مصابيح الظلام - ج ٥

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٥

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-5-1
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٤٨

قوله : (للصحاح المستفيضة). إلى آخره.

منها : صحيحة زرارة الطويلة ، وفيها : فإنّي علمت أنّه قد أصابه ولم أدر أين هو فأغسله؟ قال : «تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنّه قد أصابها حتّى تكون على يقين من طهارتك» (١).

وكصحيحة ابن أبي يعفور عن الصادق عليه‌السلام في المني يصيب الثوب ، قال : «إن عرفت مكانه فاغسله ، وإن خفي فاغسل الثوب كلّه» (٢) ، ومثلها قويّة سماعة عنه (٣) ، وقويّة عنبسة عن الصادق عليه‌السلام (٤).

وقوله : (كما في الصحيح).

ليس ما ذكره منحصرا في صحيح ، بل ورد في أخبار كثيرة منها صحيح ومنها معتبر ، وذكرناها في رسالتنا المكتوبة في الاستصحاب (٥).

وقوله : (وإن لم يحكم بنجاسة كلّ جزء جزء).

يعني بخصوصه.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٢٢ الحديث ١٣٣٥ ، الاستبصار : ١ / ١٨٣ الحديث ٦٤١ ، علل الشرائع : ٣٦١ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٠٢ الحديث ٣٩٧٨ مع اختلاف يسير.

(٢) الكافي : ٣ / ٥٣ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥١ الحديث ٧٢٥ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٠٣ الحديث ٣٩٨٣ مع اختلاف يسير.

(٣) الكافي : ٣ / ٥٤ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥٢ الحديث ٧٢٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٠٣ الحديث ٣٩٨٤.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥٢ الحديث ٧٢٩ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٠٣ الحديث ٣٩٨٠.

(٥) لاحظ! الرسائل الاصوليّة : ٤٤٠ ـ ٤٤٣.

١٦١

وقوله : (لعين ما ذكر).

مراده عدم انتقاض اليقين بالشكّ ، وفيه ، أنّ مراعاة ذلك في كلّ جزء جزء يوجب رفع النجاسة اليقينيّة من غير مطهّر ، فلا يجب على هذا غسل الجميع أيضا ، وهو مضاد لما ذكره وفاسد جزما ، على أنّه [لو] كان كلّ جزء جزء كان يجب غسله البتة والاحتراز عنه لو لم يغسل في ضمن المجموع.

وكذا لو أفرد برأسه لعين ما ذكر ، ومن هذا قال العلّامة بأنّ المشتبه بالنجس في حكم النجس (١).

والمشهور بين الفقهاء الفرق بين المحصور وغير المحصور ، فحكموا بأنّ المشتبه بالنجس في حكم النجس (٢) في الأوّل دون الثاني.

وربّما قيل بجواز ملاقاة الأجزاء رطبا إلى أن يحصل اليقين بملاقاة النجس ، وهو لا يحصل إلّا بملاقاة جميع الأجزاء ، فإن لم يلاق الجميع ، بل لاقى الأكثر إلى حدّ لم يحصل اليقين بملاقاة النجس لم يضر ويكون الملاقي طاهرا ، فيتعيّن حينئذ عدم ملاقاة الباقي إن اريد الحكم بطهارة الملاقي ، من دون فرق بين المحصور وغيره.

والظاهر أنّ هذا هو مراد المصنّف ، وإن كانت عبارته قاصرة.

والظاهر عدم جواز الصلاة في الجزء إذا انقطع عن الكلّ ، لاستصحاب المنع السابق ، كما قلنا ، ولأنّ الجواز في هذا الجزء يوجب الجواز في الجزء (٣) الآخر ، لعدم الفرق بينهما أصلا في المقتضي والمانع ، فيلزم جواز الصلاة في الثوب الذي قطع بعدم جواز الصلاة فيه شرعا ، وكون القطع مطهّرا شرعا ، وعدم توقّف طهارة النجس

__________________

(١) نهاية الإحكام : ١ / ٢٤٨ و ٢٨١ ، قواعد الأحكام : ١ / ٨ ، تحرير الأحكام : ١ / ٢٥.

(٢) في (ز ٣) : المتنجس.

(٣) في (د ١ و ٢) و (ف) و (ز ١) : الأجزاء.

١٦٢

على الغسل ، وهو خلاف الإجماع والأخبار ، بل الضرورة أيضا ، كما لا يخفى ، وكذا الحال في الطواف ونحوه.

وأمّا إذا لاقى جزء منه شيئا طاهرا رطبا ولم يلاق (١) سائر الأجزاء فالظاهر عدم انفعال ذلك الطاهر استصحابا للطهارة حتّى يعلم ملاقاته للنجس رطبا ، لأنّه هنا لم يلاق النجس ، بل لاقى ما هو بحكم النجس فيما ذكرنا.

وإن أمكن أن يقال : النجس الواقعي يجب اجتنابه قطعا ، لكونه نجسا ، ولا معنى للنجس إلّا في وجوب الاجتناب عنه ، ولا يتأتّى الاجتناب عنه إلّا بالاجتناب عن جميع محتملاته ، فيجب الاجتناب عن كلّ جزء من باب المقدّمة.

فعلى القول بوجوب مقدّمة الواجب شرعا ، يجب الاجتناب عن كلّ جزء (٢).

