تبصرة الفقهاء - ج ٣

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-020-0
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٤٣٨

إلى الإجازة إن اكتفينا بمجرّد وقوع المعاملة من الولي في نفاذها للصبيّ إذا وقعت بعين ماله وإن لم يقصده ، وإلّا افتقر أيضا إلى الاجازة.

وفيه أيضا دلالة على ما بيّناه.

وذهب الفاضلان (١) في ظاهر كلامهما ، والمحقّق الأردبيلي في ظاهر كلامه ، والسيوري إلى أنّه لا زكاة في المقام. واختاره بعض أفاضل المتأخرين ؛ للأصل ، مع انصراف الأخبار بحكم التبادر (٢) إلى ما إذا كانت المعاملة من الولي للطفل ، فلا يندرج فيها ذلك.

وإن التعويل في إثبات الاستحباب على الإجماع ؛ لقوة احتمال جعل الروايات في مقام الجمع على التقيّة ، ولا إجماع في المقام ، فلا يصحّ التصرّف فيه بإخراج الزكاة.

وفيه : أن انصراف الإطلاقات إلى ما ذكر محلّ خفاء.

مضافا إلى ما عرفت من كون الصحيحة المتقدّمة وغيرها منصرفة إلى غير الصورة المذكورة قطعا.

والأظهر ورودها في خصوص المفروض في المقام.

وكون التعويل في المسألة على الإجماع دون الأخبار موهون بأنّه لا داعي إلى الإعراض عن الأخبار المذكورة مع وضوح إسناد غير واحد منها.

واندفاع المناقشة في دلالتها كما مرّ سوى حكاية موافقتها للعامة القاضية بقوّة حملها على التقية في مقام الجمع.

وحيث اعتضد احتمال حملها على الندب بالإجماع المذكور والشهرة العظيمة من الفرقة ترجّح الوجه المذكور. ومعه لا وجه للاقتصار على مورد الإجماع ، والإعراض (٣) عن الاحتجاج بتلك الأخبار.

وحينئذ فالقول بثبوت الاستحباب في المقام هو الأظهر كما حكي القول به عن

__________________

(١) لاحظ : كشف الرموز ١ / ٢٣٢.

(٢) لم ترد في ( ب ) : « بحكم التبادر ... على الإجماع ».

(٣) في ( ألف ) : « الاعراض ».

٢١

الشهيدين (١) والمحقق الكركي (٢) أن يكون الاتّجار من الولي الملي لنفسه بعد ضمانه مال الطفل.

وحينئذ فالمعروف أنّ الربح له والزكاة عليه ، أو هو حينئذ كسائر أموال التجارة ممّا يستحب فيه الزكاة.

وقد خالف الحلّي (٣) في المقام ، فلم يصحّح الضمان في المقام وجعل الربح لليتيم كالمسألة الآتية ، قال : ولا يجوز لمن اتّجر في أموالهم أن يأخذ الربح سواء كان في الحال متمكّنا من مقدار ما يضمن به مال الطفل أو لم يكن ، والربح في الحالين معا لليتيم.

وقد علّل ذلك أنّ الواجب على الولي (٤) مراعاة غبطة الصبيّ والأصلح بحاله ، فلا وجه لمراعاة غبطة (٥) نفسه.

وأنت خبير بما فيه ؛ إذ قد يعتبر في تصرف الولي مراعاة الغبطة كما إذا كان أبا أو جدّا ؛ بناء على الاكتفاء في تصرفاته بعدم الاشتمال على المفسدة حسبما يأتي الكلام فيه إن شاء الله.

ومع الغضّ عنه ، فقد يكون غبطة الصبيّ في ضمان المال كما إذا كان الخطر في بقاء المال عظيما ، وفائدة الاتّجار قليلة.

وأيضا فمن البيّن أنه لا يجب على الولي الاتّجار بمال الطفل. وحينئذ فلا ريب أن ضمانه للمال مع الملاءة احفظ لمال الصبيّ غالبا من بقائه حاله.

مضافا إلى النصوص المستفيضة الآتية المصرّحة بجواز الضمان مع الملاءة ، فلا ريب إذن في صحّة ضمانه.

ويتفرع عليه كون الربح له ، وثبوت زكاة التجارة عليه ، فما ذكره الحلي في غاية الضعف.

رابعها (٦) : أن يكون الاتّجار من الولي الغير الملّي نفسه بعد ضمانه لماله. وحينئذ فقد نصّ

__________________

(١) الشهيد الأول في الدروس ١ / ٢٢٩ والشهيد الثاني في مسالك الإفهام ١ / ٣٥٦.

(٢) جامع المقاصد ٣ / ٥.

(٣) السرائر ١ / ٤٤١.

(٤) في ( ألف ) : « الولي في ».

(٥) في ( ألف ) : « لحيطة ».

(٦) في ( د ) : « الرابعة ».

٢٢

جماعة بعدم صحّة ضمانه ، وضمانه للمال بمعنى تغريمه إيّاه مع تلفه كلّا أو بعضا وكون الربح للطفل ، ولا زكاة فيه.

أمّا عدم صحّة ضمانه للمال فلأنّه يعتبر الملاءة في ضمانه مال الطفل كما دلّت عليه النّصوص المستفيضة :

منها : الصحيح (١) : في رجل عنده مال اليتيم؟ فقال : « إن كان محتاجا ليس له مال فلا يمسّ ماله ، وإن هو اتّجر به فالربح لليتيم ، وهو ضامن ».

ومنها (٢) : القوي : عن مال اليتيم يعمل به؟ قال : فقال : « إذا كان عندك مال وضمنته فلك الربح وأنت ضامن للمال ، وإن كان لا مال (٣) لك وعملت به فالربح للغلام وأنت ضامن للمال ».

ومنها (٤) : الخبر : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، قلت : أخي أمرني أن أسألك عن مال يتيم في حجره يتّجر به؟ قال : « إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن تلف أو أصابه شي‌ء غرمه ، وإلّا فلا يتعرض لمال اليتيم ».

