تبصرة الفقهاء - ج ٣

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-020-0
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٤٣٨

عليها وما لا يصحّ ، فإن أمكن تقويمه ليمكن تقسيط الثمن عليه وعلى العين صحّ البيع بالنسبة إلى العين ، وأخذ لها قسطها من الثمن وإلّا فالظاهر فساد البيع من أصله حسبما قلنا به فيما لا يقوم من الضمائم إلّا أن يعيّن ما بإزائه من الثمن في نفس العقد فيبطل فيه ويصحّ في غيره كما أشرنا إليه.

رابعها : لو كانت الضميمة الّتي لا يصحّ بيعها غير مقصودة بالبيع ، بل جعلت تابعة للمبيع فإن لم يكن مانع من أتباعها كضمّ غير المقدور على تسليمه إلى المقدور أو غير الموجود إلى الموجود كثمرة البستان قبل ظهورها وغير (١) المعلوم إلى المعلوم ، فالظاهر صحّة البيع بتمام الثمن وصحّة الاتباع ، فيكون ذلك للمشتري على فرض حصوله وإن كان ممّا لا يصحّ اتباعه لتحريمه كاتباع الخمر والخنزير وآلات اللهو ونحوها من المحرّمات ففيه وجهان : صحّة البيع بجميع الثمن وسقوط التابع لفساده ، وفساد البيع من أصله فإنّه بمنزلة الشرط الفاسد [ .. ] (٢).

فيمكن الاستناد إليها للحكم بالجواز مطلقا ؛ نظرا إلى عدم ظهور قول بالفصل بين متقدمي الأصحاب.

وهي صريحة في الدلالة على فساد القول بالمنع مطلقا ولو بالنسبة إلى الطعام.

وبعد فساده يتعين القول بالجواز حسبما دلّت عليه الروايات المتقدّمة لضعف القول بالتفصيل المذكور ، وعدم مساعدة لفتوى له نظرا إلى ندور قائله وحدوث القول به بين المتأخرين بملاحظة الأخبار المذكورة.

فمن تلك الروايات صحيحة منصور بن حازم : « إذ اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتى يقبضه إلّا أن توليه » (٣).

ومنها : صحيحة علي بن جعفر : عن الرجل يشترى الطعام أيصلح بيعه قبل أن يقبضه؟ قال : « إذا ربح لم يصلح حتّى يقبض وإن كان يوليه فلا بأس » (٤).

__________________

(١) في ( د ) : « أو غير ».

(٢) في ( د ) : بياض في الأصل.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٢٠٦ ، باب البيوع ح ٣٧٧٢.

(٤) تهذيب الأحكام ٧ / ٣٦ ، باب بيع المضمون ح ٤١.

٣٨١

وبمعناه سؤال آخر له عنه عليه‌السلام.

ومنها : صحيحة أخرى عن الرجل : يبيع المبيع قبل أن يقبضه ، فقال : « إن يكن (١) كيل أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه إلّا أن توليه » (٢).

ومنها : الموثق عن القوم يدخلون السفينة يشترون الطعام فيتساومون بها ثمّ يشتريه رجل منهم فيسألونه فيعطيهم (٣) ما يريدون من الطعام فيكون صاحب الطعام هو الذي يدفعه إليهم ويقبض الثمن؟ قال : « لا بأس ما أراهم إلّا قد شركوه » (٤).

ويعضد ذلك أيضا ما دلّ على جواز بيع أحد الشركاء حصّة من الطعام من شريكه قبل قبضه بربح ، ففي موثقة سماعة عن الرجل يبيع الطعام أو الثمرة وقد كان اشتراها ولم يقبضها؟ قال : « لا حتى يقبضها إلّا أن يكون معه قوم يشاركهم ، فيخرجه بعضهم من نصيبه عن شركته بربح » (٥) .. الخبر.

إذ لم نجد قائلا ذهب إلى التفصيل المذكور ، فيتعيّن حمل منعه الأوّل على الكراهة كسائر الأخبار المانعة ، مضافا إلى عدم صراحة شي‌ء منها في التحريم.

ويؤيد ذلك رواية أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اشترى طعاما ثم باعه قبل أن يكيله؟ قال : « لا يعجبني أن يبيع كيلا أو وزنا قبل أن يكيله أو يزنه إلّا أن يوليه كما اشتراه إذا لم يربح فيه أو يضع » (٦) فإن قوله « لا يعجبني » ظاهر في الكراهة كمال الظهور ، وهي في الحقيقة بعد اعتضادها بما ذكر دليل على المطلوب.

ويومي إلى ذلك أيضا جواز إحالة الديّان إليه قبل قبضه كما ورد في الصحيح ؛ إذ هو في

__________________

(١) في ( د ) : « ما لم يكن ».

(٢) تهذيب الاحكام ٧ / ٣٥ ، باب بيع المضمون ح ٣٤.

(٣) في ( ألف ) : « فيعطهم ».

(٤) الكافي ٥ / ١٨٠ ، باب شراء الطعام وبيعه ح ٩.

(٥) تهذيب الأحكام ٧ / ٣٦ ، باب بيع المضمون ح ٤٠.

(٦) في ( ألف ) : « يصنع ». تهذيب الأحكام ٧ / ٣٧ ، باب بيع المضمون ح ٤٢.

٣٨٢

معنى منعه (١) منه.

حجة القول بالمنع مطلقا عدّة من الأخبار :

منها : الصحيح ، وفيه بعد الحكم بجواز بيع قبل قبضه : « إنّ هذا ليس بمنزلة الطعام ، إنّ الطعام يكال » (٢).

ومنها : الصحيح ، قال أمير المؤمنين [ عليه‌السلام ] : « من احتكر طعاما أو علفا أو ابتاعه بغير حكرة وأراد أن يبيعه فلا يبعه حتّى يقبضه ويكتاله » (٣).