لكن لو عصى وباشر لا يحكم بوجوب غسل الملاقي ، لأنّ وجوب الاجتناب عن شي‌ء بل وجوب غسله لا يقتضي وجوب غسل ملاقيه رطبا.

وإن لاقى أحد الأجزاء ثوب طاهر رطبا ، ولاقى البواقي ثوب آخر ، أو أثواب اخر رطبا ، يحصل العلم بانفعال أحد الأثواب المذكور ، فلا يجوز الصلاة في واحد منها اختيارا ، ويجب غسل الجميع ، وفي حال الاضطرار إليها يجب إتيان الصلاة متعدّدا ، بأن يصلّي في كلّ واحد منها على حدة مع التمكّن ، لتمكّنه من الإتيان بصلاة واحدة في ثوب طاهر ، إلّا أن يستلزم الحرج المنفي مع عدم تقصير. وسيجي‌ء تمام التحقيق في موضعه.

وإن كان بدن شخص لاقى أحد الأجزاء ، وبدن شخص آخر لاقى الأجزاء

__________________

(١) في (د ١) : ولم يلاقه.

(٢) في (ك) زيادة : جزء.

١٦٣

الباقية ، بحيث علم أنّ أحد البدنين نجس جزما ، لم يجب على واحد منهما غسل بدن نفسه والاحتراز عنه ، لعدم حصول النجاسة بمجرّد الاحتمال ، وعدم خطاب واحد منهما بالاجتناب والغسل.

وكذا إن كان ثوب شخص لاقى بعضه ، وثوب شخص آخر لاقى بعضه الآخر ، بحيث علم أنّ أحدهما نجس جزما.

والفرق بين هاتين المسألتين وما مرّ سابقا ، تعلّق الخطاب بمكلّف معيّن بالاجتناب عن ثوبه النجس المعيّن أو المردّد ووجوب الغسل ، ولا يتحقّقان إلّا بالاجتناب عن المجموع وغسل المجموع ، وعدم تعلّق خطاب بعنوان الوجوب بالاحتراز عن بدنه أو ثوبه ووجوب غسلهما في هاتين المسألتين.

مثلا إذا علم شخص أنّ عليه فائتة أو حاضرة ، ولا يعلم أنّها المغرب أو العشاء يجب عليه الإتيان بهما ، لوجوب الإتيان بما فات ، أو بما عليه أن يفعله.

بخلاف ما احتمل عند شخص أنّه فات مغربه ، وشخص آخر كذلك ، بحيث حصل العلم بأنّه فات ، إمّا مغرب هذا أو مغرب هذا ـ والقضاء فرض جديد ـ فلم يعلم واحد منهما أنّه فات مغربه حتّى يقضيها ، وأنّ الأحوط إتيانهما جميعا ، كواجدي المني في الثوب المشترك وصلاتهما فيه ، ثمّ علما به بعد خروج الوقت ، فتأمّل جدّا في الفرق المذكور.

وكذا في الفرق بين المحصور وغير المحصور ، وقد كتبنا الفرق في «الفوائد» (١) و «حاشية المدارك» (٢) في مبحث الإناءين ، وغير ذلك.

والاحتياط مهما أمكن مطلوب ، بل ويشكل ما ذكر في حكم مجموع ثوبي

__________________

(١) الفوائد الحائرية : ٢٤٥ ـ ٢٤٩.

(٢) الحاشية على مدارك الأحكام للوحيد رحمه‌الله : ١ / ١٦٦.

١٦٤

شخصين يكون أحدهما نجسا ، لاحتمال أن يكون حكمهما حكم ثوبي شخص واحد ، إذ لا يجوز لكلّ واحد من الشخصين أن يصلّي في مجموع الثوبين ، فيلزم عدم جوازه في كلّ واحد أيضا لما ذكر ، لكنّه أيضا مشكل ، والاحتياط واضح.

قوله : (ولو شكّ). إلى آخره.

استحباب الرش في صورة الشكّ حكم به الشيخ ، والعلّامة في «النهاية» و «المنتهى» (١) ، لصحيحة عبد الرحمن عن الكاظم عليه‌السلام عن الرجل يبول بالليل فيحسب أنّ البول أصابه. إلى أن قال : «يغسل ما استبان أنّه أصاب وينضح ما يشكّ فيه من جسده أو ثيابه» (٢) إلى غير ذلك من الأخبار ، ولم يقل أحد بالفصل.

وذكر في «المنتهى» و «النهاية» استحباب النضح في خمسة مواضع اخر (٣) ، وزاد في «الذكرى» موضعين آخرين أيضا (٤) ، ونحن نذكر السبعة برواياتها.

وهي صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام عن الفأرة الرطبة وقعت في الإناء (٥) تمشي على الثياب ، أيصلّى فيها؟ قال : «اغسل ما رأيت من أثرها ، وما لم تره فانضحه بالماء» (٦).

وقال جماعة باستحباب النضح من الفأرة الرطبة (٧).

وصحيحته الاخرى عنه عليه‌السلام عن رجل وقع ثوبه على كلب ميّت؟ قال :

__________________

(١) النهاية للشيخ الطوسي : ٥٢ ، نهاية الإحكام : ١ / ٢٨١ ، منتهى المطلب : ٣ / ٢٩٢.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٢١ الحديث ١٣٣٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٦٦ الحديث ٤١٩٣.

