مصابيح الظلام - ج ٥

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٥

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-5-1
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٤٨

على أنّه لو تمّ ما ذكره ، فإنّما يتمّ بالنسبة إلى ما علم يقينا أنّه بخار النجس.

وأمّا إذا احتمل تكوّنه من الهواء أو غيره ، ولو باحتمال بعيد في غاية البعد لم يضرّ ، لما عرفت من أنّ الحكم بالنجاسة فرع القطع أو اليقين ، ولا يكفي الظن والتخمين ، بل الظن المتاخم إلى العلم أيضا.

وممّا ذكر ظهر حال القطرات النازلة من سقف الحمّام وأمثاله ، والأبخرة المتصاعدة من بئر الكنيف وأمثاله. وكذا الأبخرة المتصاعدة من سطوح أرض الحمّام وجدرانه ، وبخار نفس الحمّام وأمثاله ، مع أنّ التنزّه عن غالب ما ذكر حرج وعسر البتّة ، وربّما كان حرجا عظيما.

ويدلّ على ما ذكرنا طريقة الأئمّة عليهم‌السلام والفقهاء والمسلمين في الأعصار والأمصار.

وورد في الحديث : أنّ المعصوم عليه‌السلام تعجب من الشخص الذي كان يستنجي من خروج الريح من مقعدته (١) ، فتأمّل جدّا!

ثمّ اعلم! أنّ الاستحالة من حيث هي هي عدّها الفقهاء من المطهّرات ، منها ما نقل اتّفاقهم عليه ، ومنها محلّ الخلاف بينهم.

أمّا الأوّل ، استحالة النطفة حيوانا طاهرا ، والماء المنجس بولا لحيوان مأكول اللحم ، أو عرقا أو لعابا ونحوه ، أو جزء من البقول والخضروات والحبوب والأشجار والثمار ونحوها ، والغذاء النجس لبنا أو روثا لمأكول اللحم ، وكذا خرء له ونحوه ، والدم النجس قيحا أو صديدا ، أو دم ما لا نفس له ، مثل البق والبرغوث والقمّل ، والخمر خلّا ، وكذا سائر المسكرات.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢ الحديث ٦٥ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٤٤ الحديث ١٢٤ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٤٥ الحديث ٩١٦.

٢٤١

وكذا العصير والفقّاع إن صار خلّا (١) ، إذا كان انقلابها إلى الخلّ بأنفسها إجماعي وأمّا إذا كان بالعلاج بالأدوية فمحلّ الخلاف بينهم ، من جهة أنّ ما تصبّ فيه حال النجاسة ينجس ولا مطهّر له ، لأنّ الانقلاب يطهّر الخمر مثلا ، لا أيّ شي‌ء كان.

لكن الوارد في الأخبار المعتبرة ، طهارة الكلّ ، وطهارة ما تصبّ فيه من العلاج أيضا (٢) ، وهو الأقوى ، وسيجي‌ء التفصيل في محلّه إن شاء الله تعالى.

وطهارة الامور المذكورة مع كونها مجمعا عليها ، جلّها بديهيّ الدين ، والباقي إجماعي بالخصوص أيضا ، أو منصوص أو كلاهما ، مضافا إلى ما ستعرف في الخلافيّات.

وأمّا الثاني ، فمنها وقوع الكلب والخنزير وشبههما في المملحة فيصير ملحا ، أو العذرة ونحوها إذا وقعت في البئر فصارت حمأة (٣) ، فالمشهور طهارتهما ، وإن نسب إلى «المعتبر» ، و «المنتهى» ، و «النهاية» ، و «التحرير» عدمها (٤).

حجّة المشهور أصالة طهارة الأشياء ، وما دلّ على طهارة الملح وحلّيته ، وكذا الحال في أمثال ذلك ، ولا معارض لذلك سوى الاستصحاب ، فمن لا يقول بحجّيته ، فهو في فسحة من ذلك. وأمّا من قال بحجّيته فيشترط فيه بقاء موضوع الحكم على حاله ، وإن تغيّر بعض أحواله ، كما حقّقنا في رسالة «الاستصحاب» (٥)

__________________

(١) في (ك ١) زيادة : هذا.

(٢) انظر! وسائل الشيعة : ٣ / ٥٢٤ الباب ٧٧ من أبواب النجاسات.

(٣) الحمأة : الطين الأسود المنتن ، (القاموس المحيط : ١ / ١٣).

(٤) لاحظ! المعتبر : ١ / ٤٥١ ، منتهى المطلب : ٣ / ٢٨٧ ، نهاية الإحكام : ١ / ٢٩٢ ، تحرير الأحكام : ٢٥.

(٥) الرسائل الاصوليّة : ٤٤٣.

٢٤٢

و «الفوائد» (١) وغيرهما (٢).

