والآية الكريمة بعد هذه التوطئة وهذا التوضيح تقول : إذا كان الله هو المدبر لكل شيء في الكون المربي له في كل دور القيوم عليه في كل آن ، واذا كان تدبيره للموجودات كلها على وفق أنظمة دقيقة لاتخطىء ، وعلى نهج حكمة صالحة لاتضل ، إذا كان الامر كذلك فلماذا يحاول الانسان وحده أن يشدَّ فيبتغي له رباً آخر لم يعهد له الحكمة ومدبراً لا يأمن عليه الضلال ؟
أليست التربية في الدين فرعاً من مطلق التربية واذا كانت كذلك أفلا تكون حقاً خالصاً لله رب كل شيء ؟.
أغير الله أبغي ربّاً وهو ربّ كل شيء ؟ هذا تساؤل يتوجه به القرآن إلى العقل المفكر ليوحي اليه أن كل ماسوى الله خاضع ومربوب فلا يصح أن يكون ربّاً ومدبراً. وإلى المنطق الحرّ ليعرفه أن إنقياد المرء في الدين لايسوغ لغير العلة التي يخضع لها في التكوين. وإلى الفطرة الواعية ليقول لها : ان الكون بجملته يجري على سنن واحد ولا يملك الانسان أن يشذ عن قاعدة الكون :
( أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ) (١).
* * *
( قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن
__________________
١ ـ آل عمران ، الآية ٨٣.