مصابيح الظلام - ج ٥

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٥

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-5-1
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٤٨

١٠٤ ـ مفتاح

[وقت النوافل اليوميّة]

وقت نافلة الظهر أوّل الزوال إلى أن يبلغ الفي‌ء ذراعا ، مقدّما على الفريضة ، والعصر إلى أن يبلغ ذراعين كذلك ، والمغرب بعدها إلى ذهاب الحمرة المغربيّة ، وللعشاء بعدها إلى الانتصاف ، كما يستفاد الكل من النصوص (١).

وقيل : إلى أن يبقى لصيرورة الفي‌ء مثل الشخص مقدار أداء الفرض في الاولى ، ولصيرورته مثلي الشخص ذلك المقدار في الثانية (٢) ، ولم نقف على مستنده.

وقيل : يمتدّ في الكلّ بامتداد الفريضة (٣) ، وله وجه إن اريد جواز فعلها ، بل يجوز تقديمها على أوقاتها أيضا ، كما يستفاد من الصّحاح (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٥ الباب ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ، ١٤٠ الباب ٨ ، ٢٢٩ الباب ٣٦ من أبواب المواقيت.

(٢) المبسوط : ١ / ٧٦ ، الخلاف : ١ / ٢٥٦ و ٢٥٧ المسألة ٣ ، ٢٥٩ ـ ٢٦١.

(٣) الكافي في الفقه : ١٥٨.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ٢٣١ الباب ٣٧ من أبواب المواقيت.

٤٦١

منها : «صلاة التطوّع بمنزلة الهديّة متى ما اتي بها قبلت فقدّم منها ما شئت وأخر ما شئت» (١). لكن الأفضل ما قلناه ، لما يأتي من كراهة التنفّل بعد دخول وقت الفريضة إلّا ما استثني للمتنفّل ، وهو ما ذكر من الأوقات ، كما في الصّحاح (٢).

وأوّل وقت صلاة الليل الانتصاف وآخره طلوع الفجر الثاني ، كما يستفاد من المعتبرة (٣) ، وقيل : بل الفجر الأوّل (٤) ، وهو ضعيف.

ويجوز تقديمها على الوقت للضرورة ، إلّا أن قضاءها أفضل من ذلك عندنا كما في الصّحاح (٥).

ويجوز فعلها بعد الفجر لما مر ، بشرط عدم الاعتياد ، كما في الصّحاح (٦) ، وقيد ذلك في المشهور بما إذا تلبّس بها قبل الفجر بأربع ، للخبرين (٧) ، ولا بأس به. وإن ضاق الوقت ، فالأولى الاقتصار على الوتر ، كما في الصحيح (٨).

والمشهور أنّها كلّما قربت من الفجر كان أفضل ، لكن المستفاد من

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٤ / ٢٣٣ الحديث ٥٠١٢.

(٢) راجع! وسائل الشيعة : ٤ / ٢٢٦ الباب ٣٥ من أبواب المواقيت.

(٣) وسائل الشيعة : ٤ / ٢٤٨ الحديث ٥٠٥٨.

(٤) لاحظ! السرائر : ١ / ١٩٥ ، ذكرى الشيعة : ٢ / ٣٧١.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ٢٤٩ الباب ٤٤ ، و ٢٥٥ الباب ٤٥ من أبواب المواقيت.

(٦) وسائل الشيعة : ٤ / ٢٦١ الحديث ٥٠٩٩ و ٥١٠١ ، ٢٦٢ الحديث ٥١٠٣ و ٥١٠٤.

(٧) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٢٥ الحديث ٤٧٥ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٦٠ الحديث ٥٠٩٧ ، مستدرك الوسائل : ٣ / ١٥٤ الحديث ٣٢٤٩.

(٨) وسائل الشيعة : ٤ / ٢٥٧ الحديث ٥٠٨٧.

٤٦٢

الصحيح (١) وغيره (٢) أفضليّة توزيعها على تمام الوقت ، وتوسيط النومتين ، والإيتار بين الفجرين ، كما كان يفعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) ، تأسّيا.

ووقت ركعتي الفجر الفراغ من صلاة الليل إلى طلوع الحمرة ، وفاقا للأكثر (٤) ، للصّحاح (٥) ، والأولى تقديمها على الفجر ، بل يكره التأخير عنه ، لما مرّ ، وللصّحاح (٦).

وقيل : بل وقتهما طلوع الفجر الأوّل (٧). وقيل : آخره طلوع الفجر الثاني (٨).

وقيل : يمتدّ بامتداد الفريضة (٩) ، وينبغي أن يراد بالأولين الفضيلة ، وبالثالث الجواز. ويستحب إعادتهما إذا صلّاهما وعليه قطعة من الليل ونام بعدهما ، كما في المعتبرة (١٠).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٤ / ٢٦٩ الحديث ٥١٣١.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ٢٦٩ الباب ٥٣ من أبواب المواقيت.

(٣) وسائل الشيعة : ٤ / ٢٦٩ الحديث ٥١٣١ و ٢٧٠ الحديث ٥١٣٢.

(٤) النهاية للشيخ الطوسي : ٦١ ، السرائر : ١ / ١٩٥ ، ذكرى الشيعة : ٢ / ٣٧٨ ، روض الجنان : ١٨٢.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ٢٦٦ الباب ٥١ من أبواب المواقيت.

