مصابيح الظلام - ج ٥

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٥

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-5-1
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٤٨

بل الثانية منهما صريحة في الغسل وعدم نقض الوضوء.

مع أنّ الراوي بعينه سأل الصادق عليه‌السلام عن المذي يصيب الثوب ، قال : «لا بأس» ، فلما رددنا عليه ، قال : «ينضحه بالماء» (١).

واحتجّ في «المختلف» لابن الجنيد بالخبرين ، وبأنّه يخرج من أحد السبيلين فيكون نجسا (٢) ، وفي الأوّلين ما عرفت.

وفي الأخيرين كلّ المذي يخرج منه كالودي وغيره ، مع عدم نجاسة الكلّ عنده سوى ما هو عقيب الشهوة ، فالظاهر أنّ شيئا من ذلك ليس دليله ، ولعلّه قاس النجاسة بالنقض ، فتأمّل!

ومن جملة ما وافق ابن الجنيد سائر الفقهاء في طهارته مع الخروج عن أحد السبيلين رطوبة فرج المرأة ورطوبة الدبر إذا خلتا من استصحاب نجاسة ، للأصل والإجماع.

نعم ، يحكى عن بعض العامّة نجاستهما (٣) ، ولعلّ نظره إلى الخروج من مجرى البول والغائط وفيه ما فيه.

وفي الصحيح عن إبراهيم بن أبي محمود عن الرضا عليه‌السلام [عن المرأة وليها] قميصها أو إزارها يصيبه من بلل الفرج وهي جنب ، أتصلّى فيه؟ قال : «إذا اغتسلت صلّت فيهما» (٤).

__________________

٣ / ٤٢٦ الحديث ٤٠٦٣.

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥٣ الحديث ٧٣٣ ، الاستبصار : ١ / ١٧٥ الحديث ٦٠٨ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٢٦ الحديث ٤٠٦٢ مع اختلاف يسير.

(٢) مختلف الشيعة : ١ / ٤٦٤.

(٣) حكاه المحقّق في المعتبر : ١ / ٤١٩.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٦٨ الحديث ١١٢٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٩٨ الحديث ٤٢٧٩.

٤١

قوله : (وفي لبن الجارية للخبر). إلى آخره.

المشهور بل المجمع عليه طهارته ، للأصل واستصحاب طهارة الملاقيات ، ونفي الحرج والعسر ، وكون التكليف بقدر الوسع بنصوص القرآن (١) والأخبار (٢) والعقل.

والتجنّب عنه يوجب الحرج على المرأة وزوجها وغيرهما ، سيّما في حرّ الهواء وأوقات العرق خصوصا في بلاد صدور الروايات وبلاد الرواة ، لشدّة الحرّ وكثرة العرق ، وسيّما بالنسبة إلى كثير العرق في نفسه ، سيّما تحت اللحاف ، وعند محاضنة الزوج وحركة الملاعبة ، وغير ذلك من الحركات العادية ، وغيره من موجبات العرق ، كالطبخ والخبز وغيرهما ، إذا كانت كثيرة اللبن ، أو مسترخية ثلم الحلمة.

مع أنّ الثدي بأدنى حركة أو مصادم يخرج منه اللبن ، وغسل الثدي مضرّ باللبن والطفل وموجب نقصه ، بل وانعدامه ، كما لا يخفى.

هذا كلّه ، مضافا إلى أنّه عام البلوى ، فلو كان نجسا لاقتضى العادة شيوعها واشتهارها ، مثل البول والغائط والمني ، بل أشهر وأشيع ، لنهاية عسر الاحتراز ، وشدّة صعوبة التجنّب ، كما لا يخفى.

مع أنّ المسلمين والمسلمات في الأعصار والأمصار ما كانوا يحترزون. واتّفق الفقهاء من المتقدّمين والمتأخّرين على الطهارة ، فلو كان نجسا ، لكان الفقهاء والمحدّثون يفتون بالاجتناب ، والمقلّدون يحترزون ، وكلّما ازداد الزمان ازداد الاشتهار والانتشار ، إلى أن يصل إلى الفقهاء المتقدّمين الباذلين للجهد ، المستفرغين للوسع ، يقتضي ذلك اتّفاقهم على النجاسة ، ولا أقلّ من الاشتهار عندهم ، ولا أقلّ

__________________

(١) البقرة (٢) : ١٨٥ ، الأنعام (٦) : ١٥٢ ، الحجّ (٢٢) : ٧٨.

(٢) وسائل الشيعة : ١ / ٢٤ الحديث ٢٧ ، ٢٨ الحديث ٣٧ ، ١١ / ١٩ الباب ٣ من أبواب وجوب الحجّ.