وهذه الروايات كما ترى غير شاملة للأب ؛ لفرض الحكم فيها في اليتيم ، وظاهر إطلاقها وإن عمّ الجد إلّا أنّها أظهر في غيره فاشتراط الملاءة في الأب بل الجد أيضا خال (٥) عن الدليل ، ولذا ذهب كثير من المتأخرين إلى عدم اشتراط الملاءة فيهما.

وعزاه في حواشي التهذيب إلى المتأخرين مؤذنا بإطباقهم عليه. وقد نصّ العلّامة في القواعد (٦) وتحرير الأحكام (٧) وغيرهما أن للأب اقتراض مال الطفل مع العسر واليسر.

__________________

(١) الكافي ٥ / ١٣١ ، باب التجارة في مال اليتيم ، ح ٣.

(٢) وسائل الشيعة ٩ / ٨٩ باب ان من اتجر بمال الطفل ، ح ٧.

(٣) في ( ألف ) : « كان مال ».

(٤) الكافي ٥ / ١٣١ ، باب التجارة في مال اليتيم ، ح ٤.

(٥) في ( ألف ) : « قال ».

(٦) قواعد الأحكام ٢ / ١٢.

(٧) تحرير الأحكام ١ / ٣٤٧.

٢٣

وقد عزا عدم اعتبار الملاءة فيهما في الحدائق (١) إلى الأصحاب من غير خلاف يعرف بينهم.

وعزاه في الرياض (٢) إلى كافّة المتأخرين.

واستشكل فيه في المدارك (٣) بعد أن عزاه إلى المتأخرين.

وظاهر المحقق الكركى (٤) عدم اعتبار الملاءة في خصوص الأب دون الجد.

والذي يقتضيه التأمل في المقام أن يقال : إنّه إن كان في بقاء مال الطفل في الخارج مفسدة عليه وكان ضمانه ولو من غير ملّي أقل فسادا من بقائه جاز ضمانه مع إعسار الولي إذا لم يتمكّن من تضمينه من موسر يوثق به أو يدفع وثيقة بازائه. والظاهر خروج ذلك عن مورد الرواية ؛ إذ لا شك في كونه حينئذ إحسانا للطفل وحفظا لماله عن التلف.

وإن كان في ضمانه ضرر على الطفل وتعريض ماله للتلف لم يجز ، ولو مع يسار الولي وإن كان أبا ؛ نظرا إلى قضاء الولاية بحفظ مال اليتيم عن التلف.

أمّا تعريضه لذلك وإن كان في تضمينه منفعة للطفل من غير أن يترتب مفسدة على عدمه فإن كان الولي مليّا فلا كلام ، وإن لم يكن مليّا فإن كان أبا جاز ذلك ؛ لكون التصرف المذكور على وفق المصلحة مع عدم اندراجه تحت ما دلّ على المنع.

وكذا الحال في الجدّ في وجه قويّ.

وإن لم يكن أبا ولا جدّا فظاهر الأخبار المذكورة المنع منه نظرا إلى انتفاء الملاءة وهو الظاهر من فتوى الأصحاب. ولا بأس به ، وإن كان قضيّة الأصل جواز تصرف الولي حينئذ ؛ لوجود المصلحة.

وإن لم يكن في ذلك مصلحة ولا يفسدة فإن كان الولي مليّا فظاهر إطلاق الأخبار

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١٢ / ٢٥.

(٢) رياض المسائل ٥ / ٣٦.

(٣) مدارك الأحكام ٥ / ١٩.

(٤) جامع المقاصد ٣ / ٥.

٢٤

المذكورة وكلام الأصحاب جواز الضمان من غير فرق بين أن يكون أبا أو جدّا أو غيرهما ، وإن كان قضية الأصل عدم الجواز لإناطة تصرّف الولي بالمصلحة ، والمفروض انتفاؤها (١).

وربّما ينزل الأخبار وكلام الأصحاب على ما هو الغالب من كون ضمان المال من المليّ أحفظ لمال الطفل من إبقائه على حاله ، فلو فرض تساويهما في الخارج لبعض الوجوه لم يجز ؛ جمعا بين القاعدة والأخبار المذكورة إلّا أن ذلك خروج عن ظاهر الإطلاق.

وإن لم يكن مليّا فإن لم يكن أبا أو جدّا فلا إشكال في المنع أخذا (٢) بظاهر القاعدة والأخبار المذكورة المعتضدة بفتوى الأصحاب ، وإن كان أبا أو جدا فظاهر إطلاق جماعة في المقام أيضا ذلك إلّا أنّ قضيّة إطلاق آخرين هو الجواز.

وقد عرفت إسناده إلى الأصحاب ، وكأنّه لعدم إناطة تصرّف الأب والجدّ بالمصلحة ، وإنّما المعتبر فيه انتفاء المفسدة بخلاف غيرهما من الأولياء.

ولا يخلو عن وجه ؛ أخذا بإطلاق الولاية ، وظاهر قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) : « أنت ومالك لأبيك » القاضي بجواز تصرّفه في مال الولد كيف ما كان ، خرج عنه ما ثبت خروجه ، فبقي الباقي ، فتدبّر.

ثمّ إنّ الولي في صورة اعتبار ملاءته في ضمانه لو كان معسرا ودفع رهنا بإزاء مال الطفل قوي القول بقيام ذلك مقام الملاءة ولو كان الرهن من مال غيره إذا بذله (٤) وكذا الحال لو ضمن عنه ملي يوثق به.

ويحتمل المنع ؛ أخذا بظاهر إطلاق الروايات ، وهو بعيد جدّا مع اقتضاء المصلحة ذلك.

وكما أنّه يعتبر الملاءة في الولي الضامن كذا يعتبر في غيره إذا أراد الولي تضمينه منه.

وحينئذ إذا اجتمعت الملاءة والمصلحة فلا إشكال ، ومع حصول الملاءة والخلوّ عن

__________________

(١) في ( ب ) : « بقاؤها » بدل : « انتفاؤها ».

(٢) في ( ألف ) : « أخذ ».

(٣) الكافي ٥ / ٣٩٥ ، باب الرجل يريد أن يزوج ابنته ويريد أبوه أن يزوجها رجلا آخر ، ح ٣.