ومنها : ما رواه الحميري بإسناده إلى علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل اشترى مبيعا كيلا أو وزنا هل يصلح بيعه مرابحة؟ قال : « لا بأس ، فإن سمّى كيلا أو وزنا فلا يصلح بيعه حتى يكيله أو يزنه » (٤).

وقد ورد المنع من بيع الطعام قبل قبضه في عدّة أخبار كالصحيح في الرجل يبتاع الطعام ثمّ يبيعه قبل أن يكال؟ قال : « لا يصلح له ذلك » (٥).

وفي الصحيح أيضا في الرجل يبتاع الطعام ثمّ يبيعه قبل أن يكتاله؟ قال : « لا يصلح له ذلك » (٦) ولا يبعد اتّحاد الخبرين ؛ لاتحاد الراوي والمروي عنه.

نعم ، روى الآخر غيره في الموثق ، عن الصادق عليه‌السلام أيضا قال : « لا يبعه (٧) حتى يكله » (٨) (٩).

__________________

(١) زيادة : « منعه » من ( د ).

(٢) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٢١٧ ، باب البيوع ح ٣٨٠٥.

(٣) تهذيب الاحكام ٧ / ٣٧ ، باب بيع المضمون ح ٤٣.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ / ٧٠ ، باب جواز بيع المبيع قبل قبضه على الكراهة ح ٢٢.

(٥) الكافي ٥ / ١٧٨ ، باب شراء الطعام وبيعه ح ٢.

(٦) تهذيب الأحكام ٧ / ٣٦ ، باب بيع المضمون ح ٣٧.

(٧) في ( د ) : « لا تبعه ».

(٨) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٢١٠ ، تهذيب الأحكام ٧ / ٣٦ ، باب بيع المضمون ح ٣٨.

(٩) في ( د ) : « تكيله ».

٣٨٣

وفي الموثق عن الرجل يبيع الطعام أو الثمرة وقد كان اشتراها ولم يقبضها؟ قال : « لا حتى يقبضها » (١).

وورود (٢) بعض الروايات المذكورة في خصوص الطعام لا يفيد اختصاص الحكم به ، فإطلاق ما دلّ على المنع في غيره كاف في إثباته غاية الأمر أن تكون الأخبار المذكورة دليلا على المنع في غير الطعام.

وأنت خبير بأنّه ليس شي‌ء من الروايات المذكورة صريحة في التحريم سيّما ما اشتمل على نفي الصلاح.

والأولى حمل الجميع على الكراهة ؛ جمعا بينها وبين ما دلّ على الجواز ممّا عرفت.

وممّا ذكرنا تعرف حجّة القول باختصاص الحكم بالطعام ، فإنّ عدة من الأخبار المذكورة قد اشتملت على المنع في خصوص الطعام ، فيبقى غيره على أصالة الجواز ، وما دلّ إطلاقه على المنع في غيره أيضا محمول على الكراهة جمعا أو على خصوص الطعام حملا للمطلق على المقيّد.

مضافا إلى ما أشرنا إليه من الإجماعين المنقولين عليه.

ويدفعه أنه لو بنى على حمل النهي في المقام على الكراهة جرى في الجميع فيبعد حمل بعضها على الكراهة والبعض على التحريم من غير قيام شاهد على الفرق.

وليس المقام من موارد حمل المطلق على المقيّد حتّى تنزل الإطلاقات على ذلك.

مضافا إلى ذكر خصوص العلف في بعض الصحاح المتقدّمة ، وليس مندرجا في الطعام قطعا.

والاجماع المنقول موهون بمصير كثير من الأصحاب من القدماء والمتأخرين إلى خلافه.

مضافا إلى معارضته بالصحاح المستفيضة وغيرها ممّا يفيد الجواز في الجملة ، كما مرّت الإشارة إليها.

حجة التفصيل : الصحاح المستفيضة وغيرها ممّا دلّ على التفصيل المذكور ، وقد مرّت

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٧ / ٣٦ ، باب بيع المضمون ح ٤٠.

(٢) في ( ألف ) : « وورد ».

٣٨٤

الإشارة ) (١) إلى جملة منها.

وما عرفت من الإطلاقات المانعة عن بيع الطعام قبل القبض مطلقا ينزل عليه ، حملا للمطلق على المقيد.

ويدفعه متروكيّة القول بذلك بين الأصحاب حتّى أنّه لا يعرف من يفتي به من قدماء الأصحاب ، وإنّما ذهب إليه بعض المتأخرين ؛ نظرا إلى صحّة الأخبار الدالّة عليه.

وقد عرفت أنّ الأظهر حملها على الكراهة جمعا بين الأدلّة ، مضافا إلى عدم صراحتها في التحريم.

[ تنبيهات ]

وينبغي التنبيه على أمور :

منها : أنّه هل يجري الحكم المذكور بالنسبة إلى الثمن أيضا ، فيحرم أو يكره بيعه قبل القبض إذا كان مكيلا أو موزونا أو كان طعاما؟ وجهان من أنّ العوضين بمنزلة واحدة بل قد يدّعى صدق المبيع عليه كما مرّ ، ولظاهر إطلاق بعض الأخبار المتقدّمة ، ومن اختصاص معظم أخبار الباب بالمبيع قبل القبض.

وصدقه على الثمن بعيد عن الاستعمالات العرفيّة ، فلا يندرج في الإطلاق.

والرواية المذكورة لا تصريح فيها بذلك ، غايته إطلاق ضعيف ، وإثبات الحكم المذكور به مع خلو الفتاوى عنه مشكل ، سيّما على القول بالتحريم.

وهل يجري الحكم المذكور فيما ينتقل إلى البائع بغير البيع من ساير الوجوه الناقلة كالصلح والإجارة والإرث؟ وجهان ؛ من شمول إطلاق بعض الأخبار الماضية وخلوّ غيره من الأخبار الكثيرة وظاهر فتاوى الأصناف (٢) عنه.

وهل يجري ذلك في نقله إلى الغير حينئذ بغير البيع من الهبة والصلح ونحوهما أو يختص

__________________

(١) ما بين الهلالين أدرجت في المتن من ( د ).