مثلا : عرفت أنّ الماء المطلق يصحّ الطهارة منه للحدث والخبث ، فإذا تغيّر ماهيّة الموضوع ، صار الحكم حكما آخر ، لا أنّ الحكم الأوّل باق. فإنّ الماء لو صار هواء أو بخارا ، أو ملحا أو بولا لحيوان أو إنسان ، أو رطوبة لهما ، أو أمثال ذلك ، فمعلوم عدم الرابطة بين الحكم الأوّل وهو كون الماء المطلق يصحّ الوضوء ، والحكم الثاني وهو صحّة الوضوء بالبول ، أو الهواء ، أو البخار بل لو صار هذا الماء مضافا ، بأنّ صار ماء ورد مثلا فلا يصحّ الوضوء منه جزما ، لأنّ الحكم من الشارع علّق بلفظ الماء ، وهو حقيقة في المطلق ، كما علّق الحكم بالنجاسة بلفظ الخمر ، ودم ماله نفس سائله ، وأمثالهما. فإذا صار خلّا أو دم ما لا نفس له صارا طاهرين ، للأصل وعدم كونهما خمرا ودم ما لا نفس له.

نعم ، لو كان الماء الذي صار ماء الورد نجسا ، لم يصر طاهرا ، بصيرورته ماء الورد.

والفرق بين الحكم بالنجاسة والحكم بصحّة الوضوء أنّ الثاني علّق على لفظ الماء ، كما قلنا ، والأوّل لم يعلّق من كلام الشارع على لفظ الماء من حيث هو ماء ، بل على أنّه جسم رطب مثلا.

فإنّ الذي ثبت من كلام الشارع أنّ الجسم الرطب متى لاقى نجاسة نجس ، إذ كلّ جسم لاقى نجاسة رطبة نجس ، فبصيرورته ماء الورد لم يتغيّر موضوع الحكم تغيّرا مانعا عن جريان الاستصحاب ، والاستصحاب هو استمرار الحكم الذي ثبت لموضوع إلى أن يثبت خلافه ، وإن حصل بعض تغيّر في أحوال ذلك

__________________

(١) الفوائد الحائريّة : ٢٨١ الفائدة ٢٧.

(٢) الرسائل الفقهيّة : ١٥.

٢٤٣

الموضوع ، وبذلك حصل الشكّ في بقاء حكمه ، مثل المياه القليلة النجسة المتفرّقة إذا ضمّ بعضها بعض الآخر ، فصار المجموع المنضمّ قدر كرّ ، وقس عليه سائر موارده.

مع أنّ الدليل على حجّية الاستصحاب هو الأخبار المعتبرة الكثيرة والاستقراء والأوّل لا يشمل سوى ما ذكرنا ، إذ الظاهر والمتبادر من قولهم عليهم‌السلام : لا تنقض اليقين ـ بحكم شرعي ـ بالشكّ بعده أبدا (١) كون موضوع ذلك الحكم باقيا على ماهيّته ، لا أن يصير موضوعا آخر لحكم آخر غير هذا الحكم جزما ، فإنّ الماء ما دام يكون من أفراد الماء حقيقة لم يتغيّر موضوع الحكم المتعلّق بالماء من حيث هو ماء ، وإن كان متّصفا بوصف القلّة أو التغيّر وأمثالهما من الأوصاف التي تغيّرها صار منشأ لانعدام الحكم عند منكر الاستصحاب ، وبقائه عند القائل به فإذا صار ذلك الماء هواء أو أرضا ونحوهما ، فلا شكّ في انعدام الحكم عند الكلّ ، سواء كان الحكم صحّة الوضوء أو النجاسة.

أمّا الأوّل ، ففي غاية الظهور ، لأنّ الحكم علّق على لفظ الماء من حيث هو هو.

وأمّا الثاني ، فلأنّ أهل العرف لا يفهمون من قول الشارع : كلّ شخص من الجسم الملاقي للنجس نجس لا من حيث تشخّصه ، بل من حيث أنّه ملاق لها أنّ ذلك الهواء مثلا أيضا نجس ، من جهة قولهم عليهم‌السلام : لا تنقض اليقين ـ بحكم شرعي ـ بالشكّ ، والمعتبر فهم العرف العام والوثوق في فهمهم ، فلو كان موضع تغيّر الأفهام فيه مثل صيرورة الخشب النجس فحما ، فلا عبرة به.

فإذا حصل الشكّ في دخوله في أدلّة الاستصحاب فالأصل طهارته.

وإذا حصل الشكّ في أنّه هل تغيّر الموضوع بالماهيّة بالنحو الذي لا يجري

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٨ الحديث ١١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٥ الحديث ٦٣١.

٢٤٤

فيه الاستصحاب؟ فالأصل بقاء ما كان وجريان الاستصحاب.

والحاصل ، أنّ كلّ مورد ورد فلا بدّ من عرضه على أدلّة الاستصحاب ، فإن فهم البقاء في الحكم وحصل الشكّ في الزوال فهو مستصحب.

وإن حصل الشكّ في الاستمرار والبقاء وطهارته ، فالأصل عدمه إن كان الحكم النجاسة ، لكن الثاني لم نجده في الأحكام ، كما حقّقناه في «الرسالة» (١) ، والله يعلم.

وأمّا الاستقراء ، فلم يتحقّق في غير ما ذكرنا قطعا ، فدعوى الاستصحاب بعد تغيّر موضوع الحكم وتبدّل محلّ المسألة لا شبهة في فساده.

ومعلوم أنّ النجاسة تعلّقت بالكلب من حيث هو كلب ، فلو صار آدميّا بمعجزة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو غنما ، أو ذهبا أو فضّة ، فلا وجه للحكم ببقاء نجاسته أصلا ، لأنّ الحكم لم يتعلّق بالصورة الجسميّة قطعا ، فإنّ الصورة الجسميّة موجودة في الأشياء ، وكلّها طاهرة قطعا.