(٦) راجع! وسائل الشيعة : ٤ / ٢٦٣ الباب ٥٠ من أبواب المواقيت.

(٧) المبسوط : ١ / ٧٦ ، شرائع الإسلام : ١ / ٦٣.

(٨) نقل عن ابن الجنيد في مختلف الشيعة : ٢ / ٣٦ ، مدارك الأحكام : ٣ / ٨٦.

(٩) ذكرى الشيعة : ٢ / ٣٧٨.

(١٠) وسائل الشيعة : ٤ / ٢٦٧ الحديث ٥١٢٢ و ٥١٢٣.

٤٦٣
٤٦٤

قوله : (إلى أن يبلغ الفي‌ء).

الظاهر أنّه المشهور (١) ، وقيل بامتداده إلى أن يصير ظلّ كلّ شي‌ء مثله في الظهر ، ومثليه في العصر ، كما صرّح به المحقّقون (٢).

وعن الشيخ في «المبسوط» و «الجمل» (٣) ، ما ذكره المصنّف بقوله : وقيل : إلى أن يبقى. إلى آخره.

ويدلّ على (٤) المشهور صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : «إنّ حائط مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قامة وكان إذا مضى من فيئه ذراع صلّى الظهر ، وإذا مضى من فيئه ذراعان صلّى العصر» ثمّ قال : «أتدري لم جعل الذراع والذراعان»؟ قلت : لم؟ قال : «لمكان النافلة ، لك أن تتنفّل من الزوال إلى أن يمضي ذراع ، فإذا بلغ فيئك ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة ، وإذا بلغ فيئك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة» (٥).

ومقتضى الرواية أنّ ذلك وقت تقديم النافلة على الفريضة ، لا أنّه وقت نفس النافلة ، ولذا بعد هذا الوقت يقدّم الفريضة على النافلة لا أنّها تترك ، إلّا أن يقال : تفعل قضاء.

وفيه ، أنّه خلاف ما يظهر منها ، لقوله عليه‌السلام : «بدأت» وكذا غيرها من

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٢ ، مختلف الشيعة : ٢ / ٣٣ و ٣٤.

(٢) السرائر : ١ / ١٩٩ ، المعتبر : ٢ / ٤٨ ، نهاية الإحكام : ١ / ٣١١ و ٣١٢.

(٣) المبسوط : ١ / ٧٦ ، الرسائل العشر (الجمل والعقود) : ١٧٤.

(٤) في (ز ٣) : ومستند ، بدلا من : ويدلّ على.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٤٠ الحديث ٦٥٣ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٩ الحديث ٥٥ الاستبصار : ١ / ٢٥٠ الحديث ٨٩٩ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٤١ الحديث ٤٧٤٣ و ٤٧٤٤ مع اختلاف يسير.

٤٦٥

الأخبار مثل ما ورد : من أنّها بمنزلة الهديّة متى ما أتي بها قبلت (١).

مع أنّ تسميتها قضاء ، من جهة كونها في الوقت الذي كان الأولى التقديم عليه ، فلا مشاحة في الاصطلاح.

نعم ، اعتقاد كون هذا الوقت من الوقت الاولى حرام ، إن لم ينشأ من شبهة ، أو نشأ من التقصير.

ثمّ اعلم! أنّ الأخبار الواردة بمضمون (٢) الصحيحة المذكورة في غاية الكثرة ، بل بلغت حدّ التواتر ، ومرّ بعض منها.

ومرّ أيضا احتمال إرادة قامة رحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّه كان ذراعا للأخبار الكثيرة (٣) ، فلذا استدلّ في «المعتبر» بالصحيحة المذكورة ، على اعتبار المثل والمثلين (٤).

واعترض عليه في «المدارك» : بالطعن في سند الروايات الدالّة على كون المراد من القامة الذراع ، ولأنّ قوله عليه‌السلام في الصحيحة : «فإذا بلغ فيئك». إلى آخره صريح في اعتبار قامة الإنسان (٥).

وفيه ، أنّ ما دلّ على كون القامة هي الذراع كثيرة ، ومع ذلك اعتبرها القدماء ، فإنّ سند بعضها موثّق إلى علي بن أبي حمزة عن الصادق عليه‌السلام.

والشيخ ادّعى إجماع الشيعة على العمل برواياته (٦) ، وبعضها موثّق إلى ابن

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤٥٤ الحديث ١٤ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٣٢ الحديث ٥٠٠٧.

(٢) في (ز ٣) : بمقتضى.

(٣) راجع! الصفحة : ٤٣٨ و ٤٣٩ من هذا الكتاب.

(٤) المعتبر : ٢ / ٤٨.

(٥) مدارك الأحكام : ٣ / ٦٩ ـ ٧٠.

(٦) عدّة الاصول : ١ / ١٥٠.

٤٦٦

أبي عمير ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عنه عليه‌السلام.

وقد عرفت أنّ أبا بصير مشترك بين ثقات [وغيرها] (١) ، وابن أبي عمير ممّن أجمعت العصابة ، وممّن لا يروى إلّا عن الثّقة (٢) ، وبعضها موثّق عن ابن أبي عمير ، عن علي بن حنظلة عنه عليه‌السلام.

