجبال. كذا في الجامع الصغير (٣). اه.

ولما خاطب الله السموات والأرض بقوله : (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) [فصلت : ١١] كان المجيب من الأرض موضع الكعبة ، ومن السماء ما حاذاها ، الذي هو البيت المعمور.

ولما قال الله سبحانه وتعالى للملائكة : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة : ٣٠] وقالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) [البقرة : ٣٠] فغضب عليهم ربهم.

وفي لفظ (٤) : ظنت الملائكة ـ أي : علمت ـ أن ما قالوا [ردّ](٥) على ربهم ، وأنه قد غضب عليهم من قولهم ، فلاذوا بالعرش وطافوا به سبعة أطواف يسترضون ربهم ، فرضي عليهم.

وفي لفظ : فنظر إليهم ونزلت الرحمة عليهم ، فعند ذلك قال الله لهم :

__________________

(١) في الأصل : أبا قبيس. والتصويب من السيرة الحلبية (١ / ٢٣٨). وأبو قبيس : الجبل المشرف على الكعبة المشرفة من مطلع الشمس ، وكان يزحم السيل فيدفعه إلى المسجد الحرام ، فنحت منه الكثير وشق بينه وبين المسجد الحرام طريقا للسيل وطريقا للسيارات ، وهو مكسو بالبنيان (معجم معالم الحجاز ٧ / ٨٩).

(٢) السيرة الحلبية (١ / ٢٣٧ ـ ٢٣٩).

(٣) البيهقي في شعب الإيمان (٣ / ٤٣٢ ح ٣٩٨٤) ، وفيض القدير (٣ / ٨٣).

(٤) انظر : الدر المنثور (١ / ٣١٠).

(٥) في الأصل : ردا. والتصويب من الدر المنثور.

٦٦

ابنوا لي بيتا في الأرض يعوذ به من سخطت عليه من بني آدم ، فيطوفون حوله كما فعلتم بعرشي فأرضى عنهم ، فبنوا الكعبة.

وفي هذه الرواية اختصار بدليل ما قيل : وضع الله تحت العرش البيت المعمور على أربع أساطين من زبرجد ، يغشاهن ياقوتة حمراء ، وقال للملائكة : طوفوا بهذا البيت أي : لأرضى عليكم. ثم قال لهم : ابنوا لي بيتا في الأرض بمثاله وقدره ـ أي : ففعلوا ـ ، وقدره عطف تفسير على بمثاله ، فالمراد بالمثال : القدر.

وفي لفظ : لما قال الله تعالى للملائكة : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة : ٣٠] وقالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها ...) الآية [البقرة : ٣٠] خافوا أن يكون الله عابها عليهم لاعتراضهم في علمه ، فطافوا بالعرش سبعا يسترضون ربهم ويتضرّعون إليه ، فأمرهم أن ينبوا البيت المعمور في السماء السابعة وأن يجعلوا طوافهم به ، فكان ذلك أهون عليهم من الطواف بالعرش. ثم أمرهم أن يبنوا في كل سماء بيتا ، وفي كل أرض بيتا.

قال مجاهد : هي أربعة عشر بيتا متقابلة ، لو سقط بيت منها لسقط على مقابله ، والبيت المعمور في السماء السابعة ، وله حرمة كحرمة مكة في الأرض ، واسم البيت الذي في سماء الدنيا : بيت العزة.

وفي كلام بعضهم : في كل سماء بيت تعمره الملائكة بالعبادة ؛ كما يعمر أهل الأرض البيت العتيق بالحج في كل عام ، والاعتمار في كل وقت ، والطواف في كل أوان.

قال الحلبي في السيرة (١) : ولينظر ما معنى بناء الملائكة للبيوت في

__________________

(١) السيرة الحلبية (١ / ٢٤١ ـ ٢٤٣).

