فبهتوا ، وقالوا : قد علمنا يا صالح إن ربك أعز وأقد من آلهتنا التي نعبدها ، وكان لقريتهم ماء وهي الحجر التي ذكرها الله تعالى في كتابه وهو قوله : « كذب أصحاب الحجر المرسلين » فقال لهم صالح : لهذه الناقة شرب ، أي تشرب ماءكم يوما وتدر لبنها عليكم يوما ، وهو قول عزوجل : « لها شرب ولكم شرب يوم معلوم * ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم » فكانت تشرب ماءهم يوما ، وإذا كان من الغد وقفت وسط قريتهم فلا يبقى في القرية أحد إلا حلب منها حاجته ، وكان فيهم تسعة من رؤسائهم كما ذكر الله في سورة النمل « وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الارض ولا يصلحون » فعقروا الناقة ورموها حتى قتلوها وقتلوا الفصيل ، فلما عقروا الناقه قالوا لصالح : « ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين » قال صالح : « تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب » ثم قال لهم : وعلامة هلاككم أنه تبيض وجوهكم غدا ، وتحمر بعد غد وتسود يوم الثالث ، فلما كان من الغد نظروا إلى وجوههم قد ابيضت مثل القطن ، فلما كان يوم الثاني احمرت مثل الدم ، فلما كان يوم الثالث اسودت وجوههم ، فبعث الله عليهم صيحة وزلزلة فهلكوا ، وهو قوله تعالى : « فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في ديارهم جاثمين » فما تخلص منهم غير صالح وقوم مستضعفين مؤمنين وهو قوله : « فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز * وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين * كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمودا كفروا ربهم ألا بعدا لثمود ». (١)
بيان : قال الله تعالى في سورة الاعراف : « فأخذتهم الرجفة » قال الطبرسي رحمهالله : أي الصيحة ، عن مجاهد والسدي ، وقيل : الصاعقة ، وقيل : الزلزلة اهلكوا بها ، عن أبي مسلم ، وقيل : كانت صيحة زلزلت به الارض ، وأصل الرجفة : الحركة المزعجة بشدة الزعزعة ، قوله تعالى : « جاثمين » أي صرعى ميتين لا حركة بهم ، وقيل : كالرماد الجاثم لانهم احترقوا بها (٢) « كأن لم يغنوا فيها » أي كأن لم يكونوا في منازلهم قط لانقطاع آثارهم
ـــــــــــــــ
(١) تفسير القمى ص ٣٠٦ ـ ٣٠٨. م
(٢) مجمع البيان ٤ : ٤٤١. م