٤٢

من أن يقول بها كثيرهم أو جماعة منهم كثيرة بمقتضى العادة في مثله.

مع أنّ الأمر بالعكس ، ولم يقل بها أحد إلّا شاذّ (١) لا يعبأون بقوله وخروجه منهم ، كما اتّفق ذلك في حرمة القول بالقياس وأمثاله.

سيّما ومستنده ضعيف ، متضمّن لما لا يقول به أحد ، حتّى هذا الشاذّ ، لأنّ رواية النوفلي ، عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام : أنّ عليّا عليه‌السلام قال : «لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم ، لأنّ لبنها يخرج من مثانة امّها ، ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب ولا من بوله قبل أن يطعم ، لأنّ لبنه يخرج من العضدين» (٢).

ومرّ أنّه لم يقل بطهارة بول من لم يأكل اللحم من غير البالغ ، كما مرّ (٣) ، مضافا إلى ما فيها من العلّة الضعيفة المخالفة للواقع بحسب الظاهر ، كما لا يخفى.

قوله : (للأخبار). إلى آخره.

هي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام [قال : سألته] عن الفارة الرطبة [قد وقعت في الماء] تمشي على الثياب أيصلّى فيها؟ قال : «اغسل ما رأيت من أثرها وما لم تره فانضحه بالماء» (٤).

وصحيحة محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن بعض أصحابه عن الصادق عليه‌السلام سأله هل يجوز أن يمسّ الثعلب والأرنب أو شيئا من السباع حيّا

__________________

(١) لاحظ! مختلف الشيعة : ١ / ٤٦٠.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٠ الحديث ١٥٧ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥٠ الحديث ٧١٨ ، الاستبصار : ١ / ١٧٣ الحديث ٦٠١ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٨ الحديث ٣٩٧٠ مع اختلاف يسير.

(٣) راجع! الصفحة : ٤١٨ و ٤١٩ (المجلّد الرابع) من هذا الكتاب.

(٤) الكافي : ٣ / ٦٠ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٦١ الحديث ٧٦١ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٦٠ الحديث ٤١٧٦.

٤٣

أو ميتا؟ قال : «لا يضرّه ، ولكن يغسل يده» (١).

وموثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام عن الكلب والفارة إذا أكلا من الخبز وشبهه ، قال : «يطرح منه ويؤكل [الباقي]» (٢).

وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام مثله (٣).

وصحيحة معاوية بن عمّار عن الصادق عليه‌السلام عن الفارة والوزغة تقع في البئر ، قال : «ينزح منها ثلاث دلاء» (٤).

لكن يعارضها صحيحة سعيد الأعرج عن الصادق عليه‌السلام عن الفارة تقع في السمن والزيت ثمّ تخرج منه حيّا ، فقال : «لا بأس بأكله» (٥).

وصحيحة الفضل بن عبد الملك أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن سؤر الحيوانات ولم يدع شيئا إلّا سأل عن سؤره ، كلّ ذلك يقول : لا بأس ، حتّى انتهى إلى الكلب ، فقال : رجس (٦) .. الحديث.

وصحيحة ابن مسلم تضمّنت نفي البأس عن السباع (٧).

وكذا رواية أبي الصباح عن الصادق عليه‌السلام (٨).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٦٠ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٦٢ الحديث ٧٦٣ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٦٢ الحديث ٤١٨٠.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٨٤ الحديث ٨٣٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٦٥ الحديث ٤١٩٠.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٢٩ الحديث ٦٦٣ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٦٥ الحديث ٤١٨٩.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٣٨ الحديث ٦٨٨ ، الاستبصار : ١ / ٣٩ الحديث ١٠٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ١٨٧ الحديث ٤٧٧.

(٥) تهذيب الأحكام : ٩ / ٨٦ الحديث ٣٦٢ ، وسائل الشيعة : ٢٤ / ١٩٧ الحديث ٣٠٣٣٣.

(٦) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٢٥ الحديث ٦٤٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٦٦ الحديث ٥٧٤.

(٧) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٢٥ الحديث ٦٤٤ ، الاستبصار : ١ / ١٨ الحديث ٣٩ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٢٧ الحديث ٥٨١.

(٨) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٢٧ الحديث ٦٥٣ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٢٨ الحديث ٥٨٢.

٤٤

وصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام : عن العظاية والحيّة والوزغ [يقع] في الماء فلا يموت أيتوضّأ منه للصلاة؟ قال : «لا بأس [به]» و [سألته] عن فارة وقعت في حبّ دهن فاخرجت منه قبل أن تموت أيبيعه من مسلم؟ قال : «نعم ويدهن منه» (١) وغير ذلك.

