ملاك الكبريات ، بل منه بما هو مدرك للحكم الشرعي ولملاكه ، واستقلال العقل بملاكات الاحكام الشرعية مما لا يذهب اليه ذو مسكة.
نعم التحقيق أن مسألتنا هذه غير مندرجة في مسألة التخيير والتعيين العقليين مع القطع بالاهمية فضلا عن احتمالها ، فان حكم العقل بالتخيير هنا ليس بملاك التخيير بين الواجبين المتزاحمين من حيث تساويهما في المقتضي ومقتضاه والقدرة على امتثاله في نفسه ، حتى يكون القطع باقوائية الملاك او احتمالها مانعا عن حكمه بالتخيير.
بل التخيير هنا عقلا بمعنى استقلال العقل بعدم الحرج في الفعل والترك ، بملاك عدم المتنجز للوجوب وللحرمة.
والقطع باهمية ملاك الحرمة ـ على تقدير ثبوتها واقعا ـ أجنبي عن هذا الملاك فضلا عن احتمالها ؛ لأن احتمال ثبوت الحكم الأهم كاحتمال ثبوت غير الأهم في عدم التنجز ، لعدم التمكن من الموافقة القطعية ، ومن ترك المخالفة القطعية (١) على حد سواء.
والموافقة الاحتمالية للتكليف المعلوم كالمخالفة الاحتمالية قهرية ، لا أنها لازم المراعاة بحكم العقل ، حتى يتوهم أنه مع القطع بالأهمية أو احتمالها في طرف يحكم العقل بمراعاة موافقته الاحتمالية بالخصوص.
نعم لو قلنا بوجوب الأخذ بأحد المحتملين ـ من باب دلالة الدليل على التخيير بين الخبرين ، على التخيير بين المحتملين ـ فلازمه كون احتمال الوجوب ذا مصلحة مقتضية لجعل الوجوب على طبقه. واحتمال الحرمة ذا مفسدة مقتضية لجعل الحرمة على طبقه.
وحيث لا يتمكن من امتثال الحكمين يحكم العقل بالتخيير من باب التخيير بين المتزاحمين ، فلا محالة يتوقف عن الحكم بالتخيير مع القطع بالاهمية
__________________
(١) هكذا في المصدر ، لكن الصحيح : ومن المخالفة القطعية.