واشترط بعضهم كون الماء الذي وقع فيه نحو الكلب كرّا ، حتّى لا ينفعل بالملاقاة ، فينجمد النجس ويصير الماء النجس ملحا (٢).

وفيه ، أنّ الاستحالة مطهّرة. ووجه كلام المشترط بأنّه بملاقاة الكلب ينجس المملحة والأرض وجميع ما كان فيها من الملح الرطب الساري بينها أجزاء الماء الموجب لسريان النجاسة.

وهذا بناء على أنّ الاستحالة تطهّر ما استحالة لا للمتنجّس بملاقاة النجس ، ولا شكّ في أنّه أحوط ، وإلّا فالخلّ الذي كان خمرا ظرفه كان نجسا ، وكذا الميتة

__________________

(١) اي رسالة الاستصحاب ، لاحظ! الرسائل الاصولية : ٤٢٦ و ٤٢٧.

(٢) ذخيرة المعاد ١٧٢ ، الحدائق الناضرة : ٥ / ٤٧٣.

٢٤٥

صار ترابا أرضه تأثرت من الدم والعذرة وغيرهما ، إلى غير ذلك ممّا مرّ في الشقّ الأوّل ، وهو ما أجمعوا على مطهّريّته ، فلاحظ وتأمّل ، والله يعلم.

ومنها العجين النجس ، فإنّه يطهر بمجرّد الخبز عند الشيخ في موضع من «النهاية» (١).

والباقون على عدم طهارته به ، ومنهم الشيخ في سائر كتبه (٢) ، حتّى في موضع آخر من «النهاية» (٣) ، بل ربّما كان إجماعا منهم (٤) ، كما ذكر ، ولأنّ «النهاية» أوّل كتاب منه في الفقه والفتوى ، فحصل القطع برجوعه ، فلا يبقى اعتداد بما رجع عنه ، سيّما في جميع كتبه حتّى في «النهاية».

دليل عدم الطهارة ، استصحاب النجاسة وصحيحة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه ، قال : ما أحسبه إلّا حفص بن البختري أنّه قيل للصادق عليه‌السلام : العجين يعجن من الماء النجس كيف يصنع به؟ قال : «يباع ممّن يستحلّ أكل الميتة» (٥).

ومراسيل ابن أبي عمير في حكم المسانيد ، مع أنّه ممّن أجمعت العصابة ، وممّن لا يروي إلّا عن الثقة (٦).

مع أنّ المظنون عنده أنّه حفص بن البختري الثقة.

فلو كان التعديل من الظنون الاجتهاديّة لكان هذا الحديث صحيحا أيضا.

__________________

(١) النهاية للشيخ الطوسي : ٨.

(٢) المبسوط : ١ / ١٣.

(٣) النهاية للشيخ الطوسي : ٥٩٠.

(٤) انظر! مختلف الشيعة : ١ / ٢٥٢.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ٤١٤ الحديث ١٣٠٥ ، الاستبصار : ١ / ٢٩ الحديث ٧٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٢ الحديث ٦٢٨.

(٦) رجال الكشي : ٢ / ٨٣٠ ، عدّة الاصول : ١ / ١٥٤.

٢٤٦

مع أنّ المدار في التصحيح غالبا على الظنون ، مع أنّه منجبر بالشهرة العظيمة ، بل وفاق الكلّ ، ومنجبر بالاستصحاب أيضا ، لكن جواز البيع ممّن يستحلّ الميتة مشكل ، كما ستعرف.

وصحيحة ابن أبي عمير أيضا ، عن بعض أصحابه عن الصادق عليه‌السلام قال : «يدفن ولا يباع» (١).

والسند عرفت أنّه في غاية الاعتبار ، لا يقصر عن الصحيح ، بل هو أقوى من الصحيح الذي لم يفت به.

ويعضده اتّفاق الكلّ على عدم تطهيرها للنجس بالطبخ (٢) ، وما ورد في الأخبار من بقاء نجاسة التوابل والمرق ، ووجوب غسل اللحم (٣).

قيل : مستند القول بالطهارة ربّما كان رواية ابن الزبير ـ المجهول ـ عن الصادق عليه‌السلام أنّه سأله عن البئر يقع فيها الفأرة أو غيرها من الدوابّ فتموت فيعجن من مائها أيؤكل ذلك الخبز؟ قال : «إذا أصابته النار فلا باس بأكله» (٤).

وصحيحة ابن أبي عمير ، عمّن رواه ، عن الصادق عليه‌السلام في عجين عجن ثمّ علم أنّ الماء كانت فيه ميتة؟ قال : «لا بأس ، أكلت النار ما فيه» (٥).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٤١٤ الحديث ١٣٠٦ ، الاستبصار : ١ / ٢٩ الحديث ٧٧ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٣ الحديث ٦٢٩.

(٢) مختلف الشيعة : ١ / ٢٥٢ ، مدارك الأحكام : ٢ / ٣٦٩.

