ومقامنا من هذا القبيل ، فإنّ الأمر يثبت بمجرّد جعله وتشريعه فأخذ قصد امتثاله قيدا في المتعلّق لا يعني أنّ الوجوب يدعو ويحرّك نحوه ؛ لأنّه حاصل من نفسه مع الأمر ، وفائدته هي أنّ المطلوب هو إيجاد ذات المتعلّق ، وهذا ما يحرّك الوجوب نحوه مضافا إلى التقيّد بهذا القيد من دون أن يكون الوجوب داعيا إلى القيد.
هذه أهمّ براهين الاستحالة مع بعض التعليق عليها.
وبهذا ينتهي الحديث عن البراهين التي ادّعيت لإثبات الاستحالة مع بعض التعليق عليها (١).
إنّ الاختلاف بين القسمين إذا كان مردّه إلى عالم الحكم فبالإمكان ـ عند الشكّ في كون الواجب تعبّديّا أو توصّليّا ـ التمسّك بإطلاق دليل الواجب لنفي دخل قصد الامتثال في متعلّق الوجوب ، كما هو الحال في كلّ القيود المحتملة ، فتثبت التوصّليّة.
وأمّا إذا كان مردّه إلى عالم الملاك ـ بسبب استحالة أخذ القصد المذكور في متعلّق الأمر ـ فلا يمكن التمسّك بالإطلاق المذكور لإثبات التوصّليّة ؛ لأنّ التوصّليّة لا تثبت حينئذ إلا بإثبات عدم دخل قصد الامتثال في الملاك ، وهذا ما لا يمكن
__________________
(١) والصحيح عندنا أن يقال : إنّ أخذ قصد امتثال الأمر قيدا في متعلّق الأمر مستحيل ؛ للدور والتهافت وتوقّف الشيء على نفسه ، ومحذور التهافت اللحاظي ثابت بحقّ العالم والجاهل ، بمعنى أنّ الآمر العرفي الذي لا يراعي الدقّة العقليّة لا يمكنه أخذ قيد الامتثال في متعلّق أمره ؛ لأنّه سوف يقع في التهافت اللحاظي.
إلا أنّ السيّد الأستاذ ( دام ظله ) قد ذهب إلى أنّه لا محذور في أخذ قصد الامتثال قيدا في متعلّق الأمر ، ودفع كلّ البراهين التي أقيمت على ذلك ، وتبنّى هذه المقولة وهي :
أنّ الأمر لا يكون داعيا إلا إلى ذات الفعل ، ولكنّه بنفس هذه الداعويّة تترشّح منه داعويّة إلى سائر القيود والأجزاء والشروط المأخوذة في الفعل أي المتعلّق ، ولكن هذه الداعويّة الثانية الضمنيّة لا محرّكيّة لها بنحو استقلالي وزائد على أصل محرّكيّة الأمر النفسي ، وإنّما هي داعويّة ناشئة من أجل الحفاظ على الأمر النفسي ، وهذا المقدار من الأثر يكفي لدفع محذور اللغويّة ؛ لأنّه لا يشترط من الأمر أن يكون دائما محرّكا ، بل يكفي أن يكون ذا أثر وفائدة ، وهذا حاصل.