تحصيل المرام - ج ١-٢

الشيخ محمّد بن أحمد بن سالم بن محمّد المالكي المكّي [ الصبّاغ ]

تحصيل المرام - ج ١-٢

المؤلف:

الشيخ محمّد بن أحمد بن سالم بن محمّد المالكي المكّي [ الصبّاغ ]


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٧٤

ذراعا بذراع اليد ، يكون ذلك ثلاثة أميال وخمس (١) ميل وسبع ميل وخمس خمس سبع ميل.

ومن عتبة باب الشبيكة إلى الأعلام المشار إليهما : عشرة آلاف وثمانمائة واثنا عشر ذراعا ، يكون ذلك [أميالا](٢) على القول بأن الميل ثلاثة آلاف وخمسمائة : ثلاثة أميال وثلاثة أخماس سبع ميل وخمس عشر ميل وسبع عشر عشر [ميل](٣). اه شفاء الغرام (٤).

وحدّه من جهة اليمن ففيه قولان : سبعة على ما ذكره الأزرقي (٥) وابن أبي زيد ، وستة على ما وجد بخط المحب الطبري (٦).

وعلى ما حرره الفاسي من هذه الجهة بالذراع والأميال ونصه : فمن جدر باب إبراهيم إلى علامة [حدّ](٧) الحرم في هذه الجهة : أربعة وعشرون ألف ذراع وخمسمائة ذراع وتسعة أذرع ـ بتقديم التاء ـ وأربعة [أسباع](٨) ذراع ، يكون ذلك أميالا على القول بأن الميل ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع : سبعة أميال تزيد تسعة (٩) أذرع وأربعة أسباع ذراع.

ومن عتبة باب مكة المعروفة بباب الماجن إلى حد الحرم في هذه الجهة : اثنان وعشرون ألف ذراع وثمانمائة ذراع وتسعة (١٠) وسبعون ذراعا ـ

__________________

(١) في شفاء الغرام : وخمسي (١ / ١٢٢).

(٢) في الأصل : أميال. والتصويب من شفاء الغرام.

(٣) قوله : ميل ، زيادة من شفاء الغرام.

(٤) شفاء الغرام (١ / ١٢٢).

(٥) أخبار مكة للأزرقي (٢ / ١٣١).

(٦) القرى (ص : ٦٥٢) ، وشفاء الغرام (١ / ١١٤).

(٧) في الأصل : جدر. والمثبت من ب.

(٨) في الأصل : أسابع. والتصويب من شفاء الغرام.

(٩) في شفاء الغرام : سبعة.

(١٠) في شفاء الغرام : وستة.

٤٤١

بتقديم السين ـ وأربعة [أسباع](١) ذراع.

ومقدار ذلك [من الأميال](٢) : ستة أميال ونصف ميل وسبع (٣) سبع ميل يزيد ذراعا وأربعة أسباع ذراع. اه شفاء الغرام (٤).

وحده من جهة جدة قولان : عشرة على ما ذكره الأزرقي (٥) وابن أبي زيد. ونحو ثمانية عشر ميلا على ما ذكره الباجي ، ومنتهاها حد الحرم من جهة جدة ، كما نقل ابن أبي زيد في النوادر.

[وذكر](٦) الأزرقي (٧) : أن منتهى الحرم من هذه الجهة [منقطع](٨) الأعشاش ، بعضها في الحل وبعضها في الحرم ، وكذا الحديبية على ما قاله الشافعي وابن القصار.

وقال الماوردي في الأحكام السلطانية (٩) : إنها في طرف الحل.

وقال مالك : إنها في الحرم ، وهي والأعشاش لا يعرفان اليوم. قاله الفاسي (١٠).

ويقال : إن الحديبية هي البئر التي تعرف ببئر الشميسي. قال الفاسي : وفي هذه الجهة لم تكن أميالا. اه.

__________________

(١) في الأصل : أسابع. والتصويب من شفاء الغرام.

(٢) في الأصل : أميال. وانظر شفاء الغرام.

(٣) في شفاء الغرام : وربع.

(٤) شفاء الغرام (١ / ١٢٣ ـ ١٢٤).

(٥) أخبار مكة للأزرقي (٢ / ١٣٠).

(٦) في الأصل : وذكره.

(٧) أخبار مكة للأزرقي (٢ / ١٣١).

(٨) في الأصل : مقطع. والتصويب من الأزرقي ، الموضع السابق.

(٩) الأحكام السلطانية (ص : ٢٨٧).

(١٠) شفاء الغرام (١ / ١١٣ ـ ١١٤).

٤٤٢

قلت : قد جدد في هذه الجهة أميال في سنة ألف ومائتين [واثنتين](١) وستين في دولة السلطان عبد المجيد خان ، وذلك في أيام نائب السلطنة بمكة سيدنا الشريف محمد بن عون وشريف باشا شيخ الحرم ، وقد أخبرني المعلم عطية مهندس مكة أنهم حين أرادوا بناء هذه الأعلام أخذوا في الذرع من مكة إلى أن انتهوا إلى المحل الذي به الآن ، فوجدوا أثر بناء يدل على أن هذا المحل هو محل أعلام ، وأخبرهم رجل من خزاعة قد كبر في السن أنه رأى بهذا المكان أثر بناء ظاهر ولم يعلم ما هو ، فشرعوا في البناء في ذلك المحل بعد التحرير. هذا ما أخبرني به المعلم بعد صلاة العصر بالمسجد الحرام لخمس مضين من شوال سنة ألف ومائتين [وثلاث](٢) وثمانين. اه.