(٣) الكافي : ٦ / ٢٦١ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٩ / ٨٦ الحديث ٣٦٥ ، وسائل الشيعة : ٢٤ / ١٩٦ الحديث ٣٠٣٣٠.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ٤١٣ الحديث ١٣٠٣ الاستبصار : ١ / ٢٩ الحديث ٧٤ ، وسائل الشيعة : ١ / ١٧٥ الحديث ٤٣٨ مع اختلاف يسير.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ٤١٤ الحديث ١٣٠٤ ، الاستبصار : ١ / ٢٩ الحديث ٧٥ ، وسائل الشيعة : ١ / ١٧٥ الحديث ٤٣٩ مع اختلاف يسير.

٢٤٧

الجواب بالطعن في السند في الاولى من جهات متعدّدة ، وبعد التسليم لا يقاوم أدلّة النجاسة من وجوه كثيرة ظاهرة منها عدم الانفعال بالملاقاة ، كما سيجي‌ء.

فيكون محمولا على التقيّة ، أو يكون المراد رفع الكراهة والنفرة بإصابة النار ، ولذا علّق عدم البأس على مجرّد الإصابة لا الطبخ ، وأحدهما غير الآخر بالبديهة ، والخصم لا يكتفي بظاهرها. وهذا أيضا طعن آخر.

وممّا ذكر ظهر الجواب عن مرسلة ابن أبي عمير أيضا من وجوه كثيرة.

مع أنّه لم يقل : علم أنّ الماء كان فيه ميتة حال الأخذ للعجين ، بل قال : علم أنّ الماء كان فيه ميتة ، فيورث الريبة أنّها كانت فيه حال الأخذ.

مع أنّه موقوف على ثبوت انفعال ذلك الماء بالملاقاة ، وغير ذلك ممّا احتمل عدم ضرره.

غاية ما في الباب : أنّ ترك الاستفصال يفيد العموم ، لكنّه عموم ضعيف لا يقاوم ما دلّ على النجاسة بخصوصه ، لأنّ العام لا يقاوم الخاص ، فضلا عن العموم الضعيف ، فضلا عن قوّة الخاص بمقويّات كثيرة ، منها عمل العصابة والاشتهار بينهم. وورد في غير واحد من الأخبار الأمر بأخذ ما اشتهر (١) ، وخصوصا مع ضعف العام بمضعّفات كثيرة ، ومنها الشذوذ وورد الأمر بترك العمل بالشاذ (٢) ، مع اعتضاد الكلّ بالاعتبار أيضا.

ومن المضعّفات أنّ قوله : «أكلت النار ما فيه» يناسب الكراهة ورفع النفرة ، لأنّ النار لا تأكل الماء الذي كان نجسا قطعا ، بل أغلب الماء بعد بحاله ، ولم يقل الراوي : إنّه خبز خبزا جافّا يابسا لم يبق فيه من الماء النجس ، والمتعارف من

__________________

(١) انظر! وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ الباب ٩ من أبواب صفات القاضي.

(٢) انظر! وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ الباب ٩ من أبواب صفات القاضي.

٢٤٨

الخبز يبقى أكثر الماء ، أو كثير منه قطعا.

ثمّ اعلم! أنّ العلّامة توقّف في العمل بما تضمّن البيع ممّن يستحلّ الميتة (١) ، لما سيجي‌ء في كتاب البيع من عدم تجويزهم بيع النجس.

وربّما منع ذلك بأنّ الممنوع ما إذا لم يكن فيه نفع محلّل.

نعم ، الكفّار مكلّفون في الفروع كتكليفنا ، فبيع النجس من المستحلّ إعانة في الإثم ، وتمام التحقيق ليس هنا موضعه.

فإذا علمت أنّ النار لا تطهّر الخبز فعلاج تطهيره على ما قال بعضهم أن يخبز خبزا جافّا ثمّ يوضع في ماء جار أو كرّ ، بحيث يسري الماء إلى جميع أجزائه (٢) ، وهو حسن ، ولعلّ الأحوط العصر بعد ذلك ، وأحوط من ذلك الوضع في خصوص الجاري ، لما مرّ في بحث كيفيّة الغسل (٣) ، فتأمّل!

وفي «المدارك» : أنّه لو رقّق العجين النجس ، ثمّ وضع في الماء الكثير بحيث علم وصول الماء إلى جميع أجزائه طهر ذلك ، وكذا الكلام في الحنطة والسمسم إذا انتقعا في الماء النجس (٤) ، انتهى.

فيه تأمّل ، لعدم إمكان حصول العلم بوصول الماء الطاهر جميع أجزاء النجس بحيث يحصل الغسل بالماء الطاهر ، إذ لا يحصل العلم بالوصول إلّا في صورة صيرورة العجين مائعا كالكشكاب والماء الداخل في الكشكاب يحتمل أن يصير مضافا ، فتأمّل!

__________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه ، ولكن فهم صاحب المدارك من المنتهى : ٣ / ٢٩٠ توقفه في المسألة ، لاحظ! مدارك الأحكام : ٢ / ٣٧١.

(٢) قاله الشهيد في ذكرى الشيعة : ١ / ١٢٤ ، الكركي في جامع المقاصد : ١ / ١٥٩.

(٣) راجع! الصفحة : ١٢٧ من هذا الكتاب.

(٤) مدارك الأحكام : ٢ / ٣٧١.

