شرح ابن عقيل - ج ١

محمّد محيى الدين عبد الحميد

شرح ابن عقيل - ج ١

المؤلف:

محمّد محيى الدين عبد الحميد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العلوم الحديثة
الطبعة: ١٤
الصفحات: ٦٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

والثّان منقوص ، ونصبه ظهر

ورفعه ينوى ، كذا أيضا يجرّ (١)

شرع فى ذكر إعراب المعتلّ من الأسماء والأفعال ، فذكر أن ما كان مثل «المصطفى ، والمرتقى» يسمى معتلا ، وأشار «بالمصطفى» إلى ما فى آخره ألف لازمة قبلها فتحة ، مثل «عصا ، ورحى» ، وأشار «بالمرتقى» إلى ما فى آخره ياء مكسور ما قبلها ، نحو «القاضى ، والدّاعى».

ثم أشار إلى أن ما فى آخره ألف مفتوح ما قبلها يقدّر فيه جميع حركات الإعراب : الرفع ، والنصب ، والجرّ ، وأنه يسمى المقصور ؛ فالمقصور هو : الاسم المعرب الذى فى آخره ألف لازمة ، فاحترز بـ «الاسم» من الفعل ، نحو يرضى ، وب «المعرب» من المبنى ، نحو إذا ، وب «الألف» من المنقوص ، نحو القاضى كما سيأتى ، وب «لازمة» من المثنّى فى حالة الرفع ، نحو الزّيدان ؛ فإن ألفه لا تلزمه إذ تقلب ياء فى الجر والنصب ، نحو [رأيت] الزّيدين.

وأشار بقوله «والثان منقوص» إلى المرتقى ؛ فالمنقوص هو : الاسم المعرب الذى آخره ياء لازمة قبلها كسرة نحو المرتقى ؛ فاحترز بـ «الاسم» عن الفعل نحو يرمى ، وب «المعرب» عن المبنى ، نحو الّذى ، وبقولنا «قبلها كسرة» عن

__________________

(١) «والثان منقوص» مبتدأ وخبر «ونصبه» الواو عاطفة ، نصب : مبتدأ ، ونصب مضاف والهاء ضمير الغائب العائد على الثانى مضاف إليه «ظهر» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على نصب ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو نصب «ورفعه» الواو عاطفة ، ورفع : مبتدأ ، ورفع مضاف والهاء مضاف إليه «ينوى» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على رفع ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو رفع «كذا» جار ومجرور متعلق بيجر «أيضا» مفعول مطلق لفعل محذوف «يجر» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى المنقوص.

٨١

التى قبلها سكون ، نحو ظبى ورمى ؛ فهذا معتلّ جار مجرى الصحيح : فى رفعه بالضمة ، ونصبه بالفتحة ، وجره بالكسرة.

وحكم هذا المنقوص أنه يظهر فيه النصب (١) ، نحو «رأيت القاضى» ، وقال الله تعالى : (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ) ويقدّر فيه الرفع والجرّ لثقلهما على الياء (٢)

__________________

(١) من العرب من يعامل المنقوص فى حالة النصب معاملته إياه فى حالتى الرفع والجر ؛ فيقدر فيه الفتحة على الياء أيضا ، إجراء للنصب مجرى الرفع والجر ، وقد جاء من ذلك قول مجنون ليلى :

ولو أنّ واش باليمامة داره

ودارى بأعلى حضر موت اهتدى ليا

وقول بشر بن أبى خازم ، وهو عربى جاهلى :

كفى بالنّأى من أسماء كافى

وليس لنأيها إذ طال شافى

فأنت ترى المجنون قال «أن واش» فسكن الياء ثم حذفها مع أنه منصوب ، لكونه اسم أن ، وترى بشرا قال «كافى» مع أنه حال من النأى أو مفعول مطلق.

وقد اختلف النحاة فى ذلك ، فقال المبرد : هو ضرورة ، ولكنها من أحسن ضرورات الشعر ، والأصح جوازه فى سعة الكلام ؛ فقد قرىء (من أوسط ما تطعمون أهاليكم) بسكون الياء.

(٢) من العرب من يعامل المنقوص فى حالتى الرفع والجر كما يعامله فى حالة النصب ، فيظهر الضمة والكسرة على الياء كما يظهر الفتحة عليها ، وقد ورد من ذلك قول جرير ابن عطية :

فيوما يوافين الهوى غير ماضى

ويوما ترى منهنّ غولا تغوّل

وقول الآخر :

لعمرك ما تدرى متى أنت جائى

ولكنّ أقصى مدّة الدّهر عاجل

وقول الشماخ بن ضرار الغطفانى :

كأنّها وقد بدا عوارض

وفاض من أيديهنّ فائض

وقول جرير أيضا :

وعرق الفرزدق شرّ العروق

خبيث الثّرى كابى الأزند

٨٢

نحو «جاء القاضى ، ومررت بالقاضى» ؛ فعلامة الرفع ضمة مقدّرة على الياء ، وعلامة الجر كسرة مقدرة على الياء.

وعلم ممّا ذكر أن الاسم لا يكون فى آخره واو قبلها ضمة ، نعم إن كان مبنيّا وجد ذلك فيه ، نحو هو ، ولم يوجد ذلك فى المعرب إلّا فى الأسماء الستة فى حالة الرفع نحو «جاء أبوه» وأجاز ذلك الكوفيون فى موضعين آخرين ؛ أحدهما : ما سمى به من الفعل ، نحو يدعو ، ويغزو ، والثانى : ما كان أعجميا ، نحو سمندو ، وقمندو.