وبئر بجانبها على يسار الذاهب إلى جدة ، ولم أعلم هل كان ثم أعلام قبل هذه ، أو بنيت بالتحرز والقياس على حدّ الحرم ؛ لأن مثل هذا الأمر لا يكون إلا عن تثبت. انتهى.

وحدّه من جهة الجعرانة قولان : تسعة على ما ذكره الأزرقي (٣) ، واثنا عشر ميلا على ما ذكره ابن خليل. وذكر الأزرقي أن حدّه في هذه الجهة إلى شعب آل خالد (٤).

قال الفاسي (٥) : وحدّ الحرم في هذه الجهة لا يعرف محله الآن ؛ إلا أن بعض أعراب مكة زعم أنه في مقدار نصف الجعرانة ، فسئل عن ذلك قال :

__________________

(١) في الأصل : اثنين.

(٢) في الأصل : ثلاثة.

(٣) أخبار مكة للأزرقي (٢ / ١٣١).

(٤) شفاء الغرام (١ / ١١١) ، وفيه : شعب آل عبد الله بن خالد.

(٥) شفاء الغرام (١ / ١١٢).

٤٤٣

إن الموضع الذي أشار إليه في محاذاة أعلام الحرم من جهة نخلة (١). انتهى.

ذكر عرفات

وعرفات (٢) : موضع الحج ذلك اليوم ، وغلط الجوهري (٣) فقال : موضع بمنى.

سميت عرفة ؛ لأن آدم وحواء تعارفا بها ، أو لقول جبريل عليه‌السلام لإبراهيم عليه‌السلام لما علّمه المناسك : أعرفت؟ قال : عرفت ، أو لأنها مقدّسة ومعظّمة كأنها عرفت ـ أي : طيّبت ـ. كذا في القاموس (٤).

فائدة : كون بعض حدود الحرم قريبة وبعضها بعيدة ؛ لأنه لما نزل الحجر الأسود من الجنة وكان ياقوتة أضاء نوره ، فكان نوره حد الحرم ، وقيل : غير ذلك. انظر البحر العميق.

ولما قال إبراهيم عليه‌السلام : ([وَأَرِنا])(٥)(مَناسِكَنا) [البقرة : ١٢٨] نزل جبريل عليه‌السلام فأراه المناسك ووقفه على حدود الحرم ، فكان إبراهيم عليه‌السلام يرضم الحجارة وينصب الأعلام وجبريل يوقف على الحدود ، وكانت غنم إسماعيل ترعى في الحرم ولا تتجاوز. [قاله](٦) شيخنا في

__________________

(١) هي نخلتان ، اليمانية والشامية ، وكلاهما من أعراض مكة (انظر : معجم البلدان ٥ / ٢٧٧).

(٢) عرفات : بالتحريك ، وهو واحد في لفظ الجمع ، وعرفة : «هي المشعر الأقصى من مشاعر الحج ، على الطريق بين مكة والطائف طريق كرا» على ثلاثة وعشرين كيلا شرقا من مكة ، وهي فضاء واسع تحف به الجبال من الشرق والجنوب والشمال الشرقي (معجم معالم الحجاز ٦ / ٧٣ ، ٧٥).

(٣) الصحاح (٤ / ١٤٠١).

(٤) القاموس المحيط (ص : ١٠٨٠).

(٥) في الأصل : ربنا أرنا. وهو خطأ.

(٦) زيادة على الأصل.

٤٤٤

توضيح المناسك.

وحدود الحرم حددها إبراهيم عليه‌السلام ، ثم قريش ثم بعد قلعهم لها ، ثم سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام الفتح ، ثم عمر بن الخطاب ، ثم معاوية ، ثم عبد الملك بن مروان. وهؤلاء جددوا حدوده بعد إبراهيم عليه‌السلام ؛ لأنهم أحدثوه من عند أنفسهم. انتهى.

أما حدود عرفة ؛ روى الأزرقي (١) عن ابن عباس : أن حدّه من الجبل المشرف على بطن عرنة (٢) إلى جبال عرفة إلى وصيق (٣) إلى ملتقى وصيق إلى وادي عرفة.

وقيل : حد عرفة ما جاوز عرنة ، وليس الوادي [ولا المسجد](٤) منها ، إلى الجبال المقابلة مما يلي حوائط ابن عامر وطريق الحضن (٥) وما جاوز ذلك فليس من عرفة (٦).

وقيل : حد عرفة ما جاوز ما بين الجبل المشرف على بطن عرنة إلى الجبال المقابلة يمينا وشمالا مما يوالي حوائط ابن عامر وطريق الحضن (٧).

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقي (٢ / ١٩٤).

(٢) عرنة : هو ما بين العلمين اللذين هما حدّ عرفة ، والعلمين اللذين هما حدّ الحرم.

(٣) وصيق : واد يسيل من جبل سعد غربا حتى يصب بوادي عرنة. ووادي وصيق هو الحد الشمالي بالإتفاق لموقف عرفة.

(٤) قوله : ولا المسجد ، زيادة من شفاء الغرام (١ / ٥٦١) ، والبحر العميق (٢ / ٤٨).