٢٤٩

وأمّا ما ذكره من الحنطة والسمسم وأمثالهما ، فأسوأ حالا من العجين ، لا يحصل العلم بوصول الطاهر إلى جميع الأجزاء وخروج الماء النجس عنه إلّا بعد صيرورته كشكابا ، مثل كشكاب العجين ، فلعلّ العلاج في أمثال الامور المذكورة منحصرة فيما ذكر للعجين النجس ، فتأمّل!

ومن جملة ما وقع الخلاف في طهارته بالاستحالة صيرورة العذرة والميتة ترابا أو دودا ، والمشهور ذلك ، بل لا يكاد يكون فيه خلاف.

نعم ، نسب إلى المحقّق تردّده في ذلك (١) ، وعن الشيخ في «المبسوط» : إذا نبش قبر واخرج ترابه وقد صار الميّت رميما واختلط بالتراب ، فلا يجوز السجود على ذلك التراب لأنّه نجس (٢).

وذكر المحقّق أنّه في موضع آخر من «المبسوط» أفتى بالطهارة ، ثمّ قال : ويمكن أن يكون قوله بالطهارة أرجح ، بتقدير أن تصير النجاسة ترابا ، لقوله عليه‌السلام : «جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا وأينما أدركتني الصلاة صلّيت» (٣) وغيره (٤) ممّا دلّ على كون التراب طهورا (٥) ، وجزم في صورة الاستحالة دودا.

واحتجّ في «المنتهى» للطهارة بما ذكر وبأنّ الحكم معلّق على الاسم ، فيزول بزواله (٦).

لكن قال في «المعتبر» : لو كانت النجاسة رطبة ومازجت التراب فقد

__________________

(١) نسب إليه في ذخيرة المعاد : ١٧٢ ، لاحظ! المعتبر : ١ / ٤٥٢.

(٢) المبسوط : ١ / ٩٣.

(٣) وسائل الشيعة : ٥ / ١١٨ الحديث ٦٠٨٦.

(٤) في (ز ٣) : وغير ذلك.

(٥) المعتبر : ١ / ٤٥٢.

(٦) منتهى المطلب : ٣ / ٢٨٨.

٢٥٠

نجس ، فلو استحالت النجاسة بعد ذلك وامتزجت بقيت الأجزاء الترابيّة على النجاسة المستحيلة أيضا لاشتباهها بها (١) ، انتهى.

والمقتضي لما ذكره هو استصحاب نجاسة الموضع الملاقي وعدم تغيّر في موضوع الحكم فيه ، إذ التغيّر حصل في ملاقي الموضع ، لا الموضع الملاقي.

وربّما قيل بأنّ المطهّر للعين النجسة مطهّر للمتنجّس بطريق أولى.

وربّما يقال أيضا : إنّ المواضع المسلّمة لا تخلو عمّا ذكر ، مثل ظروف المسكرات والعصير وآلات طبخه ، وثياب الطبّاخ ، كما سيجي‌ء ، إلى غير ذلك ممّا مرّ في الوفاقيات من الاستحالة (٢).

لكن المقام لم يصف عن الإشكال ، لأنّ كلّ موضع مسلّم فيه دليل ، والقياس بطريق الاولويّة المذكورة محلّ تأمّل أيضا ، والله يعلم.

ثمّ اعلم! أنّ ما ذكرنا من الاستحالة يشمل الاستهلاك ، وكذا يشمل الانقلاب والانتقال أيضا.

والفقهاء ربّما يعبّرون عنها بالاستحالة ، وربّما يعبّرون عنها بالألفاظ المذكورة.

ومن المطهّرات النقيصة ، وهو ذهاب ثلثي العصير العنبي خاصّة ، أو الأعم منه ومن الزبيبي والتمري ـ على الاختلاف ـ بعد الغليان الموجب لنجاستها بالغليان الموجب لحلّيتها ، كما سيجي‌ء في كتاب «المطاعم» إن شاء الله ، وقد مرّ في بحث النجاسات أنّها نجسة ، ودليل نجاستها (٣).

__________________

(١) المعتبر : ١ / ٤٥٣.

(٢) راجع! الصفحة : ٢٤١ و ٢٤٢ من هذا الكتاب.

(٣) راجع! الصفحة : ٢٧ ـ ٣٢ من هذا الكتاب.

٢٥١

ومن المطهّرات النزح ، إجماعا في صورة التغيّر وخلافا في الملاقاة ، كما سيجي‌ء فيها ما نقلنا ، وربّما ادخل في النقيصة ، ولا مشاحة في الاصطلاح.

ومن المطهّرات الإسلام المرادف للإيمان إجماعا وغير المرادف على الخلاف.

وكذلك الإيمان مطهّر للمخالف ، على الخلاف في نجاسة غير المؤمن ، ومرّ الكلام في [عدم] نجاسته مشروحا (١) ، ويظهر من الأخبار مطهّريّة الإسلام.

ومن المطهّرات تبعيّة الإسلام ، ومرّ الكلام في ذلك في مبحث النجاسات (٢).

وقيل : من جملة المطهّرات الزيادة (٣).

وهذا على القول : بأنّ القليل من الماء المنفعل إذا صار كرّا يصير طاهرا واضح ، لأنّه بالزيادة الخاصّة طهر ، ولا يوجد هذا الحكم في غيره ، لكن القول ضعيف ، كما سيجي‌ء.