٦٧

السموات ؛ فقد قال بعضهم : ما تقدم من الأثرين الدالين على أن أول من بناها الملائكة لم يصح واحد منهما ، وكانت قبل ذلك ـ أي : وكان محلها قبل بناء آدم لها ـ خيمة من ياقوتة حمراء أنزلت لآدم عليه الصلاة والسلام من الجنة أي : لها بابان : باب من زمرد أخضر شرقي ، وباب غربي من ذهب منظومان من درّ الجنة ، فكان آدم عليه الصلاة والسلام يطوف بها ويأنس إليها ، وقد حج إليها من الهند [ماشيا](١) أربعين حجة.

قال الحلبي : ويجوز أن تكون تلك الخيمة هى البيت المعمور ، وعبّر عنها بحمراء ؛ لأن سقف البيت المعمور كان ياقوتة حمراء.

وذكر : أن آدم عليه‌السلام لما أهبط إلى الأرض كان رجلاه بها ورأسه في السماء (٢).

وفي لفظ : كان رأسه يمسح السحاب فصلع فأورث ولده الصلع (٣) ـ أي : بعض ولده ـ ، وكان آدم يسمع تسبيح الملائكة ودعاءهم فاستأنس بذلك فهابته الملائكة ـ أي : [صارت](٤) تنفر منه ـ ، فشكى إلى الله تعالى فنقصه إلى ستين ذراعا بالذراع المتعارف ، وقيل : بذراع آدم ، فلما فقد أصوات الملائكة حزن وشكى إلى الله تعالى ، فقال : يا آدم ، إني قد أهبطت بيتا يطاف به ـ أي : تطوف به الملائكة ـ كما يطاف حول عرشي ، [ويصلى عنده كما يصلى عند عرشي](٥) أي : كان ذلك ـ أي : الطواف بالعرش والصلاة عنده ـ شأن الملائكة أولا ، فلا ينافي ما تقدم أنهم بعد ذلك صاروا

__________________

(١) قوله : ماشيا ، زيادة من السيرة الحلبية.

(٢) أخرجه الأزرقي من حديث ابن عباس (١ / ٣٦).

(٣) ذكره القرطبي في تفسيره (١ / ٣١٩).

(٤) في الأصل : صارة.

(٥) ما بين المعكوفين زيادة من السيرة الحلبية.

٦٨

يطوفون بالبيت المعمور كما تقدم ، فاخرج إليه ـ أي : طف به ـ وصلّ عنده ، وهذا البيت هو هذه الخيمة [التي](١) أنزلت لأجله ، وقد علمت أنه يجوز أن تكون تلك الخيمة هي البيت المعمور (٢).

وقيل : أهبط آدم وطوله ستون ذراعا ، أي : على الصفة التي خلق عليها ، وهو المراد بقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : خلق الله آدم على صورته وطوله ستون ذراعا. اه حلبي.

أقول : والذي في البخاري (٣) : «خلق الله آدم وطوله ستون ذراعا».

قال القسطلاني (٤) : زاد عبد الرزاق عن معمر : «على صورته» ... إلخ (٥). وهذه الزيادة هي التي ذكرها الحلبي بقوله : «خلق الله آدم على صورته» ... إلخ أي : أوجده الله على الهيئة التي خلقه عليها ، لم ينتقل عن النشأة أحوالا ، بل خلقه كاملا سويا من أول ما نفخ فيه الروح ؛ فالضمير في : «صورته» يرجع إلى آدم عليه‌السلام.

وعورض هذا التفسير بحديث : «خلق الله آدم على صورة الرحمن» (٦) ، فهي إضافة تشريف وتكريم ؛ لأن الله خلقه على صورة لم يشاكلها شيء من الصور في الكمال والحال. اه قسطلاني.

والقيل المتقدم من أنه أهبط وطوله ستون ذراعا يوافقه ما جاء في

__________________

(١) في الأصل : الذي. وانظر السيرة الحلبية.

(٢) انظر : الأزرقي (١ / ٤٢).

(٣) صحيح البخاري (٣ / ١٢١٠ ح ٣١٤٨).

(٤) في الأصل : القسطلان.

(٥) صحيح البخاري (٥ / ٢٢٩٩ ح ٥٨٧٣) ، ومسلم (٤ / ٢١٨٣ ح ٢٨٤١).

(٦) ذكره القرطبي في تفسيره (٢٠ / ١١٤).