(٣) منتهى المطلب : ٣ / ٢٩٣ ، نهاية الإحكام : ١ / ٢٨٩ و ٢٩٠.

(٤) ذكرى الشيعة : ١ / ١٤٢.

(٥) في المصدر : الماء.

(٦) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٦١ الحديث ٧٦١ ، ٢ / ٣٦٦ الحديث ١٥٢٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٦٠ الحديث ٤١٧٦.

(٧) لاحظ! الحدائق الناضرة : ٥ / ٣٩٣.

١٦٥

«ينضحه [بالماء] ويصلّي فيه ولا بأس» (١).

وصحيحة ابن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام عن المذي يصيب الثوب ، فقال : «ينضحه بالماء إن شاء» (٢).

وفي دلالتها على الاستحباب تأمّل ، سيّما بعد ما ورد في حسنة الحسين بن أبي العلاء عن الصادق عليه‌السلام : «أنّه لا بأس به» ، فلمّا رددنا [عليه] قال : «ينضحه بالماء» (٣) ، فلاحظ ما مرّ في حكم المذي (٤) ، فتأمّل!

وحسنة ابن مسلم عن الصادق عليه‌السلام عن أبوال الدوابّ والبغال والحمير؟ فقال : «اغسله ، فإن لم تعلم مكانه فاغسل الثوب كلّه ، فإن شككت فانضحه» (٥).

وفي الاستدلال بها نظر ، عرفته فيما مضى في حكم أبوال الدوابّ (٦).

ورواية عبد الرحمن عن الصادق عليه‌السلام أنّه يغسل بول الفرس والبغل والحمار (٧) ، «وينضح بول البعير والشاة» (٨) ، وفيها النظر السابق.

وصحيحة ابن أبي نصر عن الرضا عليه‌السلام أنّه سأله رجل وقال : إنّ بي جرحا في مقعدتي فأتوضّأ وأستنجي ثمّ أجد بعد ذلك الندى والصفرة أفأعيد الوضوء؟

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٣ الحديث ١٦٩ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٧٧ الحديث ٨١٥ ، الاستبصار : ١ / ١٩٢ الحديث ٦٧٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٤٢ الحديث ٤١١٣.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٦٧ الحديث ٧٨٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٢٦ الحديث ٤٠٦١.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥٣ الحديث ٧٣٣ ، الاستبصار : ١ / ١٧٥ الحديث ٦٠٨ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٢٦ الحديث ٤٠٦٢.

(٤) راجع! الصفحة : ١٣٢ ـ ١٣٦ (المجلّد الثالث) من هذا الكتاب.

(٥) الكافي : ٣ / ٥٧ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٦٤ الحديث ٧٧١ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٠٧ الحديث ٣٩٩٨.

(٦) راجع! الصفحة : ٤١٩ ـ ٤٢٥ (المجلّد الرابع) من هذا الكتاب.

(٧) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٢٢ الحديث ١٣٣٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٠٩ الحديث ٤٠٠٢.

(٨) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٢٢ الحديث ١٣٣٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٠٩ الحديث ٤٠٠٣.

١٦٦

فقال : «قد أنقيت؟» فقال : نعم ، قال : «لا ، ولكن رشّه بالماء» (١).

ورواية أبي بصير عن القميص يعرق فيه الجنب حتّى يبتلّ ، فقال : «لا بأس ، وإن أحبّ أن يرشّه بالماء فليفعله» (٢).

وفي الدلالة على الاستحباب تأمّل ، سيّما بعد ما روي عنه عليه‌السلام أنّه : «لا أرى في عرق الجنب بأسا». فقال الراوي : إنّه يعرق فيه حتّى لو شاء أن يعصره عصره فقطب (٣) الصادق عليه‌السلام في وجهه ، فقال : «إن أبيتم فشي‌ء من ماء فانضحه به» (٤) ، فتأمّل!

وأمّا ما ذكره المصنّف من المني المشكوك فلم أجد مستنده.

نعم ، في حسنة عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام في رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم. إلى أن قال عليه‌السلام : «وإن كان يرى أنّه أصابه شي‌ء فنظر فلم ير شيئا أجزأه أن ينضحه بالماء» (٥) ، فتأمّل جدّا!

وورد في الخصي الذي يبول ، ويرى البلل بعد البلل فيلقى من ذلك شدّة : أنّه يتوضّأ وينضح ثوبه في النهار مرّة واحدة (٦).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ١٩ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٩٢ الحديث ٧٦٨ مع اختلاف يسير.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٦٩ الحديث ٧٩١ ، الاستبصار : ١ / ١٨٥ الحديث ٦٤٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٤٦ الحديث ٤١٣٠ مع اختلاف يسير.

(٣) قطب الرجل : أي قبض ما بين عينيه كما يفعل العبوس. لاحظ! مجمع البحرين : ٢ / ١٤٥.

(٤) الكافي : ٣ / ٥٢ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٦٨ الحديث ٧٨٧ ، الاستبصار : ١ / ١٨٥ الحديث ٦٤٥ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٤٥ الحديث ٤١٢٦.

(٥) الكافي : ٣ / ٤٠٦ الحديث ٩ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٥٩ الحديث ١٤٨٨ ، الاستبصار : ١ / ١٨٢ الحديث ٦٣٦ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٧٥ الحديث ٤٢١٦.

