صاموا لهم ولاصلوا لهم ، ولكنهم أحلوا لهم حراما ، وحرموا عليهم حلالا فاتبعوهم فعبدوهم من حيث لا يشعرون. وروى الثعلبي بإسناده عن عدي بن حاتم قال : أتيت رسول الله صلىاللهعليهوآله وفي عنقي صليب من ذهب ، فقال : يا عدي اطرح هذا الوثن من نقك ، قال : فطرحته وانتهيت إليه وهو يقرء هذه الآية حتى فرغ منها ، فقلت له : إنا لسنا نعبدهم ، فقال : أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ، ويحلون ما حرم الله فتستحلونه؟ قال : فقلت : بلى ، قال : فتلك عبادتهم. (١)
وفي قوله : « إنما النسئ زيادة في الكفر » يعني تأخير الاشهر الحرم عما رتبها الله سبحانه عليه ، وكانت العرب تحرم الاشهر الاربعة ، وذلك مما تمسكت به من ملة إبراهيم وإسماعيل ، وهم كانوا أصحاب غارات وحروب ، فربما كان يشق عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية لا يغيرون فيها ، (٢) فكانوا يؤخرون تحريم المحرم إلى صفر فيحرمونه ويستحلون المحرم فيمكثون بذلك زمانا ، ثم يزول التحريم إلى المحرم (٣) ولا يفعلون ذلك إلا في ذي الحجة وقال ابن عباس : معنى قوله : « زيادة في الكفر » أنهم كانوا أحلوا ما حرم الله وحرموا ما أحل الله ، قال الفراء : والذي كان يقوم به رجل من كنانة يقال له نعيم بن تغلبة وكان رئيس الموسم ، فيقول : أنا الذي لا اعاب ولا اخاب ، ولا يرد لي قضاء ، فيقولون : نعم صدقت ( أنسئنا؟ ) شهرا وأخر عنا حرمة المحرم واجعلها في صفر وأحل المحرم ، فيفعل ذلك ، والذي كان ينسؤها حين جاء الاسلام جنادة بن عوف بن امية الكناني ، قال ابن عباس : وأول من سن النسئ عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف ، وقال أبومسلم : بل رجل من بني كنانة يقال له القلمس ، وقال مجاهد : كان المشركون يحجون في كل شهر عامين فحجوا في ذي الحجة عامين ، ثم حجوا في المحرم عامين ، ثم حجوا في صفر عامين ، وكذلك في الشهور حتى وافقت الحجة التي قبل حجة الوداع في ذي القعدة ، ثم حج النبي
____________________
(١) مجمع البيان ٥ : ٢٣.
(٢) أغار عليهم : هجم وأوقع بهم. وفى التفسير المطبوع : لا يغزون فيها.
(٣) في التفسير المطبوع : ثم يأول التحريم إلى المحرم.