مع أنّ هذه الأخبار صريحة في الطهارة بخلاف السابقة ، ومع ذلك هذه موافقة للأصول والعمومات والمشهور لو لم نقل بالإجماع.

مع أنّ الشيخ رحمه‌الله ـ في الكتاب المذكور (٢) في باب المياه منه ـ نفى البأس عمّا وقع فيه الفارة من الماء في الآنية إذا خرجت ، وفي غير الكتاب لم يقل بالنجاسة.

بل الظاهر رجوعه مطلقا ، والمفيد رحمه‌الله أيضا اقتصر في الكتاب المذكور (٣).

وبالجملة ، لا تأمّل في الطهارة ، ويحتمل الكراهة جمعا بين الأخبار ، وعلى أيّ حال يكون للاجتناب أولويّة واحتياط ما ، وإن كانت طاهرة بظاهر الأدلّة علينا البتّة.

قوله : (وللخلاف والديلمي).

أقول : وكذا ابن حمزة (٤) ، ويحكى عن بعض الأصحاب أنّ لعابها نجسة (٥) ، وكلام سلّار صريح في نجاسة اللعاب محتمل لنجاسة العين (٦) ، وظاهر ابن الجنيد نجاستها ونجاسة لعابها (٧).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٤١٩ الحديث ١٣٢٦ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٦٠ الحديث ٤١٧٥.

(٢) النهاية للشيخ الطوسي : ٦.

(٣) المقنعة : ٦٥.

(٤) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٧٨.

(٥) المهذّب البارع : ١ / ٢٢٨.

(٦) المراسم : ٥٥.

(٧) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ١ / ٢٢٩.

٤٥

والمشهور الطهارة مطلقا ، للأصل ، ولصحيحة الفضل بن عبد الملك السابقة (١) ولما في الأخبار من طهارة العاج ، وروى في «الكافي» بسنده إلى الكاظم عليه‌السلام أنّه كان يتمشّط بالعاج ، فقيل له : بالعراق من يزعم أنّه لا يحلّ التمشّط بالعاج ، فقال : «ولم؟ فقد كان لأبي منها مشط أو مشطان» ، ثمّ قال : «تمشّطوا بالعاج» (٢).

وفي رواية : أنّه كان يتمشّط بعاج واشتريته له (٣).

وفي رواية اخرى معتبرة عن الصادق عليه‌السلام عن عظام الفيل مداهنها وأمشاطها ، قال : «لا بأس به» (٤). إلى غير ذلك من الأخبار المعتبرة المنجبرة بالشهرة العظيمة.

حجّة القائل بالنجاسة حرمة البيع ، وليس إلّا للنجاسة ، وحرمته ممّا رواه مسمع عن الصادق عليه‌السلام : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن القرد أن يشترى أو يباع» (٥).

والرواية ضعيفة غير منجبرة ، مع اختصاصها بالقرد ، وظاهر من الخارج أنّ بيعها وشراءها لأن يلعب بها ، وليس فيها منفعة حكميّة وفائدة يعتدّ بها.

سلّمنا ، لكن من أين ظهر أنّ وجهه النجاسة؟ ولعلّه لمانع آخر.

قوله : (وأمّا القول). إلى آخره

عزا في «المبسوط» ذلك إلى بعض أصحابنا (٦) ، والمشهور الطهارة ، بحيث لا

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ٢٢٦ الحديث ٥٧٤.

(٢) الكافي : ٦ / ٤٨٨ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٢٢ الحديث ١٦٧٨ مع اختلاف يسير.

(٣) الكافي : ٦ / ٤٨٩ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٢٣ الحديث ١٦٧٩.

(٤) الكافي : ٦ / ٤٨٩ الحديث ١١ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٢٣ الحديث ١٦٨٠.

(٥) الكافي : ٥ / ٢٢٧ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ١٧ / ١٧١ الحديث ٢٢٢٧٦ مع اختلاف يسير.

(٦) المبسوط : ١ / ٣٨.

٤٦

يكاد يظهر مخالف للأصل المذكور.

ورواية عمّار أنّه سأله عليه‌السلام عن القي‌ء يصيب الثوب فلا يغسل ، قال : «لا بأس» (١).

وعنه أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن الرجل يتقيّأ في ثوبه أيجوز أن يصلّي فيه ولا يغسله؟ قال : «لا بأس» (٢).

ولعلّ حجّة القول بالنجاسة رواية أبي هلال عن الصادق عليه‌السلام : أينقض الرعاف والقي‌ء ونتف الإبط الوضوء؟ فقال : «وما تصنع بهذا ، هذا قول مغيرة بن سعيد لعنه الله ، يجزيك من الرعاف والقي‌ء أن تغسله ولا تعيد الوضوء» (٣).