(٤) في ( د ) زيادة : « له ».

٢٥

المصلحة والمفسدة فوجهان ؛ من قضاء ظاهر ما دلّ على جواز ضمان الولي مع الملاءة جوازه هنا أيضا ، ومن خروجه بإطلاق النصّ ، وقضيّة الأصل اعتبار المصلحة.

نعم ، لو كان الولي أبا أو جدا واكتفينا في تصرفاتهما بانتفاء المفسدة فلا إشكال.

ومع حصول المصلحة والخلو عن الملاءة وجهان أيضا ؛ من أنّه لا يزيد على ضمان الولي بنفسه ، ومن قضاء الأصل بالجواز ، فيقتصر فيما قضي بالمنع على مورده ، ولا يخلو عن بعد.

وأمّا ضمانه بعد ضمانه فظاهر بعد البناء على عدم جوازه ؛ لكونه تعدّيا في مال الطفل وخروجا عن مقتضى الأمانة من غير فرق بين ما إذا اعتقد عدم جواز التصرف المذكور أو جوازه ؛ لأنّ الضمان من الأحكام الوضعيّة الّتي لا يفترق الحال فيها بين الوجهين ، وإن انتفى عنه المعصية مع عدم تقصيره في استعلام المصلحة.

والظاهر حينئذ ضمانه بمجرّد ضمانه ونقله إلى ذمّته ، وإن لم يتصرف فيه خارجا بتجارة غيرها.

وقد يتأمّل فيما إذا كان ذلك مع اعتقاد الجواز ؛ نظرا إلى عدم تصرفه في المال بحسب الخارج ، ومجرّد بنائه على ضمانه لا يعدّ تصرّفا في المال عرفا ، ولا يعدّ متعدّيا حينئذ مع اعتقاد الجواز ، سيما إذا كان لمصلحة الطفل.

وأمّا كون الربح لليتيم فللنصّ عليه في الروايات المذكورة وغيرها ، ولأنّ المعاملة إنّما وقعت من وليّه بماله ، فيحكم بصحّتها ، ويكون العوض تابعا لمعوّضه.

وأنت خبير بأنّ المقصود بالعقد الواقع إنّما هو الانتقال إلى الولي بنفسه دون الطفل بانصرافه إلى الطفل بمجرّد كون العوض من ماله مع عدم قصد الانتقال إليه غير متّجه.

ولذا اعتبر في المدارك (١) في انتقاله إلى الطفل التحاقه بالإجازة مع احتماله بطلان العقد من أصله ، ولو قلنا بصحّة الفضولي مع الإجازة ؛ لأنّه لم يقع للطفل من غير من له (٢) النظر ابتداء ،

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ / ٢٠.

(٢) في ( د ) : « إليه ».

٢٦

وإنّما وقع ابتداء بقصد التصرف على وجه منتفى (١) عنه.

ولا فرق في ورود الإشكال المذكور بين ما إذا كان المتصرّف كذلك وليا أو غيره. ولذا أورد ذلك في المقامين.

قلت : أمّا الاحتمال المذكور فهو اجتهاد في مقابلة النص ؛ فإنّ النصوص المذكورة صريحة في صحّة العقد ، وذلك دليل في الحقيقة على صحّة فضولي الغاصب بعد تعقّب الإجازة ، فلا اختصاص للحكم بالمورد المذكور.

وعدم قصد الانتقال إلى المالك حين العقد غير مانع من صحّته ؛ إذ ليس تعيين شخص البائع أو المشترى من أركان العقد ، بل ولا من شرائطه ، ولذا لا يلزم البائع إعلام المشتري بكونه وكيلا لا أصليّا ، ولا إعلام المشترى إيّاه كونه وكيلا في الشراء.

ولتفصيل الكلام في ذلك محلّ آخر.

وممّا قرّرنا ينقدح الوجه في عدم اعتبار لحوق الإجازة في المقام أيضا كما هو قضية إطلاق الأخبار ؛ لوقوع العقد من أهله في محلّه ، واختصاص الوجه في صحته بانصرافه إلى مالك العوض ، فتأمل.

هذا كلّه إذا وقع الشراء بعين مال الطفل كما هو المفروض في المقام ؛ إذ لا يكون اتّجارا بمال الطفل حقيقة من دونه ، وأمّا إذا وقع الشراء في الذمة ودفع (٢) العوض من مال الطفل سواء كان مع نقله إلى ذمته أو لا فله الربح.

وربّما يتوهم من إطلاق النصوص كون الربح حينئذ لليتيم أيضا ، إلّا أنه يندفع ذلك بما عرفت من عدم كونه اتّجارا بمال الطفل حقيقة ، وعلى فرض تسليم عدّه عرفا من ذلك فتنزيل الروايات على ما قلناه ؛ جمعا بينها وبين القواعد المعلومة ممّا لا إشكال فيه.

فالاستشكال في المقام من جهة إطلاق النصوص ـ كما يستظهر من كلام جماعة من المتأخرين ـ ليس على ما ينبغي. وأمّا عدم استحباب الزكاة في المقام فبالنسبة إلى المتّجر نفسه

__________________

(١) في ( د ) : « منهىّ ».

(٢) في ( ألف ) : « وقع ».

٢٧

فظاهر.

وأمّا بالنسبة إلى الطفل فقد علّله في المسالك (١) بعدم قصده عند الشراء ، فيكون قصد الاكتساب للطفل طارئا عليه.

وسيأتي أنّ مقارنة القصد (٢) المذكور شرط في زكاة التجارة.

وضعّفه في المدارك (٣) بأنّ الشرط هو قصد الاكتساب عند التملّك ، وهو هنا حاصل بناء على أن الإجازة ناقلة لا كاشفة.

وفيه : أنّ البناء على كون الإجارة ناقلة موهون بما قرّر في محلّه ، فلا يتم ما ذكره. فالأولى أن يقال : إنّ غاية ما دلّ عليه الدليل اعتبار قصد الاكتساب عند التملك في الجملة ، وهو حاصل في المقام.

