الانسانية فلا طريق للمعرفة الحقيقية سوى الحس ، ولا مكان في الوجود لغير المشاهد المحسوس ، هذا المبدأ الذي اقيمت عليه الفلسفة الوضعية في القرن التاسع عشر ، والذي شاده الفيلسوف الفرنسي أوجست كومت ( ١٧٩٨ ـ ١٨٥٧ ) وتلميذه لودفيج فيورباخ ( ١٨٠٤ ـ ١٨٧٢ ).
وإذا لم يكن في الوجود مكان لغير المشاهد المحسوس ، فلا مكان فيه ( لله ) ولا ( لما وراء الطبيعة ) ولا لآراء تتصل بذلك أو تستمد منه.
والركيزة الثانية لهذه الفلسفة ( مبدأ النقيض ). المبدأ الذي استخدمه فيشته ( ١٧٦٢ ـ ١٨١٤ ) في تصور الانسان لنفسه ، واستخدمه بعده هيجل ( ١٧٧٠ ـ ١٨٣٠ ) في رأيه عن الفكرة ، وارتكزت عليه الفلسفة ( العقلية ) الألمانية في القرن الثامن عشر والتاسع عشر ، ثم قبسه كارل ماركس ( ١٨١٨ ـ ١٨٨٣ ) وعمّمه وأقام عليه نظريته في الكون ومذهبه في الاقتصاد والاجتماع.
ومبدأ النقيض على ما يراه ماركس : أن كل شيء يتضمن نقيضه وينطوي على سلب نفسه ، وهذا التناقض يؤدي حتما الى الصراع الداخلي بين المتقابلين ، والى الحركة الذاتية في الشيء حتى يتحول الى نقيضه ، ثم يتحول الشيء ونقيضه الى جامع لهما ، ثم تبتدىء دورة جديدة فان الجامع بدوره يصبح شيئاً ينطوي على نقيضه ، ويتحول بالحركة الذاتية اليه ويتحول هذان المتقابلان الى جامع ، وهكذا يستمر التغير ، ويستمر التحول ، فكلّ شيء في حركة ، وكل شيء في تغير ، وكل شيء في تقدم ، وليس في الوجود شيء ثابت.
وتحول الشيء الى نقيضه يقع تدريجاً ، وحركته
الذاتية اليه حركة بطيئة ،