شرح ابن عقيل - ج ١

محمّد محيى الدين عبد الحميد

شرح ابن عقيل - ج ١

المؤلف:

محمّد محيى الدين عبد الحميد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العلوم الحديثة
الطبعة: ١٤
الصفحات: ٦٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

وكلام المصنف محتمل للقولين ، وجزم بالثانى فى التسهيل ، ومذهب الأخفش أنها لا تعمل شيئا ، وأنه إن وبد الاسم بعدها منصوبا فناصبه فعل مضمر ، والتقدير «لات أرى حين مناص» وإن وجد مرفوعا فهو مبتدأ والخبر محذوف ، والتقدير «لات حين مناص كائن لهم» والله أعلم.

* * *

__________________

على الزمان كساعة ووقت وزمان وأوان ونحو ذلك ، وفى المسألة كلام طويل لا يليق بسطه بهذه العجالة.

ومثل البيت الشاهد ما أنشده ابن السكيت فى كتاب الأضداد ، وهو :

ولتعرفنّ خلائقا مشمولة

ولتندمنّ ولات ساعة مندم

٣٢١

أفعال المقاربة

ككان كاد وعسى ، لكن ندر

غير مضارع لهذين خبر (١)

هذا هو القسم الثانى من الأفعال الناسخة [للابتداء] ، وهو «كاد» وأخواتها ، وذكر المصنف منها أحد عشر فعلا ، ولا خلاف فى أنها أفعال ، إلا عسى ؛ فنقل الزاهد عن ثعلب أنها حرف ، ونسب أيضا إلى ابن السّرّاج (٢) ،

__________________

(١) «ككان» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «كاد» قصد لفظه : مبتدأ مؤخر «لكن» حرف استدراك «ندر» فعل ماض «غير» فاعل ندر ، وغير مضاف و «مضارع» مضاف إليه «لهذين» جار ومجرور متعلق بقوله خبر الآتى «خبر» حال من فاعل ندر ، وقد وقف عليه بالسكون على لغة ربيعة التى تقف على المنصوب المنون بالسكون ، كما يقف سائر العرب على المرفوع والمجرور المنونين.

(٢) نص ابن هشام فى أكثر كتبه على أن القول بأن «عسى» حرف هو قول الكوفيين ، وتبعهم على ذلك ابن السراج ، ونص فى المغنى وشرح الشذور على أن ثعلبا يرى هذا ، وثعلب أحد شيوخ الكوفيين ، وملخص مذهبهم أنهم قالوا : عسى حرف ترج ، واستدلوا على ذلك بأنها دلت على معنى لعل ، وبأنها لا تتصرف كما أن لعل كذلك لا تتصرف ، ولما كانت لعل حرفا بالإجماع وجب أن تكون عسى حرفا مثلها ؛ لقوة التشابه بينهما.

ومن العلماء من ذهب إلى أن «عسى» على ضربين (انظر ص ٣٤٥ الآتية) : الضرب الأول ينصب الاسم ويرفع الخبر مثل إن وأخواتها ، وهذه حرف ترج ، ومن شواهدها قول صخر بن العود الحضرمى :

فقلت : عساها نار كأس ، وعلّها

تشكّى فآتى نحوها فأعودها

والضرب الثانى : يرفع المبتدأ وينصب الخبر ـ وهو الذى نتحدث عنه فى هذا الباب ، وهو من أفعال المقاربة ـ وهذا فعل ماض ؛ بدليل قبوله علامة الأفعال الماضية كتاء الفاعل فى نحو قوله تعالى : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) وأما جمودها ودلالتها على معنى يدل عليه حرف فلا يخرجانها عن الفعلية ، وكم من فعل يدل على معنى يدل عليه حرف ، وهو مع ذلك جامد ، ولم يخرجه ذلك عن فعليته ، أليست

٣٢٢

والصحيح أنها فعل ؛ بدليل اتّصال تاء الفاعل وأخواتها بها ، نحو «عسيت» وعسيت ، وعسيتما ، وعسيتم ، وعسيتنّ».

وهذه الأفعال تسمى أفعال المقاربة ، وليست كلها للمقاربة ، بل هى على ثلاثة أقسام :

أحدها : ما دلّ على المقاربة ، وهى : كاد ، وكرب ، وأوشك.

والثانى : ما دلّ على الرّجاء ، وهى : عسى ، وحرى ، واخلولق.

والثالث : ما دلّ على الإنشاء ، وهى : جعل ، وطفق ، وأخذ ، وعلق ، وأنشأ.

فتسميتها أفعال المقاربة من باب تسمية الكل باسم البعض.

وكلها تدخل على المبتدأ والخبر ؛ فترفع المبتدأ اسما لها ، ويكون خبره خبرا لها فى موضع نصب ، وهذا هو المراد بقوله : «ككان كاد وعسى» لكن الخبر فى

__________________

حاشا وعدا وخلا دالة على الاستثناء وهى جامدة ، وقد جاءت حروف بألفاظها ومعانيها ؛ فلم يكن ذلك موجبا لحرفيتها؟

وهذا الذى ذكرناه ـ من أن «عسى» على ضربين ، وأنها فى ضرب منهما فعل ، وفى الضرب الآخر حرف ـ هو مذهب شيخ النحاة سيبويه (وانظر كتابنا على شرح الأشمونى ج ١ ص ٤٦٣ وما بعدها فى الكلام على الشاهد رقم ٢٥٢).

ومن هذا كله يتضح لك : أن فى «عسى» ثلاثة أقوال للنحاة ، الأول : أنها فعل فى كل حال ، سواء اتصل بها ضمير الرفع أو ضمير النصب أم لم يتصل بها واحد منهما ، وهو قول نحاة البصرة ورجحه المتأخرون ، والثانى : أنها حرف فى جميع الأحوال ، سواء اتصل بها ضمير الرفع أو النصب أم لم يتصل بها أحدهما ، وهو قول جمهرة الكوفيين ومنهم ثعلب ، وابن السراج. والثالث : أنها حرف إذا اتصل بها ضمير نصب كما فى البيت الذى أنشدناه ، وفعل فيما عدا ذلك ، وهو قول سيبويه شيخ النحاة ، ولا تتسع هذه العجالة السريعة إلى الاحتجاج لكل رأى وتخريج الشواهد على كل مذهب.