ويدفعه أن ثبوت الزكاة ولو على سبيل الندب على خلاف الأصل ، سيّما بالنسبة إلى مال الغير ، والقدر المفهوم من الأخبار المذكورة هو ثبوته فيما إذا كان الاتّجار للطفل لا ما إذا وقع له ، فهو من جهة قصد التجارة له بالإجازة اللاحقة والإجماعات المحكيّة على المسألة غير جارية في المقام ؛ لوضوح الخلاف فيه.

ونصّ الجماعة بعدم ثبوت الزكاة فيه كما عرفت ، ومع عدم قيام الدليل عليه يتعيّن النبإ على مقتضى الأصل ، وبالقواعد من المنع من التصرف في مال الطفل بما يترتب عليه ضرر.

وبذلك يضعف ما ذهب إليه الشهيدان (٤) والمحقّق الكركي (٥) من ثبوت الزكاة في مال الطفل هنا أيضا.

الخامسة : أن يكون الاتّجار من غير الولي لنفسه سواء كان مليّا أو غيره. وحينئذ

__________________

(١) مسالك الإفهام ١ / ٣٥٧.

(٢) في ( ب ) : « الأصل ».

(٣) مدارك الأحكام ٥ / ٢٠.

(٤) البيان : ١٦٥ ، مسالك الإفهام ١ / ٣٥٨.

(٥) جامع المقاصد ٣ / ٥.

٢٨

فالمنصوص به في كلام جماعة هو ما تقدّم في الصورة المتقدّمة من عدم صحّة الضمان ، وضمانه لمال الطفل ، وكون الربح لليتيم ، وعدم استحباب الزكاة.

والوجه في الأوّلين ظاهر بعد فرض انتفاء الولاية.

وأمّا كون الربح لليتيم فيتوقف على الإجازة ؛ لوضوح عدم مضي معاملة غير الولي من دونها ، وإطلاق ما ورد في الأخبار المتقدّمة من كون الربح لليتيم منزل على حصول الإجازة من الولي ؛ نظرا إلى موافقة الواقع لمصلحة الصبيّ.

والاستشكال في توقفه حينئذ على الإجازة لإطلاق النصوص ـ كما يظهر من جماعة ـ ليس في محلّه.

وكذا ما استشكله صاحب المدارك (١) في صحته بعد الإجازة ؛ لما عرفت.

وأمّا أنّه لا زكاة فلما عرفت من عدم وقوع المعاملة بقصد الاتّجار للطفل.

وقد حكم الشيخ في النهاية (٢) بثبوت (٣) الزكاة في المقام أيضا. وتبعه الجماعة المذكورون حيث حكموا باستحباب إخراج الزكاة من مال الطفل في كلّ موضع يقع الشراء له.

وقد عرفت ما فيه.

هذا ، ولو أجاز الولي ذلك للمتّجر إذا كان بحيث يصحّ له إجازته كان الربح واستحب له إخراج زكاته كسائر أموال التجارة.

[تنبيهات]

وينبغي التنبيه على أمور :

أحدها (٤) : أنّ المراد بالملاءة كونه بحيث يقدر على أداء المال المضمون من ماله لو تلف

__________________

(١) مدارك الاحكام ٥ / ٢٢.

(٢) النهاية : ١٧٤.

(٣) في ( ألف ) : « ثبوت ».

(٤) في ( ألف ) : « السادسة » ، وعليه فهي من التتميمات السابقة ، إلّا أنه لا يبقى معنى لعبارة المصنف : «

٢٩

بحسب حاله كما في المدارك (١) والرياض (٢).

وفسّره في المسالك (٣) ومجمع البرهان بأن يكون له مال بقدر مال الطفل فاضلا من المستثنيات في الدين الّتي منها مقدار قوت يوم وليلة له ولعياله الواجبي النفقة.

وفي الذخيرة (٤) أنه أنسب إلى الرواية وكلام بعض الأصحاب.

والأوّل هو الأظهر ؛ إذ من المعلوم أنّ اعتبار الملاءة إنّما هو من جهة اغترامه مال الطفل إن تلف. وهو الظاهر من الأخبار المتقدمة ، فمجرّد ملكه مقدار مال الطفل فاضلا عن مستثنيات الدين لا يكتفي في بعض الصور كما إذا لم يكن له حرفة يتعيّش بها ، وكان المصروف في معيشته من ذلك المال ، فإنّ ملاحظة يوم وليلة حال الضمان لا يثمر في أداء المال عند تلفه بعد ذلك ، ولا يعدّ معه (٥) مالكا لما يقدر على الأداء عرفا.

ثمّ إنّ ظاهر إطلاق الحدّين المذكورين الاكتفاء بمجرّد ملك المال المفروض ، وإن كان له ديون أخر بإزائه يساويه أو يزيد عليه ، وصدق الملاءة حينئذ مشكل.

وقد ينزل إطلاقهما على المال الخالص الذي لا يكون عليه دين بإزائه.

والظاهر عدم الفرق بين غياب المال وحضوره ، وكونه من جنس (٦) ما يضمن به مال الطفل أو من غير جنسه ، ولو كانت منفعة وكونه مشخصا في الخارج أو كليا في الذمّة ، وإنّما يعتبر كونه مقدورا عليه بحسب العادة إذا أراده.

ولو كان رهنا بإزاء دين عليه ففي الاكتفاء به مع زيادة مقداره على المال المرهون بإزائه إشكال إلّا أن يكون ذلك الرهن متيسّرا له بحسب العادة.

__________________

وينبغي التنبيه على أمور ».

(١) مدارك الأحكام ٥ / ١٨.

(٢) رياض المسائل ٥ / ٣٥.

(٣) مسالك الإفهام ١ / ٣٥٦.

(٤) ذخيرة المعاد ٣ / ٤٢٢.

(٥) في ( ألف ) : « بعدّمه » بدل « يعدّ معه ».

(٦) في ( د ) : « حيث ».

٣٠

وبالجملة ، المدار على ملك ما يقدر معه على أداء مال الطفل على فرض تلفه كيفما كان حسبما اعتبر في التفسير المذكور ، ولا عبرة بإمكان الاستدامة مهما أراد.

