فالحكم المستنبط ،
أو الحكم الكلي الذي يراد تطبيقه على مورده لا يختص بالمجتهد ، بل المقدمات
المؤدية إلى استنباطه ، أو إلى تطبيقه هي المختصة بالمجتهد.
فكما أن اختصاص
مقدمات الاجتهاد والاستنباط لا يوجب اختصاص الحكم المستنبط بالمجتهد ، كذلك اختصاص
الفحص ـ عن الحجة المحقق لموضوع الحكم فعلا ـ به لا يوجب اختصاص ذلك الحكم الكلي
الذي لا ينطبق على مصداقه إلا بالفحص المحقق للمصداق بالمجتهد.
ومما ذكرنا تبين
أنه لا امتياز للاصول العملية عن القواعد الفقهية ، فان اختصاص تطبيقها على
مصاديقها ـ بالفحص المحقق لمطابق موضوعها الكلي ـ بالمجتهد من حيث كونه أهل الخبرة
بالتطبيق لا يوجب إدراج هذه المسائل في علم الاصول دون غيرها ، لأن خبرة تطبيق
القواعد العامة الفقهية أيضا تحتاج إلى مقدمات نظرية تختص بالمجتهد.
وقد عرفت أن هذه
الخصوصية لا يوجب كون هذا الحكم الكلي العملي حكما أصوليا ، لا حكما فقهيا ، بل
الكل بناء عليه قواعد فقهية. غاية الأمر أن هذه القواعد قواعد عامة لا تختص بباب
دون باب ، بخلاف تلك القواعد ، فانها ربما تختص بباب الطهارة ، أو بباب الصلاة أو
بخصوص باب البيع ، أو غيره ، أو بأبواب العبادات مطلقا أو بابواب المعاملات.
وهذا التعميم
والتخصيص لا يوجب خروج المسألة عن كونها فقهية ، ولا دخولها في المسائل الاصولية.
نعم بناء على ما
ذكرنا ، فالكل من القواعد الممهدة لاستنباط الحكم الشرعي ، إلا ما لا بأس بالاستطراد
فيه ، كالبراءة الشرعية بمعنى الاباحة ورفع الحكم لا بمعنى المعذرية شرعا.