وأمّا على القول المشهور ، فلعلّ المراد القليل المنفعل من الماء يلقى عليه الكرّ من الماء الطاهر أو الجاري ، يمزج به أو يتّصل ، على الخلاف الذي سيجي‌ء.

ويحتمل شمولها للاستهلاك أيضا من النجاسات يغسل في الماء الكرّ ويستهلك فيه ، حتّى يقال لمجموع الماء : إنّه ماء حقيقة وعرفا ، والاستهلاك نوع من الاستحالة ، كما أنّ الانقلاب والانتقال أيضا كذلك.

أمّا الأوّل ، فظاهر. وأمّا الثاني ، فلأنّ المطهّر لانتقال الدم إلى البق ونحوه ليس مجرّد الانتقال ومن حيث هو هو ، بل من حيث صار الدم دم البقّ حقيقة وعرفا.

ثمّ اعلم! أنّ المطهّرات غير منحصرة فيما ذكر ، فإنّ الاستجمار مطهّر للمقعدة ،

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٥٢٣ ـ ٥٢٦ (المجلّد الرابع) من هذا الكتاب.

(٢) راجع! الصفحة : ٥١٩ ـ ٥٢٢ (المجلّد الرابع) من هذا الكتاب.

(٣) قاله العلّامة في قواعد الأحكام : ١ / ٧.

٢٥٢

وغسل الميّت مطهّر للميّت ، والخلط والاشتباه في غير المحصور ، وفي المحصور أيضا على قول شاذّ ، أو بالنسبة إلى منجّسيّته الغير ، ومرّ التحقيق.

والاستبراء مطهّر للجلّالات على النحو الذي سيجي‌ء في محلّه ، وربّما كان مطهّر آخر يذكر في موضعه.

قوله : (كما في المعتبر).

هي صحيحة زرارة عن الصادق عليه‌السلام عن الخمر العتيقة تجعل خلّا؟ قال : «لا بأس» (١). ومثلها كصحيحة عبيد بن زرارة عنه عليه‌السلام (٢). وكصحيحته الاخرى عنه عليه‌السلام : «إذا تحوّل عن اسم الخمر فلا بأس [به]» (٣).

وفي صحيحة جميل عنه عليه‌السلام : لي على الرجل دراهم فيعطيني خمرا؟ قال : «خذها وأفسدها» وقال علي بن حديد ، اجعلها خلّا (٤).

وصحيحة عبد العزيز المهتدي أنّه كتب إلى الرضا عليه‌السلام : العصير يصير خمرا فيصبّ عليه الخلّ وشي‌ء يغيّره حتّى يصير خلّا ، فقال : «لا بأس به» (٥).

__________________

(١) الكافي : ٦ / ٤٢٨ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٩ / ١١٧ الحديث ٥٠٤ ، الاستبصار : ٤ / ٩٣ الحديث ٣٥٥ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٥٢٤ الحديث ٤٣٥٩ مع اختلاف يسير.

(٢) الكافي : ٦ / ٤٢٨ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٩ / ١١٧ الحديث ٥٠٥ ، الاستبصار : ٤ / ٩٣ الحديث ٣٥٦ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٥٢٥ الحديث ٤٣٦٠.

(٣) تهذيب الأحكام : ٩ / ١١٧ الحديث ٥٠٧ ، الاستبصار : ٤ / ٩٣ الحديث ٣٥٧ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٧١ الحديث ٣٢١٥٢.

(٤) تهذيب الأحكام : ٩ / ١١٨ الحديث ٥٠٨ ، الاستبصار : ٤ / ٩٣ الحديث ٣٥٨ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٧١ الحديث ٣٢١٥٣ مع اختلاف يسير.

(٥) تهذيب الأحكام : ٩ / ١١٨ الحديث ٥٠٩ ، الاستبصار : ٤ / ٩٣ الحديث ٣٥٩ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٧٢ الحديث ٣٢١٥٥.

٢٥٣

قوله : (وإن كره العلاج للخبر).

هو معتبر محمّد بن مسلم وأبي بصير عن الصادق عليه‌السلام : الخمر يجعل فيها الخلّ. قال : «لا ، إلّا ما جاء من قبل نفسه» (١).

وروايته الاخرى عنه عليه‌السلام : الخمر يجعل خلّا ، قال : «لا بأس إذا لم يجعل فيها ما يغلبها» (٢) ، وحمل النهي على الكراهة ، لمعارضته الأخبار المعتبرة الكثيرة ، مضافا إلى عدم قائل بظاهرها من الفقهاء المتقدّمين والمتأخّرين سوى ما ذكره المصنّف.

وفي روايته الاخرى عنه عليه‌السلام : الخمر يصنع فيها الشي‌ء حتّى يحمض ، قال : «إذا كان الذي صنع فيها هو الغالب على ما صنع فيه فلا بأس» (٣).

لعلّ المراد : إذا كانت غالبة على ما صنع فيها فلا بأس ، لأنّ صيرورتها خلّا حينئذ من جهة الانقلاب والاستحالة. وأمّا إذا كان ما صنع فيها غالبا ، بأن جعل الخمر حامضة من غلبته فلا ، لأنّ جعل الخمر حامضة باستهلاكها في الحامض ، أو جعل الحامض إيّاها حامضة دفعة ، فلم يتحقّق حينئذ استحالة ، فصار ما صنع فيها نجسا.

