تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-018-5
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦٥٨

وكذا لو أعتق ثمّ تلف [شي‌ء] بعد العتق فالضّمان عليه لا على سيّده.

٧١٨٥. الثالث : إذا حفر بئرا في ملك مشترك بينه وبين غيره بغير إذن ضمن ما تلف به جميعه لأنّه متعدّ بالحفر ، ويحتمل إيجاب نصيب شريكه لأنّه الّذي تعدّى فيه.

ولو حفر بئرا في ملك إنسان أو وضع فيه ما يتعلّق به الضّمان ، فأبرأه المالك من ضمان ما يتلف به ففي الصّحة إشكال ينشأ من أنّ المالك لو أذن فيه ابتداء لم يضمن ، ومن أنّ حصول الضّمان لتعدّيه بالحفر ، والإبراء لا يزيله ، لأنّ الماضي لا يمكن تغييره عن الصّفة الّتي وقع عليها ، ولأنّ الضّمان ليس حقّا للمالك ، فلا يصحّ الإبراء منه ، ولأنّه ابراء ممّا لم يجب ، فلم يصحّ كالإبراء من الشّفعة قبل البيع.

ولو استأجر أجيرا فحفر في ملك غيره بغير إذنه وعلم الأجير ذلك. فالضّمان عليه وحده ، وإن لم يعلم فالضّمان على المستأجر.

ولو استأجر أجيرا ليحفر له في ملكه بئرا أو يا بني له بناء ، فتلف الأجير بذلك لم يضمنه المستأجر لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «البئر جبار ، والعجماء جبار ، والمعدن جبار». (١)

نعم لو كان الأجير عبدا استأجره بغير إذن سيّده ، أو صبيّا بغير إذن وليّه ، فإنّه يضمن لتعدّيه باستعماله وتسبّبه إلى إتلاف حقّ غيره.

ولو حفر بئرا في ملك نفسه ، فوقع فيها إنسان أو دابّة فهلك به ، فإن كان الدّاخل دخل بغير إذن المالك ، فلا ضمان على الحافر ، لعدم العدوان منه ، وإن دخل بإذنه ، والبئر بيّنة مكشوفة ، والدّاخل بصير يبصرها ، فلا ضمان أيضا وإن غفل عن نفسه.

__________________

(١) الوسائل : ١٩ / ٢٠٢ ، الباب ٣٢ من أبواب موجبات الضمان ، الحديث ٢.

٥٤١

وإن كان الدّاخل أعمى ، أو كانت في موضع مظلم ، أو كانت مغطّاة ، فلم يعلم الدّاخل بها حتّى وقع [فيها] ضمن المالك.

ولو اختلفا فادّعى ولي الهالك الإذن والمالك عدمه ، فالقول قول المالك ، ولو ادّعى المالك أنّها كانت مكشوفة ، وادّعى الاخر أنّها كانت مغطّاة ، فالقول قول وليّ الهالك ، لأنّ الظاهر معه ، فإنّ الظّاهر أنّها لو كانت مكشوفة لم يسقط [فيها] ويحتمل تقديم قول المالك لأصالة البراءة وعدم التّغطية.

٧١٨٦. الرابع : إذا بنى في ملكه حائطا أو في موضع مباح ، لم يضمن ما يتلف بوقوعه ، وكذا لو وقع إلى الطّريق (١) فمات إنسان بعثارة ولو بناه مائلا إلى غير ملكه أو إلى الطريق أو بناه في غير ملكه ، ضمن ما يتلفه به.

ولو بناه في ملكه مستويا ، فمال إلى الطريق أو إلى غير ملكه ، وجبت إزالته فإن أهمل مع المكنة ضمن ، ولو وقع قبل التمكّن من الإزالة لم يضمن ما يتلف به لعدم العدوان.

ولو بناه في ملكه مستويا أو مائلا إلى ملكه فسقط من غير استهدام ولا ميل ، فلا ضمان ، وإن مال قبل وقوعه إلى ملكه ولم يتجاوزه ، فلا ضمان عليه.

ولو كان الحائط لصبيّ كان الضمان على الوليّ مع علمه بالميل إلى الطّريق أو إلى ملك الغير ، وتمكّنه من الإزالة وعدمها.

وإذا مال الحائط إلى ملك غيره معيّن ، فأبرأه المالك ، سقط الضّمان عنه ، كذا لو أبراه ساكن الدّار الّتي مال إليها.

__________________

(١) في «أ» : في الطّريق.