* * *

وأىّ فعل آخر منه ألف ،

أو واو ، أو ياء ، فمعتلّا عرف (١)

__________________

ولا خلاف بين أحد من النحاة فى أن هذا ضرورة لا تجوز فى حالة السعة ، والفرق بين هذا والذى قبله أن فيما مضى حمل حالة واحدة على حالتين ؛ ففيه حمل النصب على حالتى الرفع والجر ؛ فأعطينا الأقل حكم الأكثر ، ولهذا جوزه بعض العلماء فى سعة الكلام ، وورد فى قراءة جعفر الصادق رضى الله عنه : (من أوسط ما تطعمون أهاليكم) أما هذا ففيه حمل حالتين ـ وهما حالة الرفع وحالة الجر ـ على حالة واحدة وهى حالة النصب ، وليس من شأن الأكثر أن يحمل على الأقل ، ومن أجل هذا اتفقت كلمة النخاة على أنه ضرورة يغتفر منها ما وقع فعلا فى الشعر ، ولا ينقاس عليها.

(١) «أى» اسم شرط مبتدأ ، وأى مضاف و «فعل» مضاف إليه «آخر» مبتدأ «منه» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لآخر ، وهو الذى سوغ الابتداء به «ألف» خبر المبتدأ الذى هو آخر ، والجملة مفسرة لضمير مستتر فى كان محذوفا بعد أى الشرطية : أى فهذه الجملة فى محل نصب خبر كان المحذوفة مع اسمها ، وكان هى فعل الشرط ، وقيل : آخر اسم لكان المحذوفة ، وألف خبرها ، وإنما وقف عليه بالسكون ـ مع أن المنصوب المنون بوقف عليه بالألف ـ على لغة ربيعة التى تقف على المنصوب المنون بالسكون ، ويبعد هذا الوجه كون قوله «أو واو أو ياء» مرفوعين ، وإن أمكن جعلهما خبرا لمبتدأ محذوف وتكون «أو» قد عطفت جملة على جملة «أو واو أو ياء» معطوفان على ألف «فمعتلا» الفاء واقعة فى جواب الشرط ، و «معتلا»

٨٣

أشار إلى أن المعتلّ من الأفعال هو ما كان فى آخره واو قبلها ضمة ، نحو : يغزو ، أو ياء قبلها كسرة ، نحو : يرمى ، أو ألف قبلها فتحة ، نحو : يخشى.

* * *

فالألف انو فيه غير الجزم

وأبد نصب ما كيدعو يرمى (١)

والرّفع فيهما انو ، واحذف جازما

ثلاثهنّ ، تقض حكما لازما (٢)

__________________

حال من الضمير المستتر فى عرف مقدم عليه «عرف» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على فعل ، وخبر «أى» هو مجموع جملة الشرط والجواب على الذى نختاره فى أخبار أسماء الشرط الواقعة مبتدأ ، ولتقدير : أى فعل مضارع كان هو ـ أى الحال والشأن ـ آخره ألف أو واو أو ياء فقد عرف هذا الفعل بأنه معتل ، يريد أن المعتل من الأفعال المعربة هو ما آخره حرف علة ألف أو واو أو ياء.

(١) «فالألف» مفعول لفعل محذوف يفسره ما بعده ، وهو على حذف «فى» توسعا ، والتقدير : ففى الألف انو «انو» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «فيه» جار ومجرور متعلق بانو «غير» مفعول به لانو ، وغير مضاف و «الجزم» مضاف إليه «وأبد» الواو حرف عطف ، أبد : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «نصب» مفعول به لأبد ، ونصب مضاف و «ما» اسم موصول مضاف إليه ، مبنى على السكون فى محل جر «كيدعو» جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة لما «يرمى» معطوف على يدعو مع إسقاط حرف العطف ، يريد أن ما كان من الأفعال المعربة آخره ألف يقدر فيه الرفع والنصب اللذان هما غير الجزم ، وما كان من الأفعال المعربة آخره واو كيدعو أو ياء كيرمى يظهر فيه النصب.

(٢) «والرفع» الواو حرف عطف ، الرفع : مفعول به مقدم على عامله وهو انو الآتى «فيهما» جار ومجرور متعلق بانو «انو» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «واحذف» فعل أمر ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «جزما» حال من فاعل احذف المستتر فيه «ثلاثهن» مفعول ، لا حذف بتقدير مضاف ، ومعمول جازما محذوف ، والتقدير : واحذف أواخر ثلاثهن حال كونك جازما

٨٤

ذكر فى هذين البيتين كيفية الإعراب فى الفعل المعتل ؛ فذكر أن الألف يقدّر فيها غير الجزم ـ وهو الرفع والنصب ـ نحو «زيد يخشى» فيخشى : مرفوع ، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف ، و «لن يخشى» فيخشى : منصوب ، وعلامة النصب فتحة مقدرة على الألف ، وأما الجزم فيظهر ؛ لأنه يحذف له الحرف الآخر ، نحو «لم يخش».

وأشار بقوله : «وأبد نصب ما كيدعو يرمى» إلى أن النصب يظهر فيما آخره واو أو ياء ، نحو «لن يدعو ، ولن يرمى».

وأشار بقوله «والرّفع فيهما انو» إلى أن الرفع يقدّر فى الواو والياء ، نحو «يدعو ، ويرمى» فعلامة الرفع ضمة مقدرة على الواو والياء.

وأشار بقوله : «واحذف جازما ثلاثهنّ» إلى أن الثلاث ـ وهى الألف ، والواو ، والياء ـ تحذف فى الجزم ، نحو «لم يخش ، ولم يغز ، ولم يرم» فعلامة الجزم حذف الألف والواو والياء.

وحاصل ما ذكره : أن الرفع يقدّر فى الألف والواو والياء ، وأن الجزم يظهر فى الثلاثة بحذفها ، وأن النصب يظهر فى الياء والواو ، ويقدّر فى الألف.

* * *

__________________

الأفعال ؛ أو يكون «ثلاثهن» مفعولا لجازما ، ومعمول احذف هو المحذوف ، والتقدير : واحذف أحرف العلة حال كونك جازما ثلاثهن «تقض» فعل مضارع مجزوم فى جواب الأمر الذى هو احذف ، وعلامة جزمه حذف الياء والكسرة قبلها دليل عليها ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «حكما» مفعول به لتقض على تضمينه معنى تؤدى «لازما» نعت لحكما.

