والآخر : أن ينزّل الأصل أو الاحتمال المقوّم له منزلة اليقين ، بأن تجعل الطريقيّة في مورد الأصل ، كما ادعي ذلك في الاستصحاب من قبل المحقّق النائيني (١) والسيّد الأستاذ (٢) على فرق بينهما ، حيث إنّ الأوّل اختار أنّ المجعول هو العلم بلحاظ مرحلة الجري العملي فقط ، والثاني اختار أنّ المجعول هو العلم بلحاظ الكاشفيّة ، فلم يبق على مسلك جعل الطريقيّة فرق بين الاستصحاب والأمارات في المجعول على رأي السيّد الأستاذ.
ويسمّى الأصل في حالة بذل هذه العناية بالأصل المحرز.
الوجه الثاني : أنّ هذه العناية هي تنزيل الأصل أو الاحتمال المقوّم له منزلة اليقين ، ومثاله المعروف الاستصحاب ، فإنّ الاستصحاب أصل مركّب من أركان أربعة : اليقين السابق ، والشكّ اللاحق ، ووحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوكة ، والأثر العملي ، وفيه أيضا احتمال كاشف وهو غلبة ما يوجد يبقى.
وحينئذ يقال : إنّ دليل التنزيل تارة ينزّل الأصل نفسه أي الاستصحاب بأركانه منزلة اليقين.
وأخرى ينزّل الاحتمال المقوّم لهذا الأصل والذي على أساسه كان كاشفا منزلة اليقين.
وفي كلا الموردين يكون التنزيل منزلة العلم بلحاظ الطريقيّة ؛ لأنّ للعلم أربع جهات ، هي :
١ ـ الصفتيّة ، وهي كونه نورا يبعث على الإذعان واستقرار النفس.
٢ ـ الكاشفيّة عن متعلّقه بحيث يكون منيرا وكاشفا عما انصبّ عليه.
٣ ـ الجري العملي أي الباعثيّة والمحرّكيّة فعلا أو تركا.
٤ ـ المنجّزيّة والمعذّريّة وهو معنى الحجّيّة.
والاستصحاب المنزّل منزلة العلم ـ إمّا في نفسه أو للاحتمال المقوّم له ـ يوجد فيه قولان :
أحدهما : للمحقّق النائيني حيث ذهب إلى أنّ المجعول في الاستصحاب هو تنزيله
__________________
(١) فوائد الأصول ٤ : ٤٨٦.
(٢) مصباح الأصول ٢ : ٣٨ ، و ٣ : ١٥٤.