ولذلك فكما يمكن الاستدلال بهذه الفقرة على الاستصحاب كذلك يمكن الاستدلال بها على قاعدة اليقين. هذا من الناحية النظريّة الثبوتيّة.
وأمّا إثباتا فيمكننا استظهار التطبيق على الاستصحاب ، ولذلك قال السيّد الشهيد :
غير أنّه يمكن تعيين الأوّل بلحاظ ارتكازيّة الاستصحاب ومناسبة التعليل ، والتعبير بـ ( لا ينبغي ) لكون القاعدة مركوزة ، وأمّا قاعدة اليقين فليست مركوزة.
هذا مضافا إلى أنّ استعمال نفس التركيب الذي أريد منه الاستصحاب في جواب السؤال الثالث في نفس الحوار يعزّز ـ بوحدة السياق ـ أن يكون المقصود واحدا في المقامين.
ثمّ إنّه يمكننا أن نستظهر الاستصحاب من هذه الفقرة وذلك لقرينتين :
القرينة الأولى : كون الاستصحاب مرتكزا عند العرف والعقلاء لثبوت البناء العقلائي على العمل بالاستصحاب ، والإمام في جوابه أفاد تطبيق مطلبا مرتكزا لدى العرف كما يدلّ عليه التعليل ، فإنّ التعليل المذكور يفيد أنّ ما ذكره الإمام مفهوم لدى العرف ومرتكز عندهم ، خصوصا مع ملاحظة التعبير بكلمة ( لا ينبغي ) الصريح بأنّ ما ذكره الإمام مركوزا في أذهان العرف والعقلاء.
والحاصل أنّ جواب الإمام ناظر إلى أمر عرفي ، والاستصحاب مركوز لدى العرف ، بخلاف قاعدة اليقين فإنها ليست مركوزة لدى العرف والعقلاء ؛ إذ لم يثبت قيام السيرة والبناء العقلائي على العمل بها.
فارتكازيّة الاستصحاب دون قاعدة اليقين ، وتعليل الإمام وتعبيره الظاهرين بكون ما أفاده أمرا مركوزا يعيّن الاستصحاب.
القرينة الثانية : أنّ التعبير الذي استخدمه الإمام في هذه الفقرة هو نفس التعبير الذي استخدمه في الفقرة الثالثة ، وحيث إنّنا في الفقرة الثالثة أثبتنا كون المراد هو الاستصحاب فيكون المراد هنا هو الاستصحاب أيضا ، والدالّ على ذلك هو وحدة السياق الظاهر في وحدة المعنى ، إذ من البعيد جدّا أن يستخدم الإمام في حوار واحد تعبيرين متطابقين تماما في معنيين مختلفين من دون الإشارة إلى ذلك ، خصوصا مع ملاحظة أنّ الإمام في مقام تفهيم زرارة علّة الحكم ، فلا بدّ والحال هذه أن يكون تعبيره واضحا ومفهوما لدى زرارة ، وبما أنّ زرارة قد فهم من هذا التعبير الاستصحاب