الحدود ، مرتفعة عن الحاجة تفض الخير وتكفي السوء.
بلى وكل انسان له ساعات لايخادع فيها نفسه أو هو لا يستطيع أن يخادعها ، ساعات تتعرى له فيها الحقائق فيؤمن انه لايملك شيئاً مما في يديه ، وان يك أغنى الأغنياء أو أقوى الأقوياء في مقاييس الناس.
وتستلفته نِعمٌ عظيمة تحوطه من شتى نواحيه ، ظاهرة وباطنة ، نِعمُ لايحصيها عدداً ، ولا يملك لها وصفاً ، ولا يفي بها شكراً ، فيوقن بفطرته كذلك أن هذه الأيادي جمعاء صنيع تلك القوة العظمى التي لجأ اليها عند ضعفه وتعلق بها عند خوفه.
ويمتد بصره الى ما يكتنفه من أحياء وأشياء فتقول له بداهته : هذه آثار لها مؤثر. وتقول له فطرته : موجد هذه المكونات هو تلك القدرة الغالبة التي لاينتهي بها حد ، ولا يعجزها شيء. وهكذا يجد الانسان دليل الربوبية ودليل التوحيد مطبوعين في ركائز شعوره. فاذا ركن الى العقل الواعي ليفصل له ما اجملته الفطرة وجده يقول : خالق الكون يجب أن يكون كاملا لأنه يهب الكمال لخلقه ، وواهب الكمال لا يكون ناقصاً. وخالق الكون يجب أن يكون غير متناهي الحدود في كماله. لأنه لو تناهى كماله لافتقر الى المزيد ، وهذا يعني أنه مفتقر الى العلة فلا يكون إلهاً.
والنتيجة اللازمة المحتومة لذلك أن إله الكون لن يكون إلا واحداً لأن الالهين والآلهة الكثر لا محيد من أن يختص كل واحد منهم بحصة من الكمال لاتكون لشركائه ، فان هذا هو المعنى المفهوم للتعدد. وهذا يعني أن كل واحد منهم متناهي الحدود في كماله. فلا يكون الهاً ولا خالقاً.