(٢) كذا في ( ألف ) و ( ب ) ، ومشوش في ( د ) ، ولعله : « الأصحاب ».

٣٨٥

ذلك بالبيع قبل القبض؟ الظاهر الثاني لاختصاص الأدلّة به ، فيؤخذ حينئذ الأصل السالم عن المعارض في غيره.

ومنها : أنّ المذكور في عدّة من الأخبار إناطة الحكم المذكور تحريما أو كراهة بوقوع البيع قبل القبض ، وفي جملة منها إناطته بالوقوع قبل الكيل أو الوزن.

فإن قيل بكون (١) القبض في المكيل والموزون هو الكيل والوزن فلا كلام ، وإلّا فقد يشكل الحال فيما هو المناط في المقام من الأمرين المذكورين.

والظاهر إناطة الحكم بالقبض كما هو المذكور في كلام الأصحاب ، وفي كثير من الأخبار المذكورة.

وكأنّ ذكر الكيل أو الوزن في جملة منها مبنيّ على ما هو الغالب من اقتران القبض بالكيل أو الوزن.

وفي صحيحة محمّد بن قيس المتقدّمة « فلا يبيعه حتّى يقبضه ويكتاله » فيستفاد منها اعتبار الأمرين.

وربّما يجعل ذلك وجها في الجمع بين الأخبار ، ولا يبعد أيضا حمله على الغالب من المتعارف بين الأمرين.

والأحوط مراعاتهما معا.

وفي الموثق كالصحيح : اشترينا طعاما فزعم صاحبه أنّه كاله فصدّقناه وأخذناه بكيله؟

فقال : « لا بأس ». فقلت : أيجوز أن أبيعه كما اشتريته بغير كيل؟ قال : « لا أمّا أنت فلا تبعه حتّى تكيله » (٢).

( وربّما يستفاد منه عدم الاكتفاء بمجرّد القبض ؛ إذ قد فرض في السؤال أخذه بما ذكر البائع من الكيل ) (٣).

__________________

(١) في ( د ) : « يكون ».

(٢) تهذيب الأحكام ٧ / ٣٧.

(٣) ما بين الهلالين لم ترد في ( ألف ).

٣٨٦

وذكر بعضهم هذه الرواية في أدلة القول بالمنع ، والصواب أنّها لا ترتبط بالمقام ؛ إذ المراد بها عدم جواز البيع بالكيل الذي أخبره البائع من غير بيان الحال لما فيه من التدليس ، فلا بدّ من أن يكيله للمشتري الثاني ، ولا يراد به المنع من بيعه حتّى يكيله لنفسه كما هو الملحوظ في المقام.

ومنها : أنّ المراد بالمكيل والموزون هنا ما ذكر سابقا في مسألة اعتبار الكيل والوزن فيما يكال أو يوزن ، فإمّا أن يرجع فيه إلى عادة المحلّ أو إلى زمان الشارع إلى غير ذلك ممّا فصّل القول فيه هناك.

ومع البناء على الرجوع أو إلى المعتاد فلو بيع تارة جزافا وأخرى بالكيل والوزن في محلّ واحد ، فهل يرجّح جانب الجواز أو المنع؟ وجهان؟ كأنّ أظهرهما الأوّل ؛ أخذا بالأصل بعد التأمل في انصراف المكيل والموزون إليه.

ومنها : أنّ الطعام قد يراد به مطلق المطعوم ، فيشمل ساير المأكولات. وقد يراد به الحنطة والشعير ، ولا يبعد أيضا إطلاقه على خصوص الحنطة.

وكأنّ الأظهر في المقام حمله على أحد الأمرين (١).

ولو أريد به الأوّل فلا بدّ من تقييده بخصوص المكيل والموزون كما يستفاد من غيرها.

ومنها : أنّه لا فرق في الحكم المذكور بين كون المبيع في قبض البائع الأوّل أو غيره مع بيعه ممّن (٢) هو في يده أو غيره.

ولو كان القابض وكيلا عن المشتري في القبض ونوى القبض عنه كفى في قبضه من غير إشكال.

ويحتمل الاكتفاء باستمرار القبض من غير حاجة إلى نيّة القبض عنه إذا لم ينو خلافه.

ومن ذلك يعرف الحال فيما لو كان المشتري وليّا على المالك أو وكيلا عنه ، فكان المال في يده فباع من نفسه ، فإنّ مقبوضيّة المال له كافية في حصول القبض من غير حاجة إلى تجديد

__________________

(١) في ( د ) : « الاخيرين ».

(٢) في ( د ) : « عمّن ».

٣٨٧

القبض.

وفي توقفه على نيّة القبض من نفسه احتمال.

ومنها : أنّه مع البناء على كون النهي المذكور للكراهة لا إشكال في صحّة البيع.

وأمّا على القول الآخر فهل يقتضي النهي بفساده أو أنّه إنّما يحرم البيع من دون فساد؟ وجهان ، أظهرهما الأوّل بناء على ما تقرّر من كون النهي في المعاملة قاضيا بفسادها إن كان تعلّقه بها لأجل المعاملة كما هو الحال في المقام.

وحينئذ فهل يفيد التحريم ليكون ذلك حراما أصليّا أو أنّ المقصود به بيان الفساد من دون حصول التحريم إلّا من جهة التشريع لو أريد إيقاع البيع الشرعي؟ وجهان ، أظهرهما الأخير.

ومنها : أنّه لو باعه الفضول (١) وهو غير مقبوض للمشتري الأول ، فأجازه بعد القبض فهل العبرة حينئذ بحال الإجازة أو حال وقوع العقد؟ وجهان.

وقد يفرع ذلك على كون الإجازة كاشفة أو ناقلة ، فعلى الأوّل ينبغي البناء على الثاني ، وعلى الثاني يتقوّى الحكم بالأوّل.

