بعده متوقّف على كونه سبباً لوجوده ، فتكون السببية متوقّفة على السببية ، ويكون الحاصل أنّ وجود الوجوب بعد الدلوك حاصل من كونه سبباً له ، وكونه سبباً له حاصل من وجوده بعده ، لكون السببية منتزعة عن وجوده بعده.
ومن ذلك يظهر لك أنّه لا يمكن الجواب عن هذا الذي أفاده في الكفاية بأنّه لا استحالة في تأخّر وصف السببية عن ذات المسبّب ، وإنّما المستحيل تأخّر ذات السبب عنه (١) ، فإنّك بعد ما عرفت من مراد الكفاية ، يتّضح لك استحالة تأخّر وصف السببية عن وجود ذات المسبّب ، لأنّ وجود ذات المسبّب إنّما يكون ناشئاً عن كون ذات الدلوك سبباً ، بمعنى أنّ اتّصافه بالسببية أوجب وجود ذات المسبّب بعده ، إذ لا ينوجد المسبّب بعد السبب إلاّبعد صيرورته سبباً له ، وإلاّ فقبل كونه سبباً له لا يكون المسبّب موجوداً بعده.
نعم ، يرد على ما في الكفاية ما قد عرفته سابقاً ، من أنّ القائل بانتزاع السببية لا يقول بأنّها منتزعة من الوجود الخارجي للوجوب بعد الدلوك ، بل هي منتزعة من القضية الكلّية الحاصلة من قوله : إذا دلكت الشمس وجبت الصلاة ، فوجود الوجوب خارجاً وإن كان ناشئاً عن كونه سبباً له ، إلاّ أن كونه سبباً له لم يكن ناشئاً ومنتزعاً عن الوجود الخارجي للوجوب ، بل إنّه ـ أعني كونه سبباً له ـ إنّما ينشأ وينتزع عن ذلك الحكم الكلّي. نعم يرد على هذا القول ما عرفت من أنّ مقتضى الكلّية المذكورة هو أنّ الوجوب المجعول على تقدير الدلوك إنّما يكون مفاضاً ومخلوقاً من جانب الشارع ، فلا يعقل أن يكون هذا الجعل علّة في كون الدلوك سبباً مفيضاً للوجوب ، إلاّ أن يكون المراد من السببية هو السببية غير الافاضية أعني بذلك موضوعية الحكم أو شرطه ، وقد عرفت أنّها بهذا المعنى تكون
__________________
(١) حقائق الأُصول ٢ : ٤٣٥.