وكان « أبو بكر الأنباري » أمينا في كل شىء ، وبخاصة في علمه ، فكان إذا أخطأ لا تمنعه مكانته العلمية عن أن يرجع عن خطئه ، ويقول لتلاميذه : إني أخطأت ، والصواب كذا. وحول هذا المعنى يحكي أبو الحسن الدار قطني أحد تلاميذه : أنه حضره في مجلس أملاه يوم جمعة. فصحف اسما أورده في إسناد حديث ـ إما كان حيّان أو حبّان فقال : ( حبان ) ، قال الدار قطني : فأعظمت أن يحمل عن مثله في فضله وجلالته وهم ، وهبته أن أقفه على ذلك ، فلما انقضى الإملاء تقدمت الى المستملي وذكرت له وهمه ، وعرفته صواب القول فيه وانصرفت ، ثم حضرت الجمعة الثانية مجلسه. فقال « أبو بكر بن الأنباري » للمستملي : عرف جماعة الحاضرين أن صحفنا الاسم الفلاني لما أملينا حديث كذا في الجمعة الماضية ، ونبهنا ذلك الشاب على الصواب وهو كذا ، وعرف ذلك الشاب أنا رجعنا الى الأصل فوجدناه كما قال ا هـ. وهكذا يجب أن تكون أمانة العلماء وصدق الأساتذة مع تلاميذهم.
يقول « ابن النديم » ت ٣٨٥ هـ : أخذ « أبو بكر الأنباري » النحو عن « ثعلب » وكان أفضل من أبيه وأعلم ، كان في نهاية الذكاء والفطنة ، وجودة القريحة ، وسرعة الحفظ ، وكان مع ذلك ورعا من الصالحين ، لا تعرف له زلة ، وكان يضرب به المثل في حضور البديهة وسرعة الجواب ، وكان أكثر ما يمليه من غير دفتر ولا كتاب ا هـ (١). وقال عنه « الإمام الداني » ت ٤٤٤ هـ : « أبو بكر ابن الأنباري » إمام في صناعته مع براعته في فهمه وسعة علمه ، وصدق لهجته ا هـ (٢).
ومن صفات « ابن الأنباري » أنه كان من الزهاد ، لأنه أعطى كل وقته للعلم طلبا ودراسة وتعليما وتدوينا ، ومن الأدلة على زهده ما رواه القفطي
__________________
(١) انظر إنباه الرواة ج ٣ ص ٢٠٧.
(٢) انظر طبقات القراء ج ٢ ص ٢٣١.