بخلاف الأُصول إحرازية كانت أو غير إحرازية ، فإنّها لا تكون كاشفة عن الواقع ذلك الكشف الناقص الذي تمّمه الشارع ، بل أقصى ما فيها هو أنّ الحكم فيها يتضمّن الجري العملي على طبق أحد طرفي الشكّ فيها ، فإن كان ذلك الجري العملي الذي تضمّنه الحكم الشرعي مقروناً بالبناء على أنّ أحد طرفي الشكّ هو الواقع ، كانت من الأُصول التنزيلية ، وإن لم يكن مقروناً بذلك البناء ، بل اقتصر فيه على مجرّد العمل على طبق أحد طرفي الشكّ ، كانت من الأُصول غير التنزيلية.
وحاصل ما أُفيد من الفرق بين باب الأمارات وباب الأُصول الاحرازية وباب الأُصول غير الاحرازية ، هو أنّ الجري العملي في الأمارات يكون لازماً عقلياً لما هو المجعول الشرعي فيها وهو تتميم كشفها ، فيكون حال الجري العملي فيها حال الجري العملي في باب القطع في كونه لازماً عقلياً للكشف العلمي. أمّا باب الأُصول الاحرازية فيكون المجعول فيها ابتداءً هو لزوم الجري على مؤدّاها ، غايته أنّه معنون بعنوان أنّه هو الواقع ، فيكون مرجعه إلى البناء على أحد طرفي الشكّ من حيث الجري العملي على طبقه ، بخلاف الأُصول غير الاحرازية فإنّها فاقدة لهذه الجهة من البناء على أنّه هو الواقع ، وممحضة للزوم الجري العملي على أحد طرفي الشكّ من دون البناء على أنّه هو الواقع ، وحينئذ فيكون مرجع الجعل فيها منتهياً إلى مقام التنجّز والمعذورية ، لا أنّ التنجّز والمعذورية هي المجعولة ابتداءً ، بل بمعنى أنّ المجعول الابتدائي هو الجري على طبق أحد طرفي الشكّ ، فإن كان هو ثبوت التكليف كان ذلك ملازماً لتنجّز الواقع ، وإن كان هو نفي التكليف كان ذلك ملازماً للمعذورية في مخالفة الواقع لو كان في البين تكليف واقعي.