ويجري ذلك فيما لو اشتراه الفضول ، وقد صار مقبوضا للبائع عند إجازة المشتري.

ومنها : أنّ ظاهر الصحاح المستفيضة ـ بناء على حملها على ما اخترناه ـ عدم كراهة التولية حينئذ لكن لو قيل بها من جهة الخروج عن شبهة الخلاف لم يكن بعيدا.

وكيف كان ، فالأمر في التولية سهل.

وقد يلحق به ما إذا باع حصّته (٢) من أحد الشركاء ولو بربح حسبما دلّت عليه الموثقة المتقدّمة.

ولم أقف على من نبّه عليه.

وفي جريان ذلك في الوضعية أيضا وجه ؛ نظرا إلى مفهوم الصحيحة المذكورة من

__________________

(١) في ( ألف ) : « الفضولي ».

(٢) في ( د ) : « حصة ».

٣٨٨

قوله عليه‌السلام : « إذا ربح فلا تبع حتّى يقبضه ».

وفيه : أنّه معارض بمفهوم ما ذكر بعده (١) من قوله « وإن كان يوليه » (٢) .. إلى آخره.

مضافا إلى قضاء الإطلاقات بالمنع خصوصا ما ذكر فيه استثناء التولية خاصّة ؛ إذ لو جرى ذلك في الوضعية لذكرت معها ، وندور الوضيعة بحيث تنصرف (٣) الإطلاقات عنها غير ظاهر ، فالبناء على شمول المنع تحريما وكراهة للوضيعة أولى سيّما مع ذكر الوضيعة مع المرابحة في الموثقة المتقدمة.

ومنها : أنّه لا فرق في الحكم المذكور بين ما إذا كان المبيع عينا خارجيّة أو كليّا في الذمّة كما هو ظاهر إطلاق الأصحاب ومعظم روايات الباب.

وربّما يتوهّم انصراف الإطلاقات إلى بيع الأعيان الخارجيّة ، فلا يجري الحكم في بيع الأعيان المضمونة في الذمّة.

وهو ضعيف ، وعلى فرض انصراف الإطلاقات إلى ما ذكر فلا يبعد جريان الحكم في الأعيان الذميّة بطريق أولى.

خامسها : أنّه اختلف كلمات الأصحاب في بيان معنى القبض وما يحصل به ذلك بالنسبة إلى المنقول وغير المنقول على أقوال عديدة.

وحيث إنّه أنيط به عدة من الأحكام الشرعيّة في مباحث البيوع وغيرها كان الأولى تفصيل القول فيه والكشف عن مبانيه ، فنقول :

لا خلاف ظاهر (٤) في كون القبض بالنسبة إلى غير المنقول هو التخلية.

وفي الغنية (٥) حكاية الإجماع عليه.

__________________

(١) في ( ألف ) : « بعد ».

(٢) تهذيب الأحكام ٧ / ٣٧ ، باب بيع المضمون ح ٤١.

(٣) لم ترد في ( ب ) : « بحيث تنصرف .. وكراهة للوضعية ».

(٤) في ( د ) : « ظاهرا ».

(٥) غنية النزوع : ٢٢٩.

٣٨٩

وكذا في التنقيح نقلا عن المحقق في احتجاجه على ما ذهب إليه.

وفي مجمع الفائدة (١) : لا يبعد عدم النزاع في الاكتفاء بالتخلية فيما لا ينقل.

وفي الرياض (٢) حكاية الاتفاق عليه ، وقد نصّ بالإجماع عليه أيضا.

والمراد بالتخلية على ما فسّرها في الروضة (٣) هو رفع المانع للمشتري من القبض بالأذن فيه ورفع يده ويد غيره عنه ، وإن كان استشكل ذلك بأنّ المفروض كون التخلية قبضا فكيف يصحّ تفسيره برفع المانع عن القبض ؛ إذ مجرد رفع المانع عن الشي‌ء لا يكون عين ذلك الشي‌ء.

ويمكن دفعه بأنّ المراد بالقبض المأخوذ في الحدّ غير ما يراد في المقام ، فإنّ المراد (٤) منع اليد عليه والتصرف فيه أو يقال ملازمه (٥) رفع المانع عن القبض على الوجه المذكور لحصوله.

وكيف كان ، فيعتبر في التخلية أمور ثلاثة :

أحدها : رفع يده عنه.

والثاني : رفع يد الغير عنه إن كان.

الثالثة : الاذن له في التصرفات.

والمراد برفع يده عنه رفع سلطنته عليه بتركه (٦) والاعراض عنه. وهو ممّا يحصل بفعل البائع وقصده وإظهاره للمشتري ، فلا يكتفي برفع يده في الواقع عن غير إظهاره للمشتري ولا بإظهاره من دون رفعه.

والظاهر أنّه يعتبر فيه رفع يده عن العين والمنافع معا ؛ إذ وضع يده على المنافع وضع يد على العين.

وقد يشكل فيما إذا كان المبيع مشغولا بملك البائع ؛ فانّه قد مرّت الإشارة إلى أنّه لا يمنع من

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ٨ / ٥١١.

(٢) رياض المسائل ٨ / ٢٣٧.

(٣) الروضة البهية ٣ / ٥٢٤.

(٤) في ( د ) زيادة : « به ».

(٥) في ( ألف ) : « ملازمة ».

(٦) في ( د ) : « سلطنة بتركه عليه ».

٣٩٠

حصول القبض ، وقد نصّ عليه الجماعة مع أنّ اشتغال المكان به استيلاء من البائع على المنفعة الخاصّة واستيفاء لها ، فلا يجامع ذلك حصول القبض على الوجه المذكور.

وقد يقال حينئذ : إنّ اشتغاله بملكه إن كان على سبيل القهر والاستيلاء وعدم تسليط المشتري على التفريغ (١) فالأمر كذلك ، ولا نسلّم حصول التخلية منه بالنسبة إلى القدر المشغول كما يشهد به العرف إلّا إذا كان ممّا لا يعتدّ به عرفا.