٥٤٢

ولو مال إلى ملك مشترك ، أو درب مشترك غير نافذ لم يزل الضمان عنه بإبراء واحد منهم.

وإذا باع الملك والحائط مائل فالضّمان على المشتري ان أهمل مع المكنة ، وإن وهبه ولم يقبضه لم يزل الضّمان عنه.

ولو لم يمل الحائط لكن تشقّق ، فإن لم يظنّ سقوطه ، لكون الشّقوق بالطّول لم يجب نقضه ، وكان حكمه حكم الصحيح ، وإن خيف سقوطه ، بأن تكون الشّقوق بالعرض ، وجب الضمان كالمائل.

٧١٨٧. الخامس : يجوز نصب الميازيب إلى الطّرق ، وهل يضمن لو وقعت فأتلفت؟ قال المفيد رضي‌الله‌عنه : لا ضمان (١) وقال الشيخ رضي‌الله‌عنه : نعم يضمن ، لأنّ نصبها مشروط بالسلامة ، (٢) وفي رواية أبي الصّباح الكناني الصحيحة عن الصّادق عليه‌السلام قال :

«من أضرّ بشي‌ء من طريق المسلمين فهو له ضامن». (٣)

وروى السّكوني عن الصّادق عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«من أخرج ميزابا ، أو كنيفا ، أو أوتد وتدا ، أو أوثق دابّة ، أو حفر شيئا (٤) في طريق المسلمين فأصاب شيئا فعطب فهو له ضامن». (٥)

__________________

(١) المقنعة : ٧٤٩.

(٢) المبسوط : ٧ / ١٨٨ ـ ١٨٩ ؛ الخلاف : ٥ / ٢٩٠ ، المسألة ١١٩ من كتاب الديات.

(٣) الوسائل : ١٩ / ١٧٩ ـ ١٨٠ ، الباب ٨ من أبواب موجبات الضّمان ، الحديث ٢.

(٤) كذا في المصدر ولكن في النسختين : «بئرا».

(٥) الوسائل : ١٩ / ١٨٢ ، الباب ١١ ، من أبواب موجبات الضّمان ، الحديث ١.

٥٤٣

ويحتمل التفصيل ، فإن سقط الميزاب كلّه فعليه نصف الضّمان ، لأنّه تلف بما وضعه على ملكه وملك غيره ، وإن انقصف (١) فسقط منه ما خرج من الحائط ضمن الجميع.

٧١٨٨. السادس : يجوز إخراج الرّواشن والأجنحة في الطّريق المسلوك إذا لم تضرّ بالمارّة ، فلو سقطت خشبة من الرّوشن فأتلف إنسانا أو دابّة أو مالا ، قال الشيخ رضي‌الله‌عنه : يضمن نصف الدّية ، لأنّه هلك عن مباح ومحرّم. (٢)

فعلى هذا لو وقعت خشبة ليست مركّبة على حائطه وجب ضمان ما أتلفت وكذا لو انقصفت الموضوعة على حائطه فسقط الخارج عن الحائط خاصّة ، والبحث في الساباط كذلك.

ولو أخرج الجناح أو الرّوشن أو الساباط في درب غير نافذ بغير إذن أربابه ضمن كالنّافذ ، وهل يضمن من يتعدّى بالدخول في الدّرب بغير اذن أربابه؟ فيه نظر وكذا من حفر بئرا في ملك غيره ، فتلف فيها متعدّ بالدّخول إليه من غير إذن مالكه ولو أذن أرباب الدّرب لم يضمن.

٧١٨٩. السّابع : لو بالت دابّته في طريق ، فزلق به إنسان ، قال الشيخ رضي‌الله‌عنه : يضمن (٣) والأقرب عندي ذلك إن وقف بها ، وإلّا فلا.

ولو وضع جرّة (٤) أو حجرا أو غيرهما على حائطه أو سطحه ، فرمته

__________________

(١) القصف : الكسر. مجمع البحرين.

(٢) المبسوط : ٧ / ١٨٨.

(٣) المبسوط : ٧ / ١٨٩.

(٤) الجرّة ـ بالفتح والتشديد ـ إناء معروف من خزف. لاحظ مجمع البحرين.

٥٤٤

الرّيح على إنسان فقتله ، أو تلف شي‌ء به لم يضمن إذا لم يفرّط في الوضع لأنّه تصرّف في ملكه بغير عدوان ، أما لو فرّط في الوضع بأن وضعها مائلة أو متزلزلة متعرّضة للسّقوط ، فإنّه يضمن لأنّه كالحائط المائل.