والجواب ، الطعن في السند ، ووجود المعارض الأقوى بسبب الشهرة العظيمة ، والموافقة للأصول والعمومات وقوّة الدلالة ، فليحمل على الاستحباب جمعا ومسامحة.

ثمّ اعلم! أنّه بقي بعض ما لم يتعرّض له المصنّف في المقام والمباحث السابقة في النجاسات ، مثل ولد الزنا ، فإنّ ابن إدريس رحمه‌الله حكم بأنّه نجس ، لأنّه كافر (٤).

وربّما يظهر من المرتضى رحمه‌الله أيضا ، لنقل «المختلف» عنه أنّه أيضا حكم بكفره (٥).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٢٣ الحديث ١٣٤٠ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٧ الحديث ٨ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٨٩ الحديث ٤٢٥٧.

(٢) الكافي : ٣ / ٤٠٦ الحديث ١٣ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٥٨ الحديث ١٤٨٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٨٨ الحديث ٤٢٥٦.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٤٩ الحديث ١٠٢٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٦٦ الحديث ٦٩٤ مع اختلاف يسير.

(٤) السرائر : ١ / ٣٥٧.

(٥) الانتصار : ٢٧٣ ، مختلف الشيعة : ١ / ٢٣١.

٤٧

قيل : وكلام الصدوق أيضا يشعر بذلك (١).

قلت : وكذلك الكليني رحمه‌الله (٢) ، لإيراده الرواية الآتية من دون إشارة إلى توجيه ، بل في «المختلف» نسبه إلى جماعة (٣).

وفي «المعتبر» ـ بعد ما طلب بدليل الكفر ـ قال : ولو ادّعي الإجماع كما ادّعاه بعض الأصحاب ، كانت المطالبة باقية (٤).

أقول : يمكن أن يكون مستند الحكمين رواية الكليني ، بسنده عن الوشّاء ، عمّن ذكره ، عن الصادق عليه‌السلام : «أنّه كره سؤر ولد الزنا ، واليهودي ، والنصراني ، والمشرك ، وكلّ من خالف الإسلام ، وكان أشدّ ذلك عنده سؤر الناصب» (٥).

والسياق يقتضي كونه من قبيل البواقي ، بل في رواية ابن أبي يعفور عن الصادق عليه‌السلام إنّه قال : «لا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها غسالة الحمّام فإنّ فيها غسالة ولد الزنا ، وهو لا يطهر إلى سبعة آباء ، و [فيها] غسالة الناصب وهو شرّهما ، إنّ الله لم يخلق خلقا شرّا من الكلب ، و [إنّ] الناصب أهون على الله من الكلب» (٦) ، الحديث.

وفي رواية حمزة عن أبي الحسن عليه‌السلام أنّه قال : «لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمّام ، فإنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب ، وولد الزنا والناصب لنا» (٧).

__________________

(١) قاله العلّامة في مختلف الشيعة : ١ / ٢٣١ ، لاحظ! من لا يحضره الفقيه : ١ / ٨.

(٢) الكافي : ٣ / ١١ الحديث ٦.

(٣) مختلف الشيعة : ١ / ٢٣١.

(٤) المعتبر : ١ / ٩٨.

(٥) الكافي : ٣ / ١١ الحديث ٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٢٩ الحديث ٥٨٧.

(٦) الكافي : ٣ / ١٤ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢١٩ الحديث ٥٥٩.

(٧) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٧٣ الحديث ١١٤٣ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢١٨ الحديث ٥٥٦.

٤٨

ولعلّ رواية الكليني إيّاها وموافقة غيره له ودعوى الإجماع الذي اشير إليه يجبرها ، لكن للمناقشة سندا ودلالة بعد مجال ، والاحتياط واضح.

ومثل دود الحش وصراصره وغيرهما ممّا يكون من النجس ، فإنّ المحقّق تردّد فيها لذلك ، ولما دلّ على طهارة ما مات فيه حيوان لا نفس له من غير الفصل ، ولأنّ المعلوم هو تولّدها في النجاسة لا من النجاسة ، فلا يحكم بنجاستها ، وإن لاقت النجاسة إذا خلت من عينها (١) ، انتهى.

ولا يخفى أنّ أصالة الطهارة لا يصادمها (٢) ما ذكره ، سيّما مع معاضدتها لما ذكرناه ، لأنّ تولّد الحيوان من نجس العين لا دليل على نجاسته سوى توهّم الاستصحاب.