وأمّا بالوجاهة الباعثة على بذل الغير له ذلك مهما أسقطاه ولو لم يملكه حال الضمان لكن كان بحيث يحكم بحصوله مجارى العادات كثمر البستان ونتاج الغنم ونحوها قوي إلحاقه بالموجود.

واعتبر في النهاية (١) تملكه في الحال ما يفي به ، ولو كان ماله في عرضة الزوال كالمبعوث في سفر البحر أو سائر مواضع الخطر ، فإن [ كان ] بحيث يبنى على بقائه في مجارى العادات بني عليه ، وإلّا فإشكال.

ولو تلف هناك مال ودار أن يكون منه أو من غيره ففي إجراء حكم الملاءة مع توقّفه على بقائه وجهان.

ومنها : أن العبرة باعتبار الملاءة إنّما هي حال الضمان ، فلو انتفت بعد ذلك لم يجب عليه إقرار المال ؛ أخذا بالأصل مع احتماله نظرا إلى أن المانع في الابتداء حاصل في الاستدامة أيضا.

ومنها : لا فرق فيما ذكر بين مال اليتيم وغيره اتفاقا ، وإن كان مورد الأخبار المتقدّمة خصوص اليتيم ، وكان ورود السؤال عن خصوص اليتيم في الأخبار المذكورة من جهة كون السبب غالبا في انتقال المال إلى الطفل موت أبيه.

والظاهر اختصاص الحكم بالمولود دون الحمل ، فلا زكاة في مال الحمل لا استحبابا ولا وجوبا ؛ بناء على القول به في غلاته ومواشيه ، فلا يعذر من الجهل من الحول.

وقد نصّ عليه جماعة منهم الشهيد في غاية المراد لكنّه استقرب في البيان (٢) إلحاقه المنفصل لو انفصل حيّا دون ما لو سقط ميّتا ، (٣) وهو بعيد ؛ لعدم اندراجه في الأخبار ، وخروجه عن ظاهر كلام الأصحاب.

__________________

(١) النهاية : ١٧٤.

(٢) البيان : ١٦٦.

(٣) في ( د ) : « ميتا ».

٣١

فلا محيص عن الرجوع فيه إلى حكم الأصل القاضي فيه إلى حكم الأصل بالمنع.

وفي الإيضاح (١) حكاية إجماع أصحابنا عليه. وهو شاهد آخر عليه.

ومنها : أنّ الظاهر أنّ المجنون حاله فيما ذكر كحال الطفل لمساواته (٢) في المعنى.

وقد نصّ على اتحادهما في الحكم في المقام جماعة من الأصحاب من غير ظهور خلاف فيه.

قال العلامة المجلسي (٣) : والأصحاب لم يفرّقوا بين الطفل والمجنون في الأحكام المذكورة.

وقد دلّ على استحباب الزكاة في ماله مع الاتّجار به خصوص الصحيح والخبر المتقدمين المعتضدين بعمل الأصحاب.

ولو جنّ أوّل بلوغه وكان في أثناء الحول ، ففي استحباب الزكاة عند حلوله وجهان ؛ أوجههما ذلك.

وكذا الحال فيمن يكون جنونه دوريّا.

ويقوي القول باجراء الحكم المذكور في المغمى عليه والسكران أيضا وإن تلحقهما (٤) بالنائم والغافل.

ومنها : أنّه لو اتّجر للطفل أو المجنون فرضا عليه من غير أن يكون له مال أو يصرف ماله فيه ، ففي استحباب إخراج الزكاة منه وجهان ؛ أوجههما العدم ؛ اقتصارا فيما خالف الأصل على مورد النصّ ؛ إذ لا يعدّ ذلك اتّجار [ ا ] بمال الطفل أو المجنون.

ولو اشترى لأحدهما ذمّة ودفع ماله بازائه فلا يبعد (٥) إجراء الحكم بعده عرفا من الاتجار له بماله ، فتأمل.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ / ١٦٧.

(٢) في ( د ) زيادة : « له ».

(٣) لم نجد ما ذكره العلامة المجلسي قدس‌سره ، فراجع لعلّك تجده إن شاء الله.

(٤) في ( د ) : « إن لم نلحقهما ».

(٥) لم ترد في ( ب ) : « فلا يبعد ... وذي الأدوار ».

٣٢

ثانيها (١) : انّه لا فرق في المجنون بين المطبق وذي الأدوار إذا كان دور جنونه حال تعلق الوجوب به ؛ لوضوح صدق المجنون عليه حينئذ ، فيندرج فيما دلّ على سقوطه عنه ، ولخروجه بذلك عن التكليف.

فيدل على سقوطه ما دلّ على ملازمة وجوبه لوجوب الصلاة.

وربّما يستظهر من إطلاق ما في المدارك (٢) والذخيرة (٣) خلاف ذلك حيث استقرب في الأوّل تعلّق (٤) الوجوب حال الإفاقة ؛ إذ لا مانع من توجّه الخطاب به في تلك الحال.

ونفى عنه البعد في حواشي التهذيب.

واستحسنه الثاني لعموم الأدلّة ، قال : إلّا أن يصدق عليه الجنون حال الإفاقة كما إذا كان زمان الإفاقة قليلا نادرا بالنسبة إلى زمان الجنون.

وضعفه ظاهر بعدم (٥) تعلّق الحق بمالهما في زمان الوجوب ؛ إذ لا دليل إذن على ثبوته بعد ذلك.

مضافا إلى أنّه قد ينثلم إذن بعض شرائط الوجوب ، فلا وجه لتعلّق الأمر به بعد ذلك.

وقد ينزل ما ذكراه على اعتبار الإفاقة حال تعلّق الوجوب ، فالمقصود أنّه إن كان مفيقا حال الوجوب تعلّق به الزكاة (٦) ، وإن طراه الجنون أثناء الحول حسبما سنشير إليه إن شاء الله ، لكن ظاهر إطلاقهما يعمّ ما ذكرناه.