٧١٩٠. الثّامن : لو سلّم ولده الصّغير إلى معلّم السّباحة فغرق ضمن المعلّم في ماله لأنّه سلّمه إليه ليحتاط في الحفظ ، ولو لم يفرّط المعلّم ، ففي الضّمان نظر وكذا لو كان الولد مجنونا ، أمّا لو كان بالغا رشيدا فإنّه لا يضمنه إذا لم يفرّط لأنّ الكبير في يد نفسه.

٧١٩١. التّاسع : إذا أضرم نارا في ملك غيره ، ضمن ما يتلف من الأموال والأنفس ـ مع تعذّر الفرار ـ في ماله ، وإن قصد إتلاف النّفس فهو عامد يجب عليه القود في النفس والضمان في المال ، وإن قصد بإضرام النّار إحراق المنزل والمال خاصّة ، وتعدّى الإتلاف إلى النّفس من غير قصد ، ضمن المال في ماله وكانت دية الأنفس على عاقلته ، لأنّه مخط في إتلافها.

وإن لم يقصد الإحراق ، بل أضرم نارا لحاجته ، فتعدّت النّار باتّصال الأحطاب إلى ملك غيره ، ضمن ما يتلف من الأموال في ماله ، ومن الأنفس على عاقلته لأنّه مخط.

وان أضرم النّار في مكان له التصرّف فيه بحقّ ملك أو إجارة ، فإن تعدى في ذلك ، بأن زاد عن قدر (١) الحاجة ، مع غلبة ظنّه بالتعدّي كما في أيّام الأهوية ضمن ، وإن لم يتعدّ ، بأن أضرم قدر الحاجة من غير اتّصال بملك الغير أو بحطبه ، وكان على وجه المعتاد فحملها الرّيح ، أو سرت إلى ملك غيره ، أو عصفت الأهوية بغتة ، فحملتها فاتلفت ، فلا ضمان ، وكذا البحث في فتح المياه.

__________________

(١) في «أ» : بأن زاد على.

٥٤٥

٧١٩٢. العاشر : يجب حفظ الدابة الصّائلة ، كالبعير المغتلم والكلب العقور ، والدّابة العضاضة ، فلو أهمل المالك ضمن جنايتها ، ولو جهل حالها ، أو علم ولم يفرّط فلا ضمان.

ولو جنى على الصائلة جان فإن كان للدّفع فلا ضمان ، وإن كان لغيره ضمن.

ولو جنت الهرّة المملوكة ، قال الشيخ رضي‌الله‌عنه : يضمن المالك بالتفريط في حفظها مع الضّراوة. (١) وفيه إشكال من حيث إنّ العادة لم تجر بربطها ويجوز قتلها حينئذ. (٢) والأقوى ما ذكره الشيخ رضي‌الله‌عنه.

ومن ربط من الحيوانات المؤذية ما لا يحلّ اقتناؤه كالسّبع والحيّة ضمن ما يتلف بسببها.

وإن دخل دار غيره فعقره كلبه فإن كان الدّخول بإذن مالك الدّار ، ضمن عقر الكلب ، وإلّا فلا.

ولو حصل الكلب العقور أو السّنور الضّاري عند إنسان من غير اقتنائه ولا اختياره ، فافسد لم يضمن.

ولو أتلف الكلب بغير العقر ، مثل أن ولغ في إناء إنسان ، أو بال لم يضمن مقتنيه ، لأنّه لا يختصّ بالكلب العقور.

ولو اقتنى سنّورا فأكل فراخ النّاس ضمن ما يتلفه ، وإن لم يكن له عادة لم يضمن ، سواء في ذلك اللّيل والنّهار.

__________________

(١) المبسوط : ٨ / ٧٩.

(٢) كما ذهب إليه المحقّق في الشرائع : ٤ / ٢٥٦.

٥٤٦

ولو اقتنى حماما أو غيره من الطّير فأرسله فلقط حبّا لم يضمنه لأنّه كالبهيمة ، والعادة إرساله.

٧١٩٣. الحادي عشر : لو هجمت دابّة على أخرى فجنت الداخلة ضمن صاحبها إن فرّط في حفظها ، ولو جنت المدخول عليها ، كان هدرا وفي قضيّة عليّ عليه‌السلام في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّه روي :

«إنّ ثورا قتل حمارا على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرفع ذلك إليه وهو في أناس من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر ، فقال : يا أبا بكر اقض بينهم.

