منزلة العلم بلحاظ الجري العملي فقط ، بخلاف الأصل العملي المحض فإنّ المجعول فيه المنجّزيّة والمعذّريّة فقط ، وبخلاف الأمارة فإنّها مجعولة بلحاظ الطريقيّة والكاشفيّة.
والآخر : للسيّد الخوئي حيث ذهب إلى أنّ المجعول في الاستصحاب هو الطريقيّة والكاشفيّة لا مجرّد الجري العملي.
فعلى القول الثاني لا يبقى فرق بين الاستصحاب وسائر الأمارات ، ولذلك ذهب السيّد الخوئي إلى أنّ الاستصحاب أمارة ، إلا أنّه يختلف عن سائر الأمارات في أنّ الشكّ أخذ في لسان دليله ، بينما لم يؤخذ في لسانها مع وحدة المجعول فيهما ، ولذلك تتقدّم سائر الأمارات عليه بالحكومة ، فإذا قامت الأمارة ارتفع الشكّ فيرتفع موضوع الاستصحاب.
وهذا الأصل المأخوذ فيه هذه العناية يسمّى بالأصل المحرز.
وهذه المحرزيّة قد يترتّب عليها بعض الفوائد في تقديم الأصل المحرز على غيره ، باعتباره علما وحاكما على دليل الأصل العملي البحت ، على ما يأتي في محلّه إن شاء الله تعالى.
والثمرة هي : أنّ الأصل المحرز يتقدّم على الأصل البحت وذلك على أساس الحكومة ، وتوضيحه : أنّ الاستصحاب لمّا كان المجعول فيه تنزيله منزلة العلم ، إمّا بلحاظ الجري العملي وإمّا بلحاظ الكاشفيّة كما تقدّم ، فإذا قام الاستصحاب في مورد فهو يحقّق العلم تعبّدا وتنزيلا ، وحينئذ يرتفع الشكّ فلا يجري الأصل العملي المحض ؛ لأنّ موضوعه وهو الشكّ ارتفع بتحقّق العلم (١).
وهناك معنى آخر للأصول العمليّة المحرزة ينسجم مع طريقتنا في التمييز بين الأمارات والأصول ، وهو أنّه كلّما لوحظ في جعل الحكم الظاهري ثبوتا أهمّيّة المحتمل فهو أصل عملي ، فإن لوحظ منضمّا إليه قوّة الاحتمال أيضا فهو أصل عملي محرز ، كما في قاعدة الفراغ وإلا فلا.
والمحرزيّة بهذا المعنى في قاعدة الفراغ لا تجعلها حجّة في مثبتاتها ، إلا أنّ
__________________
(١) وهذا النحو يسمّى بالحكومة الميرزائيّة ، وإلا فلا يوجد حكومة بالدقّة ؛ لأنّها من شئون عالم الألفاظ كما سيأتي ، والحال أنّ دليل الاستصحاب كغيره من أدلّة الأصول العمليّة قد أخذ في لسانه الشكّ وعدم العلم ، فلا فرق بينهما من هذه الجهة.