(٥) الحضن : هو جبل بأعلى نجد ، وهو أول حدود نجد (معجم البلدان ٢ / ٢٧١). قال البلادي في كتابه : معجم المعالم الجغرافية (ص : ١٠٢) : هو من جبال العرب الشهيرة ، ويسمى اليوم حضنا ، وضلع البقوم. وهو جبل شامخ يقع شرق الطائف إلى الشمال ، سكانه قبيلة البقوم ، إذا سرت من الطائف على طريق الرياض ترى حضنا يمينك ، به أودية ومياه كثيرة.

(٦) شفاء الغرام (١ / ٥٦١).

(٧) شفاء الغرام : (١ / ٥٦٢).

٤٤٥

وقيل : حدّ عرفة وادي عرنة إلى حوائط ابن عامر إلى ما أقبل من الصخيرات التي يكون بها موقف الإمام إلى طريق حضن.

قال الطبري (١) : وحوائط ابن عامر عند عرنة ، وبقربه المسجد الذي يجمع فيه الإمام الظهر والعصر ، وهو حائط نخل ، وفيه عين تنسب إلى عبد الله بن عامر.

قال الطبري : وهو الآن خراب.

قلت : لم يبق له أثر ، ولم يعرف هذا الحائط الآن.

قال الطبري : وهذا المسجد يقال له : مسجد عرنة ـ بضم العين وفتح الراء على الصواب ـ. [وقال](٢) عياض : بضمها ، وقيل له : مسجد عرنة ؛ لأنه لو سقط حائطه القبلي الذي من جهة الحرم لسقط في عرفة. انتهى من البحر العميق (٣).

وقيل : مقدم هذا المسجد من عرنة ، ومؤخره من عرفة ـ بالفاء ـ.

ذكره (٤) جماعة من الشافعية ؛ كالشيخ أبو محمد الجويني وابنه.

وقال أبو محمد : ويتميز ذلك بصخيرات كبار فرشت في ذلك الموضع.

وتوقف مالك في إجزاء الوقوف بهذا المسجد ، وفيه لأصحابه قولان : المنع لأصبغ ، والإجزاء لابن المواز ، وهو مقتضى كلام خليل كراهة الوقوف بهذا المسجد (٥).

وطول هذا المسجد من بابه إلى جدره القبلي : مائة ذراع وإحدى

__________________

(١) القرى (ص : ٣٨٤).

(٢) قوله : وقال ، زيادة على الأصل.

(٣) البحر العميق (٢ / ٤٨ ـ ٤٩).

(٤) في الأصل زيادة : ابن ، وهو خطأ.

(٥) شفاء الغرام (١ / ٥٦٦).

٤٤٦

وتسعون ذراعا وربع ، وعرضه من وسط [جداريه : مائة وأربعون](١) ذراع إلا [ثلثا](٢). اه فاسي (٣).

ويقال له : مسجد سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام. كذا في الخرشي.

وفي الحطاب على سيدي خليل : أن نسبته إلى سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام. جزم به الرافعي والنووي وغيرهم ، وأنكر ذلك عز الدين ابن جماعة وقال : ليس لذلك أصل (٤).

وقال بعضهم : إنه منسوب إلى إبراهيم الذي ينسب إليه أحد أبواب المسجد الحرام. قال ابن العجيمي : وهذا المسجد بني في أوائل دولة بني العباس.

وفي المدونة (٥) : كره مالك بنيان مسجد عرفة. قال : لم يكن بها مسجد ، وإنما حدث بنيانه بعد هشام [بعشر سنين](٦).

ثم قال الفاسي : وما قاله فقهاء الشافعية المشار إليه من جعل حد عرفة من جهة مكة الأعلام الثلاث التي عمّرها المظفر صاحب إربل (٧) ، أمر بإنشائها بين منتهى أرض عرفة ووادي عرنة. ووجه مخالفة ذلك : بما ذكره الفقهاء في هذا المسجد أن من ركن المسجد المشار إليه مما يلي عرفة إلى

__________________

(١) في الأصل : جداره مائة.

(٢) في الأصل : ثلث.

(٣) شفاء الغرام (١ / ٥٦٧).

(٤) شفاء الغرام (١ / ٥٦٦ ـ ٥٦٧).

(٥) المدونة الكبرى (٢ / ٣٩٩) ، وانظر : شفاء الغرام (١ / ٥٦٧).

(٦) في الأصل : بعشرين سنة. والمثبت من المدونة وشفاء الغرام.

(٧) إربل : مدينة شهيرة ذات قلاع حصينة من أعمال الموصل (معجم البلدان ١ / ١٣٨).

٤٤٧

محاذاة العلمين الموجودين الآن : سبعمائة ذراع [وأربعة وسبعين ذراعا](١) وثمن ذراع بالحديد وربع ذراع.

ومقتضى كون هذه الأعلام حدّ عرفة أن يكون المسجد المشار إليه ليس من عرفة ، وكذا المسافة التي بين المسجد وبين الأعلام المشار إليها ، وذلك يخالف ما ذكره الفقهاء. انتهى. شفاء الغرام (٢).

وفي أحكام القرى : والمسجد الذي يصلي فيه الإمام يوم عرفة في بطن عرنة ، فإذا خرج الإنسان من البطن يريد الوقوف بعرفة فقد صار بعرنة في حين يخرج من البطن.