(٦) الكافي : ٣ / ٢٠ الحديث ٦ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٣ الحديث ١٦٨ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٣٥٣ الحديث ١٠٥١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٨٥ الحديث ٧٥١ نقل بالمعنى.

١٦٧

ومرّ في رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه‌السلام في الفرو وما فيه من الحشو يصيبه البول ، فينفذ إلى الجانب الآخر أنّه قال عليه‌السلام : «اغسل ما أصاب منه ومس الجانب الآخر ، فإن أصبت مسّ شي‌ء منه فاغسله ، وإلّا فانضحه بالماء» (١).

وورد في غير واحد من الأخبار الأمر بنضح الثوب بملاقاة الكلب يابسا (٢) ، وكذا من ملاقاة الخنزير (٣).

وورد في صحيحة الحلبي الرشّ بالماء في ثوب المجوسي ثمّ الصلاة فيه (٤).

وسيجي‌ء في مكان المصلّي ، استحباب رشّه في مواضع لتهمة النجاسة ، مثل البيع والكنائس وبيوت المجوس وغير ذلك (٥) ، وربّما ورد في غير ما ذكر أيضا ، ولم أتفطن الآن به.

قوله : (وفي قيام الظن). إلى آخره.

قد مرّ الكلام في ذلك ، في بحث أنّ كلّ شي‌ء طاهر حتّى يحصل العلم (٦) ، وأنّ الأقوى أنّ في الحكم بالنجاسة لا بدّ من اليقين ، ولا يكفي الظن مطلقا ، إلّا أن يكون مستندا إلى دليل شرعي معتبر في ذلك ، لا مثل شهادة العدلين ، أو العدل الواحد ممّا لم يثبت عمومه بحيث يشمل المقام.

إذ على تقدير عموم الحجّية يتحقّق التعارض بينه وبين ما ظهر من الروايات

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥٥ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٠٠ الحديث ٣٩٧٣.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٣ / ٤١٤ الباب ١٢ من أبواب النجاسات.

(٣) راجع! وسائل الشيعة : ٣ / ٤١٧ الحديث ٤٠٣٦.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٢ الحديث ١٤٩٨ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٥١٩ الحديث ٤٣٤١.

(٥) انظر! وسائل الشيعة : ٥ / ١٣٨ الباب ١٣ من أبواب مكان المصلّي.

(٦) راجع! الصفحة : ١٥٠ ـ ١٥٣ من هذا الكتاب.

١٦٨

من أنّه لا بدّ من العلم واليقين ، فيجوز تخصيص كلّ من الطرفين بالآخر ، ويبقى الأصل سالما.

نعم ، الأحوط مراعاة عموم حجّية ما ذكر في مقام الاحتياط ، إذ ربّما كان الاحتياط في عدم المراعاة ، والله يعلم.

وقال في «المقنعة» : وإذا ظنّ الإنسان أنّه قد أصاب ثوبه نجاسة ولم يتيقّن ذلك ، رشّه بالماء (١).

وربّما كان عبارة الشيخ والعلّامة أيضا كذلك (٢) ، يعني يشمل صورة الظن أيضا ، وليس عندي كتابهما.

لكن نقل عن سلّار أنّه أوجب الرشّ في صورة حصول الظن بنجاسة الثوب ، ولم يتيقّن (٣).

وفي حسنة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : «إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه منيّ فليغسل الذي أصابه ، فإن ظنّ أنّه أصابه منيّ ولم يستيقن ولم ير مكانه فلينضحه بالماء» (٤).

ثمّ اعلم! أنّه نقل عن ابن حمزة وظاهر المفيد القول بوجوب الرشّ من ملاقاة الكلب باليبوسة (٥) ، استنادا إلى الأوامر الواردة.

منها صحيحة أبي العبّاس عن الصادق عليه‌السلام : «إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله ، وإن مسّه جافّا فاصبب عليه الماء» (٦).

__________________

(١) المقنعة : ٧١.

(٢) النهاية للشيخ الطوسي : ٥٢ ، نهاية الإحكام : ١ / ٢٨١.

(٣) المراسم : ٥٦.

(٤) الكافي : ٣ / ٥٤ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥٢ الحديث ٧٢٨ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٢٤ الحديث ٤٠٥٦.

(٥) نقل عنهما في مدارك الأحكام : ٢ / ٣٤٢ ، لاحظ! الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٧٩ ، المقنعة : ٧٠.

(٦) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٦١ الحديث ٧٥٩ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٤١ الحديث ٤١٠٨.

١٦٩

ومثلها صحيحة حمّاد ، عن حريز ، عمّن أخبره ، عنه عليه‌السلام (١) ، ورواية القاسم عن علي عنه عليه‌السلام (٢).

ويمكن الجواب بأنّ ما دلّ على الطهارة مع اليبوسة ربّما كان ظاهرا في عدم وجوب شي‌ء في المسّ يابسا ، وأنّه ورد الأمر بالرشّ في كثير من المقام لم يذهب ابن حمزة إلى الوجوب فيه.