٣٢٣

هذا الباب لا يكون إلا مضارعا ، نحو «كاد زيد يقوم ، وعسى زيد أن يقوم» وندر مجيئه اسما بعد «عسى ، وكاد» كقوله :

(٨٤) ـ

أكثرت فى العذل ملحّا دائما

لا تكثرن إنّى عسيت صائما

__________________

٨٤ ـ قال أبو حيان : «هذا البيت مجهول ، لم ينسبه الشراح إلى أحد» اه ؛ قال ابن هشام : «طعن فى هذا البيت عبد الواحد فى كتابه بغية الآمل ومنية السائل ، فقال : هو بيت مجهول ، لم ينسبه الشراح إلى أحد ، فسقط الاحتجاج به ، ولو صح ما قاله لسقط الاحتجاج بخمسين بيتا من كتاب سيبويه ، فإن فيه ألف بيت عرف قائلوها وخمسين بيتا مجهولة القائلين» اه ، وقيل : إنه لرؤبة بن العجاج ، وقد بحثت ديوان أراجيز رؤبة فلم أجده فى أصل الديوان ، وهو مما وجدته فى أبيات جعلها ناشره ذيلا لهذا الديوان مما وجده فى بعض كتب الأدب منسوبا إليه ، وذلك لا يدل على صحة نسبتها إليه أكثر مما تدل عليه عبارة المؤلف لكتاب الأدب الذى نقل عنه.

اللغة : «العذل» الملامة «ملحا» اسم فاعل من «ألح يلح إلحاحا» أى أكثر.

الإعراب : «أكثرت» فعل وفاعل «فى العذل» جار ومجرور متعلق بأكثر «ملحا» حال من التاء فى أكثرت مؤكدة لعاملها «دائما» صفة للحال «لا تكثرن» لا : ناهية ، والفعل المضارع مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة فى محل جزم بلا ، ونون التوكيد حرف مبنى على السكون لا محل له ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «إنى» إن : حرف توكيد ونصب ، والياء اسمها «عسيت» عسى : فعل ماض ناقص ، وتاء المتكلم اسمه «صائما» خبره ، والجملة من عسى واسمها وخبرها فى محل رفع خبر «إن».

الشاهد فيه : قوله «عسيت صائما» حيث أجرى «عسى» مجرى «كان» فرفع بها الاسم ونصب الخبر ، وجاء بخبرها اسما مفردا ، والأصل أن يكون خبرها جملة فعلية فعلها مضارع ، ومثل هذا البيت قولهم فى المثل «عسى الغوير أبؤسا».

وفى البيت توجيه آخر ، وهو أن «عسى» هنا فعل تام يكتفى بفاعل ، وهو هنا

٣٢٤

وقوله :

(٨٥) ـ

فأبت إلى فهم ، وما كدت آئبا

وكم مثلها فارقتها وهى تصفر

__________________

تاء المتكلم ، بدليل وقوع جملتها خبرا لإن الناصبة للاسم الرافعة للخبر ، وذلك لأن عسى للترجى ، والترجى إنشاء ، وأيضا فإن الأفعال التاقصة جملتها إنشائية ، والجمل الإنشائية لا تقع خبرا لإن ، عند الجمهور الذين يجوزون وقوع الإنشائية خبرا للمبتدأ غير المنسوخ ، وإذا كان ذلك كذلك فلا بد أن تكون الجملة خبرية ؛ فلا تكون «عسى» ناقصة ، وأما قوله «صائما» على هذا فهو خبر «لكان» محذوفة مع اسمها ، وتقدير الكلام : إنى رجوت أن أكون صائما.

٨٥ ـ هذا البيت لتأبط شرا ـ ثابت بن جابر بن سفيان ـ من كلمة مختارة ، اختارها أبو تمام فى حماسته (انظر شرح التبريزى (١ / ٨٥ بتحقيقنا) وأولها قوله :

إذا المرء لم يحتل وقد جدّ جدّه

أضاع ، وقاسى أمره وهو مدبر

اللغة : «أبت» رجعت «فهم» اسم قبيلته ، وأبوها فهم بن عمرو بن قيس عيلان «تصفر» أراد تتأسف وتتحزن على إفلاتى منها ، بعد أن ظن أهلها أنهم قد قدروا على. وقصة ذلك أن قوما من بنى لحيان ـ وهم حى من هذيل ـ وجدوا تأبط شرا يشتار عسلا من فوق جبل ، ورآهم يترصدونه ، فخشى أن يقع فى أيديهم ، فانتحى من الجبل ناحية بعيدة عنهم ، وصب ما معه من العسل فوق الصخر ، ثم انزلق عليه حتى انتهى إلى الأرض ، ثم أسلم قدميه للريح ، فنجا من قبضتهم.

المعنى : يقول : إنى رجعت إلى قومى بعد أن عز الرجوع إليهم ، وكم مثل هذه الخطة فارقتها ، وهى تتأسف وتتعجب منى كيف أفلت منها.

الإعراب : «فأبت» الفاء عاطفة ، آب : فعل ماض ، وتاء المتكلم فاعله «إلى فهم» جار ومجرور متعلق بأبت «وما» الواو حالية ، ما : نافية «كدت» كاد : فعل ماض ناقص ، والتاء اسمه «آئبا» خبر كاد ، والجملة فى محل نصب حال «وكم» الواو حالية ، كم : خبرية بمعنى كثير مبتدأ ، مبنى على السكون فى محل رفع «مثلها» مثل : تمييز لكم مجرور بالكسرة الظاهرة ، ومثل مضاف وضمير الغائبة مضاف إليه «فارقتها» فعل وفاعل ومفعول به «وهى» الواو للحال ، هى : مبتدأ «تصفر»

٣٢٥

وهذا هو مراد المصنف بقوله : «لكن ندر ـ إلى آخره» لكن فى قوله «غير مضارع» إيهام ؛ فإنه يدخل تحته : الاسم ، والظرف ، والجارّ والمجرور ، والجملة الاسمية ، والجملة الفعلية بغير المضارع ، ولم يندر مجىء هذه كلها خبرا عن «عسى ، وكاد» بل الذى ندر مجىء الخبر اسما ، وأما هذه فلم يسمع مجيئها خبرا عن هذين.

