الحيوان وثمار النبات يتغذى الانسان ، ومن عصارة الأغذية تتكون النطفة التي منها نخلق والخلية التي عنها نتطوّر.
وكلتا النشأتين ضم عناصر وتأسيس خلايات ثم إقامة بناء ونفخ حياة .. وفارق الشأة الأولى هو هذا التطور الذي خضع له الكائن .. هذا المدرجة التي منها عبر ، والسلم الذي فيه ارتقى ..
كان تراباً ، وهذه جزيئاته الأولى.
ثم كان نطفة ، وهي مادته القريبة.
فكان علقة.
فكان مضغة.
ثم تم البناء ، وقام الهيكل ، ونفخت الروح. وخرج طفلاً يبتسم للدنيا ، وبلغ أشده يكدح فيها ، ومرت به أدوار الحياة وتناقلته نواميسها وتلاقفته تياراتها.
إذن فالنشاة الأولى أشد تعقيداً وأعسر متناولا من النشأة الثانية.
أعسر متناولا في المقاييس البشرية ، لا في قدرة الله عزّ اسمه ، حيث تبطل الحدود ، وتضل المقاييس ، تتساوى النسبة فلا شيء أصعب من شيء ولا تكون أيسر من تكوين.
من تراب. ثم من نطفة. ثم من علقة. ثم من مضغة تجمد وتشتد وتتصور عظاما وتكسى العظام لحماً. هذا السلم الذي يرقاه التراب ليصير إنساناً وبتعبير آخر أدنى الى الصواب ، يرقاه الانسان النطفة حتى يكون الانسان الطفل والانسان القويّ الأيّد. فان النطفة تحتوي خلاصة الانسان وخلاصة صفاته وسماته واستعداداته وموروثاته.