ثم قال الفاسي (٣) : والحاصل أنه وقع في حدّ عرفة من هذه الجهة ـ أي : جهة مكة ـ وهو بيّن ، وهما علمان بعد [العلمين اللذين](٤) هما حدّ الحرم إلى جهة عرفة ، وكان ثمة ثلاثة أعلام ، ثم سقط واحد منها ، وهناك حجر مكتوب : إن الآمر بإنشاء هذه بين أرض عرفة ووادي عرنة ، مظفر الدين صاحب إربل سنة خمس وستمائة. انتهى.

قال شيخنا : وليس عرنة من عرفة ولا من الحرم على المشهور للحديث : «عرفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن عرنة» ، وهو الوادي الذي بين العلمين [اللذين](٥) هما حدّ عرفة ، والعلمان اللذان هما حدّ الحرم ما بين الأعلام ليس من عرفة ولا من الحرم بل هو وادي عرنة وهو موقف الشيطان. انتهى.

__________________

(١) ما بين المعكوفين زيادة من شفاء الغرام.

(٢) شفاء الغرام (١ / ٥٦٦).

(٣) شفاء الغرام (١ / ٥٦٦).

(٤) في الأصل : العلمان اللذان.

(٥) في الأصل : اللذان.

٤٤٨

وقال صاحب الغاية : إن وادي عرنة ومسجد إبراهيم ونمرة ليست من عرفات. اه.

ونمرة ـ بفتح النون وكسر الميم ـ [وهو](١) الجبل الذي عليه أنصاب الحرم على يمين الخارج من [مأزمي](٢) عرفات يريد الموقف. قاله الأزرقي (٣).

وروى الأزرقي (٤) عن عطاء بن أبي رباح : أن منزل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنمرة يوم عرفة كان بمنزل الخلفاء اليوم إلى الصخيرات الساقطة بأسفل الجبل على يمينك وأنت ذاهب إلى عرفة.

وقال ابن المنذر : كانت عائشة رضي‌الله‌عنها تنزل هناك ثم تحولت إلى الأراك.

[وفي](٥) المشارق للقاضي عياض (٦) : الأراك قيل : هو من نمرة ، وقيل : هو أراك يستظل به بعرفة ، وقيل : هو من مواقف عرفة من جهة الشام ، ونمرة من جهة [اليمن](٧). اه.

وذكر ابن بطوطة (٨) : أن وادي الأراك (٩) عن يسار العلمين لمن استقبل القبلة.

__________________

(١) في الأصل : عند. والمثبت من الأزرقي (٢ / ١٨٨).

(٢) في الأصل : مأزمين.

(٣) الأزرقي (٢ / ١٨٨).

(٤) أخرجه الأزرقي (٢ / ١٩٣).

(٥) في الأصل : في.

(٦) مشارق الأنوار (١ / ٥٨).

(٧) في الأصل : اليمين. والتصويب من المشارق.

(٨) رحلة ابن بطوطة (١ / ١٨٧).

(٩) الأراك : واد قرب مكة يتصل بغيقة. وقيل : هو موضع من نمرة في موضع من عرفة (معجم البلدان ١ / ١٣٥ ، ومعجم معالم الحجاز ١ / ٨٠ ـ ٨١).

٤٤٩

قال الأزرقي (١) : وتحت جبل نمرة غار أربعة أذرع [في](٢) خمسة ، ذكر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان ينزل هناك يوم عرفة ، ومن الغار إلى مسجد عرفة ألفا ذراع [وأحد عشرة ذراعا](٣).

ثم بعد الظهر يتوجه إلى الموقف ، وليست نمرة من عرفات بل بقربه ، وهي في عرنة ـ بضم العين ـ. قال أبو العباس الحنبلي : وكانت نمرة قرية خارجة عن عرفات جهة اليمن.

وذكر الأزرقي (٤) : أن قريشا كانوا لا يخرجون من الحرم ، ويقفون بنمرة دون عرفة في الحرم. حكاه المحب الطبري (٥) ثم قال : إن نمرة من الحرم فيه ، وكلام الجمهور يدل : أنها ليست منه. انتهى.

ومكان موقفه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في عرفة بعد الزوال وهو على ما قيل الصخيرات الكبار [المفروشة](٦) في طرف الجبيلات الصغار التي كأنها الروابي الصغار عند جبل الرحمة ، وجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بطن ناقته إلى الصخيرات ، وجعل المشاة بين يديه واستقبل القبلة ، وكان موقفه عند النابت.

قال الأزرقي (٧) : والنابت [عند النشرة](٨) التي خلف موقف الإمام ، وأن موقف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان هناك على ضرس مضرس بين أحجار هناك

__________________

(١) الأزرقي : (٢ / ١٨٩).

(٢) في الأصل : أو. والمثبت من الأزرقي (٢ / ١٨٩).

(٣) ما بين المعكوفين زيادة من الأزرقي.

(٤) الأزرقي (١ / ١٨٠).

(٥) القرى (ص : ٣٨٠).

(٦) في الأصل : المفروشتان.

(٧) الأزرقي (٢ / ١٩٤).

(٨) في الأصل : هو النشذات. والمثبت من الأزرقي ، الموضع السابق.

٤٥٠

[ناتئة](١) من جبل ألال (٢).