* * *

وكونه بدون «أن» بعد عسى

نزر ، وكاد الأمر فيه عكسا (١)

__________________

فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل نصب حال.

الشاهد فيه : قوله «وما كدت آئبا» حيث أعمل «كاد» عمل «كان» فرفع بها الاسم ونصب الخبر ، ولكنه أتى بخبرها اسما مفردا ، والقياس فى هذا الباب أن يكون الخبر جملة فعلية فعلها مضارع ، ولهذا أنكر بعض النحاة هذه الرواية ، وزعم أن الرواية الصحيحة هى «وما كنت آئبا».

(١) «وكونه» الواو عاطفة ، وكون : مبتدأ ـ وهو مصدر كان الناقصة فيحتاج إلى اسم وخبر سوى خبره من جهة الابتداء ـ وكون مضاف والضمير مضاف إليه وهو اسمه ، وخبره محذوف ، أى : وكونه واردا «بدون» جار ومجرور متعلق بذلك الخبر المحذوف ، ودون مضاف و «أن» قصد لفظه : مضاف إليه «بعد» ظرف متعلق أيضا بذلك الخبر المحذوف ، وبعد مضاف ، و «عسى» قصد لفظه : مضاف إليه «نزر» خبر المبتدأ الذى هو قوله كونه «وكاد» الواو عاطفة ، وكاد قصد لفظه : مبتدأ أول «الأمر» مبتدأ ثان «فيه» جار ومجرور متعلق بقوله «عكس» الآتى «عكسا» فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الأمر ، والجملة من عكس ونائب فاعله فى محل رفع خبر المبتدأ الثانى ، وجملة المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول.

٣٢٦

أى : اقتران خبر «عسى» بـ «أن» كثير (١) ؛ وتجريده من «أن» قليل ، وهذا مذهب سيبويه ، ومذهب جمهور البصريين أنه لا يتجرّد خبرها من «أن» إلا فى الشعر ، ولم يرد فى القرآن إلا مقترنا بـ «أن» قال الله تعالى : (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ) وقال عز وجل : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ)

ومن وروده بدون «أن» قوله :

(٨٦) ـ

عسى الكرب الّذى أمسيت فيه

يكون وراءه فرج قريب

__________________

(١) أنت إذا قلت «عسى زيد أن يقوم» فزيد : اسم عسى ، وأن والفعل فى تأويل مصدر خبره ؛ ويلزم على ذلك الإخبار باسم المعنى ـ وهو المصدر ـ عن اسم الذات ـ وهو زيد ، وهو غير الأصل والغالب فى كلام العرب.

وللعلماء فى الجواب عن ذلك أربعة وجوه :

أولها : أن الكلام حينئذ على تقدير مضاف ، إما قبل الاسم وكأنك قلت : عسى أمر زيد القيام ، وإما قبل الخبر وكأنك قلت : عسى زيد صاحب القيام ؛ فعلى الأول تكون قد أخبرت باسم معنى عن اسم معنى ، وعلى الثانى تكون قد أخبرت باسم يدل على الذات عن اسم ذات ؛ لأن اسم الفاعل يدل على الذات التى وقع منها الحدث أو قام بها.

وثانيها : أن هذا المصدر فى تأويل الصفة ، وكأنك قد قلت : عسى زيد قائما.

وثالثها : أن الكلام على ظاهره ، والمقصود المبالغة فى زيد حتى كأنه هو نفس القيام.

وهذه الوجوه الثلاثة جارية فى كل مصدر ـ صريح أو مؤول ـ يخبر به عن اسم الذات ، أو يقع نعتا لاسم ذات ، أو يجىء حالا من اسم الذات.

ورابعها : أن «أن» ليست مصدرية فى هذا الموضع ، بل هى زائدة ؛ فكأنك قلت : عسى زيد يقوم ، وهذا وجه ضعيف ؛ لأنها لو كانت زائدة لم تعمل النصب ، ولسقطت من الكلام فى السعة أحيانا ، وهى لا تسقط إلا نادرا لضرورة الشعر.

٨٦ ـ البيت لهدبة بن خشرم العذرى ، من قصيدة قالها وهو فى الحبس. وقد

٣٢٧

..................................................................................

__________________

روى أكثر هذه القصيدة أبو على القالى فى أماليه ، وروى أبو السعادات ابن الشجرى فى حماسته منها أكثر مما رواه أبو على ، وأول هذه القصيدة قوله :

طربت ، وأنت أحيانا طروب

وكيف وقد تعلّاك المشيب؟

يجدّ النّأى ذكرك فى فؤادى

إذا ذهلت على النّأى القلوب

يؤرّقنى اكتئاب أبى نمير

فقلبى من كآبته كئيب

فقلت له : هداك الله! مهلا

وخير القول ذو الّلبّ المصيب

عسى الكرب الّذى أمسيت فيه

يكون وراءه فرج قريب

اللغة : «طربت» الطرب : خفة تصيب الإنسان من فرح أو حزن «النأى» البعد «الكرب» الهم والغم «أمسيت» قال ابن المستوفى : يروى بضم التاء وفتحها ، والنحويون إنما يروونه بضم التاء ، والفتح عند أبى حنيفة أولى ؛ لأنه يخاطب ابن عمه أبا نمير كما هو ظاهر من الأبيات التى رويناها ، وكان أبو نمير معه فى السجن.

الإعراب : «عسى» فعل ماض ناقص «الكرب» اسم عسى مرفوع به «الذى» اسم موصول صفة للكرب «أمسيت» أمسى : فعل ماض ناقص ، والتاء اسمه «فيه» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر أمسى ، والجملة من أمسى واسمه وخبره لا محل لها صلة الموصول «يكون» فعل مضارع ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه «وراءه» وراء : ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم ، ووراء مضاف والهاء مضاف إليه «فرج» مبتدأ مؤخر «قريب» صفة لفرج ، والجملة من المبتدأ والخبر فى محل نصب خبر «يكون» والجملة من «يكون» واسمها وخبرها فى محل نصب خبر «عسى».

