فإن قيل : إنّ العناوين في الذهن إنّما يعرض لها الأمر والنهي بما هي مرآة للخارج ، وهذا يعني استقرار الحكم في النهاية على الوجود الخارجي بتوسّط العنوان ، والوجود الخارجي واحد فلا يمكن أن يثبت أمر ونهي عليه ولو بتوسّط عنوانين.
كان الجواب على ذلك : أنّ ملاحظة العنوان في الذهن مرآة للخارج عند جعل الحكم عليه لا يعني أنّ الحكم يسري إلى الخارج حقيقة ، وإنّما يعني أنّ العنوان ملحوظ بما هو صلاة أو غصب لا بما هو صورة ذهنيّة.
إشكال وجوابه :
أمّا الإشكال فهو أنّ الأحكام وإن كانت معروضة أوّلا وبالذات على الصور الذهنيّة لا على الموضوع الخارجي ، إلا أنّها لا بدّ أن تكون معروضة عليها بما هي مرآة وحاكية عن الخارج ثانيا وبالعرض ؛ وذلك لأنّ الجاعل أو الحاكم لا يريد الصورة الذهنيّة والمفهوم بما هو كذلك ، وإلا لزم ألاّ يتحقّق الامتثال في الخارج ؛ إذ يكفي تصوّر ذاك المفهوم لتحقّق الامتثال وهذا واضح البطلان.
وعليه ، فالموضوع الخارجي أو الفرد هو المقصود النهائي من متعلّق الأحكام بالصور والعناوين ، وحينئذ فإن كان الموضوع والمعنون الخارجي واحدا فيلزم اجتماع الأمر والنهي على شيء واحد وهو مستحيل. وهذا الإشكال طرحه صاحب ( الكفاية ) وغيره.
والحاصل عندهم عدم كفاية تعدّد العنوان ، بل لا بدّ من تعدّد المعنون.
وجوابه : أنّنا نسلّم أنّ الأحكام إنّما تتعلّق بالصور الذهنيّة بوصفها مرآة وحاكية عن الخارج ، إلا أنّ المرآتيّة والحكاية ليست بمعنى تعلّق الأحكام بالأفراد والموضوع الخارجي بتوسّط العنوان والصورة ، وإنّما معنى ذلك أنّ الذهن يدرك الواقع ويراه من خلال هذه الصور والعناوين ؛ لأنّه لا يمكنه أن يتعلّق بالواقع الخارجي مباشرة ؛ لأنّ الحكم من شئون الذهن فلا يتعلّق إلا بما هو موجود في الذهن للزوم السنخيّة.
وهذا معناه أنّ الذهن يلاحظ مفهوم الصلاة بالحمل الأوّلي ، أي بما هي صورة ذهنيّة حاكية عن الخارج ، لا بالحمل الشائع بما هي صورة ذهنيّة قائمة في الذهن