قال الفاسي (٣) : قال قاضي القضاة بدر الدين : وقد اجتهدت على تعيين موقفه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من جهات متعددة ، ووافقني عليه بعض من نعتمد عليه من محدّثي مكة وعلمائها حتى حصل الظنّ بتعيينه ، وأنه الفجوة [المستعلية](٤) المشرفة على الموقف التي على يمينها ، ووراؤها صخيرات متصلة بصخرات الجبل ، والبناء المربع على يساره وهي إلى الجبل أقرب بقليل ، بحيث يكون الجبل قبالتك والبناء المربع على يسارك بقليل. فإن ظفرت بموقف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهي الغاية القصوى فلازمه ولا تفارقه ، وإن خفي عليك ذلك فقف ما بين الجبل والبناء المذكور على جميع الصخيرات والأماكن التي بينها ، وعلى سهلها تارة وجبالها تارة لعلك أن تصادف الموقف النبوي. انتهى.

وفي شرح جمال الدين بن محمد بن قاضي زاده على منسك ملا رحمة الله السندي بعد نقل كلام [القاضي](٥) بدر الدين ، وأن هذه الفجوة هي التي يقف فيها المغاربة. انتهى.

[وفي](٦) حاشية الشيخ سنبل على منسك الدر : وقد بني على

__________________

(١) في الأصل : نابتة. والمثبت من الأزرقي ، الموضع السابق.

(٢) ألال ـ بفتح الهمزة واللام فألف ولام أخرى ، بوزن حمام ـ : اسم جبل بعرفات. قال ابن دريد : جبل رمل بعرفات عليه يقوم الإمام. وقيل : جبل عن يمين الإمام. وقيل : ألال : جبل عرفة نفسه ، قيل : إنه سمي ألال ؛ لأن الحجيج إذا رأوه ألّوا ، أي اجتهدوا ليدركوا الموقف (معجم البلدان ١ / ٢٤٢ ـ ٢٤٣ ، ومعجم معالم الحجاز ١ / ١٣٢ ـ ١٣٤).

(٣) شفاء الغرام (١ / ٥٦٣ ـ ٥٦٤).

(٤) في الأصل : المستطيلة. والمثبت من شفاء الغرام (١ / ٥٦٣).

(٥) في الأصل : قاضي.

(٦) في الأصل : في.

٤٥١

الصخيرات مسجدا يقال له : مسجد الصخيرات.

قال [بعضهم](١) : والبناء المربع يقال له : بيت آدم عليه الصلاة والسلام.

قال الفاسي (٢) : وكانت سقاية للحاج أمرت بعملها والدة المقتدر.

ومن ركن هذه السقاية [التي](٣) على جبل الرحمة من جهة مكة إلى الموضع الذي يقف فيه الآن المحامل بعرفة : مائة ذراع وأحد عشر ذراعا بالحديد ، يكون ذلك بذراع اليد : مائة ذراع [وستة وعشرين ذراعا وستة أسباع ذراع](٤). ومن موقف المحامل الآن بعرفة إلى ما يقابله من جهة جبل الرحمة : سبعة وثلاثون ذراعا بالحديد ، ومنتهى موقف المحامل بعرفة إلى ركن مسجد نمرة الذي يلي عرفة والطريق : ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة وخمسة وتسعون ذراعا وربع ذراع بالحديد ، وذلك ميل وثلاثة أرباع سبع ميل يزيد ذراعا على القول بأن الميل ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة.

ومن جدر باب بني شيبة إلى الموضع الذي يقف فيه المحامل ـ الآن ـ بعرفة : ثلاثة وأربعون ألف [وثمانية](٥) وثمانون ذراعا وسبع ذراع بذراع اليد ، يكون على ذلك : اثنا عشر ميلا وخمس ميل وعشر عشر ميل يزيد ثلاثة أذرع وسبع (٦).

ومن عتبة باب المعلا إلى موقف المحامل بعرفة : أربعون ألف ذراع

__________________

(١) في الأصل : بعض.

(٢) شفاء الغرام (١ / ٥٦٤).

(٣) في الأصل : الذي.

(٤) في الأصل : وستة عشر ذراعا وسبعة أصابع. والمثبت من : شفاء الغرام (١ / ٥٦٤).

(٥) في الأصل : وثمانمائة. والمثبت من شفاء الغرام ، الموضع السابق.

(٦) شفاء الغرام (١ / ٥٦٤).

٤٥٢

وتسعمائة ذراع وإحدى وستون ذراعا وسبع ذراع بذراع اليد ، يكون ذلك [أحد](١) عشر ميلا وثلاثة أخماس ميل وخمس سبع عشر ميل ، يزيد [ذراعا](٢) وسبع ذراع. وجبل الرحمة كان صعب المرقى فسهّله الوزير الجواد الأصفهاني (٣).

قال أبو الفداء في تاريخه (٤) : توفي سنة خمسمائة [وتسع](٥) وخمسين ، واسمه جمال الدين أبو جعفر محمد بن علي بن أبي منصور الأصفهاني ، وزير قطب الدين صاحب الموصل ، وأوصى أن يدفن بالمدينة المنورة فحمل إلى مكة وطيف به حول الكعبة ، ثم حمل إلى المدينة المنورة ودفن في رباطه الذي بالمدينة الذي بناه لنفسه ، وبينه وبين قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نحو خمسة عشر ذراعا ، وهو بجانب باب البقيع.

وجمال الدين هذا هو الذي جدّد مسجد الخيف بمنى ، وبنى الحجر ـ بكسر الحاء ـ وزخرف الكعبة ، وبنى المسجد الذي على جبل عرفات وعمل الدرج إليه ، وعمل بعرفات مصانع.