الشاهد فيه : قوله «يكون وراءه ـ إلخ» حيث وقع خبر «عسى» فعلا مضارعا مجردا من «أن» المصدرية ، وذلك قليل ، ومثله الشاهد الذى بعده (ش ٨٧) وقول الآخر :

عسى الله يغنى عن بلاد ابن قادر

يمنهمر جون الرّباب سكوب

(المنهمر : أراد به المطر الكثير ، والجون : الأسود ، والرباب : السحاب ، والسحاب الأسود دليل على أنه حافل بالمطر) ومثل هذه الأبيات قول الآخر :

فأمّا كيّس فنجا ، ولكن

عسى يغترّ بى حمق لئم

٣٢٨

وقوله :

(٨٧) ـ

عسى فرج يأتى به الله ؛ إنه

له كلّ يوم فى خليقته أمر

وأما «كاد» فذكر المصنف أنها عكس «عسى» ؛ فيكون الكثير فى

__________________

٨٧ ـ البيت من الشواهد التى لا يعلم قائلها ، وألفاظه كلها ظاهرة المعنى.

الإعراب : «عسى» فعل ماض ناقص «فرج» اسمه «يأتى» فعل مضارع «به» جار ومجرور متعلق بيأتى «الله» فاعل يأتى ، والجملة من الفعل والفاعل فى محل نصب خبر عسى «إنه» إن : حرف توكيد ونصب ، والهاء ضمير الشأن اسمه «له» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «كل» منصوب على الظرفية الزمانية لإضافته إلى اسم الزمان متعلق بما تعلق به الجار والمجرور قبله ، وكل مضاف ، و «يوم» مضاف إليه «فى خليقته» الجار والمجرور يتعلق بما تعلق به الجار والمجرور السابق ، وخليقة مضاف والضمير الموضوع للغائب العائد إلى الله تعالى مضاف إليه «أمر» مبتدأ مؤخر ، والجملة من المبتدأ وخبره فى محل رفع خبر «إن».

الشاهد فيه : قوله : «يأتى به الله» حيث جاء خبر «عسى» فعلا مضارعا مجردا من أن المصدرية ، وهذا قليل ، ومثله ـ سوى ما ذكرنا مع الشاهد ٨٦ ـ قول الفرزدق :

وما ذا عسى الحجّاج يبلغ جهده

إذا نحن جاوزنا حفير زياد؟

وفى بيت الفرزدق هذا شاهد آخر ، وحاصله : أنه يجوز فى الفعل المضارع الذى يقع خبرا لعسى خاصة أن يرفع اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير يعود إلى اسم عسى.

فأما غير «عسى» من أفعال هذا الباب فلا يجوز فى الفعل المضارع الواقع خبرا لها إلا أن يكون رافعا لضمير يعود على الاسم ، وأما قول ذى الرمة :

وأسقيه حتّى كاد مما أبثّه

تكلمنى أحجاره وملاعبه

فظاهره أن المضارع الواقع خبرا لكاد وهو «تكلمنى» رفع اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير الاسم وهو «أحجاره» فهذا ونحوه شاذ أو مؤول.

أما بيت الشاهد (رقم ٨٧) فقد رفع المضارع فيه اسما أجنبيا من اسم عسى ؛ فلا هو ضمير الاسم ، ولا هو اسم ظاهر مضاف إلى الاسم ، وذلك شاذ أيضا

٣٢٩

خبرها أن يتجرد (١) من «أن» ويقلّ اقترانه بها ، وهذا بخلاف ما نصّ عليه الأندلسيّون من أن اقتران خبرها بـ «أن» مخصوص بالشعر ؛ فمن تجريده من «أن» قوله تعالى : (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) وقال : (مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ)(٢) ومن اقترانه بـ «أن» قوله صلّى الله عليه وسلّم : «ما كدت أن أصلّى العصر حتى كادت الشّمس أن تغرب» وقوله :

(٨٨) ـ

كادت النّفس أن تفيض عليه

إذ غدا حشو ريطة وبرود

__________________

(١) ومثل الآيتين الكريمتين قول أحد أصحاب مصعب بن الزبير ، يرثيه وهو الشاهد (رقم ١٤٩) الآتى فى باب الفاعل :

لمّا رأى طالبوه مصعبا ذعروا

وكاد ـ لو ساعد المقدور ـ ينتصر

الشاهد فيه : قوله «كاد ينتصر» فإن الفعل المضارع الواقع خبرا لكاد لم يقترن بأن

٨٨ ـ هذا البيت من الشواهد التى يذكرها كثير من النحاة وعلماء اللغة غير منسوبة إلى قائل معين ، وقد عثرنا بعد طويل البحث على أنه من كلمة لمحمد بن مناذر ، أحد شعراء البصرة يرثى فيها رجلا اسمه عبد المجيد بن عبد الوهاب الثقفى ، وقبله :

إنّ عبد المجيد يوم توفّى

هدّ ركنا ما كان بالمهدود

ليت شعرى ، وهل درى حاملوه

ما على النّعش من عفاف وجود؟

اللغة : «تفيض» من قولهم «فاضت نفس فلان» ويرى فى مكانه «تفيظ» وكل الرواة يجيزون أن تقول «فاضت نفس فلان» إلا الأصمعى فإنه أبى إلا أن تقول «فاظت نفس فلان» بالظاء ، وكلام غير الأصمعى أسد ؛ فهذا البيت الذى نشرحه دليل على صحته ، وكذلك قول الآخر :

تفيض نفوسها ظمأ ، وتخشى

حماما ؛ فهى تنظر من بعيد

وقول الراجز :

تجمّع النّاس ، وقالوا : عرس

ففقئت عين ، وفاضت نفس

٣٣٠

وكعسى حرى ، ولكن جعلا

خبرها حتما بـ «أن» متّصلا (١)

__________________

وقول الشاعر فى بيت الشاهد «ريطة» بفتح الراء وسكون الياء المثناة ـ الملاءة إذا كانت قطعة واحدة ، وأراد هنا الأكفان التى يلف فيها الميت.