فقال : يا رسول الله بهيمة قتلت بهيمة ما عليهما شي‌ء.

فقال : يا عمر اقض بينهم.

فقال مثل قول أبي بكر.

فقال : يا عليّ اقض بينهم.

فقال : نعم يا رسول الله إن كان الثّور دخل على الحمار في مستراحه ضمن أصحاب الثّور ، وإن كان الحمار دخل على الثّور في مستراحه فلا ضمان عليهما.

قال : فرفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده إلى السّماء فقال : الحمد لله الّذي جعل منّي من يقضي بقضاء النبيّين». (١)

٧١٩٤. الثاني عشر : راكب الدّابة يضمن ما تجنيه بيديها ورأسها ، ولا ضمان عليه فيما تجنيه برجليها وكذا القائد.

__________________

(١) الوسائل : ١٩ / ١٩١ ، الباب ١٩ من أبواب موجبات الضّمان ، الحديث ١.

٥٤٧

أمّا لو وقف بها أو ضربها ، ضمن ما تجنيه بيديها ورجليها ، ولو ضربها غيره ضمن الضّارب جنايتها أجمع والسّائق كالواقف.

ولو ركبها اثنان تساويا في الضّمان ، فإن كان الأوّل صغيرا أو مريضا ، وكان المتولّي لأمرها هو الثّاني ، فالضّمان عليه ، ولو كان صاحب الدّابة معها يراعيها ، ضمن ما تجنيه بيديها ورجليها دون الرّاكب ، ولو ألقت الرّاكب فإن كان بتنفير المالك ضمن وإلّا فلا.

ولو كان مع الدّابة قائد وسائق تساويا في الضّمان.

والجمل المقطور على الجمل الّذي عليه راكب يضمن جنايته ، لأنّه في حكم القائد له ، بخلاف الجمل الثالث لأنّه لا يتمكّن من حفظه عن الجناية.

ولو كان مع الدّابّة ولدها أو غيره ، لم يضمن جنايته لأنّه لا يمكنه حفظه.

وحكم الدّابّة فيما قلناه حكم سائر ما يركب من البغال والحمير والجمال وغيرها سواء.

٧١٩٥. الثالث عشر : لو أركب مملوكه دابّة ، ضمن المولى جنايته وبعض الأصحاب شرط صغر المملوك (١) وهو جيّد ولو كان بالغا تعلّقت الجناية برقبته إن كانت على نفس آدميّ ، ولو كانت على مال لم يضمن المولى ، ولا يستسعى العبد ، بل يتّبع به بعد العتق.

٧١٩٦. الرابع عشر : إذا جنت الماشية على الزرع ليلا ، ضمن صاحبها ، لأنّ

__________________

(١) ذهب إليه الحلّي في السرائر : ٣ / ٣٧٢.

٥٤٨

عليه حفظ الماشية باللّيل ، وإن جنت نهارا لم يضمن لأنّ على صاحب الزّرع حفظه بالنّهار ، وعليه دلّت رواية السّكوني. (١)

وهو ضعيف والوجه اشتراط التفريط في الضمان ، فإن تحقّق من صاحب الماشية ضمن سواء كان ليلا أو نهارا ، وكذا لو كان يد المالك أو غيره عليها فأتلفت ضمن ذو اليد ، ولو ضمّها المالك ، فأخرجها غيره ضمن المخرج ، ولو اتلفت البهيمة غير الزرع لم يضمن مالكها ما اتلفت ، إلّا ان يكون يده عليها سواء كان ليلا أو نهارا.

٧١٩٧. الخامس عشر : روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قضى في بعير بين أربعة نفر عقله أحدهم ، فوقع في بئر فانكسر : أنّ على الشّركاء حصّته ، لأنّه حفظه وضيّعوا. (٢)

٧١٩٨. السّادس عشر : إذا أفلتت دابّة من صاحبها فرمت إنسانا فقتلته ، أو كسرت شيئا من أعضائه ، أو أتلفت شيئا من ماله لم يكن على صاحبها ضمان ، وهي قضيّة عليّ عليه‌السلام في زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال الباقر عليه‌السلام :

«بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا عليه‌السلام إلى اليمن ، فأفلت فرس لرجل من أهل اليمن ومرّ يعدو فمرّ برجل فنحفه برجله فقتله فجاء أولياء المقتول إلى الرّجل ، فأخذوه ودفعوه إلى عليّ عليه‌السلام ، فأقام صاحب الفرس البيّنة أنّ فرسه أفلت من داره ونفح الرّجل فأبطل عليّ عليه‌السلام دم صاحبهم ، قال : فجاء أولياء المقتول من اليمن إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : يا رسول الله إنّ عليّا عليه‌السلام ظلمنا وأبطل دم صاحبنا.