٦٩

الحديث المرفوع : «كان طوله ستين ذراعا في سبعة أذرع» (١).

ومن ثمّ قال الحافظ ابن حجر (٢) : إن ما روي من أن آدم لما أهبط كان رجلاه في الأرض ورأسه في السماء ، فحطه الله إلى ستين ذراعا ـ أي : الذي تقدم ـ. لكن ظاهر الخبر الصحيح يخالفه وهو : أنه خلق في ابتداء الأمر على طول ستين ذراعا وهو الصحيح.

وكان آدم عليه‌السلام أمرد ، وكان مهبطه بأرض الهند ، وجاء : أنه نزل بنخلة العجوة ؛ مكان بين مكة والطائف. اه.

أقول : هو المعروف الآن بالمضيق.

ثم لما أمر الله آدم بالخروج لتلك الخيمة ، خرج إليها حتى انتهى إلى مكة ، وإذا خيمة في موضع الكعبة أي : الذي به الكعبة الآن ، وتلك الخيمة ياقوتة حمراء من يواقيت الجنة مجوفة أي : ولها أربعة أركان بيض ، وفيها ثلاثة قناديل من ذهب فيها نور يلتهب من نور الجنة ، طولها ما بين السماء والأرض. كذا في بعض الروايات.

ولعل وصف الخيمة بما ذكر لا ينافي ما تقدم ؛ [لأنه](٣) يجوز أن تكون تلك الخيمة هي البيت المعمور ، وإنما رفعت زمن الطوفان إلى السماء على ما يأتي. ووصف بأنه ياقوتة حمراء ؛ لأن سقفه كان ياقوتة حمراء ، إلا أن التعدد بعيد فليتأمل.

ونزل مع تلك الخيمة الركن وهو الحجر الأسود ؛ ياقوتة بيضاء من أرض الجنة وكان كرسيا لآدم عليه‌السلام يجلس عليه أي : ولعل المراد

__________________

(١) ذكره ابن حجر في فتح الباري (٦ / ٣٦٧).

(٢) فتح الباري (٦ / ٣٦٧).

(٣) في الأصل : أنه.

٧٠

يجلس عليه في الجنة. وهذا السياق يدل على أن آدم عليه‌السلام أهبط من الجنة إلى أرض الهند ابتداء.

وفي مثير الغرام عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما : أن آدم عليه‌السلام أهبطه الله إلى موضع الكعبة وهو مثل الفلك من شدة رعدته ثم قال : يا آدم تخطّ فتخطى فإذا هو بأرض الهند ، فمكث هناك ما شاء الله ثم استوحش إلى البيت فقيل له : حجّ يا آدم ، فأقبل يتخطى حتى قدم مكة ... الحديث (١).

والسياق المذكور أيضا يدل على أن الخيمة والحجر الأسود نزلا بعد خروج آدم من الجنة ، ويدل كون الحجر الأسود نزل عليه ما في مثير الغرام : وأنزل الحجر الأسود وهو يتلألأ كأنه لؤلؤة بيضاء ، فأخذه آدم فضمّه إليه استئناسا به. هذا كلامه (٢).

وفي رواية عنه : أنزل الركن والمقام مع آدم عليه‌السلام ليلة نزل آدم من الجنة ، فلما أصبح رأى الركن والمقام فعرفهما فضمهما إليه (٣).

[قال الحلبي](٤) : فليتأمل الجمع.

وفي رواية : إن آدم نزل بتلك الياقوتة ؛ فعن كعب الأحبار قال : أنزل الله من السماء ياقوتة مجوفة مع آدم عليه الصلاة والسلام فقال : يا آدم هذا بيتي أنزلته معك يطاف حوله كما يطاف حول العرش ، ويصلى حوله كما يصلى حول عرشي أي : على ما تقدم. ونزل معه الملائكة فرفعوا قواعده

__________________

(١) العلل المتناهية (٢ / ٥٧٠).

(٢) مثير الغرام (ص : ٣٧٣).

(٣) الدر المنثور (١ / ٣٢٥).

(٤) قوله : قال الحلبي ، زيادة من ب. (وانظر : السيرة الحلبية ١ / ٢٤٥).