الإعراب : «كادت» كاد : فعل ماض ناقص ، والتاء للتأنيث «النفس» اسم كاد «أن» مصدرية «تفيض» فعل مضارع منصوب بأن ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود للنفس ، والجملة خبر «كاد» فى محل نصب «عليه» جار ومجرور متعلق بقوله تفيض السابق «إذ» ظرف للماضى من الزمان متعلق بقوله «تفيض» أيضا «غدا» فعل ماض بمعنى صار ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على عبد المجيد المرثى «حشو» خبر غدا ، وحشو مضاف و «ريطة» مضاف إليه «وبرود» معطوف على ريطة.

الشاهد فيه : قوله «أن تفيض» حيث أنى بخبر «كاد» فعلا مضارعا مقترنا بأن ، وذلك قليل ، والأكثر أن يتجرد منها ، ومثل هذا البيت قول الشاعر :

أبيتم قبول السّلم منا ؛ فكدتم

لدى الحرب أن تغنوا السّيوف عن السّل

وقول رؤبة بن العجاج :

ربع عفاه الدّهر طولا فامّحى

قد كاد من طول البلى أن يمصحا

ومنه قول جبير بن مطعم ـ رضى الله تعالى عنه! ـ «كاد قلبى أن يطير» ومع ورود المضارع الواقع خبرا لكاد مقترنا بأن ـ فى الشعر والنثر ـ نرى أن قول الأندلسيين : إن اقترانه بأن مع كاد ضرورة لا يجوز ارتكابها إلا فى الشعر ؛ غير سديد ، والصواب ما ذكره الناظم وهو فى هذا تابع لسيبويه.

(١) «كعسى» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «حرى» قصد لفظه : مبتدأ مؤخر «ولكن» حرف استدراك «جعلا» جعل : فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق «خبرها» خبر : نائب فاعل جعل ـ وهو مفعول أول ـ وخبر مضاف والضمير مضاف إليه «حتما» صفة لموصوف محذوف يقع مفعولا مطلقا ، أى : اتصالا حتما «بأن» جار ومجرور متعلق بقوله متصلا الآتى «متصلا» مفعول ثان لجعل.

٣٣١

وألزموا اخلولق «أن» مثل حرى

وبعد أوشك انتفا «أن» نزرا (١)

يعنى أن «حرى» مثل «عسى» فى الدلالة على رجاء الفعل ، لكن يجب اقتران خبرها بـ «أن» ، نحو «حرى زيد أن يقوم» ولم يجرد خبرها من «أن» لا فى الشعر ولا فى غيره ، وكذلك «اخلولق» تلزم «أن» خبرها نحو «اخلولقت السماء أن تمطر» وهو من أمثلة سيبويه ، وأما «أوشك» فالكثير اقتران خبرها بـ «أن» ويقلّ حذفها منه ؛ فمن اقترانه بها قوله :

(٨٩) ـ

ولو سئل النّاس التّراب لأوشكوا

 ـ إذا قيل هاتوا ـ أن يملّوا ويمنعوا

__________________

(١) «وألزموا» فعل وفاعل «اخلولق» قصد لفظه : مفعول أول لألزم «أن» قصد لفظه أيضا : مفعول ثان لألزم «مثل» حال صاحبه قوله «اخلولق» السابق ، ومثل مضاف و «حرى» قصد لفظه : مضاف إليه «وبعد» ظرف متعلق بقوله «انتفا» الآتى ، وبعد مضاف ، و «أوشك» قصد لفظه : مضاف إليه «انتفا» كسر للضرورة : مبتدأ ، وانتفا مضاف و «أن» قصد لفظه : مضاف إليه «نزرا» فعل ماض ، والألف للاطلاق ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى انتفا ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو انتفا ، وتقدير البيت : وألزم العرب اخلولق أن حال كونه مشبها فى ذلك حرى ، وانتفاء أن بعد أوشك قد قل.

٨٩ ـ هذا البيت أنشده ثعلب فى أماليه (ص ٤٣٣) عن ابن الأعرابى ، ولم ينسبه إلى أحد ، ورواه الزجاجى فى أماليه أيضا (ص ١٢٦) وقبله :

أبا مالك ، لا تسأل النّاس ، والتمس

بكفّيك فضل الله ، والله أوسع

المعنى : إن من طبع الناس أنهم لو سئلوا أن يعطوا أتفه الأشياء ، وأهونها خطرا ، وأقلها قيمة ـ لما أجابوا ، بل إنهم ليمنعون السائل ويملون السؤال.

الإعراب : «ولو» شرطية غير جازمة «سئل» فعل ماض مبنى للمجهول فعل الشرط «الناس» نائب فاعل سئل ، وهو المفعول الأول «التراب» مفعول ثان لسئل «لأوشكوا» اللام واقعة فى جواب «لو» وأوشك : فعل ماض ناقص ،

٣٣٢

ومن تجرّده منها قوله :

(٩٠) ـ

يوشك من فرّ من منيّته

فى بعض غرّاته يوافقها

__________________

وواو الجماعة اسمه «إذا» ظرف للمستقبل من الزمان «قيل» فعل ماض مبنى للمجهول «هاتوا» فعل أمر وفاعله ، وجملتهما فى محل رفع نائب فاعل لقيل ، وجملة قيل ونائب فاعله فى محل جر بإضافة «إذا» إليها ، وجواب الشرط محذوف ، وجملة الشرط وجوابه لا محل لها معترضة بين أوشك مع مرفوعها وخبرها «أن» مصدرية «يملوا» فعل مضارع منصوب بأن ، وواو الجماعة فاعل ، والجملة فى محل نصب خبر أوشك «ويمنعوا» معطوف على يملوا.

الشاهد فيه : يستشهد النحاة بهذا البيت ونحوه على أمرين ، الأول : فى قوله «لأوشكوا» حيث ورد «أوشك» بصيغة الماضى ، وهو يرد على الأصمعى وأبى على اللذين أنكرا استعمال «أوشك» وزعما أنه لم يستعمل من هذه المادة إلا «يوشك» المضارع وسيأتى للشارح ذكر هذا ، والاستشهاد له بهذا البيت (ص ٣٣٨) ، والأمر الثانى : فى قوله «أن يملوا» حيث أتى بخبر «أوشك» جملة فعلية فعلها مضارع مقترن بأن ، وهو الكثير.