قال الفاسي (٦) : وكانت فيه قبة جدّدت في سنة [تسع](٧) وسبعين وسبعمائة بعد سقوطها (٨) ، وما عرفت من أيّ وقت [عمّرت](٩) هذه

__________________

(١) في الأصل : إحدى.

(٢) في الأصل : ذراع.

(٣) شفاء الغرام (١ / ٥٦٥).

(٤) البداية والنهاية (١٢ / ٢٤٨ ـ ٢٤٩) ، والمختصر في أخبار البشر (٣ / ٤١ ـ ٤٢).

(٥) في الأصل : تسعة.

(٦) شفاء الغرام (١ / ٥٦٥).

(٧) في الأصل : تسعة ، وكذا وردت في الموضع التالي.

(٨) إتحاف الورى (٣ / ٤٠٦) ، ودرر الفرائد (ص : ٣١٦).

(٩) قوله : عمّرت ، زيادة من شفاء الغرام (١ / ٥٦٥).

٤٥٣

القبة ، وكانت موجودة في سنة تسع وسبعين وخمسمائة ، ويذكر أنها تنسب لأم سلمة رضي‌الله‌عنها. كذا في شفاء الغرام. اه.

ذكر ابن بطوطة في رحلته (١) : أن بأعلا جبل الرحمة قبة تنسب لأم سلمة ، وفي وسطها مسجد يتزاحم الناس فيه للصلاة. اه.

واستحب العلماء الوقوف بموقف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإلا فعرفات كلها موقف ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الحج عرفة» (٢). فمن وقف بعرفة فقد تم حجّه مطلقا من غير تعيين موضع دون موضع.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «عرفة كلها موقف ، وارتفعوا عن بطن عرنة». وهذا الحديث رواه ابن ماجه (٣) ، وفيه القاسم بن [عبد الله](٤) وهو متروك ، ورواه البيهقي (٥) مرسلا مرفوعا وموقوفا على ابن عباس.

ورواه الحاكم (٦) من حديث ابن عباس مرفوعا : «ارفعوا عن بطن عرنة وارفعوا عن بطن محسر» وقال : إنه صحيح على شرط مسلم.

وعن جبير بن مطعم عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «كل عرفات موقف وارتفعوا عن عرنات ، وكل مزدلفة موقف ، وارتفعوا عن محسر ، وكل فجاج مكة منحر ، وكل أيام التشريق ذبح (٧)» (٨). رواه أحمد.

__________________

(١) رحلة ابن بطوطة (١ / ١٨٧).

(٢) أخرجه الترمذي (٣ / ٢٣٧ ح ٨٨٩) ، والدارقطني (٢ / ٢٤٠ ح ١٩) كلاهما من حديث عبد الرحمن بن يعمر.

(٣) أخرجه ابن ماجه (٢ / ١٠٠٢).

(٤) في الأصل : محمد. وهو خطأ. والتصويب من السنن. وانظر : تقريب التهذيب (ص : ٤٥٠).

(٥) سنن البيهقي (٥ / ١١٥).

(٦) أخرجه الحاكم (١ / ٦٤٧).

(٧) في الأصل : مذبح. والتصويب من المسند. وانظر : البحر العميق (٢ / ٤٧).

(٨) أخرجه أحمد (٤ / ٨٢). وفي الأصل زيادة : عن جابر.

٤٥٤

وعن جابر رضي‌الله‌عنه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «وقفت هاهنا ، وعرفة كلها موقف». أخرجه مسلم ومالك (١) ، وزاد : «وارتفعوا عن بطن عرنة ، والمزدلفة كلها موقف ، وارتفعوا عن بطن محسر». زاد الطحاوي عن ابن عباس : «وشعاب مكة كلها منحر». انتهى من البحر العميق (٢).

[قال](٣) : شيخنا في توضيح المناسك : ويكره الوقوف على جبالها التي ليست في وسطها ، وأما التي في وسطها كجبل الرحمة وغيرها فلا يكره ، ويكره الوقوف بمسجد عرفة ويقال له : مسجد إبراهيم للخلاف هل هو من عرفة أم لا؟

وأما فضل يوم عرفة ... (٤).

وعرفة قيل : اسم للمكان ، وقيل : لليوم. حكاه القرشي (٥).

وإنما سميت عرفة ؛ لأن آدم عليه الصلاة والسلام اجتمع فيه مع حواء ، وقيل : كان جبريل عليه‌السلام لما علّم إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال له : عرفت المناسك؟ قال : نعم ، وقيل غير ذلك. ذكره الحلبي (٦).

تنبيه : في حاشية الصفطي على ابن تركي : وأما ما اشتهر على ألسنة العوام من أنه إن كان الوقوف بعرفة يوم الجمعة فهو أفضل من سبعين حجة ، أو من اثنتين (٧) وسبعين حجة في غير الجمعة ، أو غير ذلك من

__________________

(١) أخرجه مسلم (٢ / ٨٩٣) ، ومالك (١ / ٣٨٨).

(٢) البحر العميق (٢ / ٤٧).

(٣) قوله : قال ، زيادة على الأصل.

(٤) كذا في الأصل.

(٥) البحر العميق (٢ / ٤٨).

(٦) السيرة الحلبية (١ / ٢٤٩).

(٧) في الأصل : اثنين.

٤٥٥

الأعداد المعينة ، فهو باطل لا أصل له عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا عن الصحابة ولا عن التابعين ، كما ذكره سيدي محمد الزرقاني (١) وغيره. انتهى.