وفيه ، أنّ الاستصحاب شرطه بقاء موضوع الحكم على حاله ، وإن وقع بالنسبة إليه تغيّر ما ، فإذا انعدم ماهيّته وانقلبت بغيره ـ كأن يصير الكلب ملحا ، والعذرة دودا ، والميتة ترابا أو دودا ، ودم الإنسان دم البق ، وأمثاله إلى غير ذلك ، مثل استحالة النجاسات في الحياض إلى الماء المطلق ، وغيرها ممّا لا يحصى ، وكذلك الخمر خلّا ، إلى غير ذلك ـ يتغيّر الحكم البتّة ، ويكون الأصل الطهارة.

ولذا جعلوا من المطهّرات الاستحالة والانقلاب كليّا ، لأنّ الأحكام الشرعيّة تابعة للأسامي والحقائق ، إذ الملح لا يصدق عليه أنّه كلب بوجه من الوجوه.

وقس على ذلك حال البواقي ، ومثل الجنين فإنّه إذا تمّ خلقته وذكّيت امه بذكاة شرعيّة ، يكون حلالا طاهرا ، إنّ ذكاته ذكاة امّه ، وإلّا يكون نجسا ، إذا حلّ

__________________

(١) المعتبر : ١ / ١٠٢.

(٢) في (ف) و (ز ١) و (ط) : يقاومها.

٤٩

فيه الحياة ثمّ مات لأنّه ميتة ، وكذا إذا لم تذكّ امّه.

وأمّا إذا لم يحل فيه الحياة بعد ، سواء ذكّيت امّه أم لا ، فالظاهر أنّه نجس عند الفقهاء ، داخل في حكم الميتة ، وأمّا إذا كان دما أو علقة فقد مضى حكمه (١).

هذا كلّه إذا كان ممّا له نفس سائلة ، وأمّا إذا كان ممّا ليس له نفس سائلة فقد مرّ (٢) ، وظهر منه أنّه طاهر.

ومثل ما نسب إلى الجعفي رحمه‌الله من قوله بحلّية بعض الفقاع ولازمه القول بالطهارة أيضا (٣) ، وهو شاذّ لا عبرة به ، لعموم ما دلّ على الحرمة ، إلّا أن يكون مراده قبل الغليان ، ولما ورد في بعض الأخبار من حلّيته (٤).

فالظاهر أنّه ليس بفقاع حقيقة ، بل مجازا مشارفة.

ومثل موضع عضّ كلب الصيد ، فإنّ الشيخ رحمه‌الله حكم بطهارته (٥) ، لعموم (فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) (٦) وغيره.

وفيه : منع تبادر العموم المذكور ، وعلى تقدير التسليم ما دلّ على نجاسته أيضا عام أقوى ، ولذا يكون فم هذا الكلب نجس العين ، ولو باشر الماء أو غيره ممّا دلّ العمومات على طهارته يصير متنجّسا جزما عنده لازم الاجتناب.

ومثل ما قال الصدوق رحمه‌الله : من رشّ ما أصابه كلب الصيد برطوبة ، وغسل ما أصابه غيره (٧).

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٤٤١ و ٤٤٢ (المجلّد الرابع) من هذا الكتاب.

(٢) راجع! الصفحة : ٤٣٩ و ٤٤٠ (المجلّد الرابع) من هذا الكتاب.

(٣) نسبه الشهيد في ذكرى الشيعة : ١ / ١١٥.

(٤) وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٨١ و ٣٨٢ الحديث ٣٢١٨٠ ـ ٣٢١٨٢.

(٥) الخلاف : ٦ / ١٢ المسألة ٨.

(٦) المائدة (٥) : ٤.

(٧) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٣ ذيل الحديث ١٦٧ نقل بالمعنى.

٥٠

وفيه ، أنّ ما دلّ على نجاسة الكلب ووجوب غسل ملاقيه برطوبة عام يشمل كلّ كلب.

نعم ، في بعض الأخبار علل ذلك بأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتله (١) ، لكن لو تمّ لزم انحصار النجاسة في كلب الهراش ، وفيه ما فيه. ولم نعرف مأخذ الصدوق رحمه‌الله.

وتمام الكلام سيجي‌ء في مبحث إزالة النجاسات ، وسيجي‌ء بعض ما له دخل بالمقام في مبحث الإزالة ومبحث المياه.

والمسك طاهر إجماعا ، ولما روي أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يتطيّب به (٢) ، ولا يضرّ كون أصله الدم ، لمكان الاستحالة.

وكذلك القيح ، إلّا أن يكون فيه دم.

قوله : (ويستحب التجنّب). إلى آخره.

في موثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام في الرجل إذا قصّ أظفاره بالحديد ، أو أخذ من شعره ، أو حلق قفاه [قال :] «فإنّ عليه أن يمسحه بالماء قبل أن يصلّي» ، سئل فإن صلّى ولم يمسح [من ذلك] بالماء؟ قال : «يمسح بالماء ويعيد الصلاة ، لأنّ الحديد نجس» وقال : «[إنّ] الحديد لباس أهل النار» (٣).

