كون الوجوب والوضع غير شرعيين ، وثانياً : من استحالة جعل العلّية حتّى للعلّة التكوينية فضلاً عن التشريعية. وإن أُريد الثاني توجّه عليه لغوية أحد الجعلين ، فإنّ أحدهما يغني عن الآخر. وإن أُريد الثالث توجّه عليه ما تقدّم من أنّه ليس في صفحة عالم التشريع إلاّ المسبّب دون السببية.
والإيراد المتين المتوجّه على هذين الوجهين الأخيرين هو ما توجّه على الأوّل ، من استحالة جعل السببية أصالة وتبعاً ، ولزوم عدم كون الوضع والتكليف شرعياً.
قوله : فإنّه قال قدسسره ما حاصله : إنّ السببية لا يمكن انتزاعها عن التكليف أو الوضع ، فإنّهما متأخّران عن وجود السبب ـ إلى قوله ـ فالتكليف أو الوضع المتأخّر عن وجود السبب لا يعقل أن يكون منشأً لانتزاع السببية (١).
هذا هو ما أفاده في الكفاية بقوله : حيث إنّه لا يكاد يعقل انتزاع هذه العناوين لها من التكليف المتأخّر عنها ذاتاً ، حدوثاً وارتفاعاً (٢).
وحاصل ما يريد في الكفاية : هو أنّ انتزاع صفة السببية للدلوك من وجود الوجوب خارجاً مناف لكونه سبباً في الوجوب ، لأنّ سببيته للوجوب هي العلّة في وجود الوجوب بعده ، فكيف يكون وجود هذا الوجوب الخارجي الموجود بعد الدلوك هو العلّة في كونه سبباً للوجوب المذكور.
ومحصّله : أنّ السببية للدلوك موقوفة على وجود ذلك الوجوب بعده لكونها منتزعة عن ذلك الوجود للوجوب الموجود بعده ، ووجود ذلك الوجوب
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٣٩٥.
(٢) كفاية الأُصول : ٤٠١.