ومن الشواهد على هذين الأمرين قول جرير يهجو العباس بن يزيد الكندى :

إذا جهل الشّقىّ ولم يقدّر

ببعض الأمر أوشك أن يصابا

وقول الكلحبة اليربوعى :

إذا المرء لم يغش الكريهة أوشكت

حبال الهوينى بالفتى أن تقطّعا

٩٠ ـ البيت لأمية بن أبى الصلت ، أحد شعراء الجاهلية ، وزعم صاعد ان البيت لرجل من الخوارج ، وليس ذلك بشىء ، وهو من شواهد سيبويه (ج ٢ ص ٤٧٩).

اللغة : «منيته» المنية الموت «غراته» جمع غرة ـ بكسر الغين ـ وهى الغفلة «يوافقها» يصيبها ويقع عليها.

المعنى : إن من فر من الموت فى الحرب القريب الوقوع بين براثنه فى بعض غفلاته ،

٣٣٣

ومثل كاد فى الأصحّ كربا

وترك «أن» مع ذى الشّروع وجبا (١)

كأنشأ السّائق يحدو ، وطفق ،

كذا جعلت ، وأخذت ، وعلق (٢)

__________________

والغرض تشجيع المخاطبين على اقتحام أهوال الحروب وخوض معامعها ، إذ كان الموت ـ ولا بد ـ نازل بكل أحد.

الإعراب : «يوشك» فعل مضارع ناقص «من» اسم موصول اسم يوشك «فر» فعل ماض ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الاسم الموصول والجملة لا محل لها صلة «من منيته» الجار والمجرور متعلق بفر. ومنية مضاف والهاء مضاف إليه «فى بعض» الجار والمجرور متعلق بقوله «يوافقها» الآتى ، وبعض مضاف وغرات من «غراته» مضاف إليه ، وغرات مضاف وضمير الغائب مضاف إليه «يوافقها» يوافق : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، والضمير البارز الذى هو للغائبة مفعول به ، وجملة يوافقها فى محل نصب خبر «يوشك».

الشاهد فيه : قوله «يوافقها» حيث أتى بخبر «يوشك» جملة فعلية فعلها مضارع مجرد من «أن» وهذا قليل.

(١) «مثل» خبر مقدم ، ومثل مضاف ، و «كاد» قصد لفظه : مضاف إليه «فى الأصح» جار ومجرور متعلق بقوله مثل لتضمنه معنى المشتق «كربا» قصد لفظه : مبتدأ مؤخر «وترك» مبتدأ ، وترك مضاف و «أن» قصد لفظه : مضاف إليه «مع» ظرف متعلق بترك ، ومع مضاف و «ذى» مضاف إليه ، وذى مضاف و «الشروع» مضاف إليه «وجبا» فعل ماض ، والألف للاطلاق ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ترك الواقع مبتدأ ، والجملة من وجب وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ.

(٢) «كأنشأ» الكاف جارة لقول محذوف ، أنشأ : فعل ماض ناقص «السائق» اسمه «يحدو» فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الواو منع من ظهورها الثقل وفاعله ضمير مستتر فيه ، والجملة من الفعل المضارع وفاعله فى محل نصب خبر أنشأ «وطفق» معطوف على أنشأ «كذا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «جعلت» قصد لفظه : مبتدأ مؤخر «وأخذت ، وعلق» معطوفان على جعلت.

٣٣٤

لم يذكر سيبويه فى «كرب» إلا تجرّد خبرها من «أن» ، وزعم المصنف أن الأصحّ خلافه ، وهو أنها مثل «كاد» ؛ فيكون الكثير فيها تجريد خبرها من «أن» ويقلّ اقترانه بها ؛ فمن تجريده قوله :

(٩١) ـ

كرب القلب من جواه يذوب

حين قال الوشاة : هند غضوب

وسمع من اقترانه بها قوله :

(٩٢) ـ

سقاها ذوو الأحلام سجلا على الظّما

وقد كربت أعناقها أن تقطعا

__________________

٩١ ـ قيل : إن هذا البيت لرجل من طيىء ، وقال الأخفش : إنه للكلحبة اليربوعى أحد فرسان بنى تميم وشعرائهم المجيدين.

اللغة! «جواه» الجوى! شدة الوجد «الوشاة» جمع واش ، وهو التمام الساعى بالإفساد بين المتوادين ، والذى يستخرج الحديث بلطف ، ويروى «حين قال العذول» وهو اللائم «غضوب» صفة من الغضب يستوى فيها المذكر المؤنث كصبور.

المعنى : لقد قرب قلبى أن يذوب من شدة ما حل به من الوجد والحزن ، حين أبلغنى الوشاة الذين يسعون بالإفساد بينى وبين من أحبها أنها غاضبة على.

الإعراب : «كرب» فعل ماض ناقص «القلب» اسمه «من جواه» الجار والمجرور متعلق بقوله «يذوب» الآتى ، أو بقوله «كرب» السابق ، وجوى مضاف وضمير الغائب العائد إلى القلب مضاف إليه «يذوب» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى القلب ، والجملة من يذوب وفاعله فى محل نصب خبر كرب «حين» منصوب على الظرفية الزمانية متعلق بقوله يذوب السابق «قال» فعل ماض «الوشاة» فاعل قال «هند» مبتدأ «غضوب» خبره ، وجملة المبتدأ والخبر فى محل نصب مقول القول ، وجملة قال وفاعله ومفعوله فى محل جر بإضافة «حين» إليها.

الشاهد فيه : قوله «يذوب» حيث أتى بخبر «كرب» فعلا مضارعا مجردا من أن.

٩٢ ـ البيت لأبى يزيد الأسلمى ، من كلمة له يهجو فيها إبراهيم بن هشام

٣٣٥

..................................................................................