__________________

(١) الوسائل : ١٩ / ٢٠٨ ، الباب ٤ من أبواب موجبات الضّمان ، الحديث ١.

(٢) لاحظ الوسائل : ١٩ / ٢٠٧ ، الباب ٣٩ من أبواب موجبات الضمان ، الحديث ١. نقله المصنّف بالمعنى.

٥٤٩

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ عليّا ليس بظلّام ولم يخلق للظّلم ، لأنّ الولاية لعليّ من بعدي ، والحكم حكمه والقول قوله ، لا يردّ ولايته وقوله وحكمه إلّا كافر ، ولا يرضى ولايته وقوله وحكمه إلّا مؤمن ، فلمّا سمع اليمانيّون قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عليّ عليه‌السلام قالوا : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رضينا بحكم عليّ وقوله ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وهو توبتكم ممّا قلتم». (١)

٧١٩٩. السابع عشر : إذا غشيته دابّة فخاف أن تطأه فزجرها عن نفسه ، فجنت على الرّاكب أو على غيره ، لم يكن عليه شي‌ء لأنّه قصد الدّفع عن نفسه ، وإذا استقلّ البعير أو الدابة بحملهما كان صاحبهما ضامنا. (٢)

٧٢٠٠. الثامن عشر : لو خوّف حاملا فأجهضت ، وجب عليه دية الجنين ، ولو ماتت المرأة فزعا وجبت الدّية لها ، ولو استعدى على الحامل فألقت جنينها أو ماتت خوفا ضمن المتعدّي إن كان ظالما بإحضارها عند الحاكم. وكلّما يظهر كونه سببا ، ولكن احتمل حصول الهلاك بغيره فهو كشبيه العمد إذا قصد وما شكّ في كونه سببا احتمل أن يقال : الأصل براءة الذّمة أو الحوالة على السّبب الظّاهر.

٧٢٠١. التاسع عشر : لو أخذ طعام إنسان أو شرابه في برّية أو مكان لا يقدر فيه

__________________

(١) التهذيب : ١٠ / ٢٢٨ ، رقم الحديث ٩٠٠ ، ولاحظ الوسائل : ١٩ / ١٩٢ ، الباب ٢٠ من أبواب موجبات الضّمان ، الحديث ١.

(٢) المسألة منصوصة في كتاب الإجارة وعليها رواية ، لاحظ الوسائل : ١٣ / ٢٧٩ ، الباب ٣٠ من كتاب الإجارة ، الحديث ١٠ ، وأفتى بها الشيخ في النهاية : ٤٤٩ ، وفصّل ابن إدريس بين التفريط والرّعاية فأفتى بالضّمان في الأوّل دون الثاني ، لاحظ السرائر : ٢ / ٤٧١ والمختلف : ٦ / ١٢١ ـ ١٢٢. والمراد : استثقل البعير أو الدّابّة بما حمل عليهما فألقيا ما عليهما من الحمل.

٥٥٠

على طعام وشراب فهلك بذلك وهلكت دابّته ضمن ، ولو اضطرّ إلى طعام وشراب لغيره فطلبه منه فمنعه إيّاه مع غناه في تلك الحال ، فمات ، ضمن المطلوب منه لأنّه باضطراره إليه صار أحقّ من المالك وله أخذه قهرا فمنعه إيّاه سبب إلى إهلاكه (١) بمنعه ما يستحقّه ، ولو لم يطلبه منه لم يضمنه ، وكذا كلّ من رأى إنسانا في مهلكة فلم ينجه منها مع قدرته على ذلك ، لم يلزمه ضمانه.

الفصل الثالث : في اجتماع الموجبات

وفيه عشرة مباحث :

٧٢٠٢. الأوّل : إذا اجتمع المباشر والسّبب ، قدّم المباشر في الضّمان ، ولا يجب على السّبب إلّا مع ضعف المباشرة ، فلو حفر بئرا في طريق فأوقع إنسان غيره فيها فالضّمان على الدافع دون الحافر ، ولو أمسك واحدا فذبحه آخر اقتصّ من الذّابح دون الممسك.