٨٥

النّكرة والمعرفة

نكرة : قابل أل ، مؤثّرا ،

أو واقع موقع ما قد ذكرا (١)

النكرة : ما يقبل «أل» وتؤثّر فيه التعريف ، أو يقع موقع ما يقبل «أل» (٢) فمثال ما يقبل «أل» وتؤثر فيه التعريف «رجل» فتقول : الرجل ، واحترز بقوله «وتؤثر فيه التعريف» مما يقبل «أل» ولا تؤثر فيه التعريف ، كعبّاس علما ؛ فإنك تقول فيه : العبّاس ، فتدخل عليه «أل» لكنها لم تؤثر فيه التعريف ؛ لأنه معرفة قبل دخولها [عليه] ومثال ما وقع موقع ما يقبل «أل» ذو : التى بمعنى صاحب ، نحو «جاءنى ذو مال» أى : صاحب مال ، فذو : نكرة ، وهى لا تقبل «أل» لكنها واقعة موقع صاحب ، وصاحب يقبل «أل» نحو الصاحب.

* * *

__________________

(١) «نكرة» مبتدأ ، وجاز الابتداء بها لأنها فى معرض التقسيم ، أو لكونها جارية على موصوف محذوف ، أى : اسم نكرة ، ويؤيد ذلك الأخير كون الخبر مذكرا «قابل» خبر المبتدأ ، ويجوز العكس ، لكن الأول أولى ، لكون النكرة هى المحدث عنها ، وقابل مضاف ، و «أل» مضاف إليه ، مقصود لفظه «مؤثرا» حال من أل «أو» عاطفة «واقع» معطوف على قابل ، و «موقع» مفعول فيه ظرف مكان ، وموقع مضاف و «ما» اسم موصول مبنى على السكون فى محل جر مضاف إليه «قد» حرف تحقيق «ذكرا» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى قابل أل ، والألف للاطلاق ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.

(٢) اعترض قوم على هذا التعريف بأنه غير جامع ، وذلك لأن لنا أسماء نكرات لا تقبل أل ولا تقع موقع ما يقبل أل ، وذلك الحال فى نحو «جاء زيد راكبا» والتمييز

٨٦

وغيره معرفة : كهم ، وذى

وهند ، وابنى ، والغلام ، والّذى (١)

أى : غير النّكرة المعرفة ، وهى ستة أقسام : المضمر كهم ، واسم الإشارة كذى ، والعلم كهند ، والمحلّى بالألف واللام كالغلام ، والموصول كالّذى ، وما أضيف إلى واحد منها كابنى ، وسنتكلم على هذه الأقسام.

* * *

__________________

فى نحو «اشتريت رطلا عسلا» واسم لا النافية للجنس فى نحو «لا رجل عندنا» ومجرور رب فى نحو «رب رجل كريم لقيته».

والجواب أن هذه كلها تقبل أل من حيث ذاتها ، لا من حيث كونها حالا أو تمييزا أو اسم لا.

واعترض عليه أيضا بأنه غير مانع ، وذلك لأن بعض المعارف يقبل أل نحو يهود ومجوس ، فإنك تقول : اليهود ، والمجوس ، وبعض المعارف يقع موقع ما يقبل أل ، مثل ضمير الغائب العائد إلى نكرة ، نحو قولك : لقيت رجلا فأكرمته ، فإن هذا الضمير واقع موقع رجل السابق وهو يقبل أل.

والجواب أن يهود ومجوس اللذين يقبلان أل هما جمع يهودى ومجوسى ؛ فهما نكرتان ، فإن كانا علمين على القبيلين المعروفين لم يصح دخول أل عليهما ، وأما ضمير الغائب العائد إلى نكرة فهو عند الكوفيين نكرة ؛ فلا يضر صدق هذا التعريف عليه ، والبصريون يجعلونه واقعا موقع «الرجل» لا موقع رجل ، وكأنك قلت : لقيت رجلا فأكرمت الرجل ، كما قال تعالى : (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) وإذا كان كذلك فهو واقع موقع ما لا يقبل أل ؛ فلا يصدق التعريف عليه.

(١) «وغيره» غير : مبتدأ ، وغير مضاف والهاء العائد على النكرة مضاف إليه «معرفة» خبر المبتدأ «كهم» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، أى : وذلك كهم «وذى ، وهند ، وابنى ، والغلام ، والذى» كلهن معطوفات على هم ، وفى عبارة المصنف قلب ، وكان حقه أن يقول : والمعرفة غير ذلك ؛ لأن المعرفة هى المحدث عنها.

وهذه العبارة تنبىء عن انحصار الاسم فى النكرة والمعرفة ، وذلك هو الراجح عند

٨٧

فما لذى غيبة أو حضور

 ـ كأنت ، وهو ـ سمّ بالضّمير (١)

يشير إلى أن الضمير : ما دلّ على غيبة كهو ، أو حضور ، وهو قسمان : أحدهما ضمير المخاطب ، نحو أنت ، والثانى ضمير المتكلم ، نحو أنا.

* * *

وذو اتّصال منه ما لا يبتدا

ولا يلى إلّا اختيارا أبدا (٢)

__________________

علماء النحو ، ومنهم قوم جعلوا الاسم على ثلاثة أقسام : الأول النكرة ، وهو ما يقبل أل كرجل وكريم ، والثانى : المعرفة ، وهو ما وضع ليستعمل فى شىء بعينه كالضمير والعلم ، والثالث : اسم لا هو نكرة ولا هو معرفة ، وهو ما لا تنوين فيه ولا يقبل أل كمن وما ، وهذا ليس بسديد.

(١) «فما» اسم موصول مفعول به أول لسم ، مبنى على السكون فى محل نصب «لذى» جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة ما ، وذى مضاف و «غيبة» مضاف إليه «أو» عاطفة «حضور» معطوف على غيبة «كأنت» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، أو متعلق بمحذوف حال من ما «وهو» معطوف على أنت «سم» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بالضمير» جار ومجرور متعلق بسم ، وهو المفعول الثانى لسم.

