رؤوف الرحمة لايوصف بالرقة ، مؤمن لابعبادة ، مدرك لابمجسة ، (١) قائل لابلفظ ، هو في الاشياء على غير ممازجة ، خارج منها على غير مباينة ، فوق كل شئ ولا يقال شئ فوقه ، أمام كل شئ ولا يقال له أمام ، داخل في الاشياء لاكشئ في شئ داخل ، وخارج منها لا كشئ من شئ خارج. فخر ذعلب مغشيا عليه فقال : تالله ماسمعت بمثل هذا الجواب ، والله لاعدت إلى مثلها.
ثم قال عليهالسلام : سلوني قبل أن تفقدوني ، فقام إليه الاشعث بن قيس فقال : يا أميرالمؤمنين كيف تؤخذ من المجوس الجزية ولم ينزل عليهم كتاب ولم يبعث إليهم نبي؟ فقال : بلى يا أشعث قد أنزل الله تعالى عليهم كتابا وبعث إليهم نبيا ، (٢) وكان لهم ملك سكرذات ليلة فدعا بابنته إلى فراشه فارتكبها ، فلما أصبح تسامع به قومه فاجتمعوا إلى بابه فقالوا : أيها الملك دنست علينا ديننا فأهلكته ، فاخرج نطهرك ونقم عليك الحد.
فقال لهم : اجتمعوا واسمعوا كلامي فإن يكن لي مخرج مما ارتكبت وإلا فشأنكم ، فاجتمعوا فقال لهم : هل علمتم أن الله عزوجل لم يخلق خلقا أكرم عليه من أبينا آدم و امناحواء؟ قالوا : صدقت أيها الملك. قال : أفليس قد زوج بنيه بناته وبناته ومن بنيه؟ قالوا : صدقت هذا هو الدين فتعاقدوا على ذلك ، فمحا الله ما في صدورهم من العلم ، ورفع عنهم الكتاب ، فهم الكفرة يدخلون النار بلاحساب ، والمنافقون أشد حالا منهم. فقال الاشعث : والله ماسمعت بمثل هذا الجواب والله لاعدت إلى مثلها أبدا
ثم قال : سلوني قبل أن تفقدوني. فقام إليه رجل من أقصى المسجد متوكيا على عكازة(٣) فلم يزل يتخطي الناس حتى دنامنه فقال : يا أميرالمؤمنين دلني على عمل إذا أنا عملته نجاني الله من النار. فقال له : اسمع يا هذا ثم افهم ثم استيقن ، قامت الدنيا بثلاثة : بعالم ناطق مستعمل لعلمه ، وبغني لايبخل بماله على أهل دين الله عزوجل ، و بفقير صابر. فإذاكتم العالم علمه وبخل الغني ولم يصبر الفقير فعندها الويل والثبور ،
__________________
(١) المجسة : موضع اللمس. أى مدرك لابالحواس.
(٢) في التوحيد : وبعث إليهم رسولا.
(٣) في التوحيد : على عصاه.