وفي قوله : « قال الذين لايرجون لقاءنا » أي لا يؤمنون بالبعث والنشور « ائت بقرآن غير هذا » الذي تتلوه علينا « أوبد له » فاجعله على خلاف ماتقرؤه ، والفرق بينهما أن الاتيان بغيره قد يكون معه ، وتبديله لا يكون إلا برفعه ، وقيل : معنى قوله : « بدله » غير أحكامه من الحلال والحرام ، أرادوا بذلك زوال الحظر عنهم و سقوط الامر منهم وأن يخلى بينهم وبين ما يريدون « ولا ( أدريكم؟ ) به » أي ولا أعلمكم الله به بأن لا ينزله علي « فقد لبثت فيكم عمرا من قبله » أي أقمت بينكم دهرا طويلا من قبل إنزال القرآن فلم أقرأه عليكم ولا ادعيت نبوة حتى أكرمني الله به « و يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله » أخبر سبحانه عن هؤلاء الكفار أنهم قالوا : إنا نعبد هذه الاصنام لتشفع لنا عند الله ، وإن الله أذن لنا في عبادتها ، وأنه سيشفعها فينا في الآخرة ، وتوهموا أن عبادتها أشد في تعظيم الله سبحانه من قصده تعالى بالعبادة ، فجمعوا بين قبيح القول وقبيح الفعل وقبيح التوهم ، وقيل : معناه هؤلاء شفعاؤنا في الدنيا لاصلاح معاشنا ، عن الحسن ، قال : لانهم كانوا لا يقرون بالبعث بدلالة قوله تعالى : « وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت ». (١) « قل أتنبؤن الله بما لا يعلم في السموات ولا في الارض » أي تخبرون الله بما لا يعلم من حسن عبادة الاصنام وكونها شافعة ، لان ذلك لو كان صحيحا لكان تعالى به عالما ، ففي نفي علمه بذلك نفي المعلوم. (٢)
وفي قوله تعالى : « فسيقولون الله » فيها دلالة على أنهم كانوا يقرون بالخالق وإن كانوا مشركين ، فإن جمهور العقلاء يقرون بالصانع سوى جماعة قليلة من ملحدة الفلاسفة ، ومن أقر بالصانع على هذا صنفان : موحد يعتقد أن الصانع واحد لا يستحق العبادة غيره ، ومشرك وهم ضربان : فضرب جعلوا لله شريكا في ملكه يضاده ويناويه وهم الثنوية والمجوس ، ثم اختلفوا فمنهم من يثبت لله شريكا قديما كالمانوية ، ومنهم من يثبت لله شريكا محدثا كالمجوس ، وضرب آخر لا يجعل لله شريكا في حكمه
____________________
(١) النحل : ٣٨.
(٢) مجمع البيان ٥ : ٩٧ ـ ٩٨.