(٢) «وذو» مبتدأ ، وذو مضاف و «اتصال» مضاف إليه «منه» جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لذى اتصال «ما» اسم موصول خبر المبتدأ ، مبنى على السكون فى محل رفع «لا» نافية «يبتدا» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، والجملة لا محل صلة الموصول. والعائد محذوف ، أى : لا يبتدأ به ، كذا قال الشيخ خالد ، وهو عجيب غاية العجب ؛ لأن نائب الفاعل إذا كان راجعا إلى ما كان هو العائد ، وإن كان راجعا إلى شىء آخر غير مذكور فسد الكلام ، ولزم حذف العائد المجرور بحرف جر مع أن الموصول غير مجرور بمثله ، وذلك غير جائز ، والصواب أن فى قوله يبتدأ ضميرا مستترا تقديره هو يعود إلى ما هو العائد ، وأن أصل الكلام ما لا يبتدأ به ؛ فالجار والمجرور نائب فاعل ، فحذف الجار وأوصل الفعل إلى الضمير فاستتر فيه ، فتدبر ذلك وتفهمه «ولا» الواو عاطفة ، لا : نافية

٨٨

كالياء والكاف من «ابنى أكرمك»

والياء والها من «سليه ما ملك» (١)

الضمير البارز ينقسم إلى : متّصل ، ومنفصل ؛ فالمتصل هو : الذى لا يبتدأ به كالكاف من «أكرمك» ونحوه ، ولا يقع بعد «إلّا» فى الاختيار (٢) ؛ فلا يقال : ما أكرمت إلّاك ، وقد جاء شذوذا فى الشعر ، كقوله :

(١٣) ـ

أعوذ بربّ العرش من فئة بغت

علىّ ؛ فما لى عوض إلّاه ناصر

__________________

«يلى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما ، والجملة معطوفة على جملة الصلة «إلا» قصد لفظه : مفعول به ليلى «اختيارا» منصوب على نزع الخافض ، أى : فى الاختيار «أبدا» ظرف زمان متعلق بيلى.

(١) «كالياء» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، أى : وذلك كائن كالياء «والكاف» معطوف على الياء «من» حرف جر «ابنى» مجرور بمن ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من الياء «أكرمك» أكرم : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ابنى ، والكاف مفعول به ، والجملة فى محل نصب حال من قوله «الكاف» بإسقاط العاطف الذى يعطفها على الحال الأولى «والياء والهاء» معطوفان على الياء السابقة «من» حرف جار لقول محذوف ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف حال ، أى والياء والهاء حال كونهما من قولك ـ إلخ «سليه» سل : فعل أمر ، وياء المخاطبة فاعل ، والهاء مفعول أول «ما» اسم موصول مفعول ثان لسلى «ملك» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة ما.

(٢) أجاز جماعة ـ منهم ابن الأنبارى ـ وقوعه بعد إلا اختيارا ؛ وعلى هذا فلا شذوذ فى البيتين ونحوهما.

١٣ ـ هذا البيت من الشواهد التى لا يعرف لها قائل

اللغة : «أعوذ» ألتجىء وأتحصن ، و «الفئة» الجماعة ، و «البغى» العدوان والظلم ، و «عوض» ظرف يستغرق الزمان المستقبل مثل «أبدا» إلا أنه مختص بالنفى ، وهو مبنى على الضم كقبل وبعد.

٨٩

وقوله :

(١٤) ـ

وما علينا ـ إذا ما كنت جارتنا ـ

أن لا يجاورنا إلّاك ديّار

* * *

__________________

المعنى : إنى ألتجىء إلى رب العرش وأتحصن بحماه من جماعة ظلمونى وتجاوزوا معى حدود النصفة ؛ فليس لى معين ولا وزر سواه.

الإعراب : «أعوذ» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «برب» جار ومجرور متعلق بأعوذ ، ورب مضاف و «العرش» مضاف إليه «من فئة» جار ومجرور متعلق بأعوذ «بغت» بغى : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى فئة ، والتاء للتأنيث ، والجملة فى محل جر صفة لفئة «على» جار ومجرور متعلق ببغى «فما» نافية «لى» جار ومجرور متعلق بمحذوف خير مقدم «عوض» ظرف زمان مبنى على الضم فى محل نصب متعلق بناصر الآتى «إلاه» إلا : حرف استثناء ، والهاء ضمير وضع للغائب ، وهو هنا عائد إلى رب العرش ، مستثنى مبنى على الضم فى محل نصب «ناصر» مبتدأ مؤخر.

الشاهد فيه : قوله «إلاه» حيث وقع الضمير المتصل بعد إلا ، وهو شاذ لا يجوز إلا فى ضرورة الشعر ، إلا عند ابن الأنبارى ومن ذهب نحو مذهبه ؛ فإن ذلك عندهم سائغ جائز فى سعة الكلام ، ولك عندهم أن تحذو على مثاله

١٤ ـ وهذا البيت أيضا من الشواهد التى لا يعرف قائلها.

اللغة : «وما علينا» يروى فى مكانه «وما نبالى» من المبالاة بمعنى الاكتراث بالأمر والاهتمام له والعناية به ، وأكثر ما تستعمل هذه الكلمة بعد النفى كما رأيت فى بيت الشاهد ، وقد تستعمل فى الإثبات إذا جاءت معها أخرى منفية ، وذلك كما فى قول زهير بن أبى سلمى المزنى :

لقد باليت مظعن أمّ أوفى

ولكن أمّ أوفى لا تبالى

و «ديار» معناه أحد ، ولا يستعمل إلا فى النفى العام ، تقول : ما فى الدار من ديار ، وما فى الدار ديور ، تريد ما فيها من أحد ، قال الله تعالى : (وَقالَ نُوحٌ رَبِ

٩٠

..................................................................................