لكن ذكر شيخنا العلامة حسين في حاشيته على مناسك الحطاب ولفظه : ذكر الحطاب على منسك سيدي خليل القرافي هل لمصادفة الحج والوقوف يوم الجمعة زيادة فضيلة على وقوف ذلك في غير يوم الجمعة أو هما سواء؟

الذي نراه زيادة ذلك ، ونرى أنه يقتضي مذهب مالك. قلت : حقيق أنه المذهب وأنه يقتضيه مذهب مالك ، وأنه روي أنه أفضل من سبعين حجة في غير يوم الجمعة. انتهى ما ذكره شيخنا.

قال ابن جماعة : ومن حيث سقوط الفرض فلا مزية. انتهى شيخنا في حاشيته على مناسك الحطاب.

ورد أيضا عنه عليه الصلاة والسلام : «إذا كان عرفة يوم الجمعة غفر الله لجميع أهل الموقف» ، وكذا ذكر هذا أبو طالب المكي في قوت القلوب ، ثم ذكر شيخنا أن بعض الطلبة سأل والد ابن جماعة فقال : قد جاء : أن الله يغفر لأهل الموقف ، فما وجه تخصيص ذلك بيوم الجمعة؟

فأجاب ب : يحتمل أن الله يغفر لجميع أهل الموقف في يوم الجمعة بغير واسطة ، وفي غير يوم الجمعة يهب قوما لقوم. انتهى.

ثم قال شيخنا : والحاصل أن لوقفة الجمعة مزية على غيرها بخمسة أوجه :

الأول : أنها أفضل من غيرها بسبعين حجة ؛ للخبر المتقدم.

__________________

(١) شرح الزرقاني (٢ / ٥٣).

٤٥٦

الثاني : كون الله يغفر لجميع أهل الموقف بغير واسطة.

[الثالث](١) : أنه أفضل أيام الأسبوع.

[الرابع](٢) : الساعة التي في يوم الجمعة لا يصادفها عبد مسلم يسأل الله شيئا إلا أعطاه.

[الخامس](٣) : أنها صادفت حجة المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. انتهى.

وفي الشبرخيتي على خليل قال حجّة الإسلام الغزالي (٤) : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن الله وعد هذا البيت أن يحجّه كل سنة ستمائة ألف ، فإن نقصوا كملتهم الملائكة ، وإن الكعبة تحشر كالعروس المزفوفة ، وكل من حجّها يتعلق بأستارها يسعون حولها حتى تدخل الجنة فيدخلون معها» (٥).

قال الحافظ العراقي : ولم أجد لذلك أصلا. انتهى.

قال حجّة الإسلام : يقال : إن الله تعالى إذا غفر ذنبا لعبد في الموقف غفر ذلك الذنب لمن أصابه في ذلك الموقف. انتهى (٦).

وفي الحديث : «أعظم الناس ذنبا من وقف بعرفة وظنّ أن الله لا يغفر له» (٧). رواه الحافظ في تفسيره.

ويروى : أن الشيطان ـ لعنه الله ـ ما رؤي في يوم هو أصغر وأحقر

__________________

(١) في الأصل : الثالثة.

(٢) في الأصل : الرابعة.

(٣) في الأصل : الخامسة.

(٤) إحياء علوم الدين (١ / ٢٤١).

(٥) ذكره العجلوني في كشف الخفاء (١ / ٢٧٨) ، والهروي في المصنوع (ص : ٦٣).

(٦) المرجع السابق (١ / ٢٤٠).

(٧) ذكره العجلوني في كشف الخفاء (١ / ١٦٤).

٤٥٧

وأذلّ من يوم عرفة ، وما ذلك إلا لما يرى من تنزل الرحمات ، وتجاوز الله عن الذنوب العظام (١) ، إذ يقال : إن من الذنوب ذنوبا لا يكفّرها إلا الوقوف بعرفة. انتهى.

وعن العباس بن مرداس السلمي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا لأمته عشية عرفة ، فأجيب له أني قد غفرت لهم ما خلا ظلم بعضهم بعضا ، فإني آخذ من المظلوم للظالم فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنك لقادر أن تغفر للظالم وتعوض المظلوم (٢) من عندك خيرا من مظلمته» فلم يجب له صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك العشية. فلما كان عند المشعر الحرام ووقف به ودعا وأعاد الدعاء لهم ، وتضرع لله في أن يتحمل عنهم المظالم والتبعيات ، فلم يلبث صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن تبسم فقال له أصحابه : أضحك الله سنك ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن إبليس عدو الله لما علم أن الله قد استجاب دعائي لأمتي وغفر لهم المظالم ذهب يدعو بالويل والثبور ويحثو على رأسه التراب فأضحكني ما رأيته من جزعه» (٣). أخرجه ابن ماجه.

وذكر ابن المبارك من حديث أنس بن مالك رضي‌الله‌عنه قال : قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعرفات وقد كادت الشمس أن تغرب فقال : «يا بلال ، أنصت الناس». فقام بلال فقال : أيها الناس ، أنصتوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأنصت الناس فقال : «معاشر الناس إن جبريل أقرأني من ربي السلام وقال : إن الله عزوجل غفر لأهل عرفة وأهل المشعر وضمنت عنهم التبعات». فقام عمر رضي‌الله‌عنه فقال : يا رسول الله ، لنا خاصة هذا؟ قال : «هذا

__________________

(١) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (٣ / ٤٦١) ، والفاكهي في أخبار مكة (٥ / ٢٦ ح ٢٧٦٢) ، ومالك في الموطأ (١ / ٣٣٦ ح ٢٤٥) ، وعبد الرزاق في مصنفه (٤ / ٣٧٨) كلهم من حديث طلحة بن عبيد الله بن كريز.