ويومي إليه ما ذكراه في المغمى عليه كما سيجي‌ء إن شاء الله.

ولو كان مفيقا حال الوجوب وجنّ عند وقت الأداء احتمل السقوط ؛ لارتفاع التكليف منه ، واندراجه في إطلاق ما دلّ على سقوطه عن المجنون ، إلّا أنّ الأظهر عدمه ؛ استصحابا

__________________

(١) في ( د ) : « ثالثها » ، ولا ثاني له ؛ وعلى الذي في المتن فلا ثالث ، فتدبّر. وفي ( ألف ) : « ثانيهما »!

(٢) مدارك الأحكام ٥ / ١٦.

(٣) ذخيرة المعاد ٣ / ٤٢١.

(٤) في ( ب ) : « تعليق ».

(٥) في ( د ) : « بعد عدم ».

(٦) في ( ألف ) : « بالزكاة ».

٣٣

للحكم الثابت في المال ، فيكلّف الولي حينئذ بإخراجه.

واندراج ذلك في الإطلاق المذكور غير ظاهر.

كيف ، والمفروض كونه عاقلا حال الوجوب ، غاية الأمر صدق المجنون عليه بعد ذلك ، وهو غير مفيد بعد تعلق الوجوب بالمال بحكم الإطلاقات.

ودعوى كشف ذلك إذن عن عدمه غير ظاهرة مع إطلاق الأدلّة.

رابعها : قال في التذكرة (١) والقواعد (٢) : لو كان الجنون يعتوره اشترط الكمال طول الحول ، فلو فرض في أثنائه سقط واستأنف من حين عوده.

واستقرب في المدارك (٣) عدم انثلام الحول بذلك ، فيتعلق بالوجوب حال الإفاقة.

واستحسنه في الذخيرة (٤) إلّا إذا صدق عليه الجنون لقلّة زمان الإفاقة كما مرّت الإشارة إليه.

والوجه فيما ذكراه إطلاق الأدلّة وعدم قيام دليل على اعتبار الاستمرار والعقل (٥) طول الحول.

وفيه : أن الظاهر من سقوط الزكاة عن المجنون الحكم بعدم تعلّق التكليف به عند حلول الحول كما أنّه المراد من الحكم بوجوبه على العاقل ؛ لوضوح سقوطها عن العامل بتنجيز قبل الحول ، والحكم بسقوطه عنه عند الحلول قاض بما ذكروه من اعتبار العقل طول الحول ؛ إذ لو جنّ في أثناء الحول كان محكوما بسقوط الزكاة عنه حال حلول ، الحول فلا بدّ من ملاحظة الحول من حال زوال الجنون.

فإن قلت : إنّ المراد بسقوطه من المجنون إنّما هو مع بقاء الجنون دون ما إذا زال كما هو

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ / ٢٠١.

(٢) قواعد الأحكام ١ / ٣٣٠.

(٣) مدارك الأحكام ٥ / ١٦.

(٤) ذخيرة المعاد ٣ / ٤٢١.

(٥) في ( د ) : « الاستمرار العقل ».

٣٤

المفروض في المقام.

قلت : قضيّة إطلاق ما دلّ على سقوطه عن المجنون هو عدم وجوبه عليه عند حلول الحول سواء كان عاقلا حينئذ أو مجنونا.

وتقييد السقوط عنه بما إذا بقي الجنون خروج عن ظاهر الإطلاق من غير دليل.

مضافا إلى أنّ المناط ممّا دلّ على اعتبار الحول فيما يعتبر فيه ذلك مراعاته في تنجيز الخطاب بعد كونه متعلّقا لخطاب الزكاة في الجملة ، والمجنون ليس من أهله.

ويومي إليه ما رواه الكليني (١) والصدوق (٢) في الصحيح من أنّه نزلت آية الزكاة في شهر رمضان ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مناديه فنادى في الناس : إنّ الله فرض عليكم الزكاة .. إلى أن قال : ثمّ لم يتعرض لشي‌ء من أموالهم حتّى حال عليهم الحول .. الخبر.

فانّه لو لا ذلك لطالبهم بأداء الزكاة عند إيجابها ؛ نظرا إلى مضيّ الحول السابق قبل تعلّق الأمر بها ، فالمستفاد منه أنّ حولان الحول إنّما يعتبر بعد تعلّق الأمر بالزكاة ، ولا يتعلّق في المقام إلّا بعد حصول الفعل.

ويرشد إليه أيضا أن المجنون محجور عليه في التصرف ، فيدلّ على سقوط الزكاة عنه في المقام ما دلّ على اعتبار التمكّن في التصرف طول الحول في وجوب الزكاة. وتنزيل تمكّن الولي من التصرف فيه منزلة تمكّنه يحتاج إلى الدليل.

وممّا ذكرنا يظهر الحال في الصبي أيضا ، فمناقشة صاحب الذخيرة (٣) في احتساب أوّل الحول بعد تحقّق البلوغ لعدم قيام دليل على اعتبار ذلك ، وإطلاق ما دلّ على اعتبار الحول ليس على ما ينبغي.

مضافا إلى ظاهر موثقة أبي بصير المتقدمة ، وقد روى في الصحيح (٤) أنّه « ليس على مال

__________________

(١) الكافي ٣ / ٤٩٧ ، باب فرض الزكاة وما يجب في المال من الحقوق ، ح ٢.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٢ / ١٤ ، باب الأصناف التي تجب عليها الزكاة ، ح ١٥٩٨.

(٣) ذخيرة المعاد ٣ / ٤٢١.

(٤) الكافي ٣ / ٥٤١ ، باب زكاة مال اليتيم ، ح ٤ ؛ وسائل الشيعة ٩ / ٨٤ ، باب وجوبها على البالغ العاقل ، ح

٣٥

اليتيم زكاة ، وإن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة ولا عليه فيما بقي حتى يدرك ، فإذا أدرك فإنّما عليه زكاة واحدة ، ثمّ كان عليه مثل ما على غيره من الناس » ولا يبعد اتّحاد الخبرين ، وإن اختلفا في الجملة واشتمل الأوّل على زيادة.