ولا يمانع استيلاء المشتري على المال كما إذا وضع فيه كتابا أو ربط فيه شاة ونحو ذلك ، فلا يمنع ذلك من صدق التخلية سواء كان ذلك على وجه الاستحقاق أو لا.

وأمّا إن سلطه على التفريغ (٢) ووكّل الأمر إلى اختياره بلا مدافعة له بالنسبة إلى العين ولا المنافع فلا مانع من تحقّق القبض ، فالمقصود بما مرّ عدم المنافاة بين القبض واشتغال المبيع بمال البائع أو غيره في الجملة ، لا حصول القبض ، مع الاشتغال بأيّ وجه كان ؛ لوضوح فساده.

ولو شرط على المشتري بقاء المبيع عنه مدّة معلومة أو استيفاء منافع العين لنفسه مدّة معينة فقد (٣) مرّ أنّه لا يتسلّط المشتري على تسلّم العين ، أمّا في الأوّل فظاهر ، وأمّا في الثاني فلما أشرنا إليه من أنّ الظاهر استحقاق البائع إبقاء (٤) العين في يده من جهة استيفاء منافعه المتعلّقة به على نحو استحقاق المستأجر للعين المستأجرة.

وحينئذ فليس للبائع منع المشتري من التصرفات المتعلّقة بالعين من البيع والصلح والوصية ونحوها ، ولا المتعلقة بالمنافع بالنسبة إلى الزمان المضروب.

وهل يعدّ ترخيصه في ذلك وإيكال الأمر إليه فيها تخلية من غير أن يسلّطه على نفس العين بالدخول والخروج والسكنى فيه (٥) ونحوها من التصرفات؟ وجهان.

__________________

(١) في ( ألف ) : « التفريع ».

(٢) في ( ألف ) : « التفريع ».

(٣) في ( ألف ) : « قد ».

(٤) في ( ب ) : « البقاء ».

(٥) في ( د ) : « منه ».

٣٩١

والأظهر عدم صدق التخلية حينئذ.

ويشهد له صريح حكم العرف. وهو الظاهر من التفسير المتقدم.

نعم ، لو سلّطه حينئذ على العين بالوجه المذكور كان قبضا قطعا وإن لم يستحقّه المشتري حينئذ ، فيتبعه أحكامه.

ومنعه البائع من التصرف في المنفعة المستحقّة له بنقله إلى الغير ونحوه لا ينافي تخلية العين.

هذا ، ويجري ما ذكرناه في رفع يد البائع عن المبيع بالنسبة إلى رفع يد الغير أيضا وإن كان له يد عليه سواء كانت يده عادية كالغاصب إذا كان مانعا (١) من التصرفات المتعلّقة بالعين أو المنفعة أو كانت غير عادية كالمستأجر والموصي بمنافعه مدّة معيّنة ونحوهما ، فلا فائدة إذن في رفع يد البائع عنه في عدم تمكن الآخر من تصرفه في العين واستيلائه عليها.

ومجرّد تسلط (٢) البائع على التصرف في العين بالبيع ونحوه ممّا لا ينافي حقّ المستأجر أو الموصى له مثلا أو لا يضايقه الغاصب أيضا بعد تخلية العين (٣) عرفا مع حصول المنع المفروض.

ويلوح من التذكرة القطع بعدم حصول القبض بمجرّد ذلك ، ولذا لم يجوّز وقف العين الموجرة من دون إذن المستأجر في القبض.

[ و ] ربّما يتخيّل حصول القبض بتسليط المشتري على التصرفات المتعلّقة بالعين حسبما ذكر ؛ نظرا إلى استقلال (٤) البائع بذلك ، وكون المبيع في يده بحسب الحقيقة دون المستأجر ؛ فإنّ يده تابعة ليد الموجر ، فإذا فوّض الأمر إلى المشتري وجعله مكان نفسه في التصرفات المتعلّقة بالعين أو المنافع بالنسبة إلى ما بعد زمان الإجارة مثلا فقد اشتغل بذلك يد المشتري على العين ، وكان ذلك قبضا للمبيع ؛ إذ ليست حقيقة القبض إلّا استقلال اليد على العين.

__________________

(١) في ( ألف ) : « نافعا ».

(٢) في ( د ) : « تسليطه ».

(٣) ليس في ( د ) : « العين ».

(٤) في ( د ) زيادة : « يد ».

٣٩٢

والحاصل أنّه قد كان العين أوّلا في يد البائع فجعلها في يد (١) المشتري بتفويضه الأمر إليه ، فصارت مفوّضة له حاصلة تحت يده.

ويدلّ على كون العين [ في ] يد البائع حينئذ مع كونها عند المستأجر في الفرض المذكور أنّه (٢) لو ادّعى المستأجر أو غيره تملك العين كان القول قول الموجر وكان منكرا عليه الحلف عند عجز الآخر عن إقامة البيّنة ، ولو تعارضت البينتان كان الموجر داخلا والآخر خارجا قطعا.

ولو أخّر (٣) الموجر بالعين مضى إقراره فيها دون المنافع المتعلّقة بالمستأجر.

وذلك كلّه من الشواهد على كون العين في يد البائع ، فإذا سلّمها كذلك إلى المشتري كان إقباضا له حسبما ذكرنا.

وأنت خبير بوهن ذلك ؛ لابتنائه على عدم الفرق بين القبض واليد ، وبينهما بون بعيد ، فإن حصل حصول اليد الشرعي على المال غير مقبوضيّة المال (٤) ويمكن الانفكاك بينهما من الجانبين فقد يحصل (٥) المقبوضيّة من دون اليد كما في المغصوب (٦) والمستأجر إذا قبضه المستأجر (٧).

وقد يكون اليد حاصلا من دون حصول القبض كالفرض المذكور بالنسبة إلى المغصوب (٨) به والموجر ، وقد يجتمعان ، وهو ظاهر.

