إيصال أقبح أنواع الاساءة إلى ذلك المنعم من منكرات الاعمال.
إذا ثبت هذا فنقول : إن هذه المعصية التي نسبوها إلى يوسف كانت موصوفة بجميع هذه الجهات الاربعة ، ومثل هذه المعصية لو نسبت إلى أفسق خلق الله وأبعدهم عن كل خير لاستنكف منه ، فكيف يجوز إسناده إلى الرسول المؤيد بالمعجزات القاهرة الباهرة؟ الثاني أنه تعالى قال في عين هذه الواقعة : « كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء » وذلك يدل على أن ماهية السوء وماهيه الفحشاء مصروفة عنه ، ولا شك أن المعصية التي نسبوها إليه أعظم أنواع السوء وأفحش أقسام الفحشاء ، فكيف يليق برب العالمين أن يشهد في عين هذه الواقعة بكونه بريئا من السوء والفحشاء مع أنه كان قد أتى بأعظم أنواع السوء والفحشاء؟! أيضا فالآية تدل على قولنا من وجه آخر : وذلك لانا نقول : هب إن هذه الآية لا تدل على نفي هذه المعصية عنه إلا أنه لاشك أنها تفيد المدح العظيم والثناء البالغ ولا يليق بحكمة الله تعالى أن يحكي عن إنسان إقدامه على معصية عظيمة ثم إنه يمدحه ويثني عليه بأعظم المدائح والاثنية عقيب أن يحكي عنه ذلك الذنب العظيم ، فإن مثاله ما إذا حكى السلطان عن بعض عبيده أقبح الذنوب وأفحش الاعمال ثم يذكره بالمدح العظيم والثناء البالغ عقيبه ، فإن ذلك يستنكر جدا فكذا ههنا.
الثالث : أن الانبياء متى صدرت عنهم زلة أوهفوة (١) استعظموا ذلك وأتبعوها بإظهار الندامة والتوبة والتواضع ، ولو كان يوسف أقدم ههنا على هذه الكبيرة المنكرة لكان من المحال أن لا يتبعها بالتوبة والاستغفار ، ولوأتى بالتوبة لحكى الله عنه إتيانه بها كما في سائر المواضع ، وحيث لم يوجد شئ من ذلك علمنا أنه ما صدر عنه في هذه الواقعة ذنب ولا معصية.
الرابع : أن كل من كان له تعلق بتلك الواقعة فقد شهد ببراءة يوسف عليهالسلام عن المعصية.
واعلم أن الذين لهم تعلق بهذه الواقعة : يوسف ، وتلك المرأة ، وزوجها ، والنسوة ، والشهود ، ورب العالمين شهد ببراءته عن الذنب ، وإبليس أيضا أقر ببراءته عن المعصية ،
__________________
(١) الهفوة : السقطة والزلة.