٧١

من الحجارة ، ثم وضع البيت أي : تلك الياقوتة عليها (١).

[قال الحلبي](٢) : وحينئذ يحتاج إلى الجمع بين هاتين الروايتين على تقدير صحتهما.

وقد يقال في الجمع : يجوز أن تكون المعية ليست حقيقية ، والمراد : أنه نزل بعده [قريبا](٣) من نزوله ، فلقرب الزمن عبّر بالمعية ، فلا ينافي ما تقدم من قوله : يا آدم إني قد أهبط بيتا يطاف به ، فاخرج إليه.

وجاء : أن آدم نزل من الجنة ومعه الحجر الأسود متأبطه ـ أي : تحت إبطه ـ وهو ياقوتة من يواقيت الجنة ، ولو لا أن الله تعالى طمس ضوءه ما استطاع أحد أن ينظر إليه (٤).

وكون آدم نزل بالحجر الأسود متأبطا له مخالفا للرواية المتقدمة : أنه نزل مع تلك الخيمة التي هي الياقوتة بعد نزوله ، وحينئذ يحتاج إلى الجمع بين هاتين الروايتين على تقدير صحتهما.

وأيضا يحتاج إلى الجمع بين ذلك وبين ما روي عن وهب بن منبه : أن آدم لما أمره الله تعالى بالخروج من الجنة ، أخذ جوهرة من الجنة ـ أي : التي هي الحجر الأسود ـ مسح بها دموعه بتلك الجوهرة حتى اسودّت من دموعه ، ثم لما بنى البيت أمره جبريل أن يجعل تلك الجوهرة في الركن

__________________

(١) أخرجه الأزرقي من حديث كعب (١ / ٤٠) ، وذكره البيهقي في شعب الإيمان (٣ / ٤٣٦).

(٢) قوله : قال الحلبي ، زيادة من ب. (وانظر : السيرة الحلبية ١ / ٢٤٥).

(٣) في الأصل : قريب.

(٤) أخرجه الأزرقي من حديث ابن عباس (١ / ٣٢٩). وذكره السيوطي في الدر المنثور (١ / ٣٢٥) وعزاه إلى الأزرقي.

٧٢

ففعل (١).

وفي بهجة الأنوار : أن الحجر الأسود كان في الابتداء ابتداؤه ملكا صالحا ، ولما خلق الله آدم [أباح](٢) له الجنة كلها إلا الشجرة التي نهاه عنها ، ثم جعل ذلك الملك موكلا على آدم عليه الصلاة والسلام ألا يأكل من تلك الشجرة ، فلما قدّر الله أن يأكل آدم من تلك الشجرة غاب عنه ذلك الملك ، فنظر الله تعالى إلى ذلك الملك بالهيبة فصار جوهرة. ألا ترى أنه جاء في الأحاديث : الحجر الأسود يأتي يوم القيامة وله يدان ولسان وأذن وعين ؛ لأنه كان في ابتدائه ملكا. ذكره الحلبي (٣).

وسيأتي تمام الكلام على الحجر الأسود في فصله (٤).

وجاء : أن آدم عليه الصلاة والسلام أتى تلك الخيمة التي هي البيت المعمور على ما تقدم ألف مرة من الهند ماشيا بثلاثمائة حجة وسبعمائة عمرة ، وأول حجة حجها جاءه جبريل عليه‌السلام وهو واقف بعرفة فقال : يا آدم برّ نسكك ، فقد طفنا بهذا البيت قبل أن تخلق بخمسين ألف سنة (٥).

وفي رواية : لما حج آدم عليه الصلاة والسلام استقبلته الملائكة بالردم ـ أي : ردم بني جمح ـ فقالوا : برّ حجك يا آدم ، فقد حججنا هذا البيت قبلك بألف عام (٦).

__________________

(١) ذكره الحلبي في سيرته (١ / ٢٤٥).

(٢) في الأصل : وأباح. والتصويب من السيرة الحلبية (١ / ٢٤٥).

(٣) السيرة الحلبية ، الموضع السابق.

(٤) الفصل الثامن ص : ١٧٤.

