إنه هدف مزدوج على ما يبدو ، وكل شيء يرام أن يؤخذ به الى غاية فلابد من إعداده لها ولابد من تصفيته من أضدادها. والنفس البشرية جهاز كالاجهزة لايجدي نفعاً مالم تنظف أعجاله ومحركاته عما يعلق بها من أدران ، وعما يقر في خزّاناته من رواسب ، ولا يجدي نفعاً مالم يحسن مديره كيف يوجهه الى العمل المطلوب وكيف يستخدمه للانتاج الحسن الكثير.
تطهير وانقاء ، هذا هو المأرب الاول الذي يعمل له الدين.
أجل. فاللنفوس من أهوائها ومطامعها معوقات تصدها عن الخير وعليها من سواها مؤثرات تصرفها عن الاستكمال ، وللنعم أضداد من صفات الانسان تمنعها عن التحقق. ولها حواجز من ملابسات الانسان تعتاقها عن التمام. ولا مناص من اجتثاث هذه الآفات ، وإقصاء هذه الغرائب اذا لم يكن مناص من بلوغ الغاية. والمعوقات المذكورة تتمثل في كل عمل محظور نهى عنه دين الله ، وفي كل صفة ذميمة منعت منها إرشاداته وفي كل غاية وضيعة حرمت السعي اليها تعاليمه.
ثم تزكية وإعلاء ، وهذا هو المأرب الثاني من مآرب الدين ، وهو كذلك دور اتمام النعمة على حد تعبير الآية الكريمة ، وبهذا تتم الغاية التي أرادها الله يوم وضع العقيدة وشرع الشريعة.
وواجب الدين في الدورين المذكورين أن
يعد الذرائع المبلغة الى المدى ، وان يوجه النفوس بصفاتها وبأعمالها الى الهدف ، ثم عليه غير ذلك أن يلون الغايات المتفرقة حتى يرجعها الى غاية ، وأن يضم المسببات المختلفة حتى يجمعها في مسبب هو الغاية الكبرى للدين والكمال الاقصى للبشر والنعمة