وفي موثقته أيضا عنه عليه‌السلام سأله عن الرجل يقرض من شعره بأسنانه أيمسحه بالماء قبل أن يصلّي؟ قال : «لا بأس ، إنّما ذلك في الحديد» (٤) ، إلى غير ذلك

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٤١٤ الحديث ٤٠١٢٥.

(٢) الكافي : ٦ / ٥١٥ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٤٩ الحديث ١٧٧٠ ، ٣ / ٥٠٠ الحديث ٤٢٨٥.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٢٥ الحديث ١٣٥٣ ، الاستبصار : ١ / ٩٦ الحديث ٣١١ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٥٣٠ الحديث ٤٣٧٤.

(٤) الكافي : ٣ / ٣٨ الحديث ١٧ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٣٤٥ الحديث ١٠١١ ، الاستبصار : ١ / ٩٦ الحديث ٣١٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٥٣٠ الحديث ٤٣٧٣.

٥١

وطهارته ممّا لم يتأمّل فيه أحد من الفقهاء ، بل طريقة المسلمين في الأعصار والأمصار تنادي بالإجماع الواقعي على طهارته.

وكذا عموم البلوى به وعسر التجنّب عنه ، وكونه حرجا في الدين بحسب الظاهر ، مع أنّه لو كان نجسا لاقتضى العادة اشتهاره كلّ الاشتهار.

مع أنّه سأل اسماعيل بن جابر ، عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل يأخذ من أظفاره ، وشاربه أيمسحه [بالماء]؟ فقال : «لا ، هو طهور» (١).

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٨ الحديث ١٤١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٨٩ الحديث ٧٥٩.

٥٢

٨٢ ـ مفتاح

[موارد وجوب إزالة النجاسة]

يجب إزالة النجاسة عن الثوب والبدن للصلاة والطواف الواجبين ، مع الإمكان وعدم العفو من الشارع.

وعن الأواني للاستعمال برطوبة في الأكل والشرب ، وعن المأكول للأكل ، لعدم جواز العبادتين في النجسين إلّا ما استثني ، ولا أكل النجس ، كما يأتي كلّ في بابه.

وعن المساجد بلا خلاف للنصوص ، منها المشهور : «جنّبوا مساجدكم النجاسة» (١) ، وعن المصاحف المشرفة وجلودها وأكياسها ولفائفها ، والضرائح المقدّسة وكسوتها وما يلقى عليها لحرمتها.

ويستحبّ للمندوب من العبادتين ، وإن كان شرطا في صحّتهما.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٥ / ٢٢٩ الحديث ٦٤١٠.

٥٣
٥٤

قوله : (يجب إزالة النجاسة). إلى آخره.

قد عرفت سابقا أنّ وجوب غسلها ليس لنفسه ، بل لغيره.

بل وجوبها للغير وجوب شرطي ، ويصير شرعيّا أيضا إذا قلنا بوجوب مقدّمة الواجب المطلق ، إذا كان الغير واجبا شرعيّا مطلقا بالنسبة إليه ، أو ورد الأمر به لخصوص الواجب من الغير ، ولذا قيّد المصنّف الصلاة والطواف بالواجب ويكون الإزالة ممكنة.

ويجب تقييد آخر ، وهو انحصار الثوب وما يمكن الصلاة فيه في النجس ، إلّا أن يؤول صورة عدم الانحصار بالوجوب التخييري ، ويكون مراده من الوجوب أعم منه ، فتأمّل!

قوله : (وعدم العفو) وكذا قوله بعد ذلك : (إلّا ما استثني).

وسيذكره المصنّف في كتاب الصلاة في مبحث لباس المصلي ، وهو دم القروح والجروح في الجملة ، وأقلّ الدرهم من الدم وغيرها.

لكن نقل عن ابن الجنيد أنّ كلّ نجاسة وقعت على الثوب وكان عينها فيه مجتمعة أو منقسمة (١) دون سعة الدرهم الذي يكون سعته كعقد الإبهام الأعلى لم ينجس الثوب بذلك ، إلّا أن يكون دم الحيض أو منيّا ، فإنّ قليلهما وكثيرهما سواء (٢).

ولعلّ مستنده القياس على الدم ، لأنّه رحمه‌الله كان يقول بالقياس ، واستثناء الحيض والمني ممّا وجده في الأخبار من التشديد والأمر بإزالة الجميع نصّا (٣).

__________________

(١) في (د ٢) : متفرّقة.

(٢) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ٤٧٥.