وليس له انقلاب يطهّره ، ولا للخمر أيضا ، لأنّها وإن استهلكت في الخلّ ، إلّا أنّ الخلّ نجس ، فهي مستهلكة في الشي‌ء النجس ، فتكون نجسة البتّة ، لأنّها صارت خلّا نجسا.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٩ / ١١٨ الحديث ٥١٠ ، الاستبصار : ٤ / ٩٣ الحديث ٣٦٠ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٧١ الحديث ٣٢١٥٤.

(٢) الكافي : ٦ / ٤٢٨ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٧١ الحديث ٣٢١٥١.

(٣) الكافي : ٦ / ٤٢٨ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٩ / ١١٩ الحديث ٥١١ ، الاستبصار : ٤ / ٩٤ الحديث ٣٦٢ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٧٠ الحديث ٣٢١٤٩ مع اختلاف يسير.

٢٥٤

وممّا ذكر ظهر كون الحقّ مع المشهور ، وأنّ ما نسب إلى الشيخ وابن الجنيد ليس بشي‌ء (١) ، لأنّ مضيّ زمان ينقلب الخمر خلّا أيّ فائدة فيه مع استهلاكها؟ لأنّها باستهلاكها صارت خلّا البتّة.

ولا فرق بين الاستهلاك والانقلاب ، إذ بالاستهلاك تحقّق تغيّر الاسم والخروج عن الخمريّة البتّة.

وإن بني على أنّه ورد في الأخبار كون الانقلاب مطهّرا لها ، وطهارتها مع نجاسة الخلّ الممزوج ممّا لا يجتمعان ، فظهر من ذلك طهارة الخلّ أيضا ففيه ، أنّه ليس هاهنا انقلاب حقيقة ، وفرض الانقلاب غير نفس الانقلاب ، والوارد في الأخبار نفس الانقلاب لا فرضه.

وإن بنيت على أنّ المعتبرة تشمل ما نحن فيه ، لأنّ قوله عليه‌السلام : «لا بأس بجعل الخمر خلّا» ، أعمّ من أن يكون بالاستهلاك أو الانقلاب ففيه ، أنّه على هذا لا وجه للاشتراط لمضيّ زمان يحصل الانقلاب ، لأنّه ينادي بأنّهما أيضا فهما من الأخبار الجعل بعنوان الانقلاب ، كما هو المتبادر منها بالاستهلاك ، لأنّ الاستهلاك لا خصوصيّة له بالخلّ ، بل الاستهلاك بالماء مطهّر لا غبار عليه إذا كان كرّا ونحوه ، بخلاف الاستهلاك في المائعات ، لانفعالها بمجرّد الملاقاة البتّة ، ولا ينفع الانقلاب في غير الخلّ البتّة.

فأيّ فرق بين الخلّ وغيره؟ مع أنّه كيف يجوز أن يكون قطرة خمر مستهلكة فيه صارت طاهرا بالانقلاب الفرضي أو الاستهلاك؟ ثمّ يصير جميع ما استهلكت فيه طاهرا بادّعاء ظهور الأخبار في ذلك ، سيّما مع كون النجاسة اليقينيّة يستدعي الطهارة اليقينيّة

__________________

(١) مسالك الأفهام : ١٢ / ١٠٢.

٢٥٥
٢٥٦

القول في المياه

قال الله تعالى (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) (١).

٩٣ ـ مفتاح

[كيفيّة تنجّس الماء]

الماء كلّه طاهر ومطهّر بالكتاب والسنّة والضرورة من الدين ، وإنّما ينجس باستيلاء النجاسة عليه لا غير ، وفاقا للعماني (٢) ، للنصوص المستفيضة.

منها : الحديث المشهور المروي من الطرفين بعدّة طرق : «خلق الله الماء طهورا لا ينجّسه شي‌ء إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه» (٣).

وفي بعضها : «كلّما غلب الماء ريح الجيفة فتوضّأ من الماء واشرب ، وإذا تغيّر الماء وتغيّر الطعم فلا تتوضّأ ولا تشرب» (٤).

__________________

(١) الفرقان (٢٥) : ٤٨.

(٢) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ١٧٦.

(٣) وسائل الشيعة : ١ / ١٣٥ الحديث ٣٣٠ ، السنن الكبرى : ١ / ٢٥٩ ، سنن ابن ماجة : ١ / ١٧٤ الحديث ٥٢١ ، مجمع الزوائد : ١ / ٢١٤ ، كنز العمّال : ٩ / ٣٩٦ الحديث ٢٦٦٥٢ ، ٣٩٨ الحديث ٢٦٦٧٠.

(٤) وسائل الشيعة : ١ / ١٣٧ الحديث ٣٣٦.

٢٥٧

وفي بعضها : «إذا كان الماء قاهرا ولا يوجد فيه الريح فتوضّأ» (١). أي : ريح الجيفة.

وسئل عن الحياض يبال فيها؟ قال : «لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول» (٢).

ومنها : الحسن عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق ويريد أن يغتسل منه وليس معه إناء يغرف به ويداه قذرتان. قال : «يضع يده ويتوضّأ ويغتسل ، هذا ممّا قال الله عزوجل (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٣)» (٤).

