وملكه ، ولكن يجعل له شريكا في العبادة يكون متوسطا بينه وبين الصانع وهم أصحاب المتوسطات ، ثم اختلفوا فمنهم من جعل الوسائط من الاجرام العلوية كالنجوم والشمس والقمر ، ومنهم من جعل المتوسط من الاجسام السفلية كالاصنام ونحوها ، تعالى الله عما يقول الزائغون عن سبيله علوا كبيرا. (١)
وفي قوله تعالى : « أم من لا يهدي إلا أن يهدى » الاصنام لا تهتدي ولا تهدي أحدا وإن هديت ، لانها موات من حجارة ونحوها ، ولكن الكلام نزل على أنها إن هديت اهتدت لانهم لما اتخذوها آلهة عبر عنها كما يعبر عمن يعقل ووصفت بصفة من يعقل وإن لم تكن في الحقيقة كذلك ، ألا ترى إلى قوله تعالى : (٢) « إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم » وقوله : « فادعوهم فليستجيبوا لكم ألهم أرجل يمشون بها » الآية وكذا قوله : « إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم فاجري عليه اللفظ كما يجري على من يعلم ، وقيل : المراد بذلك الملائكة والجن ، وقيل : الرؤساء والمضلون الذين يدعون إلى الكفر ، وقيل : إن المعنى في قوله : « لا يهدي إلا أن يهدى » لا يتحرك إلا أن يحرك « بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه » أي بما لم يعلموه من جميع وجوهه لان في القرآن ما يعلم المراد منه بدليل ويحتاج إلى الفكر فيه ، أو الرجوع إلى الرسول في معرفة مراده مثل المتشابه ، فالكفار لما لم يعرفوا المراد بظاهره كذبوا به ، وقيل : أي لم يحيطوا بكيفية نظمه وترتيبه ، وهذا كما أن الناس يعرفون ألفاظ الشعر والخطب ومعانيها وما يمكنهم إبداعها لجهلهم بنظمها وترتيبها ، وقال الحسن : معناه : بل كذبوا بالقرآن من غير علم ببطلانه ، وقيل : معناه : بل كذبوا بما في القرآن من الجنة والنار والبعث والنشور والثواب والعقاب. (٣)
وفي قوله : « ماذا يستعجل منه المجرمون » هذا الاستفهام معناه التفظيع والتهويل كما يقول الانسان لمن هو في أمر يستوخم عاقبته : ماذا تجني على نفسك؟ وقال
____________________
(١) مجمع البيان ٥ : ١٠٧.
(٢) في التفسير المطبوع : ألا ترى إلى قوله سبحانه : « ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السموات والارض شيئا ولا يستطيعون » وقوله : « إن الذين تدعون » إ ه.
(٣) مجمع البيان ٥ : ١٠٩ ـ ١١٠.