الوجه الثاني : أنّ تعدّد العنوان يكفي وإن كان المعنون واحدا.
ففي مثال الأمر بالصلاة والنهي عن الغصب ، حيث إنّ عنوان الصلاة مغاير ذاتا ومفهوما لعنوان الغصب ؛ وذلك لأنّ عنوان الصلاة عبارة عن تلك الأفعال من قراءة وركوع وسجود ... وإلى آخره ، بينما عنوان الغصب عبارة عن التصرّف في ملك الغير من دون إذنه أو رضاه ، فالمكلّف إذا صلّى في مكان مغصوب تكون صلاته صحيحة ومجزية وفي نفس الوقت يكون عاصيا ؛ لأنّ هذا الفعل حتّى وإن كان واحدا حقيقة ولكنّه ينطبق عليه عنوانان متغايران هما الصلاة والغصب.
والوجه في كفاية تغاير العنوان هو أنّ الأحكام تتعلّق بالعناوين والصور الذهنيّة لا بالوجود الخارجي ، فالأمر متعلّق بعنوان الصلاة بما يحمله من إيجاب وشوق ومحبوبيّة ومصلحة ، والنهي متعلّق بعنوان الغصب بما يحمله من تحريم ومفسدة ومبغوضيّة ، والمفروض أنّهما متغايران ولذلك لم تتّحد مبادئ الأمر والنهي على عنوان واحد.
وأمّا لما ذا كانت الأحكام متعلّقة بالصورة الذهنيّة لا بالوجود الخارجي؟
فهذا جوابه ما تقدّم سابقا في بحث القضايا الحقيقيّة والخارجيّة وهناك قلنا : إنّ الحاكم لا بدّ أن يصبّ حكمه على الصورة الذهنيّة لا على الموضوع الحقيقي الموجود في الخارج ؛ وذلك لأنّ الحكم أو الجعل عبارة عن أمر ذهني فلا يمكن أن يتعلّق إلا بما هو في الذهن وليس ذاك إلا الصورة الذهنيّة.
ولو قيل بتعلّقه بالموضوع لزم من ذلك عدّة محاذير :
منها : عدم ثبوت الحكم إلا بعد فرض تحقّق الموضوع في الخارج ؛ لأنّ الموضوع سابق على الحكم رتبة ، فإذا تحقّق الموضوع في الخارج كان الأمر به لغوا وتحصيلا للحاصل.
ومنها : يلزم انتفاء الحكم وعدم ثبوته فيما إذا لم يتحقّق موضوعه في الخارج ، ممّا يعني عدم تحقّق المعصية ؛ لأنّ المكلّف لم يخالف الحكم الثابت.
ومنها : كون الحكم داعيا إلى إيجاد متعلّقه وهو الموضوع الخارجي ، والمفروض أنّه متوقّف عليه توقّف الحكم على موضوعه فيلزم التقدّم والتأخّر أو التهافت.
وبهذا ظهر أنّ الأحكام متعلّقة بالعناوين والصور الذهنيّة ، فإذا كانت متغايرة فلا يلزم اجتماع الأمر والنهي على عنوان واحد حتّى وإن كان الموضوع الخارجي واحدا.