وما ذكر من الأحكام إنّما يتبع حصول اليد دون صدق القبض ، ودعوى كون القبض هو

__________________

(١) زيادة : « يد » من ( د ).

(٢) في ( ألف ) : « إذ ».

(٣) في ( د ) : « أقر ».

(٤) في ( د ) زيادة : « له ».

(٥) في ( د ) : « تحصل ».

(٦) في ( ب ) : « المنصوب » ، وفي ( ألف ) : « كان المنسوب » ، بدلا من : « كما في المغصوب ».

(٧) ليس في ( ب ) : « إذا قبضه المستأجر ».

(٨) في ( ألف ) : « المنسوب ».

٣٩٣

استقلال اليد على العين ممّا لا شاهد عليه في كلماتهم إن أريد به ما يشمل المذكور ، وإن أريد به استقلال اليد على العين بانتفاء المانع عن تصرفه فيه بالدفع والمنع وغيرهما من أنحاء التصرف فهو حسن إلّا أنّه غير حاصل في العين المستأجرة إذا لم يمكنه المستأجر من ذلك.

والعرف أقوى شاهد في المقام ؛ إذ لا يعد المال حينئذ إلّا في قبض المستأجر ، وتصرفه بعد دفع البائع إليه وجعل في تصرفه.

ويشهد لذلك ملاحظة الحال في المغصوب ؛ إذ مع كون اليد والثابت عليه شرعا يد المالك ولذا يمضي (١) أقاريره بالنسبة إليها ، وهو المنكر عند قيام المدّعي للعين ، ويكون بيّنته بينة الداخل عند تعارض البيّنتين إلى غير ذلك ، مع عدم كون العين مقبوضة له بالضرورة.

ومجرد تسليطه المالك على التصرفات المتعلقة بالعين من قبيل البيع والصلح والإصداق والهبة والوقف والإجارة بالنسبة إلى المدة الآتية ونحوها لا يعدّ تخلية مع كون العين في تصرف الغير ومنعه من استيلائه على نفس العين.

وكذا لو تصرف المشتري فيه على أحد الوجوه المذكورة ، وكون التصرف في العين قبضا لها وزيادة ممّا لم يقم عليه دليل على إطلاقه ، بل التصرف المفروض حاصل قبل القبض.

وقد أشرنا إليه في الفروع المتقدّمة.

وبين التصرف والقبض عموم من وجه أيضا كما لا يخفى على المشهور في العرف.

ويومي إلى ما ذكرناه من عدم حصول القبض بتسلّطه على المبيع على الوجه المفروض أنّه لو كان ذلك قبضا لم يكن للمشتري مطالبة البائع برفع يد المتصرف (٢) عنه بعد تسليطه البائع على التصرفات المفروضة ؛ لحصول القبض الواجب عليه.

ووجوب ذلك عليه ممّا لم يقم عليه دليل ظاهر سوى توقف القبض الواجب عليه حيث أخذ في التخلية رفع يده ورفع يد الغير عنه.

وأيضا لو اكتفى به في صدق القبض لكان التخلية على الوجه المذكور كافيا في صدق

__________________

(١) في ( ألف ) : « بمعنى ».

(٢) في ( د ) : « التصرف ».

٣٩٤

القبض ، وإن كان البائع هو المتسلّط على العين والمانع من تصرف المشتري فيه على النحو المفروض في المستأجر مع شهادة صريح العرف بعدم صدق التخلية كما مرّت الاشارة إليه.

وربّما يومي عبارة التذكرة بالاتفاق على عدم تحقّق القبض بذلك حيث نصّ على عدم لزوم وقف العين المستأجرة عندنا إلّا أن يقبضه بإذن المستأجر ، وحكم بصحّته عند بعض العامّة حيث لم يقل باعتبار القبض في الوقف.

هذا ، وهل يعتبر أن تكون التخلية على الوجه السائغ فلا عبرة بما وقع منها على الوجه المحرّم كما لو كان العين موجرة وحصل إقباض العين (١) من دون إذن المستأجر فلا بدّ من إذنه ليكون (٢) التسلط على الوجه السائغ أو يكتفى بمجرّد حصول التخلية ، والتسلط عرفا لم يكن على الوجه السائغ شرعا.

وقد نصّ غير واحد منهم على اعتبار إذن المستأجر في إقباض العين الموجرة ، وظاهر ذلك عدم حصول القبض المعتبر من دون الإذن.

وقد نصّ عليه في التذكرة (٣) في الوقف قال في وقف الأرض المستأجرة : أمّا عندنا فإن أقبضه بإذن المستأجر فلا بأس ، وإلّا لم يصح القبض ، ولا يثمر لزوم الوقف.

ويشكل ذلك بأنّ القبض ليس من العبادات لئلا يجتمع مع الحرام ، ولذا يصحّ إقباض العين في المكان المغصوب قطعا ، فبعد (٤) حصول القبض ولو على الوجه المحرّم يحصل المطلوب ، فلا وجه لاعتبار إذن المستأجر في تحقّقه ، وإنّما يعتبر ذلك في جواز الفعل ورفع الإثم عن المقبض والقابض ، وهو أمر آخر.

وقد يقال باختصاص ما ذكره بالوقف حيث إنه من العبادات ويعتبر فيها قصد التقرب ، فلا يجتمع مع الحرام.

__________________

(١) في ( ألف ) : « الغير ».

(٢) في ( ألف ) : « لكون ».

(٣) تذكرة الفقهاء ٢ / ٤٣٢.

(٤) في ( ألف ) : « بعد ».

٣٩٥

وفيه : أنّ اعتبار التقرّب بالنسبة إلى القبض الذي يعدّ من جملة شروطه غير ظاهر. أقصى الأمر اعتباره في نفس الوقف.