ولو وضع حجرا في كفّة المنجنيق ضمن الجاذب دونه ، أمّا مع ضعف المباشر فالحوالة في الضّمان على السّبب ، كمن غطّى بئرا حفرها في غير ملكه ، فدفع غيره ثالثا من غير علم ، فالضّمان على الحافر ، وكالفارّ من خوف إذا وقع في بئر لا يعلمها.

__________________

(١) في «ب» : فمنعه إيّاه تسبّب إلى إهلاكه.

٥٥١

ولو حفر في ملك نفسه بئرا وسترها ، ودعا غيره ضمن ، لسقوط المباشرة مع الغرور.

ولو وضع صبيّا في مسبعة فافترسه سبع ، وجب الضّمان.

٧٢٠٣. الثّاني : إذا اجتمع سببان ، قدّم الأسبق في الضّمان ، فلو حفر بئرا ونصب آخر حجرا فعثر به إنسان فوقع في البئر ، فالضّمان على واضع الحجر ، هذا إذا تساويا في العدوان ، ولو كان العدوان مختصّا بأحدهما ، ضمن دون صاحبه كمن حفر في ملك نفسه بئرا ، ووضع أجنبيّ حجرا فيه ، ولو نصب (١) سكّينا في بئر فتردّى إنسان على تلك السّكين ، فالضّمان على الحافر مع تساويهما في العدوان.

ولو حفر بئرا قريب العمق ، فعمّقها غيره ، فالضّمان على الأوّل ، ويحتمل تساويهما ، لتناسب الجنايتين ، ولو تعثّر بحجر في الطّريق ، فالضّمان على واضعه.

ولو تعثّر بقاعد ، فالضّمان على القاعد ، ولو تعثّر بقائم فالماشي هدر وضمان القائم على الماشي ، لأنّ الوقوف من مرافق المشي دون القعود.

ولو وقع في حفرة اثنان ، فهلك كلّ منهما بوقوع الاخر ، فالضّمان على الحافر لأنّه كالملقي.

٧٢٠٤. الثالث : روى أبو جميلة عن سعد الإسكاف عن الأصبغ قال : قضى

__________________

(١) في «أ» : ولو كان نصب.

٥٥٢

أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام في جارية ركبت أخرى فنخستها (١) ثالثة فقمصت (٢) المركوبة ، فصرعت الرّاكبة فماتت :

«أنّ ديتها على النّاخسة والمنخوسة بالسّوية». (٣)

وأبو جميلة ضعيف.

وقال المفيد : على النّاخسة والقامصة ثلثا الدية ، ويسقط الثلث لركوبها عبثا. (٤) وهو جيّد.

وقال ابن إدريس : إن كانت النّاخسة ملجئة للقامصة ، فالضّمان عليها ، وإلّا فعلى القامصة. (٥) وهو حسن ، والمشهور بين الأصحاب ما تضمّنته الرواية.

٧٢٠٥. الرابع : روى محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في أربعة شربوا المسكر ، فجرح اثنان ، وقتل اثنان ، فقضى دية المقتولين على المجروحين بعد أن ترفع جراحة المجروحين من الدية ، وإن مات أحد المجروحين ، فليس على أحد من أولياء المقتولين شي‌ء. (٦)

وفي رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنّه جعل دية المقتولين على قبائل الأربعة وأخذ دية جراحة الباقين من دية المقتولين. (٧) وقال ابن إدريس :

__________________

(١) في مجمع البحرين ـ : نخس الدّابّة ، كنصر وجعل : غرز مؤخّرها بعود ونحوه.

(٢) قمص البعير وغيره عند الركوب قمصا ـ من بابي ضرب وقتل ـ وهو أن يرفع يديه معا ويضعهما معا. المصباح المنير : ٢ / ٢٠٠ ، وقال الحليّ في السرائر : ٣ / ٣٧٤ : وهو أن يرفع يديه ويطرحهما معا ويعجن برجله.

(٣) الوسائل : ١٩ / ١٧٨ ـ ١٧٩ ، الباب ٧ من أبواب موجبات الضّمان ، الحديث ١.

(٤) المقنعة : ٧٥٠ ، ولاحظ الإرشاد : ١٠٥ (طبعة النجف الأشرف).

(٥) السرائر : ٣ / ٣٧٤.

(٦) الوسائل : ١٩ / ١٧٢ ، الباب ١ من أبواب موجبات الضّمان ، الحديث ١.

