أقول : لعل استقصاء الطفل هذا من أصداء تلك النزعة التي تحدَّث عنها العلماء النفسيون ، فكأن الفطرة توحي إليه أن للأشياء علة أولى يجب أن تستند إليها العلل ، وان لها غاية كبرى يجب أن تنتهي بها الغايات. لعل استقصاءه هذا من آثار نزعته تلك ، ولعله من آثار شعوره ( بقانون السببية ) فهو الآخر فطري من فطريات الانسان ، وهو كذلك ركيزة من ركائز الايمان. ولعله رجع لكلتا الفطرتين ، فولوعه بالمسألة عن العلة استجابة لهذا الشعور ، وارتقاؤه الى سلسلة أسبابه تلبية لتلك النزعة.
ويصرح كثير من علماء الاجتماع وكثير من مؤرخي الأديان وعلماء النفس بأن التدين احدى الغرائز النفسية للانسان ، ويقول معجم ( لاروس ) للقرن العشرين :
|
( ان الغريزة الدينية مشتركة بين كل الأجناس البشرية حتى أشدها همجية واقربها الى الحياة الحيوانية ، وان الاهتمام بالمعنى الالهي وبما فوق الطبيعة هو إحدى النزعات العالمية الخالدة للإنسان ). |
|
وقد غلا بعض هؤلاء العلماء فذهب الى أن جراثيم هذا الشعور الديني توجد لدى الحيوانات ، وادعى ان بعض انواع الحيوان تشيع فيه نزعة دينية غريبة حين يحس بالموت ، أو حين يشعر بهبوب أنّي جارف أونكبة كونية (١).
وسواء أصحَّت هذه الدعوى من قائلها أم لم تصح فإن ثبوت هذه النزعة
__________________
١ ـ نشأة الدين للأستاذ علي سامي النشار ص ٣٠.