ودلالته على المدّعى ظاهرة ؛ فإنّ قوله عليه‌السلام : « وليس عليه لما مضى زكاة » ظاهر في عدم اعتبار الماضي أصلا ، ولو بعضا من الحول.

ومع الغضّ عنه فدلالته على عدم اعتبار (١) الحول في مال الصغير (٢) فيما إذا فرض بلوغه في أول حولان الحول في غاية الوضوح.

وهو أيضا كاف (٣) في المقام ؛ إذ لو لا اعتبار البلوغ في الحول لاكتفى بحصول البلوغ في حال الحولان.

والفرق في ذلك بين البعض (٤) والكلّ كما قد يستفاد من كلام الفاضل المذكور تعسّف (٥) غريب.

على أنّه لو فرض نقض ذلك عن الحول بمقدار آنات أو ساعات بل أيّام لاندرج في العبارة المذكورة قطعا ، والفرق في ذلك بين القليل والكثير ممّا لا يتوهمه أحد في المقام.

وأيضا قوله (٦) عليه‌السلام : « ولا عليه فيما بقي أو لما يستقبل ... » إلى آخره ، على اختلاف الروايتين في كمال الظهور فيما ذكرناه ؛ فإنّ الظاهر كون المراد من قوله (٧) عليه‌السلام « حتّى يدرك » إدراك وقت الوجوب أو الحول دون البلوغ ؛ لفرض ذلك فيما بعد البلوغ كما هو الظاهر من

__________________

٣.

(١) في ( ب ) زيادة : « قيام » وفي ( د ) زيادة : « تمام ».

(٢) في ( د ) : « في حال الصغر ».

(٣) في ( د ) : « كان ».

(٤) لم ترد في ( ب ) : « بين البعض ... نقض ذلك ».

(٥) قد تقرأ في النسخ : « تصف ».

(٦) الكافي ٣ / ٥٤١ ، باب زكاة مال اليتيم ، ح ٤.

(٧) الحديث المتقدم.

٣٦

عطف ذلك على قوله : « فليس عليه لما مضى زكاة » ، فالظاهر منه حينئذ اعتبار الحول بعد البلوغ كما لو قيل : « إذا وصل إليك المال الغائب منك لم يكن فيه زكاة إلى أن يحول عليه الحول » فإنّ المستفاد منه عرفا اعتبار حلول الحول بعد الوصول إليه ، فكذا الظاهر في المقام.

على أنّ عدم ثبوت الزكاة في بقية الحول أمر ظاهر بعد اعتبار الحول. ولم يرد ذلك في مقام بيان أصل اعتبار الحول حتى يصرف الكلام المذكور إليه ، فحمله عليه في كمال البعد.

وقوله : « وكان عليه مثل ما على غيره من الناس » توضيح للحكم المذكور وبيان لحكمه في سائر السنين والأعوام.

وقد يجعل قوله : « وليس عليه ... لما يستقبل » أو ما في مقامه جملة مستأنفة ، ويحمل الإدراك على البلوغ ، فالمعنى أنّ اليتيم ليس عليه لما يأتي زكاة إلى أن يبلغ ، فاذا بلغ كانت عليه زكاة واحدة ، فإذن لا دلالة فيها على ما ذكرنا ، بل ربّما يدل على خلافه.

وحينئذ يكون قوله : « وكان عليه مثل ما على غيره من الناس » بيانا لحكمه بالنسبة إلى ما بعد ذلك.

وهذا الوجه أنسب بما في الرواية الثانية من قوله : « ثمّ كان عليه مثل .. » إلى آخره ، إلّا أنّ حملها على ذلك يقضي بالمعارضة بين ذيل الرواية وصدرها.

ومع ذلك فحمل (١) تلك الجملة على الاستيناف في كمال البعد ، والحكم المشتمل عليه ممّا لم نقف على قائل به ، فلا وجه لحمل الرواية عليه.

ولا يذهب عليك أنّه بعد دلالة الرواية المذكورة على اعتبار الحول بعد البلوغ يظهر منه الحال في المجنون أيضا ؛ إذ لا فرق بينهما في ذلك ، فبملاحظة ما ذكرنا يتّضح الحال في المقام سيّما بعد إطباق الأصحاب عليه في ظاهر كلماتهم.

وقد صرّح به جماعة من غير خلاف يظهر فيه عدا ما أشرنا إليه ، فتأمل.

خامسها : ألحق في التذكرة (٢) والنهاية (٣) الإغماء بالجنون ، فلو طرأ عليه حال تعلّق

__________________

(١) في ( د ) : « فيحمل ».

(٢) تذكرة الفقهاء ١ / ٢٠١.

٣٧

الوجوب سقط (٤) أو في أثناء الحول قضى باستينافه فيما يعتبر الحول فيه.

واستشكله جملة من المتأخرين منهم صاحبا المدارك (٥) والذخيرة (٦) ومالا بل قالا بوجوب الزكاة عليه عند الإفاقة ؛ نظرا إلى عدم اندراجه في المجنون وعدم قيام دليل آخر على سقوطها عنه ، فغاية الأمر عدم كونه أهلا للتكليف حال الإغماء ، لكنّ النائم كذلك أيضا فهو كالنوم في تحقق التكليف بالزكاة بعد زواله وعدم انقطاع الحول بعروضه ؛ أخذا بالإطلاقات.

وقوّاه العلّامة المجلسي في حواشي التهذيب.

وفيه : مع أنّه البناء على كون ثبوت الزكاة في الأصل من الأحكام التكليفيّة وجعل حكمه الوضعي ـ أعني استحقاق الفقير سهما من المال ـ تابعا لحكمه التكليفي كما هو الظاهر من جماعة من الفقهاء ـ ومنهم الفاضلان المذكوران حسبما مرّت الإشارة إليه ـ لا يتّجه الكلام المذكور ؛ إذ لا يعقل تكليفه بالزكاة حال الإغماء فلا يتعلّق الحقّ بماله حينئذ أيضا.

