ذاتية ، فالدلوك بواسطة تلك الخصوصية وإن كان علّة وسبباً في ذلك الجعل لكون الخصوصية فيه من دواعي ذلك الجعل ، إلاّ أنه لا يكون سبباً وعلّة للمجعول ، بل لا يكون إلاّموضوعاً أو شرطاً لذلك المجعول.
وحاصل تأمّلنا : أنّ نفس الدلوك كما لا يكون علّة ذاتية لذلك المجعول ، فكذلك لا يكون علّة وسبباً وداعياً إلى ذلك الجعل لعدم كونه من فوائده ، وإنّما الذي هو سبب الجعل وعلّته والداعي إلى جعله هو المصلحة الباعثة على تشريع ذلك الحكم وجعله على تقدير الدلوك ، وليس المراد أنّ الدلوك قيد للجعل بحيث إنّه قبله لا يكون جعل أصلاً ، بل إنّ الجعل والانشاء والتشريع حالي والمجعول وهو نفس الوجوب مقيّد بالدلوك ، بمعنى أنّه الآن يجعل ويشرّع ، لكنّه ماذا يشرّع ، يشرّع الوجوب المربوط بالدلوك ، وهو حاصل القضية الحقيقية الراجعة إلى قالب الشرط ، بأن يقول : تجب الصلاة إن دلكت الشمس ، أو إلى قالب الموضوع بأن يقول : الدلوك تجب الصلاة عنده ، والمآل واحد وهو كون الوجوب المجعول مربوطاً بالدلوك ، ومترتّباً على وجوده.
قوله : وإنّما الخلاف وقع في جعل السببية ، فعن بعض أنّ السببية بنفسها ممّا تنالها يد الجعل ، بل هي المجعولة في باب الوضع والتكاليف وإنّما الوضع والتكليف ينتزع عنها ... الخ (١).
لا يخفى أنّه على القول بجعل السببية تتأتّى التصوّرات السابقة من كونها هي المجعول ابتداءً والتكليف أو الوضع منتزع منها ، أو أنّهما ـ أعني السببية والوضع أو التكليف ـ يكونان معاً مجعولين ابتداءً ، أو أنّ المجعول ابتداءً هو أحدهما والآخر مجعول بالتبع. فإن أُريد الأوّل توجّه عليه ما أُفيد أوّلاً : من لزوم
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٣٩٣ ـ ٣٩٤.