ومنها ما رواه في «الكافي» عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صالح بن سعيد عن يونس ، عن بعض رجاله ، عنه عليه‌السلام (٣).

وهو مستند الشيخ ، والقائلين بالمماثلة بين الفي‌ء الزائد والظلّ الباقي ، مع أنّ «الكافي» حكم بصحّة ما رواه ، والسند أيضا لا يخلو عن اعتبار.

مع أنّ فيها علّة لا تخلو عن قوّة ، مع أنّه يحصل بالتوجيه المذكور الجمع بين ما دلّ على الذراع والذراعين من الأخبار المتواترة.

وما دلّ على اعتبار المثل والمثلين من الأخبار الصحاح والمعتبرة كثيرة ، ومرّ الإشارة إلى بعض منها في بحث حدّ التفريق المستحب بين الصلاتين.

وبالجملة ، من اعتبر الأخبار المذكورة ، لا يصحّ الاعتراض عليه بما ذكر وأمّا الاعتراض بأنّها صريحة في في‌ء الشخص ، ففيه أنّ أدنى الملابسة في الإضافة كاف ، وإن كان الظاهر ما ذكره ، ولا شكّ في أنّه أحوط أيضا.

وأمّا مستند الشيخ في «المبسوط» وغيره ، الجمع بين الصحاح والمعتبرة الدالّة على أنّ وقت الظهر قامة ، ووقت العصر قامة ، مثل رواية محمّد بن حكيم ، عن الكاظم عليه‌السلام «إنّ أوّل وقت الظهر زوال الشمس ، وآخر وقتها قامة من الزوال ،

__________________

(١) هداية المحدّثين : ٢٧٢.

(٢) رجال الكشّي ٢ / ٨٣٠ الرقم ١٠٥٠.

(٣) الكافي : ٣ / ٢٧٧ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٥٠ الحديث ٤٧٧٤.

٤٦٧

وأوّل وقت العصر قامة ، وآخر وقتها قامتان» (١) ممّا دلّ على انتهاء وقت فريضة الظهر ، إلى أن يصير ظلّ كلّ شي‌ء مثله ، ولهذا قال الشيخ : إنّه ينتهي وقتها للمختار (٢) ، كما عرفت ، ولم يجوّز للمختار تأخيرها عنه أصلا.

وبين ما دلّ على أنّه الذراع والذراعان ، بتفسير الذراع بالقامة ، والذراعين بالقامتين ، على النحو الذي مرّ (٣).

وعرفت أنّه صريح في بقاء وقت النافلة إلى انتهاء الذراع ، لقوله عليه‌السلام : «لك أن تتنفّل» (٤) إلى أن يبلغ فيئك ذراعا ، فإذا كان هذا الذراع من الفي‌ء ، من قامة مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان قامة المسجد قدر ذراع ، كما عرفت.

ودلّت هذه الأخبار على امتداد وقت النافلة إلى أن يصير ظلّ كلّ شي‌ء مثله ، لكنّ الشيخ لا يرضى بتأخير الفريضة عن هذا القدر ، كما عرفت ، من جهة الصحاح المذكورة ، لزم من ذلك ارتكاب خلاف الظاهر ، فيما دلّ على امتداد وقت النافلة إلى المثل ، باستثناء مقدار الفريضة خاصّة.

بل في قويّة سماعة المرويّة في «الكافي» و «التهذيب» : «وليس بمحظور عليه أن يصلّي النوافل من أوّل الوقت إلى قريب من آخره» (٥).

ولا يعارض أخبار الذراع والذراعين ، ما ورد من تحديد وقت النافلة بأقلّ

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٥١ الحديث ٩٩٤ ، الاستبصار : ١ / ٢٥٦ الحديث ٩١٧ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٤٨ الحديث ٤٧٦٩.

(٢) النهاية للشيخ الطوسي : ٥٨.

(٣) راجع! الصفحة : ٤٣٨ و ٤٣٩ من هذا الكتاب.

(٤) راجع! الصفحة : ٤٦٥ من هذا الكتاب.

(٥) الكافي : ٣ / ٢٨٨ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٦٤ الحديث ١٠٥١ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٢٦ الحديث ٤٩٨٧.

٤٦٨

منهما (١) ، لأنّ المراد منها منتهى جواز التقديم ، والمراد منه أولويّة كون الفراغ من النافلة ، على ما هو المتعارف قبل الذراع والذراعين ، وأمّا لو وقع النافلة بجميع آدابها فلعلّه ينتهي إلى القدمين في الظهر.

قوله : (والمغرب). إلى آخره.

هذا هو المشهور ، وادّعى عليه في «المعتبر» و «المنتهى» الإجماع (٢) ، واحتجّ عليه بالروايات الدالّة على أنّه إذا دخل وقت الفريضة ، فلا تطوّع كما سيجي‌ء ، وفيه ما فيه كما ستعرف ، ومال الشهيد إلى امتداده بامتداد وقت المغرب للإطلاقات (٣).

ويؤيّد المشهور الأخبار الواردة في المفيض من عرفة إلى المشعر ، إذا صلّى المغرب فيها ، يؤخّر النافلة إلى ما بعد العشاء (٤) ، ولكن في بعض الأخبار أنّهم عليهم‌السلام صلّوا بعد المغرب نافلتها ، ثمّ صلّوا العشاء (٥) ، وهذا يشهد للشهيد.

