أو يكون الملاك والغرض متعدّدين ففي كلّ واحدة من البدائل غرض مستقلّ ، ولكنّ هذه الأغراض متضادّة لا يمكن اجتماعها ولا يتمكّن المكلّف من تحصيلها جميعا ، بحيث إذا حصّل الغرض والملاك في أحدها فات الملاك والغرض من البدائل الأخرى ، فمن أجل ذلك جعل الشارع الوجوب مخيّرا بين البدائل ؛ إذ لو كانت غير متضادّة وكان يمكن تحصيلها كلّها لكانت كلّ واحدة واجبة بالوجوب التعييني لا التخييري.
وقد يلاحظ عليه بأنّ الوجوبات المشروطة تستلزم أمورا لا تناسب الوجوب التخييري كما تقدّم في الحلقة السابقة (١) ، من قبيل تعدّد العقاب بترك الجميع.
وأورد على هذا التفسير بأنّه يلزم من الوجوبات المشروطة بعض اللوازم التي لا يمكن الالتزام بها ؛ لكونها مخالفة لحقيقة التخيير ، وهي :
أوّلا : يلزم تعدّد العقاب فيما لو ترك الجميع ؛ وذلك لأنّ كلّ واحد من البدائل وجوبه مشروط بترك الحصص الأخرى ، وهذا الشرط متحقّق في الفرض ، فيكون قد ترك وجوبات فعليّة متعدّدة ومعه يلزم تعدّد العقاب ، وهذا لا يمكن الالتزام به ، بل هو مخالف لحقيقة الوجوب التخييري الذي يستبطن مئونة أخفّ وأقلّ من الوجوب التعييني ، فكيف يكون أشدّ منه؟!
وثانيا : يلزم منه عدم تحقّق الامتثال فيما لو جاء بالبدائل كلّها ؛ لأنّه لن يكون الشرط متحقّقا في شيء منها ؛ لأنّ الشرط هو ترك الحصص الأخرى ، وهذا لم يتحقّق على هذا الفرض ؛ لأنّه جاء بالجميع ، ولذلك لا يكون شيء من الوجوب فعليّا ، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به أيضا ؛ لوضوح أنّ الامتثال بالإتيان بأكثر من حصّة يكون أشدّ وآكد منه فيما لو أتى بحصّة واحدة.
وثالثا : أنّ جعل الوجوب التخييري عبارة عن الوجوبات المتعدّدة المشروطة خلاف حقيقة الوجوب التخييري وخلاف الظاهر من أدلّة هذا الوجوب ، حيث لا يوجد إلا وجوب واحد متعلّق بالجميع لا وجوب متعدّد بتعدّد الحصص (٢).
__________________
(١) في بحث الدليل العقلي ، تحت عنوان : التخيير الشرعي في الواجب.
(٢) إلا أنّه يمكن دفع هذه الإشكالات الثلاثة بأن يقال :
أمّا الإشكال الأخير فهو إشكال إثباتي وهو ليس محلّ الكلام ؛ لأنّ الكلام في عالم الثبوت وكيفيّة لحاظ المولى عند جعله الوجوب.