عبيدهم ينظر إلى أين يتوجه عبدالله ، فرجع العبد وأخبرهم أنه قد غاب بين الجبال و الشعاب ، وقد خرج من العمران ، وليس عنده (١) إنسان ، فعزم القوم على ما أملوه ، وجعلوا نصفا عند الامتعة ، والنصف الآخر أخذوا السيوف تحت ثيابهم وخرجوا قاصدين عبدالله والعبد أمامهم حتى أوقفهم عليه (٢) ، وكان عبدالله قد صاد حمار وحش وهو يسلخه فنظر إلى القوم وقد أقبلوا عليه ، فقال لهم هيوبا : هذا صاحبكم الذي خرجتم من أوطائكم في في طلبه ، فما أحس عبدالله إلا وقد أحاطوا به ، وكانوا قد افترقوا فرقتين ، وقالوا للذين خلفوهم عند متاعهم : إذا دعوناكم أجيبونا مسرعين ، فلما أشرفوا على عبدالله وقد سدوا الطرقات (٣) ، وزعموا أنهم قد حكموا عليه ، فرفع عبدالله رأسه إلى السماء ، ودعا الله تعالى وأقبل إليهم (٤) وقال : يا قوم ما شأنكم؟ فوالله ما بسطت يدي إلى واحد منكم بمكروه أبدا فتطالبوني به ، ولا غصب ما لا قط ، ولا قتلت احدا فاقتل به ، فماحاجتكم؟ فإن يكن سبقت مني فعلة سوء إليكم فأخبروني حتى أعرفها ، واليهود يومئذ تلثموا ولم يبين منهم إلا حماليق الحدق (٥) ، فلم يردوا عليه جوابا ، وأشار بعضهم إلى بعض وهموا بالهجوم عليه ، فجعل نبلة في كبد قوسه ورمى بها نحوهم فاصابت رجلا منهم فوقع ميتا ، ثم رماهم بأربع نبال أصابت أربعة رجال فاشتغلوا عنه بنفسهم ، فأخذ الخامسه ليرميهم بها وأنشأ يقول :
ولي همه تعلو على كل همة |
|
وقلب بورلايروع من الحرب (٦) |
ولي نبلة أرمي بها كل ضيغم |
|
فتنفذ في اللبات والنحر والقلب |
فأربعة منها أصابت لاربع |
|
ولو كاثروني صلت بالطعن والضرب |
أخذت نبالي ثم أرسلت بعضها |
|
فصارت كبرق لاح في خلل السحب |
_________________
(١) ليس معه خ ل. وهو الموجود في المصدر.
(٢) في المصدر : فسار بهم حتى أو قفهم عليه ، ثم قال : يا قوم دونكم وما كنتم تطلبون.
(٣) الطريق خ ل وهو الموجود في المصدر.
(٤) في المصدر : فاذاهم مجدين نحوه ، فعلم انهم يريدون ( معدون خ ) شرا فترك ما كان فيه و أقبل عليهم.
(٥) حملاق العين بالكسر والفتح وحملوقها : باطن الاجفان ، والجمع الحماليق.
(٦) في الحرب خ ل.