قوله : (وله وجه إن اريد). إلى آخره.

إن أراد جواز فعلها في الجملة فله وجه ، وإن أراد الجواز مطلقا فهو مخالف لما ظهر من أخبار الذراع والذراعين ، من أنّ له أن يتنفّل إلى الذراع مثلا ، فبعد ذلك ليس له ، بل أمروا بالابتداء بالفريضة وترك النافلة ، وحمل هذا الأمر على الاستحباب.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٤ / ١٤٠ ـ ١٥١ الباب ٨ من أبواب المواقيت.

(٢) المعتبر : ٢ / ٥٣ و ٥٤ ، منتهى المطلب : ٤ / ٩٦.

(٣) ذكرى الشيعة : ٢ / ٣٦٧.

(٤) راجع! وسائل الشيعة : ١٤ / ١٤ الباب ٦ من أبواب الوقوف بالمشعر.

(٥) وسائل الشيعة : ١٤ / ١٥ الحديث ١٨٤٧٢.

٤٦٩

وكذا مفهوم : له أن يتنفّل ، كما فعله المصنّف ، أوفق للجمع بين الأخبار.

بل صريح بعض الأخبار مثل رواية القاسم بن الوليد ، عن الصادق عليه‌السلام سأله عن صلاة النهار صلاة النوافل كم هي؟ قال : «ستّ عشرة ركعة أيّ ساعات النهار شئت أن تصلّيها صلّيتها إلّا أنّك إذا صلّيتها في مواقيتها أفضل» (١).

لكنّه خلاف ما أفتى به الجميع ، إلّا أنّ الشيخ في «التهذيب» جوّز التقديم لمن علم أنّه إن لم يقدّمها اشتغل عنها ، ولم يتمكّن من قضائها (٢).

ولا ينفع الاستدلال كذلك للشيخ فضلا عن القائل بامتداد الفريضة ، لأنّه قائل بأنّ للنافلة وقتا معيّنا ، وأنّ وقتها المعيّن كذا وكذا بخلاف مدلول الروايات المذكورة فإنّه يقتضي عدم وقت النافلة أصلا ، إلّا أنّها تصلّى في أوقاتها المعهودة أفضل.

ويمكن حمل كلام الفقهاء على ذلك إلّا أنّه بعيد ، ومع ذلك لا فرق بين كلام الشيخ والقائل ، وغيره في ذلك.

والأحوط عدم التعدّي عمّا ذكره الفقهاء ، بل يشكل غيره ، لأنّه الظاهر من الصحاح والمعتبرة المفتى بها ، والمعمول عليها ، فلا يعارضها الشواذّ ، فضلا أن يغلب عليها.

ويمكن أن تكون النافلة صحيحة ، وإن أثم في فعلها ، مقدّمة على الفريضة ، لأنّ النهي متعلق بما هو خارج عن ماهيّة العبادة ، فإنّ تأخير الفريضة عنها ليس نفسها ولا جزئها ولا شرطها.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٩ الحديث ١٧ ، الاستبصار : ١ / ٢٧٧ الحديث ١٠٠٧ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٣٣ الحديث ٥٠٠٩.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٦٧ ذيل الحديث ١٠٦٦.

٤٧٠

قوله : (وأوّل وقت). إلى آخره.

هذا مذهب علمائنا ، قال الصدوق في أماليه : من دين الإماميّة الإقرار بأنّه لا يجوز صلاة الليل من أوّل الليل إلّا في السفر ، وإذا قضاها الإنسان فهو أفضل من أن يصلّيها من أوّل الليل (١) ، والروايات الدالّة على ذلك كثيرة :

منها ما رواه في «الفقيه» عن الباقر عليه‌السلام أنّه قال : «وقت صلاة الليل ما بين نصف الليل إلى آخره» (٢) ، انتهى.

وأمّا أنّ آخر وقتها طلوع الفجر الثاني ، فهو المعروف من الفقهاء (٣).

ويدلّ عليه أخبار كثيرة : منها صحيحة محمّد بن مسلم ، عن الباقر عليه‌السلام : عن الرجل يقوم من آخر الليل وهو يخشى أن يفجأه الصبح ، أيبدأ بالوتر أو يصلّي صلاة الليل على وجهها حتّى يكون الوتر آخر ذلك؟ قال : «يبدأ بالوتر ، وقال : أنا كنت فاعلا ذلك» (٤).

لكن نقل عن المرتضى فوات وقتها بطلوع الفجر الأول ، محتجّا بأنّ ذلك وقت ركعتي الفجر ، وهما آخر صلاة الليل (٥).

والجواب عنه أنّ الأخبار كثيرة في كون وقتهما قبل الفجر ، وعنده وبعده (٦) ، كما ستعرف بعضها.

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٥١٤.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٠٢ الحديث ١٣٧٩ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٤٨ الحديث ٥٠٥٥.

(٣) المبسوط : ١ / ٧٦ ، مختلف الشيعة : ٢ / ٣٥ ، مدارك الأحكام : ٣ / ٨١.

(٤) الكافي : ٣ / ٤٤٩ الحديث ٢٨ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٢٥ الحديث ٤٧٤ ، الاستبصار : ١ / ٢٨١ الحديث ١٠٢٠ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٥٧ الحديث ٥٠٨٧ مع اختلاف يسير.