(٧) الوسائل : ١٩ / ١٧٣ ، الباب ١ من أبواب موجبات الضّمان ، الحديث ٢.

٥٥٣

يقتل القاتلان بالمقتولين ، فإن اصطلح الجميع على الدّية ، أخذت كملا من غير نقصان (١).

٧٢٠٦. الخامس : روى السّكوني عن الصّادق عليه‌السلام ومحمد بن قيس عن الباقر عليه‌السلام عن عليّ عليه‌السلام : أنّ ستّة غلمان كانوا في الفرات ، فغرق واحد منهم ، فشهد ثلاثة منهم على اثنين أنّهما غرقاه ، وشهد اثنان على الثّلاثة أنّهم غرقوه ، فقضى بالدّية ثلاثة أخماس على الاثنين وخمسين على الثّلاثة. (٢) وهذه قضيّة في واقعة عرف عليه‌السلام الحكم فيها بذلك ، لخصوصيّة لا تتعدّى إلى غيرها.

٧٢٠٧. السّادس : إذا رمى ثلاثة بالمنجنيق فقتل الحجر أحدهم ، سقط ما قابل فعله من الدّية ، وهو الثّلث ، وضمن الباقيان ثلثي الدّية لورثته ، وتتعلّق الجناية بمن يمدّ الحبال دون ممدّ الخشب أو المساعد بغير المدّ.

ولو قصدوا أجنبيّا بالرمي ، فهو عمد ، ولو لم يقصدوه كان خطأ.

وقال الشيخ رضي‌الله‌عنه : لو اشترك ثلاثة في هدم حائط ، فوقع على أحدهم فقتله ، ضمن الآخران ديته ، لأنّ كلّ واحد ضامن لصاحبه (٣) والوجه عندي أنّهما يضمنان ثلثي ديته.

٧٢٠٨. السّابع : روى الحسين بن سعيد عن النّصر عن عاصم عن محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في أربعة نفر اطّلعوا في زبية الأسد فخرّ أحدهم فاستمسك بالثّاني ، واستمسك الثّاني بالثالث ، واستمسك

__________________

(١) السرائر : ٣ / ٣٧٤.

(٢) الوسائل : ١٩ / ١٧٤ ، الباب ٢ من أبواب موجبات الضّمان ، الحديث ١.

(٣) النهاية : ٧٦٤.

٥٥٤

الثالث بالرّابع ، فقضى بالأوّل فريسة الأسد ، وغرّم أهله ثلث الدّية لأهل الثاني ، وغرّم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدّية ، وغرّم الثّالث لأهل الرّابع الدية كاملة. (١)

وعن مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ قوما احتفروا زبية للأسد باليمن ، فوقع فيها الأسد ، فازدحم النّاس عليها ينظرون إلى الأسد ، فوقع رجل فتعلّق بآخر ، وتعلّق الاخر بآخر ، والاخر بآخر ، فجرحهم الأسد ، فمنهم من مات من جراحة الأسد ، ومنهم من أجرح فمات ، فتشاجروا في ذلك حتّى أخذوا السيوف ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : هلموا أقض بينكم : فقضى أنّ للأوّل ربع الدّية ، وللثّاني ثلث الدّية وللثّالث نصف الدية وللرّابع الدّية كاملة ، وجعل ذلك على قبائل الّذين ازدحموا ، فرضي بعض القوم وسخط بعض ، فرفع ذلك إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخبر بقضاء أمير المؤمنين عليه‌السلام فأجازه (٢).

وفي طريق هذه الرواية إلى مسمع ضعف ، والأولى مشهورة بين الأصحاب ، والوجه عندي أنّ على الأوّل الدّية كاملة لاستقلاله بإتلاف الثّاني ، وعلى الثاني دية الثّالث ، وعلى الثّالث دية الرّابع ، وإن شرّكنا بين مباشر الإمساك ، والمشارك في الجذب ، فعلى الأوّل دية للثّاني ، وعليه وعلى الثّاني دية الثالث ، وعلى الثالث دية الرّابع ، وما حكم به عليّ عليه‌السلام إذا ثبت مخصوص بوقائع اقترنت بأمور أوجب فيها ذلك الحكم الخاصّ.

٧٢٠٩. الثامن : إذا سقط رجل في بئر ، فسقط عليه آخر فقتله ضمنه ، ثمّ إن كان

__________________

(١) الوسائل : ١٩ / ١٧٦ ، الباب ٤ من أبواب موجبات الضّمان ، الحديث ٢.