__________________

ابن إسماعيل بن هشام بن المغيرة ، والى المدينة من قبل هشام بن عبد الملك بن مروان ـ وكان قد مدحه من قبل فلم ترقه مدحته ، ولم يعطه ، ولم يكتف بالحرمان ، بل أمر به فضرب بالسياط ، وأول هذه الكلمة قوله :

مدحت عروقا للنّدى مصّت الثّرى

حديثا ، فلم تهمم بأن تترعرعا

نقائذ بؤس ذاقت الفقر والغنى

وحلّبت الأيّام والدّهر أضرعا

اللغة : «مصت الثرى حديثا» أراد أنهم حديثو عهد بنعمة ؛ فكنى عن ذلك المعنى بهذه العبارة ، ولما عبر عنهم أولا بالعروق جعل الكناية من جنس ذلك الكلام «بأن تترعرعا» يروى براءين مهملتين بينهما عين مهملة ، ويروى «تتزعزها» بزاءين معجمتين بينهما عين مهملة كذلك ، ومعناه تتحرك ، يريد أنهم حدثت لهم النعمة بعد البؤس والضيق ؛ فليس لهم فى الكرم عرق ثابت ؛ فهم لا يتحركون للبذل ، ولا تهش نفوسهم للعطاء «نقائذ» جمع نقيذ ، بمعنى اسم المفعول ، يريد أن ذوى قرابة هؤلاء أنقذوهم من البؤس والفقر «أضرع» هو جمع ضرع ، والعبارة مأخوذة من قول العرب : حلب فلان الدهر أشطره ، يريدون ذاق جلوه ومره «ذوو الأحلام» أصحاب العقول ، ويروى «ذوو الأرحام» وهم الأقارب من جهة النساء «سجلا» ـ بفتح فسكون ـ الدلو ما دام فيها ماء قليلا كان ما فيها من الماء أو كثيرا ، وجمعه سجال ، فإن لم يكن فيها ماء أصلا فهى دلو لا غير. ولا يقال حينئذ سجل ، والغرب ـ بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة ، وكذلك الذنوب ـ بفتح الذال المعجمة ـ مثل السجل ، يريد أن الذى منحه ذوو أرحام هؤلاء إياهم شىء كثير لو وزع على الناس جميعا لوسعهم وكفاهم ، ولكنهم قوم بخلاء ذوو أثرة وأنانية ؛ فلا يجودون وإن كثر ما بأيديهم وزاد عن حاجتهم.

المعنى : إن هذه العروق التى مدحتها فردتنى إنما هى عروق ظلت فى الضر والبؤس حتى أنقذها ذوو أرحامها بعد أن أوشكت أن تموت ، ويقصد بذوى أرحامها بنى مروان.

٣٣٦

والمشهور فى «كرب» فتح الراء ، ونقل كسرها أيضا.

ومعنى قوله «وترك أن مع ذى الشروع وجبا» أن ما دلّ على الشروع فى الفعل لا يجوز اقتران خبره بـ «أن» لما بينه وبين «أن» من المنافاة ؛ لأن المقصود به الحال ، و «أن» للاستقبال ، وذلك نحو «أنشأ السائق يحدو ، وطفق زيد يدعو ، وجعل يتكلم ، وأخذ ينظم ، وعلق يفعل كذا».

* * *

واستعملوا مضارعا لأوشكا

وكاد لا غير ، وزادوا موشكا (١)

__________________

الإعراب : «سقاها» سقى : فعل ماض ، وضمير الغائبة مفعوله الأول «ذوو» فاعل سقى ، وذوو مضاف ، و «الأحلام» مضاف إليه «سجلا» مفعول ثان لسقى «على الظما» جار ومجرور متعلق بسقاها «وقد» الواو واو الحال ، قد : حرف تحقيق «كربت» كرب : فعل ماض ناقص ، والتاء تاء التأنيث «أعناقها» أعناق اسم كرب ، وأعناق مضاف والضمير مضاف إليه «أن» مصدرية «تقطعا» فعل مضارع حذفت منه إحدى التاءين ـ وأصله تتقطعا ـ منصوب بأن ، والألف للاطلاق ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى أعناق ، والجملة فى محل نصب خبر كرب ، والجملة من كرب واسمها وخبرها فى محل نصب حال.

الشاهد فيه : قوله «أن تقطعا» حيث أتى بخبر «كرب» فعلا مضارعا مقترنا بأن وهو قليل ، حتى إن سيبويه لم يحك فيه غير التجرد من «أن» ، وفى هذا البيت رد عليه ، ومثله قول الراجز ، وهو العجاج بن رؤبة :

قد برت أو كربت أن تبورا

لمّا رأيت ييهسا مثبورا

ومن ورود خبر «كرب» مضارعا غير مقترن بأن ـ سوى الشاهد السابق (رقم ٩١) قول عمر بن أبى ربيعة المخزومى :

فلا تحرمى نفسا عليك مضيقة

وقد كربت من شدّة الوجد تطلع

(١) «واستعملوا» فعل وفاعل «مضارعا» مفعول به لاستعمل «لأوشكا» جار

٣٣٧

أفعال هذا الباب لا تتصرّف ، إلا «كاد ، وأوشك» ؛ فإنه قد استعمل منهما المضارع ، نحو قوله تعالى : (يَكادُونَ يَسْطُونَ) وقول الشاعر :

* يوشك من فرّ من منيّته (١) *

[٩٠] وزعم الأصمعىّ أنه لم يستعمل «يوشك» إلا بلفظ المضارع [ولم تستعمل «أوشك» بلفظ الماضى] وليس بجيّد ، بل قد حكى الخليل استعمال الماضى ، وقد ورد فى الشعر ، كقوله :

ولو سئل النّاس التّراب لأوشكوا

إذا قيل هاتوا أن يملّوا ويمنعوا (٢)

[٨٩] نعم الكثير فيها استعمال المضارع [وقلّ استعمال الماضى] وقول المصنف : «وزادوا موشكا» معنا أنه قد ورد أيضا استعمال اسم الفاعل من «أوشك» كقوله :

(٩٣) ـ

فموشكة أرضنا أن تعود

خلاف الأنيس وحوشا يبابا

__________________

ومجرور متعلق بقوله استعملوا «وكاد» معطوف على أوشك «لا» عاطفة «غير» معطوف على أوشك ، مبنى على الضم لقطعه عن الإضافة فى محل جر «وزادوا» فعل وفاعل «موشكا» مفعول به لزاد.