(٥) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ٢ / ٣٥ و ٣٦.

(٦) راجع! وسائل الشيعة : ٤ / ٢٦٨ الباب ٥٢ من أبواب المواقيت.

٤٧١

قوله : (ويجوز تقديمها). إلى آخره.

المشهور جواز تقديمها للمسافر أو الخوف من غلبة النوم.

ولعلّ مرادهم ما ذكره المصنّف ، وذكروا السفر والخوف من باب المثال.

ويدلّ عليه أخبار كثيرة مثل صحيحة أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا خشيت أن لا تقوم آخر الليل أو كانت بك علة أو أصابك برد فصلّ صلاتك ، وأوتر من أوّل الليل» (١). ومثله صحيحة الحلبي ، وزاد في آخرها : «في السفر» (٢). إلى غير ذلك.

فما ورد في بعض الأخبار من الجواز مطلقا محمول على المقيّد (٣) ، مثل صحيحة ليث عن الصادق عليه‌السلام : عن الصلاة في الصيف في الليالي القصار اصلّي في أوّل الليل ، قال : «نعم» (٤).

وكصحيحة سماعة عنه عليه‌السلام قال : «لا بأس بصلاة الليل من أوّل الليل إلى آخره إلّا أنّ أفضل ذلك إذا انتصف الليل» (٥).

ونقل عن زرارة عدم جواز التقديم مطلقا ، وأنّه كان يقول : كيف يصلّى صلاة لم يدخل وقتها ، إنّما وقتها بعد نصف الليل (٦).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٦٨ الحديث ٦٦٧ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٥٢ الحديث ٥٠٧٠.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٨٩ الحديث ١٣١٥ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٢٧ الحديث ٥٧٨ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٥٠ الحديث ٥٠٦٠.

(٣) في (ك) : التقيّة.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٠٢ الحديث ١٣٨٢ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١١٨ الحديث ٤٤٦ ، الاستبصار : ١ / ٢٧٩ الحديث ١٠١٤ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٤٩ الحديث ٥٠٥٩ مع اختلاف يسير.

(٥) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٣٣ الحديث ٦٠٧ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٥٢ الحديث ٥٠٦٧ مع اختلاف يسير.

(٦) لاحظ! الحدائق الناضرة : ٦ / ٢٢٩.

٤٧٢

وعن ابن إدريس أنّه اختار ذلك (١).

والجواب عمّا ذكره ظاهر ، لغاية كثرة الأخبار الصحاح ، والمعتبرة الدالّة على الرخصة في التقديم (٢).

لكن قضاؤها أفضل خروجا عن شبهة الاختلاف ، وللأخبار الصحاح ، مثل صحيحة معاوية بن وهب ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال له : إنّ رجلا من مواليك من صلحائهم شكى إليّ ما يلقى من النوم فقال : إنّي اريد القيام لصلاة الليل فيغلبني النوم حتّى أصبح فربّما قضيت الصلاة الشهر المتتابع والشهرين أصبر على ثقله ، قال : «قرّة عين له والله ، قرّة عين والله ، ولم يرخّص له في الصلاة في أوّل الليل» ، وقال : «القضاء بالنهار أفضل».

قلت : فإنّ من نسائنا أبكارا الجارية تحبّ الخير وأهله وتحرص على الصلاة فتغلبها النوم حتّى ربّما قضت وربّما ضعفت عن قضائها وهي تقوى عليه أوّل الليل فرخّص لهنّ في الصلاة أوّل الليل إذا ضعفن وضيّعن القضاء (٣) إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على أنّ القضاء أفضل.

قوله : (كما في الصحاح).

هي صحيحة عمر بن يزيد ، عن الصادق عليه‌السلام : عن صلاة الليل والوتر بعد طلوع الفجر ، فقال : «صلّها بعد الفجر حتّى يكون في وقت تصلّي الغداة في آخر وقتها ، ولا تعمّد ذلك في كلّ ليلة» (٤) ، الحديث.

__________________

(١) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٢ / ٥١ و ٥٢ ، لاحظ! السرائر : ١ / ٣٠٧.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ٢٤٩ الباب ٤٤ من أبواب المواقيت.

(٣) الكافي : ٣ / ٤٤٧ الحديث ٢٠ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٠٢ الحديث ١٣٨١ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١١٩ الحديث ٤٤٧ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٥٥ الحديث ٥٠٧٨ و ٥٠٧٩.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٢٦ الحديث ٤٨٠ ، الاستبصار : ١ / ٢٨٢ الحديث ١٠٢٤ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٦١ الحديث ٥٠٩٩.

٤٧٣

وصحيحته الاخرى عنه عليه‌السلام أنّه قال : أقوم وقد طلع الفجر. إلى أن قال : «ابدأ بصلاة الليل والوتر ولا تجعل ذلك عادة» (١).

وصحيحة سليمان بن خالد قال : قال لي الصادق عليه‌السلام : «ربّما قمت وقد طلع الفجر فاصلّي صلاة الليل والوتر والركعتين قبل الفجر ثمّ اصلي الفجر» ، قلت : أفعل أنا ذا؟ قال : «نعم ولا يكون منك عادة» (٢).