__________________

لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) يريد لا تذر منهم أحدا ، بل استأصلهم وأفنهم جميعا.

المعنى : إذا كنت جارتنا فلا نكترث بعدم مجاورة أحد غيرك ، يريد أنها هى وحدها التى يرغب فى جوارها ويسر له.

الإعراب : «وما» نافية «نبالى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن «إذا» ظرف متضمن معنى الشرط «ما» زائدة «كنت» كان الناقصة واسمها «جارتنا» جارة : خبر كان ، وجارة مضاف ونا : مضاف إليه ، والجملة من كان واسمها وخبرها فى محل جر بإضافة إذا إليها «أن» مصدرية «لا» نافية «يجاورنا» يجاور : فعل مضارع منصوب بأن ، ونا : مفعول به ليجاور «إلاك» إلا : أداة استثناء ، والكاف مستثنى مبنى على الكسر فى محل نصب ، والمستثنى منه ديار الآتى «ديار» فاعل يجاور ، وأن وما دخلت عليه فى تأويل مصدر مفعول به لنبالى ، ومن رواه «وما علينا» تكون ما نافية أيضا ، وعلينا : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، وأن المصدرية وما دخلت عليه فى تأويل مصدر مرفوع يقع مبتدأ مؤخرا ، ويجوز أن تكون ما استفهامية بمعنى النفى مبتدأ ، وعلينا : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ؛ والمصدر المؤول من أن وما دخلت عليه منصوب على نزع الخافض ، وكأنه قد قال : أى شىء كائن علينا فى عدم مجاورة أحد لنا إذا كنت جارتنا ، ويجوز أن تكون ما نافية ، وعلينا : متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف ، والمصدر منصوب على نزع الخافض أيضا والتقدير على هذا : وما علينا ضرر فى عدم مجاورة أحد لنا إذا كنت أنت جارتنا.

الشاهد فيه : قوله «إلاك» حيث وفع الضمير المتصل بعد إلا شذوذا.

وقال المبرد : ليست الرواية كما أنشدها النحاة «إلاك» وإنما صحة الرواية :

* ألّا يجاورنا سواك ديّار*

وقال صاحب اللب : رواية البصريين :

* ألّا يجاورنا حاشاك ديّار*

فلا شاهد فيه على هاتين الروايتين ؛ فتفطن لذلك.

٩١

وكلّ مضمر له البنا يجب ،

ولفظ ما جرّ كلفظ ما نصب (١)

المضمرات كلّها مبنية ؛ لشبهها بالحروف فى الجمود (٢) ، ولذلك لا تصغّر

__________________

(١) «وكل» مبتدأ أول ، وكل مضاف و «مضمر» مضاف إليه «له» جار ومجرور متعلق بيجب الآتى «البنا» مبتدأ ثان «يجب» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى البنا ، والجملة من الفعل وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ الثانى ، وجملة المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول «ولفظ» مبتدأ ولفظ مضاف و «ما» اسم موصول مضاف إليه مبنى على السكون فى محل جر «جر» فعل ماض مبنى للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة «كلفظ» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ ، ولفظ مضاف و «ما» اسم موصول مضاف إليه «نصب» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما المجرورة محلا بالإضافة ، والجملة من الفعل ونائب فاعله لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.

(٢) قد عرفت ـ فيما مضى أول باب المعرب والمبنى ـ أن الضمائر مبنية لشبهها بالحروف شبها وضعيا ، بسبب كون أكثرها قد وضع على حرف واجد أو حرفين ، وحمل ما وضع على أكثر من ذلك عليه ، حملا للأقل على الأكثر ، وقد ذكر الشارح فى هذا الموضع وجها ثانيا من وجوه شبه الضمائر بالحروف ، وهو ما سماه بالشبه الجمودى ، وهو : كون الضمائر بحيث لا تتصرف تصرف الأسماء ؛ فلا تثنى ولا تصغر ، وأما نحو «هما وهم وهن وأنتما وأنتم وأنتن» ، فهذه صيغ وضعت من أول الأمر على هذا الوجه ، وليست علامة المثنى والجمع طارئة عليها.

ونقول : قد أشبهت الضمائر الحروف فى وجه ثالث ، وهى أنها مفتقرة فى دلالتها على معناها البتة إلى شىء ، وهو المرجع فى ضمير الغائب ، وقرينة التكلم أو الخطاب فى ضمير الحاضر ، وأشبهته فى وجه رابع ، وهو أنها استغنت بسبب اختلاف صيغها عن أن تعرب فأنت ترى انهم قد وضعوا للرفع صيغة لا تستعمل فى غيره ، وللنصب صيغة أخرى ولم يجيزوا إلا أن تستعمل فيه ؛ فكان مجرد الصيغة كافيا لبيان موقع الضمير ، فلم يحتج للاعراب ليبين موقعه ، فأشبه الحروف فى عدم الحاجة إلى الإعراب ، وإن كان سبب عدم الحاجة مختلفا فيهما (وانظر ص ٢٨ ، ٣٢).

٩٢

ولا تثنّى ولا تجمع ، وإذا ثبت أنها مبنية : فمنها ما يشترك فيه الجرّ والنصب ، وهو : كل ضمير نصب أو جر متّصل ، نحو : أكرمتك ، ومررت بك ، وإنّه وله ؛ فالكاف فى «أكرمتك» فى موضع نصب ، وفى «بك» فى موضع جر ، والهاء فى «إنه» فى موضع نصب ، وفى «له» فى موضع جر.

ومنها ما يشترك فيه الرفع والنصب والجر ، وهو «نا» ، وأشار إليه بقوله :

للرّفع والنّصب وجرّ «نا» صلح

كاعرف بنا فإنّنا نلنا المنح (١)

أى : صلح لفظ «نا» للرفع ، نحو نلنا ، وللنصب ، نحو فإنّنا ، وللجر ، نحو بنا.