(٥) ذكره الأصبهاني في العظمة (٥ / ١٥٨٧). وفيه : بخمسمائة ألف.

(٦) ذكره الأزرقي في تاريخه (١ / ٤٤). وفيه : بألفي عام.

٧٣

وفي تاريخ مكة للأزرقي (١) : أن آدم عليه الصلاة والسلام حج على رجليه سبعين حجة ماشيا ، وأن الملائكة لقيته بالمأزمين.

والمأزمان (٢) بين مزدلفة وعرفة. وقال الطبري : ما دون منى أيضا مأزمين. والله أعلم المراد منهما. هذا كلام الطبري (٣).

وجاء : أنه وجد الملائكة بذي طوى (٤) وقالوا : يا آدم ما زلنا ننتظرك هاهنا منذ ألفي سنة. وكان بعد ذلك إذا وصل إلى المحل المذكور خلع نعليه (٥).

قال الحلبي (٦) : ويحتاج للجمع بين كون الملائكة استقبلته بالردم ، وكونها لقيته بالمأزمين ، وكونه وجدهم بذي طوى ، وبين كونهم حجوا البيت قبله بألف عام وبخمسين ألف عام.

أقول : ويمكن الجمع بأنه لقيهم في كل مما ذكر لتكرر مجيئه ، وعند ذلك قال آدم : ما كنتم تقولون حول البيت؟ قالوا : كنا نقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. قال آدم عليه الصلاة والسلام : زيدوا فيها : ولا حول ولا قوة إلا بالله (٧).

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقي (١ / ٤٥).

والمأزمان : طريق يأتي المزدلفة من جهة عرفة ، إذا أفضيت معه كنت في المزدلفة ، وهو طريق ضيق بين جبلين يسميان الأخشبين ، وقد عبّد اليوم ، وجعلت له ثلاثة معبدات ، إحداها طريق للمشاة يفصله عن طريق السيارات شبك.

(٢) في الأصل : والمأزمين.

(٣) القرى (ص : ٤٨).

(٤) ذي طوى : واد بأسفل بمكة (معجم البلدان ٤ / ٤٥) ، وهو بمحلة جرول معروف إلى الآن ، ويستحب الاغتسال فيه للمحرم.

(٥) ذكره السهيلي في الروض الأنف (٢ / ٣٠٠).

(٦) السيرة الحلبية (١ / ٢٤٦).

(٧) أخرجه الأزرقي من حديث ابن عباس (١ / ٤٥ ـ ٤٦).

٧٤

وكان طوافه [سبعة](١) أسابيع بالليل وخمسة بالنهار. ولما فرغ من الطواف صلى ركعتين تجاه باب الكعبة ، ثم أتى الملتزم ـ أي : محله ـ فقال :«اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي ، وتعلم ما في نفسي وما عندي فاغفر لي ذنبي ، وحاجتي فأعطني سؤلي» ... الحديث (٢).

قال الحلبي : قول الملائكة : قد طفنا بهذا البيت لا يحسن أن [يعنوا](٣) به تلك الخيمة المعينة بقوله تعالى لآدم عليه الصلاة والسلام : قد أهبط بيتا ... إلى آخر ما تقدم ، وكونها أهبطت مع آدم عليه الصلاة والسلام ، بل المراد : محل ذلك البيت الذي هو الخيمة قبل أن تنزل.

ويجوز أن يكون المراد تلك الخيمة بناء على أنها البيت المعمور ، وأن الملائكة طافوا بها قبل نزولها إلى الأرض.

وجاء عن عطاء وسعيد بن [المسيب](٤) وغيرهما : أن الله تعالى أوحى إلى آدم عليه الصلاة والسلام أن اهبط إلى الأرض [ابن](٥) لي بيتا ثم احفف به كما رأيت الملائكة تحف ببيتي الذي في السماء (٦).

وفي رواية : وطف به واذكرني عنده كما رأيت الملائكة تصنع حول عرشي (٧) ـ أي : على ما تقدم ـ وهذا السياق بظاهره يوافق ما تقدم عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما : أن هبوط آدم عليه الصلاة والسلام كان من الجنة

__________________

(١) في الأصل : سبع.

