عظم حتى عجزت الرؤية
أن تحيط به لترامي أبعاده ، مما قرب حتى كاد القرب أن يدمجه في حدود الرائي ، أو بعد حتى أوشك البعد أن يلحقه بالوهم.
في كل موجود يزحم هذا الفضاء الرحب ، وفي
كل قانون يحكم هذي الموجودات المتنوعة.
ينظر الانسان في كل هذه فلا يلفي إلا
شيئاً يتجه إلى غاية ... إلى غاية عتيدة أعدت هي له وأعدّ هو لها منذ التكوين :
(
مَا
خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ
وَأَجَلٍ مُّسَمًّى )
.
فلماذا يجهد الانسان أن ينكر الارتباط
بالغاية حين يعود به التفكير الى ذاته ؟ ( أَيَحْسَبُ
الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى
) أيحسب هذا لنفسه وحده دون بقية موجودات الكون. ودون سائر منشآت الطبيعة. أن يترك سدى هكذا مهملاً دون غاية ولا نظام ولا رابط ولا ضابط ؟!.
لقد وجد الانسان واستقام كيانه والتأمت
عناصره على أدق حكمة وأتم وضع وأحسن تصوير ، وهو غير مختار في شيء من ذلك ، ولا محيص من أن تكون لوجوده هذا المتقن غاية لأن الغاية ـ كما قلناه مكرراً ـ هي الفارق بين العبث والحكمة. ولا محيص من الطريق التي يسلكها الى تلك الغاية ، وقد استوفينا شرح هذا في مستهل الكتاب فليعد إليه القاريء إذا شاء. وحركة الانسان هذه التي نريد أن ننزهها عن العبث اختيارية ولا شك ،
__________________