(٢) الوسائل : ١٩ / ١٧٥ ـ ١٧٦ ، الباب ٤ من أبواب موجبات الضّمان ، الحديث ١ ، صححنا الرواية على الكافي.

٥٥٥

قد تعمّد الرّمي وهو ممّا يقتل غالبا ، وجب القصاص ، وإن كان ممّا لا يقتل غالبا ، فهو شبيه عمد ، وإن وقع خطأ ، فالدّية على عاقلته مخفّفة ، وإن مات الثاني بوقوعه على الأوّل فهو هدر ، سواء مات الأوّل أو لا.

ولو قاد البصير أعمى فوقعا في بئر خرّ البصير أوّلا ووقع الأعمى فوق البصير فقتله ، احتمل تضمين الأعمى دية البصير ، والعدم لأنّه الّذي قاده إلى ذلك المكان ، وكان السّبب في وقوعه عليه ، ولهذا لو فعله قصدا لم يضمنه الأعمى وضمن هو الأعمى.

٧٢١٠. التّاسع : لو سقط إنسان في بئر فجذب غيره ، فوقع المجذوب ، فمات الجاذب بوقوعه عليه ، فالجاذب هدر لأنّه مات من فعله ، فإن مات المجذوب ضمنه الجاذب ، ولو ماتا معا ، فالجاذب هدر وعليه دية الثّاني في ماله.

فإن جذب الثّاني ثالثا ، فماتوا أجمع بوقوع كلّ منهم على صاحبه ، فالأوّل تلف بفعله وفعل الثّاني فيسقط نصف ديته ويضمن الثّاني النّصف ، والثّاني مات بجذبه الثّالث عليه وجذب الأوّل ، فيضمن الأوّل نصف ديته ، ولا ضمان على الثّالث ، وللثّالث الدّية ، فإن رجّحنا المباشرة فديته على الثّاني ، وإن شرّكنا بين القابض والجاذب ، فالدّية على الأوّل والثّاني بالسّوية.

فإن جذب الثّالث رابعا ، فمات بعض على بعض فللأوّل ثلثا الدّية لأنّه مات بجذبه للثّاني عليه (١) ، وبجذب الثّاني الثّالث عليه وبجذب الثّالث الرّابع فيسقط ما قابل فعله ، وبقي الثّلثان على الثّاني والثّالث دون الرّابع.

__________________

(١) في الشرائع : ٤ / ٢٦٠ : «بجذبه الثّاني».

٥٥٦

وللثّاني ثلثا الدّية أيضا ، لأنّه مات بجذب الأوّل ، وبجذبه الثالث وبجذب الثّالث الرّابع عليه فيسقط ما قابل فعله ، وكان على الأوّل والثّالث الثّلثان.

وللثّالث ثلثا الدّية ، لأنّه مات بجذبه الرّابع ، وبجذب الثّاني والأوّل له ، فسقط ما قابل فعله ، ووجب له الثّلثان على الأوّل والثّاني ، ولا شي‌ء على الرّابع ، وله الدية كاملة.

فإن رجّحنا المباشرة فديته على الثالث خاصّة ، وإن شرّكنا بينه وبين المشارك بالجذب ، فديته على الثّلاثة الأول أثلاثا.

ولو وقع أربعة في البئر من غير جذب ، فماتوا بغير الوقوع ، مثل أن يكون البئر عميقا يموت الواقع فيه بنفس الوقوع ، أو كان فيه ماء يغرق الواقع فيقتله ، أو أسد يأكلهم ، فليس على بعضهم ضمان بعض ، لعدم تأثير فعل بعضهم في هلاك بعض وإن شككنا في ذلك ، لم يوجب ضمانا ، عملا بأصالة البراءة.

وإن مات بعضهم بوقوع بعض فدم الرّابع هدر ، لأنّ غيره لم يفعل فيه شيئا ، وإنّما هلك بفعله ، وعليه دية الثّالث ، لأنّه قتله بوقوعه عليه ، ودية الثّاني عليه وعلى الثّالث نصفين ، ودية الأوّل على الثلاثة أثلاثا.

٧٢١١. العاشر : لو حفر بئرا في ملكه فسقط جدار جاره ، لم يضمن إلّا أن يقصّر بمخالفة العادة في سعة البئر (١) بحيث يدخل إلى ملك الجار.

__________________

(١) في «ب» : في سعة بئره.

٥٥٧
٥٥٨

كتاب الدّيات

٥٥٩
٥٦٠