(٢) الطبراني في الأوسط (٦ / ١١٨ ح ٥٩٧٤).

(٣) في الأصل : يعنون. وانظر : السيرة الحلبية (١ / ٢٤٧).

(٤) في الأصل : جبير. والتصويب من السيرة الحلبية ، الموضع السابق.

(٥) في الأصل : ابني.

(٦) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (٥ / ٩٢ ح ٩٠٩٢).

(٧) ذكره القرطبي في تفسيره (٢ / ١٢١).

٧٥

إلى موضع الكعبة ابتداء ، والله أعلم. ذكره الحلبي (١).

قال : وجاء أن جبريل عليه‌السلام بعثه الله إلى آدم وحواء فقال لهما : ابنيا أي : قال لهما : إن الله يقول لكما : ابنيا لي بيتا. فخط لهما جبريل عليه‌السلام ، فجعل آدم عليه الصلاة والسلام يحفر وحواء تنقل التراب حتى أجابه الماء ونودي من تحته : حسبك يا آدم (٢).

وفي رواية (٣) : حتى إذا بلغ الأرض السابعة فقذفت فيها الملائكة الصخر ما يطيق الصخرة ثلاثون رجلا. انتهى. ذكره الحلبي (٤).

ثم قال : وفيه أنه إن كان أمر آدم عليه الصلاة والسلام ببناء البيت بعد مجيئه إلى تلك الخيمة من الهند ماشيا يخالف ظاهر ما تقدم عن عطاء وسعيد بن المسيب : أوحى الله إلى آدم عليه الصلاة والسلام : أن اهبط إلى الأرض [ابن لي بيتا ؛ إذ ظاهره : أنه أوحي إليه بذلك وهو في الجنة إلا أن يقال : المراد بالأرض في قوله : اهبط إلى الأرض](٥) ـ أي : أرض الحرم ـ أي : اذهب إلى أرض الحرم ابن (٦) لي بيتا.

ثم لا يخفى أن قوله : فقذفت فيه الملائكة الصخر يقتضي : أن إلقاء الملائكة للصخر بعد حفر آدم عليه الصلاة والسلام ، وهو لا يخالف ما تقدم : أنزل الله من السماء ياقوتة مجوفة مع آدم عليه الصلاة والسلام فقال الله : يا آدم هذا بيتي أنزلته معك ، ونزل معه الملائكة فرفعوا قواعده من

__________________

(١) السيرة الحلبية (١ / ٢٤٧).

(٢) ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (٢ / ٢٩٩).

(٣) أخرجه الأزرقي في من حديث ابن عباس (١ / ٣٦ ـ ٣٧).

(٤) السيرة الحلبية (١ / ٢٤٧ ـ ٢٤٨).

(٥) ما بين المعكوفين زيادة من السيرة الحلبية.

(٦) في الأصل : ابني.

٧٦

الحجارة ، ثم وضع البيت عليها. فيكون إلقاء الملائكة للصخر بعد حفر آدم عليه الصلاة والسلام ، فلما تم ذلك الأس جعل ذلك البيت فوق الصخر. ويكون المراد بقوله : ونزل معه الملائكة ـ أي : صحبوه ـ من أرض الهند إلى أرض الحرم.

وجاء في بعض الروايات : أن آدم وحواء لما أسساه ، نزل البيت من السماء من ذهب أحمر وكلّ به سبعون ألف ملك ، فوضعوه على أس آدم عليه الصلاة والسلام ، ونزل الركن فوضع موضعه اليوم من البيت ، فطاف به آدم عليه الصلاة والسلام أي : كما كان يطوف به قبل ذلك ، وبهذا تجتمع الروايات. قاله الحلبي (١).

ثم قال : وحينئذ لا مانع أن ينسب بناء هذا الأس الذي وضعت عليه الملائكة تلك الخيمة لآدم عليه الصلاة والسلام ، وأن ينسب للملائكة ؛ أما نسبته للملائكة فظاهر. وأما نسبته لآدم عليه الصلاة والسلام ؛ فلأنه السبب فيه ، أو أنه كان إذا ألقت الملائكة الصخر يضع آدم عليه الصلاة والسلام بعضه على بعض.