مع أنّ قولهم عليهم‌السلام : «كلّ [شي‌ء] يابس ذكي» (٣) يقتضي عدم نجاسة الملاقي جزما ، فمقتضاه جواز الصلاة وغيرها من الاستعمالات ، وكون الرشّ مجرّد تعبّد ، أو رفع الاستقذار. والظن أنّ ابن حمزة أيضا يقول كذلك ، فالاحتياط معه ، وإن كان الاستحباب ربّما كان أقوى ، لما ذكر ، ولما يظهر من بعض الأخبار أنّ الرش لرفع الاستقذار.

وربّما يظهر من بعض آخر أنّه لأجل الصلاة فيه ، وأنّه إذا ذكر المس ، وهو في الصلاة فليمض ، وإن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه. والرواية صحيحة واردة في مس الخنزير.

وللشهرة العظيمة ، وطريقة المسلمين من عدم إيجاب النضح.

ولما ورد في غير واحد من الأخبار من الأمر بغسل ما أصابه الكلب برطوبة ، من دون تعرّض لحال مسّه يابسا ، مع كون المقام مقام تعرّضه لو كان الرشّ فيه واجبا.

مثل صحيحة ابن مسلم عن الصادق عليه‌السلام : عن الكلب يصيب شيئا من جسد

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٦٠ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٦٠ الحديث ٧٥٦ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٤١ الحديث ٤١٠٨.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٦٠ الحديث ٧٥٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٤٢ الحديث ٤١١٠.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٩ الحديث ١٤١ ، الاستبصار : ١ / ٥٧ الحديث ١٦٧ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٥١ الحديث ٩٣٠.

١٧٠

الرجل ، قال : «يغسل المكان الذي أصابه برطوبة (١)» (٢) ، مع أنّ سؤاله كان عن إصابة الكلب مطلقا ، ولذا قيّد عليه‌السلام جوابه بقوله : «برطوبة».

مضافا إلى أنّ الغالب في إصابة الكلب حال اليبوسة ، وأنّ الرطوبة خلاف الأصل والغالب ، فكيف لم يتعرّض إلى حكم حال اليبوسة؟

مع أنّ سؤاله كان أعم كما عرفت ، بل الغالب منه والموافق للأصل منه حال اليبوسة.

ومثل صحيحة ابن مسلم كصحيحة حريز عنه عليه‌السلام (٣).

واعلم! أنّه نقل عنه وعن الشيخ في «النهاية» : وجوب الرشّ في ملاقاة الخنزير (٤)، وكذا عن ظاهر المفيد (٥). والكلام في ذلك ظهر ممّا تقدّم.

ونقل أيضا عن ابن حمزة وعن الشيخ في «النهاية» وظاهر المفيد إيجاب الرشّ من ملاقاة الكافر باليبوسة (٦).

بل قال الشيخ : إذا أصاب ثوب الإنسان كلب أو خنزير أو ثعلب أو أرنب أو فأرة أو وزغة وكان يابسا ، وجب أن يرشّ الموضع بعينه ، فإن لم يتعيّن رشّ الثوب كلّه (٧).

ونقل مثل ذلك عن سلّار (٨) ، وظهر ممّا ذكرنا الكلام في ذلك ، مع عدم ظهور

__________________

(١) لم ترد في المصدر : برطوبة.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٣ الحديث ٦١ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤١٥ الحديث ٤٠٢٨.

(٣) الكافي : ٣ / ٦٠ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤١٦ الحديث ٤٠٣٢.

(٤) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٧٧ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٥٢.

(٥) المقنعة : ٧٠.

(٦) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٧٧ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٥٢ ، المقنعة : ٧١.

(٧) النهاية للشيخ الطوسي : ٥٢.

(٨) المراسم : ٥٦.

١٧١

الأمر بالرشّ والوجوب في كلام القدماء في ذلك ، لما قال الشيخ : إنّ الوجوب عندنا على ضربين : ضرب على تركه العتاب (١).

هذا ، مع أنّه نقل عن الشيخ في «النهاية» أنّه قال : وإن مسّ الإنسان بيده كلبا أو خنزيرا أو ثعلبا أو أرنبا أو فأرة أو وزغة ، أو صافح ذمّيا ، أو ناصبيّا معلنا بعداوة آل محمّد ـ صلوات الله عليهم ـ وجب غسل يده إن كان رطبا ، وإن كان يابسا مسحه بالتراب (٢).

ونقل ذلك عن المفيد أيضا (٣) ، إلّا أنّه لم يذكر الناصب.

وفي «المعتبر» حكى عن الشيخ في «المبسوط» : أنّ كلّ نجاسة أصابت الثوب أو البدن وكانت يابسة لا يجب غسلها ، وإنّما يستحب مسح اليد بالتراب (٤).

وذكر في «المنتهى» : أنّ مسح الجسد بالتراب ، فشي‌ء ذكره بعض الأصحاب ، ولم يثبت (٥).

واعلم! أيضا أنّه ذكرنا عن الصدوق رحمه‌الله أنّه يقول بعدم وجوب الغسل من مس كلب الصيد رطبا ، وأنّه ينضح بمسحه (٦) ، وأنّ ما ذكره لم يظهر علينا ، ولا على غيرنا من فقهائنا ، بل الظاهر خلاف ذلك ، للعمومات والإطلاقات.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٤١ ذيل الحديث ١٣٢.

(٢) نقل عنه في ذخيرة المعاد : ١٧٩ ، لاحظ! النهاية للشيخ الطوسي : ٥٢ و ٥٣.

