الملتوية. والتياثها بغرائز الطفل ومشاعره ، وحشو ذهنه بالاباطيل والأضاليل ، هذه الجراثيم الفتاكة التي تحدث العلة وتعمق جذورها وتنشر بذورها ، هذه هي التي تلتوي بالفطرة عن استقامتها ونشوة محاسنها وتحولها عن مجراها ، وتحمل الطفل حملا أن يجري مع الاوهام وأن يخضع للأساطير ، وأن ينحرف في تفكيره وينحرف في عقيدته وينحرف في سلوكه.
* * *
هناك في أعماق الانسان ، وفي قرارة نفسه وطوايا قلبه نزعة متأصلة ، يشعر بها جيداً حين يتجرد لاحكام الغريزة ، ويغفل عنها حين يندفع مع الحياة العامة ، وحين تستبد به ملابساتها وتتقاذفه تياراتها.
نزعة ذاتية في الانسان قديمة بقدم وجوده ، مكينة بتمكن غرائزه وثبات طباعه ، هي نزعة التعلق بغيب مجهول والتوجه الى حقيقة عليها غير محدودة ، تنتهي عندها الأسباب ، ويستند اليها التدبير ، يرغب في رضاها ويحذر من بطشها.
ومما يدل على هذه النزعة من الانسان ، وعلى مدى اصالتها فيه ، وعلى مبلغ استسلامه لها أن فكرة الدين والجانب الإلهي منها على الأخص قد تخللا تأريخ البشرية ، وعما أجيالها ، وتغلغلا في جميع قبائلها وجميع اقطارها. بحيث لم يخل منها عصر من عصور التأريخ ، ولم تنسلخ عن التمسك بهما امة من الامم مهما انتبذ بها الزمن ومهما شطت بها الدار ، ومهما ذهبت بها ( البداءة ) واتضعت بها الهمجية واختلت بينها موازين الاخلاق.
فهي شعور راسخ ثابت في جبلة الانسان ، وفي
نزعات أفراده ، وان بدت منحرفة المظاهر لدى كثير من الامم ، فقد اتخذ الانسان من الحجارة ومن