ويمكن دفع الإشكال بأنّ القبض في المقام إنّما يكون بتخلية العين ، ومع سلطان الآخر (١) على دفع القابض لا يتحقّق التخلية ، فتمكّنه منه على الوجه المحرّم لا يسقط حق الآخر حتّى يعد ذلك تخلية ، فلا بد من إذنه حتّى يتحقّق التخلية المطلوبة ، فليس اعتبار الإذن في المقام من جهة توقف الأمر على حصول القبض المباح ، بل لعدم حصول القبض في المقام من دونه ؛ نظرا إلى عدم ارتفاع المانع من قبل المستأجر ويمكن أن يفرّق بذلك بين القبض بالتخلية والحاصل بالنقل ، والمناولة هناك حاصلة وإن وقع على الوجه المحرّم بخلاف التخلية حسبما قرّرناه.

وأنت خبير بأن ذلك إنّما يتمّ إذا اعتبرنا في التخلية إزالة الموانع العرفيّة والشرعيّة ، وأمّا إن أريد بها إزالة الموانع العرفيّة وتمكين المشتري من التصرف في المبيع بحسب العادة وتسليطه عليه كذلك ـ كما هو الظاهر من العرف ـ فلا ، والمفروض حصوله في المقام.

ومن البيّن أنّه لا حقيقة شرعيّة في لفظ القبض ، وقد نصّ عليه جماعة من الأصحاب فلا بدّ من الرجوع (٢) إلى العرف ، ولا توقف في صدقه عرفا على إزالة الموانع الشرعيّة ، فلا دليل إذن على اعتبارها في تحقّق قبل القبض ، وحينئذ فلا فرق في ذلك بين القبض الحاصل في التخلية وغيرها.

ويجري الكلام المذكور بالنسبة إلى المرهون أيضا إذا أجاز المرتهن منعه بعد ذلك.

ومع البناء على اعتبار الاذن في المقام لا فرق بين علم المشتري بكونها مستأجرة أو مرهونة أو جهله بالحال ، فإذا دفعه البائع إليه وتصرف (٣) فيه مدّة ثمّ تلف قبل حصول الإذن كان من التلف قبل القبض ، وكان مضمونا على البائع.

ولا يخلو عن بعد.

__________________

(١) لم ترد في ( ب ) : « على دفع .. لا يسقط حقّ الآخر ».

(٢) في ( د ) زيادة : « فيه ».

(٣) لم ترد في ( ب ) : « إليه وتصرّف .. على البائع ».

٣٩٦

ثمّ إنّه يتفرع أيضا على الوجهين أنّه لو باع الفضولي عينا غير منقولة وحصل منه التخلية فضولا وتصرّف فيه المشتري مع علمهما أو أحدهما بالحال أو الجهل به وتلف العين باقية سماويّة ثمّ أجاز المالك بيعه وقبضه صحّ البيع واندرج في ضمان المشتري على الوجه المختار.

وعلى الوجه الآخر ينبغي عدّه من التلف قبل القبض ، نظرا إلى وقوع القبض من دون إذن المالك.

نعم ، قد يشكل الحال في المثال لعدم قيام دليل على جريان حكم الفضولي في الأفعال فيما عدا العقود والإيقاعات.

والظاهر أنّه لا مانع منه أيضا.

ولتفصيل القول فيه أيضا مقام آخر.

ثمّ إنّ ظاهر الحدّ المذكور توقف التخلية على رفع يد المالك والأجنبي عنه رأسا ، فلو بقي للغير سلطان التصرف في العين وسلّط المشتري عليه أيضا من غير أن يمانعه عمّا يريده من التصرفات لم يكن ذلك قبضا ؛ لعدم ارتفاع اليد عنه بالمرّة كما هو ظاهر الحد ، لكن في توقف صدق القبض عليه تأمّل سيّما إذا كان العين في تصرف المشتري يفعل به ما شاء وإن تصرّف فيه الآخر أيضا ، وثبت له يد عليه أيضا.

وقد يدرج ذلك في الحدّ بأن يراد به رفع (١) يده عنه على وجه يمانع تصرف الآخر لا مطلقا.

وهل يكفي في حصول التخلية على الوجه المذكور رفع يده ويد الغير عنه فإمّا خاصّة أو لا بدّ من رفعه بالمرّة؟ وجهان.

وعلى الثاني فلو أخذه منه بعد ذلك ولو بعد آن ما لم يمنع من صدق القبض من غير إشكال.

والفرق بينه وبين الصورة الأولى ظاهر ؛ لحصول التخلية هنا يقينا ، وأمّا في تلك الصورة

__________________

(١) في ( د ) : « دفع ».

٣٩٧

فقد يتأمل في صدق التخلية مع عدم البناء على تفويض الأمر إلى المشتري.

وهل يعتبر في حصول القبض بالتخلية قبول الآخر ذلك عند تخليته ورضاه بالتسلّط على ما سلّطه عليه؟ وجهان ؛ من قضاء ظاهر كلماتهم بتحقّق القبض في غير المنقول بمجرّد التخلية وظاهر الإجماعات المحكيّة المتقدّمة المعتضدة بذلك ، ومن عدم صدق القبض (١) بحسب العرف من دونه ؛ إذ لا يزيد القبض في غير المنقول على المنقول ، فكما أنّ المشتري قد لا يقبض هناك بعد إقباض البائع ، فكذا هنا.

ويمكن تنزيل كلامهم على ذلك أيضا ، فالمراد من تفسير القبض بالتخلية عدم الحاجة إلى غيرها من أحد الأمور الّتي يقال بأخذها في قبض المنقول ، لا عدم الحاجة إلى تلقّي الآخر وقبوله له ، فكأنّهم سكتوا عنه لوضوحه.

وقد يتوهم الفرق بين الإقباض والقبض ، فيحصل الإقباض في المقام من دون القبض ، فيكون مقصود الأصحاب حصول الإقباض الواجب على البائع لحصول ذلك وإن لم يحصل القبض من المشتري من دون قبول.

وضعفه ظاهر ؛ لوضوح عدم الانفكاك بين الأمرين ، فإنّ الإقباض فعل والقبض في معنى انفعاله ، ولا يعقل الانفكاك بينهما بل التغاير بينهما اعتباريّ على ما حقّق في محلّه.