وعلى نسبة بناء ذلك الأس للملائكة ولآدم عليه الصلاة والسلام ؛ يحمل القول بأن أول من بنى الكعبة ؛ الملائكة ، والقول بأن أول من بنى الكعبة آدم عليه الصلاة والسلام. ذكره الحلبي ، ثم قال : فليتأمل.

وجاء : أن آدم عليه الصلاة والسلام بناه من لبنان (٢) ـ جبل بالشام ـ ومن طور زيتا (٣) ـ جبل من جبال القدس ـ ، ومن طور

__________________

(١) السيرة الحلبية (١ / ٢٤٨).

(٢) لبنان : جبل بالشام (معجم ما استعجم ٤ / ١١٥٠).

(٣) طور زيتا : جبل بقرب رأس عين عند قنطرة الخابور ، على رأسه شجر زيتون عذي يسقيه ـ ـ المطر ، ولذلك سمي : طور زيتا. ويقال : إنه مات في هذا الجبل سبعون ألف نبي ، ومنه رفع عيسى ابن مريم عليه‌السلام ، وبه صلى عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه (معجم البلدان ٤ / ٤٧).

٧٧

سيناء (١) ـ جبل بين مصر [وإيلياء](٢) ـ. وفي كلام بعضهم : أنه جبل من جبال الشام ، وهو الذي نودي عليه موسى عليه الصلاة والسلام ، ومن الجودي (٣) وهو جبل بالجزيرة (٤).

وفي مشارق القاضي عياض (٥) : الجودي جبل بجزيرة ابن عمر من ناحية الموصل. اه.

ومن حراء (٦) ـ جبل بمكة ـ حتى استوى على وجه الأرض.

وفي رواية : من ستة أجبل ؛ الخمسة السابقة ، ومن أبي قبيس ـ جبل بمكة ـ ، ومن رضوى ـ كسكرى ؛ وهو جبل بقرب ينبع (٧) في طريق

__________________

(١) طور سيناء : الطور جبل ببيت المقدس ، ممتد ما بين مصر وأيلة ، وهو الذي نودي منه موسى عليه‌السلام ، قال تعالى : (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ) (معجم ما استعجم ٣ / ٨٩٧).

(٢) في الأصل : إيلاء ، والتصويب من السيرة الحلبية (١ / ٢٤٨) ، وانظر : معجم البلدان (١ / ٢٩٣).

وإيلياء : اسم مدينة بيت المقدس ، قيل : معناه بيت الله. قال ياقوت : حكى الحفصي فيه القصر ، وفيه لغة ثالثة حذف الياء الأولى فيقال : إلياء ـ بسكون اللام والمد ـ. قال أبو علي : وقد سمي البيت المقدس إيلياء (معجم البلدان ، الموضع السابق).

(٣) الجودي : جبل بالموصل يطل على دجلة ، وقيل : هو بباقردى من أرض الجزيرة. وعلى هذا الجبل استوت سفينة نوح عليه‌السلام لما نضب ماء الطوفان. قال تعالى : (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ) (معجم ما استعجم ١ / ٤٠٣).

(٤) أخرجه الأزرقي من حديث ابن عباس (١ / ٣٧).

(٥) المشارق (١ / ١٦٩).

(٦) سيأتي تعريفه عند ذكر جبال مكة.

(٧) ينبع : هي عن يمين رضوى لمن كان منحدرا من المدينة إلى البحر على ليلة من رضوى من المدينة ، وهي لبني حسن بن علي ، وكان يسكنها الأنصار وجهينة وليث ، وفيها عيون عذاب غزيرة (معجم البلدان ٥ / ٤٤٩ ـ ٤٥٠).

٧٨

المدينة ـ ، ومن أحد (١) ـ جبل بالمدينة ـ (٢).

فالمتحصل من الروايتين : أنه بناه من ثمانية أجبل ولا مانع من ذلك.