وقريب منهما رواية إسحاق بن عمّار عنه عليه‌السلام (٣) ، لكن في صحيحة الوشّاء ، عن عبد الله بن سنان عنه عليه‌السلام قال : «إذا قمت وقد طلع الفجر فابدأ بالوتر ثمّ صلّ الركعتين ثمّ صلّ الركعات إذا أصبحت» (٤).

لكنّ الكلّ مخالف لفتوى الأصحاب والأولى والأحوط اختيار ما أفتوا به ، كما ستعرفه من قول المصنّف.

قوله : (وقيّد ذلك في المشهور).

في «المدارك» : هذا مذهب الأصحاب لا اعلم فيه مخالفا ومستنده رواية الأحول قال : قال الصادق عليه‌السلام : «إذا أنا صلّيت أربع ركعات من صلاة الليل قبل طلوع الفجر فاتم الصلاة طلع أو لم يطلع» (٥) (٦) انتهى.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٢٦ الحديث ٤٧٧ ، الاستبصار : ١ / ٢٨١ الحديث ١٠٢٢ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٦٢ الحديث ٥١٠٣.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٣٩ الحديث ١٤٠٣ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٦١ الحديث ٥١٠١.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٢٦ الحديث ٤٧٨ ، الاستبصار : ١ / ٢٨١ الحديث ١٠٢٣ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٦٢ الحديث ٥١٠٤.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٤٠ الحديث ١٤٠٧ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٥٩ الحديث ٥٠٩٤.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٢٥ الحديث ٤٧٥ ، الاستبصار : ١ / ٢٨٢ الحديث ١٠٢٥ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٦٠ الحديث ٥٠٩٧ مع اختلاف يسير.

(٦) مدارك الأحكام : ٣ / ٨٢.

٤٧٤

ورواه الصدوق مرسلا (١) ، وسندهما منجبر بعمل الأصحاب.

ولا يعارضهما رواية يعقوب البزّاز قال : قلت له عليه‌السلام : أقوم قبل الفجر بقليل فاصلّي أربع ركعات ، ثمّ أتخوّف أن ينفجر الفجر ، أبدأ بالوتر أو اتمّ الركعات؟ قال : «لا بل أوتر وأخّر الركعات حتّى تقضيها في صدر النهار» (٢) لضعف السند مع عدم الانجبار ، بل عمل الأصحاب بخلافها ، فتكون شاذّة يجب ترك العمل بها ، سيّما مع ملاحظة قوله عليه‌السلام : «حتّى تقضيها». إلى آخره. لظهور كونه مذهب العامّة.

قوله : (كما في الصحيح).

هو صحيح ابن مسلم السابق في شرح قول المصنّف : وأوّل وقت صلاة الليل (٣) ، ومثله رواية علي بن عبد العزيز أنّه قال للصادق عليه‌السلام : أقوم وأنا أتخوّف الفجر ، قال : «فأوتر» ، قلت : فأنظر فإذا عليّ ليل ، قال : «فصلّ صلاة الليل» (٤).

وفي صحيحة معاوية بن وهب عنه عليه‌السلام «أما يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح فيوتر فيصلّي ركعتي الفجر فيكتب له صلاة الليل» (٥).

وفي صحيحة ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن بعض أصحابنا ، عن الصادق عليه‌السلام ـ وأظنّه إسحاق بن غالب ـ قال : قال : إذا قام الرجل من الليل فظنّ أنّ الصبح قد ضاء فأوتر ثمّ نظر فرأى [أنّ] عليه ليلا ، قال :

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٠٨ الحديث ١٤٠٤.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٢٥ الحديث ٤٧٦ ، الاستبصار : ١ / ٢٨٢ الحديث ١٠٢٦ ، وسائل الشيعة :

٤ / ٢٦٠ الحديث ٥٠٩٨.

(٣) وسائل الشيعة : ٤ / ٢٥٧ الحديث ٥٠٨٧.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٤٠ الحديث ١٤٠٦ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٥٩ الحديث ٥٠٩٣.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٣٧ الحديث ١٣٩١ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٥٨ الحديث ٥٠٨٨.

٤٧٥

«يضيف إلى الوتر ركعة ، ثمّ يستقبل صلاة الليل ثمّ يوتر بعده» (١).

أقول : مقتضى الأخبار أنّه إن اتّفق أنّه صلّى صلاة الليل أربع ركعات وطلع الفجر ، يتمّ ما بقي ، وإلّا يصلّي ركعتي الفجر ، ثمّ يصلّي الفريضة ، ثمّ يصلّي ما بقي من صلاة الليل ، وإن خاف طلوع الفجر ولم يصلّ شيئا ، أو لم يصلّ الأربع ، يوتر ثمّ يصلّي نافلة الفجر ، ثمّ فريضته ، ثمّ ما بقي ، وإن اتّفق أنّه بعد ما صلّى الوتر ، ظهر عليه بقاء الليل ، يشتغل بصلاة الليل.

ويمكن جواز أن يضيف إلى الوتر ركعة اخرى ، وجعل الأربعة محسوبة من صلاة الليل ، لصحيحة ابن أبي عمير.

لكن يشكل من جهة عدم الاطّلاع على فتوى بذلك ، مع احتمال كون ظهور بقاء الليل عليه قبل الفراغ من الوتر ، فيضيف إليه ركعة اخرى ، والظاهر أنّ ذلك صحيح ، فتأمّل!

