ومن الواضح أنّ الجمع بين هاتين النسبتين في استعمال واحد غير معقول ؛ لأنّه يلزم منه استعمال اللفظ الواحد في معنيين متغايرين في آن واحد ، وهو غير ممكن ؛ لأنّ اللفظ عبارة عن آلة ومرآة للمعنى ، بحيث يفنى في المعنى ، فإن كان مرآة وفانيا في هذا المعنى فكيف يمكن إفناؤه مجدّدا أو كونه مرآة أخرى لمعنى آخر في آن واحد؟
وبهذا يظهر أنّ إرادة الجامع بين هذه المعاني يلزم منها محذور استعمال اللفظ في أكثر من معنى في آن واحد وهو غير معقول ، وعليه فلا بدّ أن يكون المراد من اسم الموصول أحد هذه المعاني ، وحيث إنّ المال هو مورد الآية فهو القدر المتيقّن وغيره مشكوك فيقتصر عليه ، فلا يتمّ حينئذ الاستدلال بالآية على البراءة.
الأوّل : ما ذكره المحقّق العراقي رحمهالله (١) من أخذ الجامع بين النسبتين.
ويرد عليه : أنّه إن أريد الجامع الحقيقي بينهما فهو مستحيل ؛ لما تقدّم في مبحث المعاني الحرفيّة (٢) من امتناع انتزاع الجامع الحقيقي بين النسب ، وإن أريد بذلك افتراض نسبة ثالثة مباينة للنسبتين إلا أنّها تلائم المفعول المطلق والمفعول به معا ، فلا معيّن لإرادتها من الكلام على تقدير تصوّر نسبة من هذا القبيل.
الجواب الأوّل عن هذا الاعتراض ما ذكره المحقّق العراقي ، من كون اسم الموصول مستعملا في الجامع بين النسبتين أي المفعول به والمفعول المطلق كعنوان المفعول مثلا ، فإنّه ينطبق على كلا النسبتين ، فتكون إرادة المال والفعل والتكليف باعتبارها مصاديق وتعيّنات لهذا الجامع ، وبالتالي لا يكون اللفظ مستعملا إلا في معنى واحد لا أكثر وهو الجامع.
إلا أنّ هذا الجواب غير تامّ ؛ وذلك لأنّ هذا الجامع المراد استعمال اسم الموصول فيه ما هو المقصود منه؟
فإن أريد الجامع الحقيقي المنتزع من الأنواع المتغايرة ولكن يوجد بينها حيثيّة مشتركة ذاتيّة كما هو الحال في انتزاع الإنسان والحيوان من زيد وعمرو أو هما مع
__________________
(١) مقالات الأصول ٢ : ١٥٣.
(٢) من مباحث تحديد دلالات الدليل الشرعي اللفظي من الجزء الأوّل من الحلقة الثالثة.