والاقباض الخالي من (٢) القبض ما (٣) يتراءى من بعض الاستعمالات ليس إقباضا على وجه الحقيقة.

وربّما يتوهم كون القبض الواقع من البائع مغايرا في المعنى للقبض الحاصل من المشتري ، ولذا يصح إثبات أحدهما ونفي الآخر حيث يقال : أقبضه البائع فلم يقبضه المشتري ، فمفاده بالنسبة إلى البائع هو التخلية ، ولا يكتفى بها في حصول القبض من المشتري ، والأحكام تابعة للأوّل على ما قضت به الأدلّة.

__________________

(١) في ( د ) زيادة : « قطعا ».

(٢) في ( د ) : « عن ».

(٣) كذا ، والظاهر : « فيما ».

٣٩٨

وربّما يتخيّل أيضا اعتبار تصرف المشتري فيه في الجملة حتّى يتحقّق قبضه في العرف.

والجميع بمعزل عن التحقيق كما لا يخفى على المشهور.

ويدلّ على فساد الأخير أنّه مخالف لما أطبق عليه الكلّ ؛ إذ لم نر اعتباره في كلام أحد منهم ولا نقله نافل في القمام وغيره ، والاجماعات المحكيّة وفتاويهم المتطابقة تنادي بفساده.

وما ادّعي من عدم صدق القبض عرفا من دون ذلك مثله في الفساد ؛ إذ لا توقّف لصدق القبض على التصرف قطعا ، أقصى الأمر اعتبار قبوله للتسليط الواقع من الآخر وملاحظة نفسه مسلّطا على المبيع ، وأين ذلك من اعتبار التصرف فيه؟.

ثمّ إنّ الظاهر من كلام جماعة من الأصحاب أنّه مع تحقّق التخلية على الوجه المذكور يتحقّق القبض من غير فرق بين ما إذا كان المبيع حاضرا عندهما أو غائبا كائنا في بلد المبايعة أو في بلد آخر قريبا كان أو بعيدا.

واتّجه الشهيد الثاني (١) فيما لو كان المبيع بعيدا جدا بحيث يدلّ العرف على عدم صدق قبضه بالتخلية كما لو كان ببلاد أخرى اعتبار مضيّ زمان يمكن فيه وصول المشتري أو وكيله إليه.

وأنكر ذلك بعض المتأخرين كما يظهر من إطلاق آخرين حيث اكتفوا في صدق القبض في المقام بمجرّد التخلية.

وهو الظاهر من إطلاق الإجماعات المحكيّة.

وأنت خبير بأنّ بعد المبيع عن المتبايعين إن كان قاضيا بعدم صدق القبض فمضيّ الزمان المفروض ممّا لا يثمر صدقه أصلا ؛ إذ مع عدم مضيّ المشتري أو وكيله في تلك المدّة أيّ (٢) تفاوت بين مضي المدّة المفروضة وعدمه.

نعم ، لو اعتبر فيه مضيّ المشتري أو وكيله أو توكيله أحدا هناك اتّجه الفرق إلّا أنّه لم يقل به ، ولا يظهر اعتباره من غيره أيضا ، فاتّجه بذلك عدم اعتبار الأمرين.

__________________

(١) مسالك الإفهام ٣ / ٢٤٠.

(٢) زيادة : « أي » من ( د ).

٣٩٩

أمّا ما ذكره فبما عرفت ، وأمّا الثاني فلعدم ظهور قائل به ، بل الظاهر من العرف عدم الفرق بينه وبين التخلية المتعلّقة بالملك الّذي في مادة المبايعة ، فإذا ثبت صدق القبض بالتخلية فيما إذا كان المبيع حاضرا ثبت بالنسبة إلى البعيد أيضا.

نعم ، قد يحصل فرق بين الصورتين فيما إذا كان المبيع في البلد النائي (١) في يد وكيل المالك ، فإنّه على ما مرّ يتوقف حصول التخلية على ارتفاع يد الوكيل عنه أيضا بمجرّد رفع (٢) الموكّل يده من دون علمه بالحال لا يقضي بارتفاع يده ، فيتوقف حصول التخلية على إيصال الخبر إليه وقبوله ذلك ، وهو أمر آخر.

فلو لم يكن المبيع إلّا في يد البائع من غير أن تكون عليه يد آخر ولو تبعا ليده أو كان وكيله المتصرّف فيه حاضرا في المحلّ ورفع يده عنه ، فالظاهر صدق التخلية وحصول القبض في الحال من غير حاجة إلى أمر آخر.

وكأنّ الوجه فيما ذهب إليه الشهيد رحمه‌الله أنّ حقيقة القبض هو اندراج المبيع تحت يد القابض ، ومع بعد المسافة لا يندرج تحت يده بمجرّد تخلية المالك في ذلك المحلّ ، فلا بدّ إذن من مضي المدة المذكورة.

وضعفه ظاهر ؛ إذ لو تمّ ذلك لما كان في مجرّد مضيّ المدّة ما يجعله تحت يده من دون ذهابه أو ذهاب وكيله مثلا حسبما أشرنا إليه.

وهل يصحّ قبض المال المشترك فيما يكون قبضه بالتخلية من دون إذن الشريك؟ وجهان ، بل حكى في الروضة (٣) قولين.

وجه المنع أنّه تصرّف في ملك الشريك ، فلا يجوز إلّا بإذنه ، ووجه الجواز أنّ التخلية بالنسبة إلى حصّته لا يعدّ تصرّفا في حصة الآخر ، وإنّما هو رفع لسلطنة نفسه من (٤) حصّته

__________________

(١) في ( ألف ) : « الثاني ».

(٢) في ( ألف ) : « رفع يد » ، ولا معنى لزيادة « يد » بعد أن تكون العبارة الآتية « الموكّل يده .. ».

(٣) الروضة البهية ٣ / ١٧٦.

(٤) في ( د ) : « عن ».

٤٠٠