(٣) نقل عنه في ذخيرة المعاد : ١٧٩ ، لاحظ! المقنعة : ٧١.

(٤) المعتبر : ١ / ٤٤٠ ، لاحظ! المبسوط : ١ / ٣٨.

(٥) منتهى المطلب : ٣ / ٢٧٣.

(٦) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٣ ذيل الحديث ١٦٧.

١٧٢

٨٩ ـ مفتاح

[ما يستحبّ في الإزالة]

قيل : يستحبّ الاستظهار في الإزالة بتثنية الغسل وبتثليثه ، وأن يباشرها بنفسه إذا كانت في ثوب صلاته ، كما يشعر به الحسن (١) ، والعصر في بول الرضيع وإزالة ما دون الدرهم من الدم للصلاة ، وصبغ لونه بعد زوال عينه عن الثوب بطاهر والمشق أفضل ، وغسل ذي القروح ثوبه في كلّ يوم مرّة ، وإزالة بول البغال والحمير والدوابّ وروثها ، وذرق الدجاج غير الجلّال وسؤر آكل الجيف والحائض المتّهمة ، ومن لا يتوقّى النجاسة.

والحيّة ، والفأرة ، والوزغة والثعلب والأرنب ، والحشرات ، ولعاب المسوخ ، ولبن الجارية ، والدم المتخلّف في اللحم ، والقي‌ء ، والقيح ، والمذي ، والودي ، وطين الطريق بعد ثلاثة أيّام من انقطاع المطر ، والحديد ، وقد ورد في بعض ذلك الرواية (٢) ، سوى ما أشرنا إليه (٣).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٢٨ الحديث ٤٠٦٧.

(٢) انظر! وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٧ الحديث ٣٩٦٧ ، ٤٠٩ الحديث ٤٠٠٢ ، ٤١٢ الحديث ٤٠١٧ ، ٤٣٠ الحديث ٤٠٧٥ ، ٤٣٣ الحديث ٤٠٨٢ ، ٤٣٩ الباب ٢٥ من أبواب النجاسات.

(٣) وفي نسخة : كما مرّ ، كلّ ذلك للروايات.

١٧٣

وأن يغسل الإناء من المسكر ، وموت كبير الفأرة سبعا ، للموثّق (١) ، وقيل بالوجوب فيهما (٢). وقيل بوجوب الثلاث في الخمر (٣) ، للموثّق : «لا يجزيه حتّى يدلكه بيده ويغسله ثلاث مرّات» (٤) ، وهو أحوط.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٩٦ الحديث ٤٢٧٦ ، ٢٥ / ٣٦٨ الحديث ٣٢١٤٣.

(٢) النهاية للشيخ الطوسي : ٥ و ٦ و ٥٣ ، جامع المقاصد : ١ / ١٩١ مع اختلاف يسير.

(٣) النهاية للشيخ الطوسي : ٥٨٩ و ٥٩٢ ، شرائع الإسلام : ١ / ٥٦.

(٤) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٩٤ الحديث ٤٢٧٢.

١٧٤

قوله : (قيل : يستحب). إلى آخره.

القائل جماعة من الأصحاب قالوا باستحباب التثنية والتثليث في الغسل في موضع لم يثبت وجوبهما فيه (١).

وقد عرفت ممّا سبق عدم وجوب التثنية في غير البول ، والتثليث في غير الأواني.

وظهر أيضا وجه استحباب التثنية في غير البول والأواني ، وهو الخروج عن خلاف الفقهاء ، لأنّ أولويّة الاحتياط والتجنّب عن الشبهات ممّا ثبت من الأخبار واتّفق عليه الفقهاء ، وأنّه غير واجب عند المجتهدين ، إلّا فيما توقّف الامتثال عليه.

وفي المقام يتحقّق الامتثال بالغسل ، لما عرفت من أنّ الأمر بالغسل مطلقا يكفي في امتثاله المرّة ، للصدق العرفي.

مع احتمال كون المراد من المطلق هو المرّتين ، لما ورد في غير واحد من الأخبار من الغسل المطلق (٢) ، مع ظهور تقييده بالمرّتين من أخبار اخر (٣).

فلعلّ ما لم يرد فيه التقييد ، يكون حاله حال ما ورد ، بأنّه ورد فيه أيضا ولم يظهر علينا ، أو كان في ذلك الزمان ظاهرا على الرواة كون المرّتين شرطا في الغسل شرعا ، كاشتراط كونه بالماء ، واشتراط طهارة المغسول ، وغيرهما ممّا لا تأمّل في اشتراطه في مطلق الغسل شرعا ، مع عدم ورود القيد والشرط في الأخبار المطلقة ، مطلقا أو غالبا ، ومن جملتها المطلقات في المقام ، إذ لا شبهة في تقييدها بطهارة المغسول وغيره ، مع عدم ورود القيد فيها.

__________________

(١) قواعد الأحكام : ١ / ٨ ، جامع المقاصد : ١ / ١٨٣ ، كشف اللثام : ١ / ٤٧٣.

(٢) انظر! وسائل الشيعة : ٣ / ٤٠٢ الباب ٧ من أبواب النجاسات.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٥ الباب ١ من أبواب النجاسات.

١٧٥

مع أنّه يحتمل أن يكون القائل بالمرّتين له دليل تام لم يظهر علينا ، فالاحتياط في المتابعة ، هذا حال تثنية الغسل.

