لم تخل تلك المعرفة من أن تكون إيمانا أو ليست بإيمان فإن كانت تلك المعرفة من جهة الرؤية إيمانا فالمعرفة التي في دار الدنيا من جهة الاكتساب ليست بإيمان لأنها
______________________________________________________
بمتكمم ولا متكيف ، والرؤية بالعين لا يكون إلا بإدراك صورة متحيزة من شأنها الانطباع في مادة جسمانية ، والمعرفة الحاصلة من جهتها معرفة بالمرئي بأنه متصف بالصفات المدركة في الصورة ، فهما متضادتان لا يجتمعان في المطابقة للواقع ، فإن كانت هذه إيمانا لم تكن تلك إيمانا فلا يكون في الدنيا مؤمن ، وإن لم تكن تلك المعرفة التي من جهة الرؤية إيمانا ، أي اعتقادا مطابقا للواقع ، وكانت المعرفة الاكتسابية إيمانا لم تخل هذه المعرفة التي من جهة الاكتساب من أن تزول عند المعرفة من جهة الرؤية لتضادهما ، ولا تزول لامتناع زوال الإيمان في الآخرة ، وهذه العبارة تحتمل ثلاثة أوجه « أحدها » لم تخل هذه المعرفة من الزوال عند الرؤية والمعرفة من جهتها لتضادهما والزوال مستحيل ، لا يقع لامتناع زوال الإيمان في الآخرة « وثانيها » لم تخل هذه المعرفة من الزوال وعدم الزوال ، ويكون متصفا بكليهما في المعاد ، والمستلزم لاجتماع النقيضين مستحيل « وثالثها » لم تخل هذه المعرفة من الزوال وعدم الزوال ولا بد من أحدهما وكل منهما محال ، وأما بيان أن الإيمان لا يزول في المعاد بعد الاتفاق والاجتماع عليه أن الاعتقاد الثابت المطابق للواقع الحاصل بالبرهان مع معارضة الوساوس الحاصلة في الدنيا ، يمتنع زوالها عند ارتفاع الوساوس والموانع ، على أن الرؤية عند مجوزيها إنما تقع للخواص من المؤمنين والكمل منهم في الجنة ، فلو زال إيمانهم لزم كون غير المؤمن أعلى درجة من المؤمن ، وكون الأحط مرتبة أكمل من الأعلى درجة ، وفساده ظاهر.
أقول : الاحتمالات الثلاثة إنما هي على ما في هذه النسخة من الواو ، وأما على ما في التوحيد من كلمة أو فالأخير متعين.
ثم اعلم أنه يرد على هذا الحل أن من لم يسلم امتناع الرؤية كيف يسلم كون الإيمان المكتسب منافيا لها وإن ادعى الضرورة في كون الرؤية مستلزمة لما اتفقوا