ثالثها : ثوم مات رقية بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله حيث بكت عليها النساء فجعل عمر يضربهنّ بسوطه ـ مع انّ النبي صلىاللهعليهوآله أقرّهنّ على البكاء ـ ، فقال صلىاللهعليهوآله : دعهن يبكين.
ثم قال صلىاللهعليهوآله : مهما يكن من القلب والعين فمن الله والرحمة ... وقعد صلىاللهعليهوآله على شفير القبر وفاطمة إلى جنبه تبكي ،
__________________
رواية : ببعض بكاء أهله عليه. وفي رواية : ببكاء الحيّ. وفي رواية : يعذب في قبره بما ينح عليه. وفي رواية : من يبك عليه يعذّب. فانّه خطأ من الرواي بحكم العقل والنقل.
قال الفاضل النووي ـ عند ذكر هذه الروايات في باب الميّت ـ ما هذا لفظه : هذه الروايات كلّها من رواية عمر بن الخطّاب وابنه عبد الله.
[ قال : ] وأنكرت عائشة عليهما ونسبتهما إلى النسيان والاشتباه ، واحتجّت بقوله تعالى : « ولا تزر وازرة وزر اُخرى » إلى آخر كلامه.
وأنكر هذه الروايات أيضاً ابن عباس واحتجّ على خطأ راويها ، والتفصيل في الصحيحين وشروحهما ، وما زالت عائشة وعمر في هذه المسألة على طرفي نقيض حتى أخرج الطبري في حوادث سنة ١٣ من تاريخه عند ذكر وفاة أبي بكر في الجزء الرابع من تاريخه بالإسناد إلى سعيد بن المسيب قال : لمّا توفّي أبو بكر أقامت عليه عائشة النوح ، فأقبل عمر بن الخطاب حتى قام ببابها فنهاهنّ على البكاء على أبي بكر ، فأبين أن ينتهين ، وقال عمر لهشام بن الوليد : ادخل فأخرج إليّ ابنة أبي قحافة. فقالت عائشة لهشام حين سمعت ذلك من عمر : انّي أحرج عليك بيتي. فقال عمر لهشام : ادخل فقد أذنت لك ، فدخل هشام وأخرج اُمّ فروة اُخت أبي بكر إلى عمر فعلاها بالدرّة ، فضربها ضربات ، فتفرّق النوح حين سمعوا ذلك.
قلت : كأنّه لم يعلم تقرير النبي صلىاللهعليهوآله نساء الأنصار على البكاء على موتاهنّ ، ولم يبلغه قوله صلىاللهعليهوآله : « لكن حمزة لا بواكي له » ، وقوله صلىاللهعليهوآله : « على مثل جعفر فلتبك البواكي » ، وقوله صلىاللهعليهوآله : « إنّما يرحم الله من عباده الرحماء ».
ولعله نسي نهي النبي صلىاللهعليهوآله ايّاه عن ضرب البواكي يوم ماتت رقيّة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ونسي نهيه إيّاه عن انتهارهن في مقام آخر.