ومما يستعمل للرفع والنصب والجر : الياء ؛ فمثال الرفع نحو «اضربى» ومثال النصب نحو «أكرمنى» ومثال الجر نحو «مرّ بى».

ويستعمل فى الثلاثة أيضا «هم» ؛ فمثال الرفع «هم قائمون» ومثال النصب «أكرمتهم» ومثال الجر «لهم».

وإنما لم يذكر المصنف الياء وهم لأنهما لا يشبهان «نا» من كل وجه ؛ لأن «نا» تكون للرفع والنصب والجر والمعنى واحد ، وهى ضمير متّصل

__________________

(١) «للرفع» جار ومجرور متعلق بصلح الآتى «والنصب وجر» معطوفان على الرفع و «نا» مبتدأ ، وقد قصد لفظه «صلح» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى نا ، والجملة من صلح وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ «كاعرف» الكاف حرف جر ، والمجرور محذوف ، والتقدير : كقولك ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، واعرف : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بنا» جار ومجرور متعلق باعرف «فإننا» الفاء تعليلية ، وإن حرف توكيد ونصب ، ونا : اسمها «نلنا» فعل وفاعل ، والجملة من نال وفاعله فى محل رفع خبر إن «المنح» مفعول به لنال ، منصوب بالفتحة الظاهرة ، وسكن لأجل الوقف.

٩٣

فى الأحوال الثلاثة ، بخلاف الياء ؛ فإنها ـ وإن استعملت للرفع والنصب والجر ، وكانت ضميرا متصلا فى الأحوال الثلاثة ـ لم تكن بمعنى واحد فى الأحوال الثلاثة ؛ لأنها فى حالة الرفع للمخاطب ، وفى حالتى النصب والجر للمتكلم ، وكذلك «هم» ؛ لأنها ـ وإن كانت بمعنى واحد فى الأحوال الثلاثة ـ فليست مثل «نا» ؛ لأنها فى حالة الرفع ضمير منفصل ؛ وفى حالتى النصب والجر ضمير متصل.

* * *

وألف والواو والنّون لما

غاب وغيره ، كقاما واعلما (١)

الألف والواو والنون من ضمائر الرفع المتصلة ، وتكون للغائب وللمخاطب ؛ فمثال الغائب «الزّيدان قاما ، والزّيدون قاموا ، والهندات قمن» ومثال المخاطب «اعلما ، واعلموا ، واعلمن» ، ويدخل تحت قول المصنف «وغيره» المخاطب والمتكلم ، وليس هذا بجيد ؛ لأن هذه الثلاثة لا تكون للمتكلم أصلا ، بل إنما تكون للغائب أو المخاطب كما مثلنا.

* * *

__________________

(١) «ألف» مبتدأ ـ وهو نكرة ، وسوغ الابتداء به عطف المعرفة عليها «والواو ، والنون» معطوفان على ألف «لما» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ «غاب» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ما ، والجملة لا محل لها صلة ما «وغيره» الواو حرف عطف ، غير : معطوف على ما ، وغير مضاف والضمير مضاف إليه «كقاما» الكاف جارة لقول محذوف ، والجار والمجرور يتعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، أى وذلك كائن كقولك ، وقاما : فعل ماض وفاعل «واعلما» الواو عاطفة ، واعلما : فعل أمر ، وألف الاثنين فاعله ، والجملة معطوفة بالواو على جملة قاما.

٩٤

ومن ضمير الرّفع ما يستتر

كافعل أوافق نغتبط إذ تشكر (١)

ينقسم الضمير إلى مستتر وبارز (٢) ، والمستتر إلى واجب الاستتار وجائزه.

__________________

(١) «من ضمير ، جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، وضمير مضاف. و «الرفع» مضاف إليه «ما» اسم موصول مبتدأ مؤخر ، مبنى على السكون فى محل رفع «يستتر» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما ، والجملة لا محل لها صلة ما «كافعل» الكاف جارة لقول محذوف ، والجار والمجرور يتعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : وذلك كقولك. وافعل : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «أوافق» فعل مضارع مجزوم فى جواب الأمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «نغتبط» بدل من أوافق «إذ» ظرف وضع للزمن الماضى ، ويستعمل مجازا فى المستقبل ، وهو متعلق بقوله «نغتبط» مبنى على السكون فى محل نصب «تشكر» فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والجملة فى محل جر بإضافة إذ إليها.

(٢) المنقسم هو الضمير المتصل لا مطلق الضمير ، والمراد بالضمير البارز ما له صورة فى اللفظ حقيقة نحو الناء والهاء فى أكرمته ، والياء فى ابنى ، أو حكما كالضمير المتصل المحذوف من اللفظ جوازا فى نحو قولك : جاء الذى ضربت ؛ فإن التقدير جاء الذى ضربته ، فحذفت التاء من اللفظ ، وهى منوبة ؛ لأن الصلة لا بد لها من عائد يربطها بالموصول. ومن هنا تعلم أن البارز ينقسم إلى قسمين : الأول المذكور ، والثانى المحذوف ، والفرق بين المحذوف والمستتر من وجهين ، الأول : أن المحذوف يمكن النطق به ، وأما المستتر فلا يمكن النطق به أصلا ، وإنما يستعيرون له الضمير المنفصل ـ حين يقولون : مستتر جوازا تقديره هو ، أو يقولون : مستتر وجوبا تقديره أنا أو أنت ـ وذلك لقصد التقريب على المتعلمين ، وليس هذا هو نفس الضمير المستتر على التحقيق ، والوجه الثانى : أن الاستتار يختص بالفاعل الذى هو عمدة فى الكلام ، وأما الحذف فكثيرا ما يقع فى الفضلات ، كما فى المفعول به فى المثال السابق ، وقد يقع فى العمد فى غير الفاعل كما فى المبتدأ ، وذلك كثير فى العربية ، ومنه قول سويد بن أبى كاهل اليشكرى ، فى وصف امرىء يضمر بغضه :

مستسرّ الشّنء ، لو يفقدنى

لبدا منه ذباب فنبع

٩٥

والمراد بواجب الاستتار : ما لا يحلّ محلّه الظاهر ، والمراد بجائز الاستتار : ما يحلّ محله الظاهر.

