هذه القوة إنما يكونان لأمور خارجة عنها تنتابها فتبعد بها عن الاتساق وتصرفها عن الاستقامة.
الاعتدال في الطبع والفكر ثم الاستقامة في التصميم والاتزان في العمل ، هذا الانتظام المطلق في الجهاز الاختياري ، المطرد في كل أدواته ومعداته وكل جزء من أجزائه ، الموصل الى تحقيق الغاية المبتغاة منه ، هذا هو الاصل في الانسان ، وهذا معنى الصحة الطبيعية في نواحيه تلك ، وهو كذلك معنى الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها.
غير ان العلل التي تعترض هذه القوى فتعتاقها عن التوازن غفيرة وفيرة.
ذلك ان التكامل في شؤون الانسان هذه اختياري لايحدث إلا عن طريق الارادة ، ولا يتم إلا تحت نفوذها ، وصوارف الارادة عن التزام الصواب تفوت الحصر وتمتنع على الحاصر.
ففي المرء جموع أو خنوع في الغرائز ، وتقلب أو تطرف في الأهواء ، وكبت أو انطلاق في الرغبات ، وللمرء طباع يرثها من اسلافه وقد تكون رديئة ، ولديه تقاليد يألفها من مجتمعه وقد تكون ذميمة ، وله عادات يكسبها بارادته وقد تكون ساقطة ، ومعلومات يتلقنها بتربية أو يفيدها بتجربته وقد تكون خاطئة ، وتصادم في الميول ، وتكافؤ في الدوافع ، وعقد نفسانية متأصلة ، وانعالات لا شعورية مكبوتة ، وانحرافات أخرى لاتنحصر أسبابها وكل أولئك صوارف للارادة عن التزام الصواب ، وكلها عوارض للفطرة تطرأ عليها فتكدر صفاءها وتشرد بها عن اتزانها.
فكان من الضروري لهذه القوى أن يقام لها
دليل مأمون ينهج بها منهج