(٢) هنا يوجد سقط في الأصل قدر عدة لوحات ، وقد استدرك من نسخة ب.

(٣) أخرجه ابن ماجه (٢ / ١٠٠٢ ح ٣٠١٣).

٤٥٨

لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة». فقال عمر رضي‌الله‌عنه : كثير خير الله وطاب (١). اه من مناسك ابن فرحون (٢).

وعن عمرو بن العاص قال : لما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت : ابسط يدك لأبايعك فبسط يده فقبضت يدي فقال : «ما لك يا عمرو؟» قال : قلت : أشترط؟ قال : «تشترط ماذا؟». قلت : أن يغفر لي. قال : «أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله ، وأن الهجرة تهدم ما قبلها ، وأن الحج يهدم ما قبله» (٣). رواه مسلم.

وعن عمر رضي‌الله‌عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «تابعوا بين الحج والعمرة ، فإن المتابعة بينهما تنفي الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد». رواه ابن ماجه (٤).

وروى الترمذي والنسائي وابن حبان عن ابن عباس مرفوعا ولفظه (٥) ... (٦).

ذكر المزدلفة وحدودها

[المزدلفة : الموضع الذي يؤمر الحاج بنزوله والمبيت فيه بعد دفعه من عرفة ليلا ، هو ما بين مأزمي عرفة ومحسر ، ومأزمي عرفة هو الذي يقال له :

__________________

(١) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (٢ / ١٣٠) ، وابن عبد البر في التمهيد (١ / ١٢٨).

(٢) البحر العميق (١ / ٣٠ ـ ٣١).

(٣) أخرجه مسلم (١ / ١١٢).

(٤) أخرجه ابن ماجه (٢ / ٦٩٤).

(٥) لفظ الحديث : «تابعوا بين الحج والعمرة ، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة ، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة». أخرجه الترمذي (٣ / ١٧٥) ، والنسائي (٢ / ٣٢٢) ، وابن حبان (٩ / ٦).

(٦) يوجد هنا أيضا سقط في نسخة ب قدر لوحة. وقد استدركت بداية الفقرة التالية من شفاء الغرام (١ / ٥٨٤ ـ ٥٨٥) إلى قوله : «وهو صغير».

٤٥٩

المضيق ، وقد ذكر حدّ المزدلفة بما ذكرناه جماعة من العلماء منهم : عطاء ، كما في تاريخ الأزرقي عنه (١) ، والإمام الشافعي في كتابه «الأم» (٢) ، لأنه قال : المزدلفة حدّها من حيث يفيض من مأزمي عرفات إلى أن يأتي قرن محسر ، هكذا على يمينك وشمالك من تلك المواطن القوابل ، والظواهر ، والنجاد ، والوادي ، كل ذلك من المزدلفة. انتهى.

وسميت مزدلفة ؛ لازدلاف الناس إليها ـ أي : اقترابهم ـ وقيل : لمجيء الناس إليها في زلف من الليل ـ أي ساعات ـ وقيل : غير ذلك ، ويقال للمزدلفة : جمع ، سميت بذلك لاجتماع الناس بها ، وقيل : لاجتماع آدم وحواء فيها ، وقيل : لجمع الصلاتين فيها. وبها مسجد حول قزح (٣) ، وهو صغير](٤) ، مربع ليس بالطويل [الحيطان](٥) ، طوله إلى جهة القبلة ستة وعشرون [ذراعا](٦) إلا ثلث ذراع غير أن الجهة التي على يسار المصلي تنقص في الطول عن الجهة اليمنى خمسة أذرع إلا [ثلثا](٧) ، وعرضه اثنان وعشرون ذراعا ، وفي قبلته محراب فيه حجر مكتوب : أن الأمير يلبغا [الخاصكي](٨) جدّد هذا المكان بتاريخ القعدة سنة ستين وسبعمائة. وذرع

__________________

(١) الأزرقي (٢ / ١٩٠ ـ ١٩٣).

(٢) الأم (٢ / ٢١٢).

(٣) قزح : جبيل صغير يقع في الطرف الجنوبي الشرقي من مزدلفة ، أقيم عليه اليوم قصر ملكي ، وهو يشرف على مسجد المشعر الحرام من الجنوب ، وبينه وبين ذات السليم (مكسر) الطريقان (٣ و ٤) المؤديان إلى طريق ضب. والجبل الذي كان يعرف (بالمقيدة) لأنهم كانوا يوقدون عليه النار ، ولا زال قزح على حاله لم يؤخذ منه إلا اليسير.

(٤) إلى هنا ينتهي المستدرك من شفاء الغرام.

(٥) قوله : الحيطان ، زيادة من شفاء الغرام (١ / ٥٨٥).

(٦) في ب : ذرعا ، وكذا وردت في الموضع التالي.

(٧) في ب : ثلث.

(٨) في ب : الخصفكي. والمثبت من شفاء الغرام ، الموضع السابق.

٤٦٠