وذكر المصنف فى هذا البيت من المواضع التى يجب فيها الاستتار أربعة :

الأول : فعل الأمر للواحد المخاطب كافعل ، التقدير أنت ، وهذا الضمير لا يجوز إبرازه ؛ لأنه لا يحلّ محلّه الظاهر ؛ فلا تقول : افعل زيد ، فأما «افعل أنت» فأنت تأكيد للضمير المستتر فى «افعل» وليس بفاعل لا فعل ؛ لصحة الاستغناء عنه ؛ فتقول : افعل ؛ فإن كان الأمر لواحدة أو لاثنين أو لجماعة برز الضمير ، نحو اضربى ، واضربا ، واضربوا ، واضربن.

الثانى : الفعل المضارع الذى فى أوله الهمزة ، نحو «أوافق» والتقدير أنا ، فإن قلت «أوافق أنا» كان «أنا» تأكيدا للضمير المستتر.

الثالث : الفعل المضارع الذى فى أوّله النون ، نحو «نغتبط» أى نحن.

الرابع : الفعل المضارع الذى فى أوّله التاء لخطاب الواحد ، نحو «تشكر» أى أنت ؛ فإن كان الخطاب لواحدة أو لاثنين أو لجماعة برز الضمير ، نحو أنت تفعلين ، وأنتما تفعلان ، وأنتم تفعلون ، وأنتنّ تفعلن.

هذا (١) ما ذكره المصنف من المواضع التى يجب فيها استتار الضمير.

__________________

يريد هو مستسر البغض ، فحذف الضمير ؛ لأنه معروف ينساق إلى الذهن ، ومثل ذلك أكثر من أن يحصى فى كلام العرب.

(١) وبقيت مواضع أخرى يجب فيها استتار الضمير ، الأول : اسم فعل الأمر ، نحو صه ، ونزال ، ذكره فى التسهيل ، والثانى : اسم فعل المضارع ، نحو أف وأوه ، ذكره أبو حيان ، والثالث : فعل التعجب ، نحو ما أحسن محمدا ، والرابع : أفعل التفضيل ، نحو محمد أفضل من على ، والخامس : أفعال الاستثناء ، نحو قاموا ما خلا عليا ، أو ما عدا بكرا ، أو لا يكون محمدا. زادها ابن هشام فى التوضيح تبعا لابن مالك فى باب الاستثناء من التسهيل ، وهو حق ، السادس : المصدر النائب عن فعل الأمر ،

٩٦

ومثال جائز الاستتار : زيد يقوم ، أى هو ، وهذا الضمير جائز الاستتار ؛ لأنه يحلّ محلّه الظاهر ؛ فتقول : زيد يقوم أبوه ، وكذلك كلّ فعل أسند إلى غائب أو غائبة ، نحو هند تقوم ، وما كان بمعناه ، نحو زيد قائم ، أى هو.

* * *

وذو ارتفاع وانفصال : أنا ، هو ،

وأنت ، والفروع لا تشتبه (١)

تقدم أن الضمير ينقسم إلى مستتر وإلى بارز ، وسبق الكلام فى المستتر ، والبارز ينقسم إلى : متّصل ، ومنفصل ؛ فالمتّصل يكون مرفوعا ، ومنصوبا ، ومجرورا ، وسبق الكلام فى ذلك ، والمنفصل يكون مرفوعا ومنصوبا ، ولا يكون مجرورا.

وذكر المصنف فى هذا البيت المرفوع المنفصل ، وهو اثنا عشر : «أنا» للمتكلم وحده ، و «نحن» للمتكلم المشارك أو المعظّم نفسه ، و «أنت» للمخاطب ، و «أنت» للمخاطبة ، و «أنتما» للمخاطبين أو المخاطبتين ، و «أنتم» للمخاطبين ، و «أنتنّ» للمخاطبات ، و «هو» للغائب ،

__________________

نحو قول الله تعالى (فَضَرْبَ الرِّقابِ) وأما مرفوع الصفة الجارية على من هى له فجائز الاستتار قطعا. وذلك نحو «زيد قائم» ألا ترى أنك تقول فى تركيب آخر «زيد قائم أبوه» وقد ذكره الشارح فى جائز الاستتار ، وهو صحيح ، وكذلك مرفوع نعم وبئس ، نحو «نعم رجلا أبو بكر ، وبئست امرأة هند» ؛ وذلك لأنك تقول فى تركيب آخر «نعم الرجل زيد ، وبئست المرأة هند».

(١) «وذو» مبتدأ ، وذو مضاف و «ارتفاع» مضاف إليه «وانفصال» معطوف على ارتفاع «أنا» خبر المبتدأ «هو ، وأنت» معطوفان على أنا «والفروع» مبتدأ «لا» نافية «تشتبه» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى الفروع ، والجملة من الفعل المضارع المنفى وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ ، الذى هو الفروع.

٩٧

و «هى» للغائبة ، و «هما» للغائبين أو الغائبتين ، و «هم» للغائبين ، و «هنّ» للغائبات.

* * *

وذو انتصاب فى انفصال جعلا :

إيّاى ، والتّفريع ليس مشكلا (١)

أشار فى هذا البيت إلى المنصوب المنفصل ، وهو اثنا عشر : «إيّاى» للمتكلّم وحده ، و «إيانا» للمتكلم المشارك أو المعظّم نفسه ، و «إياك» للمخاطب ، و «إيّاك» للمخاطبة ، و «إياكما» للمخاطبين أو المخاطبتين ، و «إياكم» للمخاطبين ، و «إيّاكنّ» للمخاطبات ، و «إياه» للغائب ، و «إياها» للغائبة ، و «إياهما» للغائبين أو الغائبتين ، و «إيّاهم» للغائبين ، و «إياهنّ» للغائبات (٢).

