الاتجاه الثاني : إرجاع التخيير الشرعي إلى التخيير العقلي ، فيلتزم بأنّ الوجوب يتعلّق بالجامع دائما ، إمّا ببرهان استحالة الوجوبات المشروطة كما أشير إليه فيتعيّن هذا.
وإمّا ببرهان أنّ الوجوب التخييري له ملاك واحد والواحد لا يصدر إلا من واحد ، فلا بدّ من فرض جامع بين البدائل يكون هو علّة تحصيل ذلك الملاك.
التفسير الثاني : أن يقال : إنّ التخيير الشرعي يرجع إلى التخيير العقلي ، فهناك وجوب واحد متعلّق بالجامع بين البدائل ، وهذا الجامع إمّا أن يكون جامعا حقيقيّا وذلك فيما إذا أمكن أن يكون هناك جامع ذاتي بين البدائل فيكون مصبّ الحكم هو هذا الجامع الحقيقي ، وإمّا أن يكون جامعا انتزاعيّا وذلك فيما إذا لم يمكن أن يكون هناك جامع ذاتي بين البدائل بأن كانت متباينة فيما بينها فينتزع عنها عنوان ( أحدها ) ويصبّ الحكم عليه.
__________________
وأمّا الإشكال الثاني فيندفع بأنّ البدائل قد أخذت كلّها على أساس أن يكون وجود أحدها قبل الآخر مانعا من استيفاء الغرض والملاك من البقيّة ، ولكن في صورة الإتيان بالجميع معا يكون الملاك والغرض الواحد متحقّقا بالجميع لا بأحدها.
وتوضيحه : أنّه في صورة الطوليّة في الوجود يكون كلّ واحد منها علّة مستقلّة تامّة للملاك والغرض ، فإذا تحقّق أحدها حصل به الغرض والملاك فلا يكون الإتيان بالحصص الأخرى محقّقا لشيء من الملاك والغرض ، ولكن إذا حصلت كلّها معا فالملاك والغرض يتحقّق بالجميع فيكون كلّ واحد منها علّة ناقصة ، نظير اجتماع علّتين على معلول واحد فإنّ تأثيرها بنحو استقلالي ممنوع ، ولكن يقال بأنّ العلّة يكون المجموع منهما وهو ما يسمّى بالنقصان العرضي لا الذاتي ، ومن هنا يفصّل بين الوجود الطولي للحصص والوجود الدفعي المتقارن.
وأمّا الإشكال الأوّل فيندفع بأنّ الشرط المذكور هو شرط لوجود الملاك الفعلي وليس شرطا للاتّصاف بالوجوب ، فإذا قلنا بأنّ ترك الحصص الأخرى شرط للاتّصاف بالوجوب ، فمع الترك للجميع يكون الوجوب في كلّ منها فعليّا فيكون المكلّف قد ترك وجوبات فعليّة فيتعدّد العقاب ، إلا أنّنا نقول بأنّ الشرط المذكور شرط لوجوب الملاك الفعلي في الحصّة الأخرى ، ممّا يعني أنّه إذا فعل إحدى الحصّتين فسوف لن يتحقّق الملاك الفعلي في الأخرى فلا تفويت للملاك الفعلي وإنّما يرتفع بارتفاع موضوعه ، ولذلك فالمولى سوف يفوته الملاك على كلّ حال إذا فعل المكلّف إحدى الحصّتين ، وأمّا إذا تركهما معا لا يكون مفوّتا لملاكين بل لملاك فعلي واحد ؛ لأنّ الآخر ضروري التفويت ، ومن هنا كان هذا التفسير مقبولا ثبوتا.