وكيف كان ، ما ذكرناه هنا وفي الحاشية السابقة إنّما هو في صورة عدم التخفيف في القراءة وغيرها ، بأن تكون الصلاة المتوسّطة المتعارفة ، لا فيها زيادة طول ، صونا للفريضة عن زيادة التأخير ، ولا زيادة قصر وتخفيف ، لإطلاق الأخبار.

نعم ، في رواية عبد الله بن الوليد الكندي ، عن إسماعيل بن جابر ، أو عبد الله ابن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال له : أقوم آخر الليل وأخاف الصبح ، قال : «اقرأ الحمد وأعجل» (٢) ، ولا بأس العمل بها ، لموافقتها للعمومات والاصول ، إلّا أنّ الأولى العمل بما ذكرناه.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٣٨ الحديث ١٣٩٦ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٥٨ الحديث ٥٠٨٩.

(٢) الكافي : ٣ / ٤٤٩ الحديث ٢٧ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٢٤ الحديث ٤٧٣ ، الاستبصار : ١ / ٢٨٠ الحديث ١٠١٩ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٥٧ الحديث ٥٠٨٦ مع اختلاف يسير.

٤٧٦

قوله : (والمشهور).

لعلّ مستندهم الرواية التي رواها الكليني والشيخ ، بسندهما القويّ عن المروزي عن أبي الحسن العسكري عليه‌السلام قال : «إذا انتصف». إلى أن قال : «فإذا بقي ثلث الليل ظهر بياض من قبل المشرق فأضاءت له الدنيا فيكون ساعة ثمّ يذهب وهو وقت صلاة الليل ، ثمّ تظلم قبل الفجر ثمّ يطلع الفجر الصادق من قبل المشرق ، قال : ومن أراد أن يصلّي صلاة الليل في نصف الليل فيطول فذلك له» (١).

وصحيحة إسماعيل بن سعد عن الرضا عليه‌السلام : عن أفضل ساعات الليل قال : «الثلث الباقي» ، وعن الوتر بعد فجر الصبح قال : «نعم قد كان أبي ربّما أوتر بعد ما انفجر الصبح» (٢).

وصحيحة مرازم عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت له : متى اصلّي صلاة الليل؟ فقال : «صلّها آخر الليل» (٣) ، الحديث.

وفي كتاب «العلل» بطريق كالصحيح عن الباقر عليه‌السلام : «أنّ قوله تعالى : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ) (٤) الآية ، نزلت في أمير المؤمنين عليه‌السلام وأتباعه من شيعتنا ينامون في أوّل الليل ، فإذا ذهب ثلثا الليل أو ما شاء الله فزعوا إلى ربّهم» (٥) الحديث.

هذا كلّه مع قوله تعالى (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (٦) ، والسحر ما قبل

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٢٨٣ الحديث ٦ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١١٨ الحديث ٤٤٥ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٤٨ الحديث ٥٠٥٨ مع اختلاف يسير.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٣٩ الحديث ١٤٠١ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٧٢ الحديث ٥١٣٩ و ٢٦١ الحديث ٥١٠٠.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٣٥ الحديث ١٣٨٢ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٧٢ الحديث ٥١٣٨.

(٤) السجدة (٣٢) : ١٦.

(٥) علل الشرائع : ٣٦٥ الحديث ٤ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٠٥ الحديث ١٣٩٤ ، وسائل الشيعة : ٨ / ١٥٤ الحديث ١٠٢٨٧ مع اختلاف يسير.

(٦) الذاريات (٥١) : ١٨.

٤٧٧

الفجر ، على ما نصّ عليه أهل اللغة (١).

ولا يعارضها ما روي عن الصادق عليه‌السلام : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا صلّى العشاء الآخرة أمر بوضوئه وسواكه يوضع عند رأسه مخمرا فيرقد ما شاء الله ، ثمّ يقوم فيستاك ويتوضّأ ويصلّي أربع ركعات ، ثمّ يرقد ، ثمّ يقوم فيستاك ويتوضّأ ويصلّي أربع ركعات ، ثمّ يرقد حتّى إذا كان في وجه الصبح قام فأوتر ثمّ صلّى الركعتين ، ثمّ قال (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (٢) قلت : متى يقوم؟ قال : «بعد ثلث الليل» وفي حديث آخر : «بعد نصف الليل» (٣).

وفي صحيحة معاوية بن وهب مثل ذلك مع زيادة منها أنّه : «يركع أربع ركعات على قدر قراءة ركوعه وسجوده على قدر ركوعه يركع حتّى يقال : متى يرفع رأسه ، ويسجد حتّى يقال : متى يرفع رأسه؟» وفي الأربع ركعات الأخيرة أيضا قال : «أنّه كان يصلّيها كما ركع قبل ذلك» (٤) ، لأنّ الأصحاب أفتوا بالأوّل ، لتضمّنها أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان بعد العشاء ينام ، أي لا يصلّي الوتيرة وغيرها ، كما يظهر من الأخبار الاخر أيضا.

وكذا تضمّنها أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يركع ، حتّى يقال : متى يرفع رأسه ، وكذلك يسجد ، وأنّ ركوعه وسجوده كان على قدر قراءته.