وأمّا تثليثه ، فلوقوع الاختلاف بين الفقهاء في كون الغسل المزيل للعين هل هو من جملة الغسلتين الواجبتين أو المطلوبتين ، أم مقدّم عليهما؟

والعلّامة رحمه‌الله في قواعده ممّن اختار التقدّم (١) ، وفي غيره اختار عدم اشتراط التقدّم على ما قيل (٢) ، فعلى القول باشتراط التقدّم يصير الغسل ثلاث مرّات ، مرّة لإزالة العين.

والمراد من الغسل المزيل للعين الغسل إلى أن تزول العين ، فربّما يتحقّق بالواحد وربّما يتحقّق بأزيد ، فيكون الأخير الذي أزال به العين بالمرّة هو الغسل المزيل ، وما تقدّم عليه يكون مقدّمة لحصوله.

ويحتمل أن يكون استحباب التثليث المذكور في عبارتهم في خصوص الأواني بناء على اختيارهم عدم وجوبه فيها ، فتأمّل!

قوله : (وأن يباشرها بنفسه). إلى آخره.

قد مرّ في بحث الوضوء ما دلّ على مرجوحيّة الاستعانة في مقدّمات الصلاة ، وغيرها من العبادات (٣).

ومراد المصنّف من الحسنة ، حسنة ميسر السابقة المتضمّنة للأمر بإعادة الصلاة من المنيّ الذي أصاب ثوبه وأمر الجارية بغسله فسامحت في غسله ، وقال عليه‌السلام : «أما أنت لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك إعادة» (٤).

__________________

(١) قواعد الأحكام : ١ / ٨.

(٢) الحدائق الناضرة : ٥ / ٣٥٧.

(٣) راجع! الصفحة : ٣٤٩ ـ ٣٥٢ (المجلّد الثالث) من هذا الكتاب.

(٤) الكافي : ٣ / ٥٣ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٢٨ الحديث ٤٠٦٧.

١٧٦

وفي دلالته على ما ذكره المصنّف خفاء ، لاحتمال أن يكون المراد : لو كنت أنت غسلته لما سامحت البتّة حتّى تبتلي بالإعادة ، وعلى فرض أن يكون المراد : لم يكن عليك الإعادة وإن وقع منك الغفلة أيضا ، يكون الدلالة على ما ذكره خفيّة أيضا.

قوله : (والعصر). إلى آخره.

فيه أيضا نظر ظاهر وقد عرفته (١) ، لأنّ حسنة الحسين وإن تضمّنت الأمر بالعصر بعد صبّ قليل من الماء (٢) ، إلّا أنّه احتمل كونه الواقع للتجفيف ، أو إذا قلّ الماء في الصب ـ كما هو مضمون الرواية ـ فحينئذ يعصر الثوب ، لتوقّف خروج البول حينئذ على العصر.

ويمكن القول باستحباب غسله ، لقويّة سماعة قال : سألته عن بول الصبيّ يصيب الثوب ، فقال : «اغسله» (٣) الحديث ، وحمل الغسل على الصبّ ، أو الصبيّ على آكل الطعام.

وما اختاره بعض الأخبارييّن من وجوب غسل بول الرضيع مرّة واحدة (٤) من هذه الرواية ، فيه ما فيه.

قوله : (وإزالة). إلى آخره.

سيجي‌ء التحقيق في ذلك في بحث لباس المصلّي.

__________________

(١) راجع! الصفحة : ١١٧ ـ ١٢٢ من هذا الكتاب.

(٢) الكافي : ٣ / ٥٥ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٤٩ الحديث ٧١٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٧ الحديث ٣٩٦٧.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥١ الحديث ٧٢٣ و ٢٦٧ الحديث ٧٨٥ ، الاستبصار : ١ / ١٧٤ الحديث ٦٠٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٠٢ الحديث ٣٩٧٩.

(٤) لم نعثر عليه في مظانّه.

١٧٧

قوله : (وصبغ لونه). إلى آخره.

مرّ التحقق في ذلك في بحث عدم وجوب إزالة اللون وغيره من الأعراض في النجاسات (١) ، وأشرنا إلى الأخبار الواردة في الأمر بصبغ أثر دم الحيض الذي لم يذهب بالغسل بمشق (٢).

ولعلّهم فهموا العموم المذكور من العلّة المذكورة فيها ، وهو قوله عليه‌السلام : حتّى يختلط ويذهب أثره (٣) ، لظهور أنّ الغرض من الأمر بالصبغ بمشق هو الخلط والاندماج وذهاب الأثر بهذا النحو ، وكون ذكر المشق من جهة غلبة تحقّقه وتحقّق ذلك منه. هذا بالقياس إلى الصبغ.

وأمّا الدم ، فيمكن التعدّي إلى دم الاستحاضة والنفاس أيضا ، لكونهما عورة لا يحسن ظهورهما على الناس ، ولما مرّ في بحث النفاس من مشاركته للحيض إلّا فيما استثني (٤). وأمّا استحباب ذلك في كلّ دم نجس ، فلم يظهر وجهه.

قوله : (وغسل). إلى آخره.

هذا أيضا سيجي‌ء في مبحثه.

قوله : (وإزالة بول. إلى غير الجلّال).