* * *

__________________

(١) «وذو» مبتدأ ، وذو مضاف و «انتصاب» مضاف إليه «فى انفصال» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستتر فى جعل الآتى «جعلا» فعل ماض ، مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ذو «إياى» مفعول ثان لجعل ، والجملة من جعل ومعموليه فى محل رفع خبر المبتدأ «والتفريع» مبتدأ «ليس» فعل ماض ناقص يرفع الاسم وينصب الخبر واسمها ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على التفريع «مشكلا» خبر ليس ، والجملة من ليس واسمها وخبرها فى محل رفع خبر المبتدأ.

(٢) اختلف فى هذه اللواحق التى بعد «إيا» فقيل : هى حروف تبين الحال وتوضح المراد من «إيا» متكلما أو مخاطبا أو غائبا ، مفردا أو مثنى أو مجموعا ، ومثلها مثل الحروف التى فى أنت وأنتما وأنتن ، ومثل اللواحق فى أسماء الإشارة نحو تلك وذلك وأولئك ، وهذا مذهب سيبويه والفارسى والأخفش ، قال أبو حيان : وهو الذى صححه أصحابنا وشيوخنا.

٩٨

وفى اختيار لا يجىء المنفصل

إذا تأتّى أن يجىء المتّصل (١)

كلّ موضع أمكن أن يؤتى فيه بالضمير المتّصل لا يجوز العدول عنه إلى المنفصل ، إلا فيما سيذكره المصنف ؛ فلا تقول فى أكرمتك «أكرمت إيّاك» لأنه يمكن الإتيان بالمتصل ؛ فتقول : أكرمتك.

__________________

وذهب الخليل والمازنى ، واختاره ابن مالك ، إلى أن هذه اللواحق أسماء ، وأنها ضمائر أضيفت إليها «إيا» زاعمين أن «إيا» أضيفت إلى غير هذه اللواحق فى نحو «إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب» فيكون فى ذلك دليل على أن اللواحق أسماء.

وذلك باطل لوجهين ؛ الأول : أن هذا الذى استشهدوا به شاذ ، ولم تعهد إضافة الضمائر. والثانى أنه لو صح ما يقولون لكانت «إيا» ونحوها ملازمة للاضافة ، وقد علمنا أن الإضافة من خصائص الأسماء المعربة ؛ فكان يلزم أن تكون إيا ونحوها معربة ، ألست ترى أنهم أعربوا «أى» الموصولة والشرطية والاستفهامية لما لازمها من الإضافة؟

وقال الفراء : إن «إيا» ليست ضميرا ، وإنما هى حرف عماد جىء به توصلا للضمير ، والضمير هو اللواحق ، ليكون دعامة يعتمد عليها ؛ لتمييز هذه اللواحق عن الضمائر المتصلة.

وزعم الزجاج أن الضمائر هى اللواحق موافقا فى ذلك للفراء ، ثم خالفه فى «إيا» فادعى أنها اسم ظاهر مضاف إلى الكاف والياء والهاء.

وقال ابن درستويه : إن هذا اسم ليس ظاهرا ولا مضمرا ، وإنما هو بين بين.

وقال الكوفيون : المجموع من «إيا» ولواحقها ضمير واحد.

(١) «وفى اختيار» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من فاعل يجىء الآتى «لا» نافية «يجىء» فعل مضارع «المنفصل» فاعل يجىء «إذا» ظرف لما يستقبل من الزمان «تأنى» فعل ماض «أن» حرف مصدرى ونصب «يجىء» فعل مضارع منصوب بأن «المتصل» فاعل يجىء ، وأن وما دخلت عليه فى تأويل مصدر فاعل تأتى ، والتقدير : تأتى مجىء المتصل ، والجملة من تأتى وفاعله فى محل جر بإضافة إذا إليها ، وجواب إذا محذوف لدلالة ما قبله عليه ، والتقدير : إذا تأتى مجىء المتصل فلا يجىء المنفصل.

٩٩

فإن لم يمكن الإتيان بالمتصل تعين المنفصل ، نحو إيّاك أكرمت (١) ، وقد

__________________

(١) اعلم أنه يتعين انفصال الضمير ، ولا يمكن المجىء به متصلا ، فى عشرة مواضع : الأول : أن يكون الضمير محصورا ، كقوله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) وكقول الفرزدق :

أنا الذّائد الحامى الذّمار ، وإنّما

يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلى

إذ التقدير : لا يدافع عن أحسابهم إلا أنا أو مثلى

ومن هذا النوع قول عمرو بن معديكرب الزبيدى :

قد علمت سلمى وجاراتها

ما قطّر الفارس إلا أنا

الثانى : أن يكون الضمير مرفوعا بمصدر مضاف إلى المنصوب به ، نحو «عجبت من ضربك هو» وكقول الشاعر :

بنصركم نحن كنتم فائزين ، وقد

أغرى العدى بكم استسلامكم فشلا

الثالث : أن يكون عامل الضمير مضمرا ، نحو قول السموأل :

وإن هو لم يحمل على النّفس ضيمها

فليس إلى حسن الثناء سبيل

وكقول لبيد بن ربيعة :

فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب

لعلّك تهديك القرون الأوائل

الرابع : أن يكون عامل الضمير متأخرا عنه ، كقوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وهذا هو الموضع الذى أشار إليه الشارح.

الخامس : أن يكون عامل الضمير معنويا ، وذلك إذا وقع الضمير مبتدأ ، نحو «اللهم أنا عبد أثيم ، وأنت مولى كريم» ومنه «أنا الذائد» فى بيت الفرزدق السابق.

السادس : أن يكون الضمير معمولا لحرف نفى ، كقوله تعالى : (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ)(ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ)(وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ)(إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) وكقول الشاعر :

إن هو مستوليا على أحد

إلّا على أضعف المجانين

السابع : أن يفصل بين الضمير وعامله بمعمول آخر ، كقوله تعالى : (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ) وكقول الشاعر :

١٠٠