ولأنّه لو انفعل شي‌ء منه بدون ذلك لاستحال إزالة الخبث به بوجه من الوجوه ، والتالي باطل بالضرورة من الدين ، وذلك لأنّ كلّ جزء من أجزائه الوارد على المحلّ النجس إذا لاقاه نجس ، وما لم يلاقه لم يطهّره.

والفرق بين وروده على النجاسة وورودها عليه تحكّم ، كما أشرنا إليه سابقا ، إذ القدر المستعلي منه في الأوّل لقلّته لا يقوى على العصمة عن الانفعال بالاتّصال ، كما في الثاني ، والقول بانفعاله هناك بعد الانفصال عن المحلّ المتنجّس دون حال الملاقاة كما ترى.

وفي الصحيح : عن الثوب يصيبه البول. قال : «اغسله في المركن مرّتين

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ١٤١ الحديث ٣٤٦.

(٢) وسائل الشيعة : ١ / ١٣٩ الحديث ٣٤٢.

(٣) الحج (٢٢) : ٧٨.

(٤) وسائل الشيعة : ١ / ١٥٢ الحديث ٣٧٩.

٢٥٨

فإن غسلته في ماء جار فمرّة واحدة» (١).

وفي الموثّق : عن الكوز والإناء يكون قذرا كيف يغسل؟ قال : «ثلاث مرّات ، يصبّ فيه الماء فيحرّك فيه ثمّ يفرغ منه ذلك الماء ، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه ثمّ يفرغ منه ذلك الماء ، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه ثمّ يفرغ منه وقد طهر» (٢).

والأكثر على نجاسة ما دون الكرّ من الراكد بمجرّد الملاقاة ، لمفهوم الصحيحين : «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شي‌ء» (٣) ، ولظاهر الآخرين (٤) ، عدا ماء الاستنجاء ، لورود الصحاح بعدم انفعاله (٥) ، وللإجماع.

وهذه الصحاح مؤيّدة لنا ، ولا يعارض المفهوم المنطوق ، ولا الظاهر النصّ ، مع أنّ أقصى ما يدلّ عليه هذا المفهوم تنجّس ما دون الكرّ بملاقاة شي‌ء ما لا في كلّ نجاسة ، فيحمل على المستولية جمعا ، فيكون المراد لم يستول عليه شي‌ء حتّى ينجس ، أي : لم يظهر فيه النجاسة ، فيكون تحديدا للقدر (٦) الذي لا يتغيّر بها في الأغلب.

ويحتمل أن يكون المراد به الاجتناب التنزيهي ، واستحباب التجنّب عنه من غير ضرورة إليه ، كما يشعر به الحسن السابق (٧) ، وكذا القول في

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٧ الحديث ٣٩٦٦.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٩٦ الحديث ٤٢٧٦.

(٣) وسائل الشيعة : ١ / ١٥٨ الحديث ٣٩١ و ٣٩٢.

(٤) انظر! وسائل الشيعة : ١ / ١٥٠ الباب ٨ من أبواب الماء المطلق.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٢٢١ الباب ١٣ من أبواب الماء المضاف والمستعمل.

(٦) في بعض النسخ : تحديد المقدار.

(٧) وسائل الشيعة : ١ / ١٥٢ الحديث ٣٧٩.

٢٥٩

الصحيحين الأخيرين الظاهرين ، ويؤيّده اختلاف النصوص الواردة في تقدير الكرّ (١) ، إذ الوجوب لا يقبل الدرجات بخلاف الاستحباب.

وقد اعترف جماعة منهم بمثل ذلك في ماء البئر (٢) ، على أنّ المستفاد من الصحاح المستفيضة أنّ الماء الذي يستعمل في الطهارة من الحدث والشرب في حالة الاختيار لا بدّ له من مزيد اختصاص في الطيبة (٣) ، ولا سيّما الذي يستعمل في رفع الحدث ، وأقلّه أن لا يلاقي شيئا من النجاسات وإن قلّ ، وعلى هذا جاز حمل ما يدلّ على انفعال القليل بدون التغيير على المنع من استعماله اختيارا في أحد الأمرين خاصّة دون سائر الاستعمالات ، ويشهد لهذا ورود أكثره في الأمرين.

ومنهم من استثنى المستعمل في رفع الخبث مطلقا ، سواء في الاستنجاء وغيره ، وسواء في الغسلة الاولى أو غيرها (٤). وقيل : في غير الاولى خاصّة (٥).

وقيل : مع وروده على النجاسة خاصّة (٦). وقد ظهر مستندهم ممّا مرّ مع جوابه.

وقيل : وعدا ماء الحمّام إذا كانت له مادّة وإن لم يكن كرّا (٧).

__________________

(١) انظر! مختلف الشيعة : ١ / ١٨٣.

(٢) مدارك الأحكام : ١ / ٦١ ، الحدائق الناضرة : ١ / ٣٥١.

(٣) وسائل الشيعة : ١ / ١٣٧ الباب ٣ من أبواب الماء المطلق.

(٤) المبسوط : ١ / ٩٢ و ٩٣.

(٥) الخلاف : ١ / ١٧٩ المسألة ١٣٥.

(٦) الناصريّات : ٧٢ و ٧٣ المسألة ٣.

(٧) كشف اللثام : ١ / ٢٦٠.

٢٦٠