(٣) انظر! وسائل الشيعة : ٣ / ٤٢٣ الباب ١٦ ، ٤٣٢ الباب ٢١ من أبواب النجاسات.

٥٥

ومعلوم أنّ القياس فاسد عندنا بالضرورة ، والأخبار أيضا حجّة عليه من جهة الإطلاقات ، بل التصريح في بعضها (١) ، كما لا يخفى على المطّلع.

قوله : (لعدم جواز العبادتين في النجسين).

عدم جواز الصلاة مع نجاسة البدن أو في الثوب النجس إذا لم يكن معفوّا عنه من ضروريّات الدين.

بل عرفت أنّ وجوب غسلها ليس لنفسه ، بل لغيره ، بل الوجوب الشرطي إلّا في الصورة التي أشرنا إليها.

وورد في أخبار كثيرة الأمر بإعادة الصلاة من جهتها (٢) ، وستعرف بعضها.

وأمّا الطواف ، فقد نقل جمع من الأصحاب الإجماع على اشتراط طهارة الثوب والبدن (٣).

وفيه ورد الخبر أيضا (٤) ، كما سيجي‌ء في محلّه إن شاء الله تعالى.

قوله : (وعن المساجد). إلى آخره.

لقوله تعالى (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) (٥) ، وقوله تعالى (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ) (٦) الآية ، وقوله تعالى (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ) (٧) الآية ، فإنّ

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٣ / ٤٢٨ الباب ١٩ من أبواب النجاسات.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٣ / ٤٢٨ الباب ١٩ من أبواب النجاسات.

(٣) الخلاف : ٢ / ٣٢٢ المسألة ١٢٩ ، غنية النزوع : ١٧٢.

(٤) راجع! وسائل الشيعة : ١٣ / ٣٩٩ الباب ٥٢ من أبواب الطواف.

(٥) التوبة (٩) : ٢٨.

(٦) الحجّ (٢٢) : ٢٦.

(٧) الحجّ (٢٢) : ٣٢.

٥٦

واجب ، كما لا يخفى ، ولما ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم» (١).

وما ورد من قولهم عليهم‌السلام : «جنّبوا مساجدكم المجانين والصبيان واجعلوا مطاهركم على أبواب مساجدكم» (٢).

ومرّ في مبحث الاستحاضة (٣) ومبحث تيمّم المجنب للخروج عن المسجدين (٤) ما يشير إلى ذلك.

وفي «التهذيب» بسنده المعتبر إلى علي بن أسباط ، عن بعض رجاله ، عن الصادق عليه‌السلام [قال : «جنّبوا مساجدكم البيع والشراء ، والمجانين والصبيان ..»] (٥) ، و [عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم] «جنّبوا مساجدكم النجاسة» (٦) وهي منجبرة بالشهرة العظيمة وما أشرنا إليه من الآيات والأخبار.

وأمّا الإجماع ، فعن الشيخ رحمه‌الله في «الخلاف» : أنّه لا خلاف في أنّ المساجد يجب أن تجنّب النجاسة (٧) ، وعن ابن إدريس رحمه‌الله : أنّه إجماع الامّة عليه (٨) ، وعن الشهيد : الظاهر أنّه إجماعي (٩).

ويؤيّده إجماع المسلمين في الأعصار والأمصار على منع دخول الكفّار.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٥٥ الحديث ٧٠٩ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٢٢٩ الحديث ٦٤٠٩.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٥٤ الحديث ٧٠٢ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٢٣٣ الحديث ٦٤٢٠ مع اختلاف يسير.

(٣) راجع! الصفحة : ٢٤٧ و ٢٤٨ (المجلّد الأوّل) من هذا الكتاب.

(٤) راجع! الصفحة : ٢٠٠ (المجلّد الرابع) من هذا الكتاب.

(٥) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٤٩ الحديث ٦٨٢ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٢٣٣ الحديث ٦٤١٩.

(٦) وسائل الشيعة : ٥ / ٢٢٩ الحديث ٦٤١٠.

(٧) الخلاف : ١ / ٥١٨ المسألة ٢٦٠.

(٨) السرائر : ١ / ١٦٣.

(٩) ذكرى الشيعة : ٣ / ١٢٩.

٥٧

واعلم! أنّ الظاهر من كلام الفاضلين تحريم إدخال النجاسة ، سواء كانت متعدّية أو غيرها (١).

وربّما يكون ظاهرا من كلام ابن إدريس رحمه‌الله حين دعواه الإجماع (٢).

والعلّامة رحمه‌الله صرّح في بعض كتبه ، حتّى قال في «التذكرة» : لو كان معه خاتم نجس وصلّى في المسجد لم تصح صلاته (٣) ، واستدلّوا على ذلك بالآية والخبر.