(١) هذا هو الشاهد رقم (٩٠) وقد سبق شرحه قريبا ، فانظره (ص ٣٣٣) ومحل الشاهد فيه هنا قوله «يوشك» حيث استعمل فعلا مضارعا لأوشك ، كما بيناه فى الموضع الذى أحلناك عليه.

(٢) هذا هو الشاهد رقم (٨٩) وقد سبق شرحه قريبا ، فانظره فى (ص ٣٣٣) والاستشهاد به ههنا لقوله «أوشكوا» حيث استعمل الفعل الماضى ، وفيه رد على الأصمعى وأبى على حيث أنكرا استعمال الفعل الماضى وصيغة المضارع المبنى للمجهول ، على ما حكاه ابن مالك عنهما ، وقد بينا ذلك فى الموضع الذى أحلناك عليه.

٩٣ ـ هذا البيت لأبى سهم الهذلى ، وبعده قوله :

٣٣٨

وقد يشعر تخصيصه «أوشك» بالذكر أنه لم يستعمل اسم الفاعل من «كاد» ، وليس كذلك ، بل قد ورد استعماله فى الشعر ، كقوله :

(٩٤) ـ

أموت أسى يوم الرّجام ، وإنّنى

يقينا لرهن بالّذى أنا كائد

وقد ذكر المصنف هذا فى غير هذا الكتاب.

__________________

وتوحش فى الأرض بعد الكلام

ولا تبصر العين فيه كلابا

اللغة : «خلاف الأنيس» أى بعد المؤانس «وحوشا» قفرا خاليا ، وقد ضبطه بعض العلماء بضم الواو على أنه جمع وحش ، والوحش : صفة مشبهة ، تقول : أرض وحش ، تريد خالية ، وضبطه آخرون بفتح الواو على أنه صفة كصبور «يبابا» قال ابن منظور فى اللسان : «اليباب عند العرب : الذى ليس فيه أحد ، قال عمر بن أبى ربيعة :

ما على الرّسم بالبليّين لو

بيّن رجع الجواب أو لو أجابا؟

فإلى قصر ذى العشيرة فالصا

لف أمسى من الأنيس يبابا

معناه خاليا لا أحد به» اه.

الإعراب : «فموشكة» خبر مقدم ـ وهو اسم فاعل من أوشك ، ويحتاج إلى اسم وخبر ، واسمه ضمير مستتر فيه ـ «أرضنا» أرض : مبتدأ مؤخر ، وأرض مضاف والضمير مضاف إليه «أن» مصدرية «تعود» فعل مضارع منصوب بأن ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى أرض «خلاف» منصوب على الظرفية ، وناصبه «تعود» وخلاف مضاف ، و «الأنيس» مضاف إليه «وحوشا» حال من الضمير المستتر فى تعود ، وقوله «يبابا» حال ثانية ، وقيل : تأكيد لأنه بمعناه ، وقيل : معطوف عليه بحرف عطف مقدر ، وأن وما دخلت عليه فى تأويل مصدر خبر موشك.

الشاهد فيه : قوله «فموشكة» حيث استعمل اسم الفاعل من أوشك ، ومثله قول كثير بن عبد الرحمن الشهير بكثير عزة :

فإنّك موشك ألّا تراها

وتعدو دون غاضرة العودى

٩٤ ـ هذا البيت لكثير بن عبد الرحمن المعروف بكثير عزة ، وهو من قصيدة له

٣٣٩

وأفهم كلام المصنف أن غير «كاد ، وأوشك» من أفعال هذا الباب لم يرد منه المضارع ولا اسم الفاعل ، وحكى غيره خلاف ذلك ؛ فحكى صاحب

__________________

طويلة يقولها فى رثاء عبد العزيز بن مروان أبى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموى العادل ؛ وقبل بيت الشاهد قوله :

وكدت وقد سالت من العين عبرة

سها عاند منها وأسبل عاند

قذيت بها والعين سهو دموعها

وعوّارها فى بان الجفن زائد

فإن تركت للكحل لم يترك البكى

وتشرى إذا ما حثحثتها المراود

اللغة : «سها عاند» يقال : عرق عاند ، إذا سال فلم يكد يرقأ ، وسئل ابن عباس عن المستحاضة فقال : إنه عرق عاند «قذيت بها» أصابنى القذى بسببها «سهو دموعها» ساكنة لينة «عوارها» قذاها «تشرى» تلح «حثحثتها» حركتها «المراود» جمع مرود ـ بزنة منبر ـ وهو ما يحمل به الكحل إلى العين «أسى» حزنا وشدة لوعة «الرجام» بالراء المهملة المكسورة والجيم ـ موضع بعينه ، ويصحفه جماعة بالزاى والحاء المهملة.

الإعراب : «أموت» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «أسى» مفعول لأجله ، ويجوز أن يكون حالا بتقدير «آسيا» أى حزينا «يوم» منصوب على الظرفية الزمانية ، وناصبه «أموت» ويوم مضاف و «الرجام» مضاف إليه «وإننى» إن : حرف توكيد ونصب ، والياء اسمها «يقينا» مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره أوقن يقينا «لرهن» اللام مؤكدة ، ورهن : خبر إن «بالذى» جار ومجرور متعلق برهن «أنا» مبتدأ «كائد» خبره ، والجملة لا محل لها صلة الموصول ، والعائد إلى الموصول ضمير محذوف منصوب بفعل محذوف تقع جملته فى محل نصب خبرا لكائد من حيث نقصانه ، واسمه ضمير مستتر فيه ، وتقدير الكلام : بالذى أنا كائد ألقاه ، مثلا.

الشاهد فيه : قوله «كائد» بهمزة بعد ألف فاعل منقلبة عن واو ـ حيث استعمل الشاعر اسم الفاعل من «كاد» هذا توجيه كلام الشارح العلامة ، وقد تبع فيه قوما من النحاة ، وقيل : إن الصواب فى الرواية «كابد» بالباء الموحدة من المكابدة ، فلا شاهد فيه.

٣٤٠