مرّ التحقيق في الكلّ أنّها ليست بنجسة (٥) ، وظهر منها أنّ الأظهر كراهة أبوال الدوابّ الثلاث ، كما هو المشهور عند الفقهاء ، لقويّة زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٦٣ و ٦٤ من هذا الكتاب.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣٩ الباب ١ من أبواب النجاسات.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣٩ الحديث ٤١٠١ مع اختلاف يسير ،

(٤) راجع! الصفحة : ٢٧٧ ـ ٢٨٢ (المجلّد الأوّل) من هذا الكتاب.

(٥) راجع! الصفحة : ٤١٩ ـ ٤٣٤ (المجلّد الرابع) من هذا الكتاب.

١٧٨

في أبوال الدوابّ يصيب الثوب فكرهه (١). الحديث ، ولعدم القائل بالفصل.

وربّما كانت أرواثها أيضا كذلك ، لرواية أبي مريم ، وقد سأله عن أبوال الدوابّ وأرواثها ، قال : «أمّا أبوالها فاغسل إن أصابك ، وأمّا أرواثها فهي أكثر من ذلك» (٢) ، إذ ظاهرها كراهة الأرواث ، إلّا أنّ كثرتها تمنع من الأمر بإزالتها.

وربّما يؤيّدها صحيحة ابن رئاب في الروث الرطب يصيب الثوب قال عليه‌السلام : «إن لم تقذره فصلّ فيه» (٣) ، إذ فيها شهادة على قذارتها.

ومرّت الروايتان في ذلك المبحث مع بقيّة الكلام في المقام (٤).

وأمّا ذرق الدجاج ، فمرّ أيضا أنّه ورد خبر ضعيف في عدم جواز الصلاة فيه (٥) ، فالمستحب مراعاة مضمونه ، للتسامح في أدلّة السنن.

قوله : (وسؤر). إلى آخره.

الحكم بطهارة سؤر آكل الجيف وكراهته هو المشهور ، وعن نهاية الشيخ رحمه‌الله المنع عنه (٦).

والمشهور هو الظاهر للأصل ، وعموم قولهم عليهم‌السلام : «كلّ ماء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر» (٧).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥٧ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٦٤ الحديث ٧٧٢ ، الاستبصار : ١ / ١٧٩ الحديث ٦٢٦ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٠٨ الحديث ٤٠٠٠.

(٢) الكافي : ٣ / ٥٧ الحديث ٥ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٦٥ الحديث ٧٧٥ ، الاستبصار : ١ / ١٧٨ الحديث ٦٢٣ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٠٨ الحديث ٤٠٠١.

(٣) قرب الإسناد : ١٦٣ و ١٦٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤١٠ الحديث ٤٠٠٩.

(٤) راجع! الصفحة : ٤٢٢ ـ ٤٢٤ (المجلّد الرابع) من هذا الكتاب.

(٥) راجع! الصفحة : ٤٣١ و ٤٣٢ (المجلّد الرابع) من هذا الكتاب.

(٦) النهاية للشيخ الطوسي : ٥.

(٧) وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٧٣ و ١٧٤ الحديث ٣٣٥٣٠.

١٧٩

وصحيحة أبي العبّاس المتقدّمة المتضمّنة لعدم البأس عن فضل الهرّة والسباع وغيرهما سوى الكلب (١).

وصحيحة محمّد عن ابي عبد الله عليه‌السلام أنّه : «لا بأس أن تتوضّأ بفضل السنّور إنّما هي من السباع» (٢).

ومثلها صحيحة زرارة عن الصادق عليه‌السلام (٣) وحسنة معاوية بن شريح عنه عليه‌السلام (٤).

ورواية أبي بصير عنه عليه‌السلام أنّه لا بأس بفضل الطير (٥).

ورواية عمّار عنه عليه‌السلام عن ماء شرب منه باز ، أو صقر ، أو عقاب فقال : «كلّ شي‌ء من الطير يتوضّأ ممّا يشرب منه ، إلّا أن ترى في منقاره دما» (٦) الحديث. ومرّ الكلّ.

وأمّا كراهته ، فلم نقف على ما يدلّ عليه بخصوصه ، بل الظاهر من الأخبار عدم كراهة سؤر السباع ، منها الأخبار المتقدّمة ، لأنّ نفي مطلق البأس ظاهر في ذلك.

بل في رواية أبي الصباح عنه عليه‌السلام أنّ عليّا عليه‌السلام قال : «لا تدع فضل السنّور أن

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ٢٢٦ الحديث ٥٧٤.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٢٥ الحديث ٦٤٤ ، الاستبصار : ١ / ١٨ الحديث ٣٩ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٢٨ الحديث ٥٨١.

(٣) الكافي : ٣ / ٩ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٢٧ الحديث ٦٥٥ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٢٧ الحديث ٥٨٠.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٢٥ الحديث ٦٤٧ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٢٦ الحديث ٥٧٦.

(٥) الكافي : ٣ / ٩ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٢٨ الحديث ٦٥٩ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٣٠ الحديث ٥٨٩ مع اختلاف.

(٦) الكافي : ٣ / ٩ الحديث ٥ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٢٨ الحديث ٦٦٠ ، الاستبصار : ١ / ٢٥ الحديث ٦٤ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٣٠ الحديث ٥٩٠.

١٨٠