فظهر منه زيادة طول قراءته أيضا ، فربّما يشعر جميع ما ذكر بكون ذلك من خصائصه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإن كان في الاولى منها (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (٥).

__________________

(١) الصحاح : ٢ / ٦٧٨ ، المصباح المنير : ٢٦٧ ، القاموس المحيط : ٢ / ٤٦.

(٢) الأحزاب (٣٣) : ٢١.

(٣) الكافي : ٣ / ٤٤٥ الحديث ١٣ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٧٠ الحديث ٥١٣٢ و ٥١٣٣.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٣٤ الحديث ١٣٧٧ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٦٩ الحديث ٥١٣١ مع اختلاف يسير.

(٥) الأحزاب (٣٣) : ٢١.

٤٧٨

إذ الظاهر أنّ المخاطبين لم يكن لهم اسوة به إلى هذا القدر ، فلعلّ الاسوة في نفس صلاة الليل ، إذ لم يشع عن الصحابة الاسوة إلى القدر المذكور ، بل ولا التفريق المذكور ، إذ لو كانوا كذلك لم يخف على أحد.

وأين هذا من أن يفتوا بخلافه؟ ولذا لم يقل أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه كانوا جميعا يفعلون كذلك.

بل لم يقل : إنّا أيضا نفعل كذلك ، ولم ينسب ذلك إلّا إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقط.

بل ربّما يظهر من الأخبار أنّ الأئمّة عليهم‌السلام ما كانوا يفرّقون دائما ، بل ولا يظهر أنّهم عليهم‌السلام كانوا يفرّقون.

بل ربّما يظهر خلافه ، فتأمّل في الأخبار! وكذا في الأخبار الواردة في كيفيّة صلاة الليل ، وإتيان المكلّفين بها ، إذ لم يأمروا بالتفريق أبدا.

بل وربّما كان الظاهر أمرهم عليهم‌السلام بفعلها غير متفرقة وسيجي‌ء في وقت نافلة الفجر ما يؤكّد ما ذكرنا ، مثل الأمر بالاحشاء بهما صلاة الليل ، وغير ذلك ممّا يظهر من الأخبار (١) ، وإن لم أذكرها في هذا الكتاب.

ومع ذلك لا يبعد أن يكون المكلّف ، إذا اختار متابعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفعل كذلك يكون مثابا لذلك ، وإن كان آخر الليل له أفضل ، فتأمّل جدّا! والله يعلم.

وممّا ذكر ظهر ضعف ما استضعف في «المدارك» به (٢) ، دليل الأصحاب بأنّ رواية مرازم في طريقها هارون (٣) وهو مشترك ، وصحيحة إسماعيل (٤) ذكرها بلفظ

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٤ / ٢٦٣ الحديث ٥١٠٧ و ٢٦٥ الحديث ٥١١٢.

(٢) مدارك الأحكام : ٣ / ٧٧.

(٣) وسائل الشيعة : ٤ / ٢٧٢ الحديث ٥١٣٨.

(٤) وسائل الشيعة : ٤ / ٢٧٢ الحديث ٥١٣٩.

٤٧٩

«الثلث الباقي» ، ولم يذكر رواية المروزي (١) ، مع أنّها لو كانت ضعيفة لكانت منجبرة بفتاوى الأصحاب ، وظاهر الآية والروايات الاخر.

وكذا الحال في رواية مرازم ، مع أنّ الظاهر أنّ هارون هذا هو ابن مسلم.

وفي الصحيحة هو الثلث الباقي ، كما ذكرنا ، وذكر في بعض النسخ المعتبرة ودلّ عليه الفتاوى ، مع أنّه أوفق بما ذكر قبله ، إذ سأله عن ساعات الوتر ، فقال : «أحبّها إليّ الفجر الأوّل» (٢).

قوله : (ووقت). إلى آخره.

اختلف الأصحاب في أوّل وقتهما ، فعن الشيخ رحمه‌الله وقتهما عند الفراغ من صلاة الليل (٣) ، وهو اختيار ابن إدريس وعامّة المتأخّرين (٤).

وعن المرتضى أنّه طلوع الفجر الأوّل (٥) ، ونحوه قال الشيخ في «المبسوط» (٦).

وأمّا الأخبار ففي كثير من الصحاح : «احشوا بهما صلاة الليل» (٧) ، ولذا اشتهرتا بالدسّاسين ، لأنّه يدسّ بهما في صلاة الليل ، وفي كثير من الأخبار أنّهما من تتمّة صلاة الليل (٨).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٤ / ٢٤٨ الحديث ٥٠٥٨.

(٢) وسائل الشيعة : ٤ / ٢٧٢ الحديث ٥١٣٩.

(٣) النهاية للشيخ الطوسي : ٦١.

(٤) السرائر : ١ / ١٩٥ ، مختلف الشيعة : ٢ / ٣٦ ، ذكرى الشيعة : ٢ / ٣٧٥ ، مدارك الأحكام : ٣ / ٨٣.

(٥) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ٢ / ٣٦.

(٦) المبسوط : ١ / ٧٦.

(٧) وسائل الشيعة : ٤ / ٢٦٣ الباب ٥٠ من أبواب المواقيت.

(٨) وسائل الشيعة : ٤ / ٢٦٤ و ٢٦٥ الحديث ٥١٠٩ و ٥١١٠ و ٥١١٤.

٤٨٠