وفيه ، أنّ دلالة الآيات على العموم المذكور منتفية سوى الآية الاولى.

لكن دلالتها عليه ليست بذلك الظهور ، إذ قربه (٤) ليس بحرام ، فإمّا أن يكون نفس الدخول الأعم ، أو تلويث المسجد وتنجيسه بهم أعم من الدخول ، فتأمّل جدا!

وكذا الكلام في دلالة الخبر ، لأنّ مجانبتها النجاسة يحصل بعدم تعديها إليها أيضا.

ومنه يظهر الكلام في الإجماع الذي ادّعاه ابن إدريس رحمه‌الله (٥).

مع أنّ الشيخ في «الخلاف» ، والشهيد في «الذكرى» نقلا الإجماع على جواز إدخال الحيّض من النساء مطلقا (٦) ، مع أنهنّ لم ينفكن عن النجاسة غالبا.

وورد في الأخبار : أنّ الحائض والجنب يدخلان المسجد مجتازين ، وأنّ الحائض تأخذ ما في المسجد ولا تضع ما فيه ، وأنّها والجنب يأخذان ما في المسجد

__________________

(١) شرائع الإسلام : ١ / ١٢٨ ، المختصر النافع : ٤٩ ، قواعد الأحكام : ١ / ٢٩.

(٢) السرائر : ١ / ١٦٣.

(٣) تذكرة الفقهاء : ٢ / ٤٨٢ المسألة ١٢٧.

(٤) في (ف) و (ز ١) و (ط) زيادة : ذلك.

(٥) مرّ آنفا.

(٦) الخلاف : ١ / ٥١٨ المسألة ٢٥٩ ، ذكرى الشيعة : ٣ / ١٢٩.

٥٨

كذلك (١).

وفي المستحاضة : أنّ الدم إن كان لا يثقب الكرسف توضّأت ودخلت المسجد وصلّت كلّ صلاة بوضوء (٢).

وهذه الأخبار صحيحة معمولة بها ، ومعتبرة كذلك.

ويؤيّده بل يدلّ عليه عدم منع عقد الجمعة والجماعات في المساجد ، بل التحريض والترغيب في ذلك ، بل المعهود بين المسلمين في الأعصار والأمصار كذلك ، بل في مكّة أو المدينة ـ شرّفهما الله تعالى ـ يتعيّن فعلهما في المسجدين الحرامين.

وكذا فعل صلاة العيدين ، مع أنّهما والجمعة غير ساقطة عمّن كان به قروح أو جروح دامية وأمثالهما ، ولم يستثنوا في خبر من الأخبار ، ولا كلام فقيه من الفقهاء.

بل عموم ما دلّ على استحباب الصلوات في غيرها في المساجد يشمل هؤلاء أيضا ، ومع ذلك الاحتياط أولى ، لو لم يلزم خلاف الاحتياط والعسر والحرج والضرر ، فتأمّل!

قوله : (لحرمتها).

أقول : ويدلّ عليه قوله تعالى (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ) (٣) الآية ، وغيرها ممّا دلّ على لزوم تعظيم الشعائر وحرمة الاستهانة بها ، بل وربّما يؤدّي إلى الكفر. وقد قطع الأصحاب بوجوب الإزالة على الفور كفاية (٤).

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢ / ٢٠٥ الباب ١٥ ، ٢١٣ الباب ١٧ من أبواب الجنابة.

(٢) وسائل الشيعة : ٢ / ٣٧١ الحديث ٢٣٩٠.

(٣) الحج (٢٢) : ٣٢.

(٤) لاحظ! الحدائق الناضرة : ٥ / ٢٩٤.

٥٩

وممّا ذكر ظهر حال المساجد أيضا. ولو أدخلها أحد نجاسة ، فهل يتعيّن عليه الإخراج والإزالة؟ وإن كان يجب على غيره كفاية أيضا.

ولعلّ الأظهر كذلك كما اختاره في «الذكرى» (١). وخالف فيه الشهيد الثاني رحمه‌الله ـ على ما نقل عنه ـ بأنّه جعله كغيره يجب عليه كفاية (٢). وجه الأظهريّة يظهر بالتأمّل في الأدلّة.

ولو لم يزل ولم يخرج مع الإمكان وصلّى ، هل صلاته صحيحة (٣) على القول بأنّ الأمر بالشي‌ء لا يستلزم النهي عن الضد؟ الأقوى الأوّل ، والأحوط الثاني ، والتحقيق في الاصول.

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ١ / ١٢٢.

(٢) روض الجنان : ١٦٥.

(٣) في (ف) و (ز ١) و (ط) : أم لا.

٦٠