ولعلّ السرّ فيه أنّ أصالة الصحّة وإن لم تكن عندهم من الأمارات ، إلاّ أنّ فيها نحو جهة أمارية ، فتكون مقدّمة على الأصل المذكور لأجل ذلك ، كما تقدّم توضيح ذلك في بيان حكومة قاعدة الفراغ على الاستصحاب ، من أنّه وإن لم يكن لنا في البين شكّان أحدهما مسبّب عن الآخر ، وكان لنا شكّ واحد لكنّه ذو جهتين مترتّبتين إحداهما مسبّبة عن الأُخرى ، فيكون الأصل الجاري في الجهة المسبّبة محكوماً للأصل الجاري في الجهة الأُخرى ، انتهى.
قلت : أمّا كون أصالة الصحّة مشتملة على جهة أمارية ، فقد عرفت المراد منه من كونها من باب الظهور النوعي ، ومعه تكون مقدّمة على الأُصول النافية الموضوعية الاحرازية. وأمّا ما أفاده من تعدّد الجهة للشكّ وأنّ إحدى الجهتين فيه مسبّبة عن الأُخرى فقد عرفت الكلام فيه مفصّلاً في باب قاعدة الفراغ ، فراجع (١).
ثمّ لا يخفى أنّه قدسسره قد تعرّض فيما حرّرته عنه لإجراء [ أصالة ] الصحّة في الاعتقاد وأنّه إذا كان إنكار ما هو ضروري الدين لاحتمال كون ذلك لشبهة عرضت للمنكر لا يحكم بكفره ، إلاّ إذا كان ذلك الضروري ممّا ورد النصّ بتكفير منكره الشامل باطلاقه لما إذا كان ذلك الانكار لشبهة ، مثل الصوم والصلاة والمعاد الجسماني ، أمّا إذا لم يكن ممّا ورد النصّ بتكفير منكره ، فإنّه لا يكفّر منكره إلاّ إذا رجع إلى تكذيب النبي صلىاللهعليهوآله ، فراجع ما حرّرته عنه (٢). والظاهر أنّ أصالة الصحّة في مثل ذلك إنّما هي من باب حمل [ فعل ] المسلم على الصحّة لا من باب
__________________
(١) راجع حواشيه قدسسره في أوّل بحث قاعدة الفراغ والتجاوز في الصفحة : ٢٤٥ وما بعدها.
(٢) مخطوط لم يطبع بعد.