ومع براءة المال حال وجوب الزكاة عن تعلّقها به لا وجه لوجوب الزكاة وتعلّقها به بعد ذلك ؛ فإنّ مقتضى الأدلّة وجوب الزكاة في ذلك الوقت ، ولا دليل على وجوبها بعد ذلك.

كيف وقد ينهدم النصاب حينئذ أو يتبدل المال بعد حلول وقت الوجوب قبل الإفاقة ، فقضية الأصل إذن عدم وجوبها على من نام حال تعلّق الوجوب أو طراه الغفلة عنها إلّا أنّهما خرجا بالإجماع بخلاف المغمى عليه.

وبملاحظة ما قرّرنا في انهدام الحول بطروّ الجنون في الأثناء وإن عقل حال الوجوب يظهر قوة القول بانهدامه أيضا لطروّ الإغماء بناء على الفرض المذكور.

نعم ، لو قلنا بعدم الملازمة بين الحكم الوضعي المتعلّق بالمال والتكليفي المتعلّق بالمال

__________________

(٣) نهاية الإحكام ٢ / ٣٠٠.

(٤) في ( ألف ) : « سقطا ».

(٥) مدارك الأحكام ٥ / ٢٣.

(٦) ذخيرة المعاد ٣ / ٢١.

٣٨

أخذا بظاهر كثير من الاطلاقات (١) ـ حسبما مرّت الإشارة إليه ـ صحّ التعلّق بالإطلاق ، فيتعلّق به التكليف بالأداء مع بقاء الحق فيه مهما أفاق إلّا أن يقال : إنّ قضيّة ارتباط وجوب الزكاة بوجوب الصلاة عدم وجوبها مطلقا مع انتفاء التكليف ، فلا يثبت الحق في المال.

وقد يناقش فيه بالمنع من عدم وجوب الصلاة عليه بحسب الواقع ، غاية الأمر سقوط ذلك عنه من جهة قيام العذر كما في النائم والناسي ونحوهما.

وكذا الحال في المجتهد إذا لم يصل إلى وجوب شي‌ء أو حرمته وأداء الدليل إلى خلافه ، فلا شكّ إذن في كون الحكم في شأنه هو ما ساقه الدليل إليه إلّا أنّ ذلك لا يقضي بكون حكمه الواقعي الأوّلي هو ذلك ، وإلّا لزم التصويب ، فليس تكليفه إذن بمقتضى فهمه إلّا ظاهريّا ثانويا ، ويسقط معه التكليف الأوّلي من جهة قيام العذر.

وبمثله نقول في سقوط التكليف عن المغمى عليه والنائم والناسي ونحوهما ، وهو إنّما يستمر حينئذ باستمرار العذر ، فإذا انكشف الخلاف بني على ما يقتضيه الواقع ، ولزم البناء على جميع لوازمه من الأحكام الوضعيّة أو التكليفيّة المترتّبة عليه إلّا أن يقوم دليل على خلافه ، كما ثبت بالنسبة إلى أحكام المجتهد.

فحينئذ نقول : إنّ ثبوت الزكاة عليه بالنظر إلى حكمه الواقعي الأوّلي كاف في تعلّق الحق بماله وسقوط الحكم التكليفي عنه في الظاهر.

فما طراه من العذر لا يقضي بسقوط ذلك من ماله ، بل إنّما يقضي بارتفاع التكليف عنه ظاهرا (٢) ما دام العذر باقيا ، فإذا ارتفع العذر لزم البناء على مقتضى ذلك الحكم (٣).

ويظهر ممّا ذكرنا قاعدة كلية تجري في كثير من أبواب الفقه ، فليتأمل في المقام ؛ فإنّه حريّ (٤) بالتأمل التام.

__________________

(١) في ( ألف ) : « الإطلاق ».

(٢) في ( ألف ) : « ظاهر ».

(٣) في ( ألف ) : « للحكم ».

(٤) في ( ألف ) : « جرى ».

٣٩

ويجري ما ذكروه وذكرناه في السكران.

وذهب بعضهم في إلحاقه بالمغمى عليه في سقوط الزكاة عنه. وقد يفصّل بين السكر الحاصل بالمحرّم وغيره ، فينزل الأول منزلة الشاعر ؛ بناء (١) على أن سقوط الزكاة عنه نوع من الرخصة ، وهي لا تناط بالمعصية.

وأيضا فيه تأمل.

سادسها : المأمور بإخراج الزكاة من مال الطفل والمجنون استحبابا أو وجوبا هو الولي وإن قلنا بشرعية عبادات المميّز وجواز تعلّق الاستحباب به ؛ لوضوح أنّ دفع الزكاة من التصرفات الماليّة ، وهو محجور عليه.

ولو بلغ الطفل وأفاق المجنون عند حلول الحول ففي ثبوت الاستحباب لهما وجهان ؛ أوجههما ذلك ؛ نظرا إلى أن الولي إنّما يتولّى ذلك عن قبل الطفل والمجنون من جهة الحجر عليهما ، فإذا زال الحجر تعلّق الحكم المذكور بهما ؛ وإنّ ظاهر الأخبار ثبوت الزكاة في مالهما فيستحبّ الإخراج لهما بعد كمالهما.

وعلى القول بالوجوب فالأمر أظهر.

ولو بلغ أو عقل في أثناء الحول ففي ثبوت الاستحباب عند الحولان الوجهان.

ومع البناء على الثبوت وأدائه لها عند حلول الحول لا يجب عليه الأداء ثانيا عند حلوله بملاحظة حال كماله ؛ إذ لا يزكي المال في عام مرتين.

والظاهر كون زمان اختيار الطفل هو كحال صغره ، فلو حال عليه الحول في أثنائه أو صادف ذلك وقت الوجوب في غير ما يعتبر فيه الحول لم يبعد ثبوت الاستحباب فيتولّاه الولي.

سابعها : لو ثبت الزكاة في مال الطفل أو المجنون ولم يدفعها الولي قوي استحباب الإخراج لهما بعد كمالهما وبقاء المال ، ولو قلنا بوجوب الإخراج وجب عليهما لما عرفت.

__________________

(١) الشاعر : أي الذي له شعور ، وليس بسكران.

٤٠