واستمر ذلك البيت الذي هو الخيمة إلى زمن نوح عليه الصلاة والسلام ، فلما كان الغرق بعث الله له سبعين ألف ملك رفعوه إلى السماء ـ أي : الرابعة ـ وهو البيت المعمور كما في الكشاف (٣) ، وكان رفعه لئلا يصيبه الماء النجس ، وبقيت قواعده التي هي الأس. انتهى (٤).

وفي رواية : أن أول من بنى الكعبة ـ أي : كلها ـ بعد أن رفعت تلك الخيمة بعد موت آدم عليه الصلاة والسلام ، ولده شيث عليه‌السلام ، بناها بالطين والحجارة أي : فهي أولية إضافية ، ثم لما جاء الطوفان انهدم وبقي محله. وقيل : إنه استمر ولم يبنه أحد إلى زمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام. ذكره الحلبي (٥).

وذكر ابن خلدون في مقدمة تاريخه ونصه : يقال أن آدم عليه‌السلام بناها قبالة البيت المعمور ثم [هدمها](٦) الطوفان بعد ذلك ، وليس فيه خبر صحيح يعول عليه وإنما اقتبسوه من مجمل الآية في قوله : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ) [البقرة : ١٢٧].

__________________

(١) أحد : اسم الجبل الذي كانت عنده غزوة أحد ، وهو جبل أحمر ليس بذي شناخيب ، وبينه وبين المدينة قرابة ميل في شماليها ، وعنده كانت وقعة أحد التي قتل فيها حمزة عم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسبعون من المسلمين ، وكسرت رباعية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وشجّ وجهه الشريف وكلمت شفته (معجم البلدان ١ / ١٠٩).

(٢) ذكره ابن حجر في فتح الباري (٦ / ٤٠٧).

(٣) الكشاف (٤ / ٣٣).

(٤) السيرة الحلبية (١ / ٢٤٨ ـ ٢٤٩).

(٥) السيرة الحلبية (١ / ٢٥٠).

(٦) في الأصل : هدمه.

٧٩

ثم بعث الله إبراهيم وكان من شأنه وشأن زوجته سارة وغيرتها من هاجر ما هو معروف ، وأوحى الله إليه أن يترك ابنه إسماعيل وأمه هاجر بالفلاة ، فوضعهما عند البيت وسار عنهما ، وكيف جعل الله [لهما](١) من اللطف في نبع ماء زمزم ، ومرور الرفقة من جرهم حتى احتملوهما وسكنوا إليهما ، ونزلوا معهما حوالي زمزم كما عرف في موضعه ، فاتخذ إسماعيل بموضع الكعبة بيتا يأوي إليه ، وأدار عليه سياجا من الردم وجعله زربا لغنمه ، وجاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام مرارا لزيارته من الشام أمر في آخرها ببناء الكعبة مكان ذلك الزرب. اه (٢).

وذكر الحلبي ولفظه : ففي رواية : أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما أراد بناء الكعبة جاءه جبريل عليه‌السلام فضرب بجناحه الأرض ، فأبرز عن أسّ ثابت على الأرض السابعة ، ثم بناها إبراهيم عليه الصلاة والسلام على ذلك الأس ، ويقال له القواعد ، وهذا الأس كما علمت لآدم عليه الصلاة والسلام والملائكة ، وإنما قيل له : أس إبراهيم وقواعده ؛ لأنه بنى على ذلك الأس ولم ينقضه (٣).

ومما يدل للقيل المذكور : ما جاء في بعض الروايات عن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت : دثر مكان البيت (٤) [أي : بسبب الطوفان بدليل ما جاء في رواية : قد درس مكان البيت](٥) بين نوح وإبراهيم عليهما الصلاة

__________________

(١) قوله : لهما ، زيادة من مقدمة ابن خلدون.

(٢) مقدمة ابن خلدون (١ / ٣٥٠).

(٣) أخرجه الأزرقي بأطول منه من حديث ابن عباس (١ / ٣٦).

(٤) ذكره ابن حجر في اللسان (١ / ٩٧) ، والجرجاني في الكامل (١ / ٢٥١) ، والذهبي في الميزان (١ / ١٨١).

(٥) ما بين المعكوفين زيادة من السيرة الحلبية.

٨٠